“من هارون الرشيد أمير المؤمنين إلى نقفور كلب الروم، قد قرأت كتابك يا ابن الكافرة، والجواب نما تراه ما لا ما تسمعه” إنها واحدة من أشهر الرسائل التي خلدها التاريخ، تلك التي بعث بها الخليفة العباسي هارون الرشيد إلى ملك الروم نقفور ردا على رسالة هذا الأخير
ليعرف نقفور الأول منذ ذلك الوقت بنقفور كلب الروم، فمن هو نقفور هذا؟ وما سر الصراع بينه وبين العباسيين؟ وكيف تحول رأسه إلى كأس؟ تابعونا للنهاية لمعرفة كل تلك المعلومات.
الصراع بين الدولة العباسية والامبراطورية البيزنطية
قبل أن نحدثكم عن نقفور ملك الروم أو كلب الروم كما نعرفه يجدر بناء، نرجع قليلا إلى الوراء لنتعرف على سبب الصراع بينه وبين الخليفة العباسي هارون الرشيد،
فقد بدأ الصراع بين الدولة العباسية والإمبراطورية البيزنطية مبكرا جدا، وتحديدا منذ نشأة الدولة العباسية، عندما استغل البيزنطيون، الأزمات الداخلية التي عانى منها العباسيون في بداية حكمهم وأخذوا يغيرون على مدنهم الممتدة من أعالي الفرات شرقا حتى البحر الأبيض المتوسط، ودمروا حصونهم.
الأمر الذي دفع العباسيين للرد عليهم، فقادوا حملات أغار فيها على حصون البيزنطيين في آسيا الصغرى أو هضبة الأناضول حتى عقدت معاهدة بين الطرفين عام 782 للميلاد في عهد الإمبراطورة إيريني الوثنية.
كانت الإمبراطورة إيريني الوثنية هي الواصية على عرش ابنها قسطنطين السادس الذي كان في التاسعة من عمره بعد موت زوجها الإمبراطور ليو الرابع منذ عام 780 للميلاد.
وقد انفردت بحكم الإمبراطورية البيزنطية في الفترة ما بين عامي 797 للميلاد وعام 802 للميلاد كأول امرأة تحكم الإمبراطورية البيزنطية.
قبل أن تنفرد إيريني بحكم الإمبراطورية البيزنطية، كانت الدولة العباسية تحت حكم الخليفة العباسي الثالث محمد المهدي الذي عهد إلى إبنه هارون الرشيد بغزو مدينة القسطنطينية عاصمة الدولة البيزنطية.
فطلبت إيريني الهدنة والمصالحة وافتدت مملكتها ب70,000 دينار، تبعث الي خزانة الخليفة في بغداد كل عام.
ساعة إيريني إلى التحالف والزواج من شارلمان ملك الفرنجة، وإمبراطور الروماني في الغرب، وهي خطوة غير مألوفة بالنسبة لتقاليد الإمبراطورية البيزنطية، الأمر الذي أدى إلى عزلها عن الحكم ونفيها خارج حدود الإمبراطورية في أكتوبر عام 802 للميلاد.
واختير نقفور الذي كان وزير المالية في عهد إيريني إمبراطورا جديدة للإمبراطورية ال بيزنطية.
تولي الامبراطور نقفور الأول كلب الروم حكم الإمبراطورية البيزنطية
منذ أن اعتلي الامبراطور نقفور الأول كلب الروم سعي نقفور إلى إصلاح الاقتصاد الذي تدهور إبان حكم إيريني، فقد كانت هذه الأخيرة تمنع الكثير من الامتيازات الضريبية للمقربين منها، إلى جانب ضعف الكفاءة في جمع الضرائب.
لذلك لما تولى نقفور السلطة كانت خزائن الدولة شبه خاوية، إلا أن الاقتصاد تعافى بعد فترة قصيرة من تولي نقفور، ولا عجب فقد كان نقفور وزيرا للمالية بالأساس، وقد أعاد نقفور تقييم القوائم الضريبية وفرض ضرائب جديدة على الأراضي،
وفرض ضريبة تسمى الموقد على جميع الفلا حين المستأجرين الذين يعملون على الأراضي المملوكة للكنائس والأديرة، وألزم كل القرى بتمويل الأسلحة والعتاد العسكري لأفراد المجتمع غير القادرين على تحمل تلك التكاليف بأنفسهم.
كما منع نقفور القروض الخاصة بين التجار، لتكون الدولة وسيلة الإقراض الوحيدة للتجار وأصحاب السفن، بفائدة بلغت 17%؟ وهي فائدة كبيرة، إذا كانت الفائدة في العادة أقل من 6%، كما فرض نقفور ضرائب على الميراث.
