قصة لورنس العرب

قصة لورنس العرب
قصة لورنس العرب

جدول المحتوي

أخرجت السينما الأمريكية حكاية رجل من الظل اسمه لورنس العرب، فخلدت اسمه في كل العالم كبطل من نوع خاص، رجل أوروبي أتقن لغة العرب بطلاقة، وناصر أكبر قضية للعرب في عصره، وحارب معهم جنبا إلى جنب.

ولكن المستور لم يلبث أن انكشف، أين تكمن الحقيقة؟ وهل كان هذا الرجل بطلا حقا؟ أم أنه خائن؟

ما هو وادي رم أو وادي القمر؟

السلام والاحترام أصدقاء الكرام. طبتم وطابت أوقاتكم، ومرحبا بكم في هذه الدردشة، مقالتنا اليوم ستذهب بنا إلى أرض الأردن، الأرض التي شهدت الكثير من الحقب التاريخية وعاصرت العديد من الحضارات،

اليوم سنتحدث عن أحد أشهر المناطق السياحية التي لا بد أن تقصدها عند زيارتك للأردن النشامة وادي رام، الواد الذي بين كثبانها الرملية، يقبع تاريخ المنطقة مخبئا الكثير من القصص والحكايا.

فمن أعمدة الحكمة السبعة إلى الصخور المنقوشة لأبطال من زمن مضى، تحكي الحكاية وتروي والروايات، ولشخصيتنا اليوم، حصة الأسد منها، لن أطيل الحديث أكثر، فالعبرة فيما سيأتي.

وادي رم أو وادي القمر، كما هو شائع محليا وادي تجذبك عند وصولك إليه تضاريسه الفريدة من نوعها، والتي ستذكرك فورا بما تشاهده من وثائقيات حول القمر وتضاريسه. من هنا أتت التسمية وادي القمر.

تبدأ رحلتك بين كثبانها الرملية وجباله المنحوتة، وتتجول في نقاط الكثيرة، كل نقطة تحمل قصة، بعضها حقيقي، وبعضها الآخر ليس إلا نتاج لمخيلة سكان المنطقة، إلا أنها تطفي رونقا خاصا على جمالية هذا المكان وسحره.

تصل في مسيرك إلى جبل أعمدة الحكمة السبعة، هذا جبل المتميز بسبعة أعمدة تظهر للرائي كأنها تنبت من وسط رمال الصحراء الحمراء لتعانق السماء في حديث سري حول الأرض وأهلها.

هو معروف منذ القدم باسم جبل المزمار، أو جبل الطاعون الا أنا تسميته الحديثة اكتسبها عبر حدث معين، أو بالأصح من شخص معين، شخص أو مجموعة من الأشخاص ستسمع الكثير من قصصهم وأنت تواصل طريقك عبر الوادي لتصل إلى صيق أم الطواقي.

وهناك، ستقف مشدوها أمام منحوت في الجبال، بعضها يعود بالزمن إلى الأنباط و مملكتهم، وبعضه الوجوه خيرت تاريخ المنطقة العربية الا أنا نقشا واحدا بالتحديد، ستستغرب وجوده في هذا الموقع. لماذا؟

ببساطة لأن صاحب النقش. ليس من أهل المنطقة بل ليس عربيا من الأساس، والحديث هنا عن توماس إدوارد لورنس، المعروف تاريخيا بي لورنس العرب، فلماذا هذا النقش؟ ولماذا هنا؟

الجواب ستعرفونه حتما، بعد أن أسرد عليكم قصة هذا الرجل الذي تحول إلى مصدر إلهام للعديد من الكتاب وصناع الأفلام على مر العصور.

ما هو وادي رم أو وادي القمر؟

قصة لورنس العرب

تبدأ قصة لورنس العرب في 16 من أغسطس من العام 1888، عندما ولد توماس إدوارد لورنس نتيجة علاقة غير شرعية بين والده توماس تشابمن وأمه سارة لورنس.

كبر هذا الولد والتحق بجامعة أوكسفورد لإشباع شغفه في الآثار وعلمها، وهناك ازداد شغفه بالآثار العربية والتاريخ العربي، الأمر الذي لفت انتباه أستاذه الجامعي ديفيد هوغارث هذا الأستاذ رأى في تلميذه شيئا ما،

ولا ليس بخصوص علم الآثار، بل على النقيض تماما، تحديدا على الصعيد العسكري الاستخباراتي.

فهذا الرجل كان عمله كأستاذ جامعي غطاء لكونه جاسوسا مرموقا في جهاز مخابرات الملك البريطاني، وبالفعل نفذ التلميذ النجيب وصايا أستاذه وانخرط بطبيعة الحال في الجهاز الاستخباراتي، وخصوصا مع بدء إتقانه اللغة العربية.

عام 1909 شهد أول رحلة للورنس إلى الشرق الأوسط، والهدف مسح القلاع الصليبية في سوريا وفلسطين من أجل أطروحته الدراسية.

الموضوع لم يكن هينا أنذاك، فقد قطع لورنس حوالي 1600 كم سيرا على الأقدام مسافة مليئة بالمخاطر من ضرب وسلب ونهب كانت كفيلة بأن تجعل هذا الأجنبي يرفض القدوم مجددا إلى هذه الأرض.

إلا أن الأمر كان معاكسا تماما، فالرجل عاد بعد تخرجه إلى سوريا مرة أخرى في بعثة استكشافية برعاية المتحف البريطاني، ومن هناك بدأ اهتمامه المطلق بالسياسة المحلية، إضافة إلى تقربه من العرب ولغتهم، الأمر الذي أكسبه احترام أهل المنطقة ومحبتهم.

مع حلول صيف عام 1914، كانت الحرب العالمية الأولى قد اندلعت، والدولة العثمانية التي كانت أصلا تعاني الضعف والانكسار، انضمت إلى الحرب لمساندة ألمانيا في وجه الحلفاء.

وطبعا العين الآن على أراضي الدولة العثمانية والخيرات التي يزخر بها سطحها، والكنوز المختبئة في باطنها، وخصوصا بعدما بات واضحا أن السلطات العثمانية على شفير التفكك والانهيار.

وهنا بالتحديد بدأت مهمته لورنس الاستخباراتية، تم إرسال إدوارد في بعثة استكشافية إلى صحراء النقب وشبه جزيرة سيناء، هذا في الظاهر، أما في الباطن فقد كانت المهمة عبارة عن مسح عسكري سري للمنطقة التي يسيطر عليها العثمانيون.

ومن هناك بدأ لورنس يتفطن إلى أن سبيل العرب لنيل حريتهم واستقلالهم عن السلطنة العثمانية يكمن في توحيد صفوفهم تحت راية واحدة وهي راية الأسرة الهاشمية العريقة أنذاك.

قصة لورنس العرب

فشرع في العمل الحثيث، وكانت البداية بتقربه من الشريف حسين، والبدء في تحسين مخططات الثورة العربية، مضيفا إليها خبرته العسكرية ابتداء من العام 1916.

في عام 1917 بدأ زحف جيش الثورة العربية بقيادة فيصل البدوي يرافقه بالزي البدوي الكامل لورنس العرب، فكانت، وبتوجيه من لورنس، وإرشاده الغارات الخاطفة والعمليات التخريبية على المواقع العثمانية.

وبكثير من الجهد العربي مع القليل من المساندة البحرية الإنجليزية وقعت العقبة في أيد الثوار العرب الذين قاموا بعدها بتفخيخ مسارات السكك الحديدية التي كانت تسلكه القطارات العثمانية بإرشاد وتنفيذ لورنس العرب.

الذي عرف بلقب الأمير ديناميت، نتيجة هذه الأفعال.

في أكتوبر من نفس العام ذهب لورنس ترافقه مجموعة من الثوار إلى خلف الخطوط العثمانية في عملية استطلاعية وهجومية في آن معا.

هناك، وفي ظلام احدى الليالي خرجت المجموعة، ورغم لباس لورنس البدوي إلى أن مظهره لم يخدع الدوريات العثمانية التي تفطنت إحداها إلى بشرته البيضاء فقام أفرادها بإلقاء القبض علي معتقدين أنه فار من شمال تركيا.

لتبدأ عندها عمليات التعذيب والضرب، فهم الرجل أن الدوري لم تتعرف على هويته الحقيقية، خصوصا أنه كان من المطلوبين للسلطنة، لذلك وبغرض إخفاء هويته لم ينطق لورنس بأي كلمة إنجليزية وتحمل الضرب والتعذيب، حتى يأس الجنود من أمره، فتركوه ملقا على الأرض ينزف.

لكن ما كان منه إلا أن تحامل على آلامه، واستجمع قواه وهرب، قفلت لورنس من قبضة العثمانيين، فتابع بعدها نصرته للثورة العربية لتزداد وتيرة العمليات ضد جنود السلطنة ومواقعها.

حتى كان 1 من أكتوبر من العام 1918 تاريخ توجه جيش الأمير فيصل مع لورنس العرب إلى دمشق وتحريرها من الهيمنة العثمانية.

في ال30 من الشهر نفسه، اعترفت السلطنة العثمانية بهزيمتها، وبدأ العرب بتشييد أحلام الدولة العربية المتحدة إلى أن أحلامهم تحطمت على صخرة الواقع، فالمنطقة كانت قد قسمت بالفعل حسب اتفاقية سايكس بيكو الشهيرة.

وما تكشف لاحقا كان مخيبا للآمال العرب وقادتهم، فهم تخلص من الهيمنة العثمانية ليقعوا تحت سطوة الهيمنة البريطانية والفرنسية.

إلا أن الخيبة الأكبر أتت فيما بعد، وبطلها كان إدوارد لورنس نفسه، الرجل الذي وثق فيه العرب وجعلوه قائدا لعملياتهم هل لكم ان تتخيلوا صدمة العرب لدى اكتشافهم حقيقة أن لورنس، القائد الأجنبي الذي نصرهم، وكان أحد الأسباب الرئيسية لتخلصه من العثمانيين، كان على علم باتفاق التقسيم، ولم يبلغهم.

الرجل نفسه يذكر في مذكراته أنه كان على علم بهذا المخطط، ولكنه كان مشتتا بين ولائه لبلده وولائه لإخوانه الجدد.

فقام بكل ما في وسعه لنصرة العرب في حربهم كي تكون لديهم ورقة تفاوض قوية بعد انتهاء الحرب.

كتب لورنس معظم مذكراته في ظل الجبل أعمدة الحكمة السبعة، الجبل الذي تغير تسميته بعد صدور الكتاب الذي يحمل نفس هذا الاسم عام 1922.

فكان لورنس سبب التسمية الجديدة لجبل المزمار نتيجة لخيبة الأمل هذه واتهام الأمير فيصل لرفيق الكفاح بالخيانة.

قصة لورنس العرب

وفاة لورنس العرب

أصيب لورنس بالاكتئاب وعاد إلى بلده مخفيا هويته ورافض لأوسمة الشرف بسبب إحساسه العميق بالذنب، وكما كانت حياته حافلة بالمغامرات والغموض، كان موته لا يقل غموضا،

فقد انتهت حياته في 19 من مايو عام 35 نتيجة حادثة دراجة نارية، يقول بعض الدارسين أنها كانت مدبرة للتخلص منه.

هكذا وببساطة، غادرا لورنس العرب دنيانا هذه، تاركا خلفه أسرارا و أسئلة كثيره ما تزال معلقة إلى يومنا هذا.

تاريخ وقصة مازالت الأجيال تتناقلها إلى هذا اليوم، معترفة بعض الشيء بفضله وأثره العميق في تغيير صورة العالم العربي، وهو ما حدا بسكان المنطقة إلى حفر وجها لورنس العرب على إحدى صخور صيق أم الطواقي، كاعتراف بفض هو جهوده التي بذلها في سبيل قضية لم تكن من الأساس قضيته.

وفاة لورنس العرب

اليوم، وبعد أكثر من قرن على أحداث الثورة العربية الكبرى، والدور الذي لعبه لورنس فيها، ما زال الجدل حول اسم إدوارد لورنس قائما.

فبينما يعتبره البعض بطلا. وملك العرب غير المتوج، يرى فيه البعض الآخر مجرد جاسوس، وعميل استخبارات، تم دسه بين العرب، خدمة للمصالح الاستعمارية لبلاده، ومخادعا خان أصدقائه العرب لصالح أبناء جلدته الأوروبيين في اتفاقية سايكس بيكو.

ولعل هذا الحسم جاء على لسان لورنس نفسه الذي قال وفي النهاية، كان لا بد من أن أنضم إلى المؤامرة، وأن أطمئن الرجال العرب، فالأفضل لنا أن نفوذ بدلا من أن نخسر، حتى وإن نكثنا بوعدنا.

إذا هذه الكلمات المقتضبة لخصت فلسفة لورنس العرب ودوره الحقيقي في العالم العربي، وقد قالها في كتابه أعمدة الحكمة السبعة، والتي وضع فيه خلاصة تجربته السياسية في إدارة أنظمة دول الشرق الأوسط، ودوره شخصيا في قيام الثورة العربية الكبرى، وبالتالي دوره في التاريخ الحديث للجزيرة العربية.

إلى هنا أصدقاء، تنتهي رحلتنا في وادي رم المذهل الذي تخرج منه، وأنت منغمس في التفكير بما سمعته حول التاريخ المرتبط بهذا الوادي وجباله.

واد نشهد إعادة كتابة تاريخ المنطقة العربية، وكان ملجأ للثوار العرب، وحاميا لهم على حد سواء الوادي.

الذي تربى على ترابه رواد التاريخ العربي الحديث، وعلى رأسهم لورنس العرب، صاحب الدور البارز في إعادة هيكلة المنطقة العربية، وربما خيانتها، والرجل الذي تعلم من العرب أكثر مما علمهم.

البعض ما زال يعتبره من أعلام النضال العربي في تلك الفترة والبعض الآخر يرى فيه جاسوسا وخائنا، ولو بسكوته، على الأقل، إلى أن الثابت أمر واحد لورانس العرب، كان موجودا، وإرثه ما زال قائما حاضرا يدرس في أرقى جامعات العالم.

العديد من الدروس يمكن أن تستنبط من حياة هذا الرجل، وما ورد في كتابه الشهير، إلا أن أبرزها على الإطلاق درس واحد، العرب لو أرادوا شيئا سيحصلون عليه والقوة تكمن في اتحادهم فقط لا غير.

لكن للأسف ربما نحتاج الدوما إلى أياد خارجية لتقنعنا بذلك في ظل الواقع المختلف تماما فسياسة فرق تسد، التي كانت متبعة منذ العصور الغابرة، مازالت فعاليتها قائمة بل وتزداد مع تقدم السنين، وهو بالضبط ما يحصل بين بلداننا العربي اليوم، بل حتى بين مجتمعات البلد الواحد.

نظرة واحدة إلى الماضي، وقراءة متمعنة في تاريخنا المجيد، كفيلة بأن تضع الحلول لمصائبنا كافة بين أيدينا. فهل من يتعظ؟

لنبقى نحن وأنتم يا أصدقائي، مفتحين الأعين على كل ما يحاق لمنطقتنا في دهاليز السياسة العالمية قدر الإمكان، لندرك فعلا كل ما يدور حولنا من مؤامرات ومكائد واضحة لمن أراد أن يترك التعصب طبعا وينظر.

وإلى أن نلتقي في دردشة جديدة، ابقى وأصدقائي في أمان والسلام..

ولمعرفة المزيد حول شخصيات تاريخية يمكنك الاطلاع عليها من هنا

Facebook
X
Telegram
LinkedIn
Tumblr
Reddit
Scroll to Top