حققت الإصلاحات الاقتصادية التي تضمنت فرض الضرائب هدفها، وأصبحت الحالة الاقتصادية والمالية للدولة أكثر استقرارا في عهد نقفور عن كل من سبقوه.
وقد استطاع نقفور الإنفاق على الجيش والبحرية وتوسيع هما، وتحسين تحصينات القسطنطينية، وتحسنت الدفاعات العسكرية في اليونان، وأنشأت مقاطعات جديدة في منطقة البلقان شملت تراقيا وكيفالونيا وسالونيك ومقدونيا ويدرها خيوم.
غير أن تلك الضرائب أنهكت كاهل الفلاحين والتجار، وحتى الكنيسة نفسها وقعت تحت وطأة تلك الضرائب.
الصراع بين نقفور كلب الروم والخيفة العباسي هارون الرشيد
من بين الأمور التي يسعى إليها نقفور بمجرد توليه السلطة هو نقض عهده مع المسلمين، فأرسل إلى الخليفة هارون الرشيد رسالة يقول فيها ”
“من نقفور ملك الروم إلى هارون ملك العرب، أما بعد، فإن الملكة التي كانت قبلي إقامتك مقام الرخ، وأقامت نفسها مكان البيدق، فحملت إليك من أموالها ما كنت حقيقا بحمل أضعافها إليها، لكن ذلك ضعف النساء وحمقهن،
فإن قرأت كتابي هذا فاردد ما حصل لك من أموالها، وافتد نفسك بما تقع بها المصادرة لك، وإلا فالسيف بيننا وبينك.”
فلما قرأ هارون الرشيد هذه الرسالة استبد به الغضب، حتى إن جلساءه تفرقوا عنها، فدعا هارون بدواة، وكتب على ظهر الكتاب، “بسم الله الرحمن الرحيم، من هارون أمير المؤمنين إلى نقفور، كلب الروم، قد قرأت كتابك يا ابن الكافرة، والجواب ما تراه، لا ما تسمعه.”
وخرج هارون بنفسه على رأس جيش قوامه 135,000 مقاتل في عام 187 للهجرة 803 للميلاد، حتى وصل هرقلة، وهي مدينة بالقرب من القسطنطينية، وهناك دارت معركة إنهزم فيها نقفور شر هزيمة، واضطر إلى الصلح و الموادعة وحمل مال الجزية إلى الخليفة كما كانت تفعل إيريني من قبل.
ولكنه نقض المعاهدة بعد عودة الرشيد فعاد الرشيد إلى قتاله في عام 188 للهجرة، 804 للميلاد، وهزمه هزيمة منكرة، وقتل من جيشه 40 ألفا وجرح نقفور كلب الروم في تلك المعركة،
وأجدره الرشيد على دفع 30,000 عملة نقدية من الذهب من سنويا، وحرر كل الأسرى المسلمين الذين وقعو في أيدي البيزنطيين.
وما إن إنتهت الحروب بينهما بنصر الرشيد، حتى أرسل نقفور إلى هارون الرشيد يرجوه رد أسيرة كان قد خطبها لابنه، فأرسلها الرشيد في الزينة والطيب ومعها أنواع من التحاف، فرد نقفور بهدية نفيسة من أموال وثياب وطيور وحيوانات.
وانتهى الصراع بين نقفور وهارون الرشيد بالصلح، وأن يدفع نقفور الجزية، كما تعهد بعدم ترميم الحصون التي دمرها الرشيد.
قتل نقفور وتحويل رأسه الي كأس يشرب منها كروم قائد البلغار
على جانب سياسة الخارجية للإمبراطور نقفور، فقد خاض نقفور حروبا انتصر فيها على السلاف وضم إقليم سرديكا في بلغاريا فيما سويت المناوشات بينه وبين الملك شارلمان بمعاهدة صلح في عام 807 للميلاد.
وفي العام التالي أي عام 808 للميلاد خاض نقفور حربا ضد البلغار، وكان السبب وراء تلك الحرب أن البلغار قد توحدوا تحت قيادة كروم خان عامة 802 للميلاد، وأصبحوا مصدر إزعاج لنقفور،
لكن كروم تمكن من هزيمة الجيش البيزنطي هزيمة منكرة، بل واستولى على صندوق الكنز الخاص بالجيش والذي حوي 80,000 عملة ذهبية.
لم تمر تلك الهزيمة مرور الكرام بالنسبة لنقفور، فقد سعى إلى الانتقام من كروم فجمع قوة كبيرة، وزحف باتجاه العاصمة البلغارية في عام 810 للميلاد ليدمرها.
وفي عام 811 للميلاد دخل العاصمة وارتكب مذبحة مروعة قتلة فيها الرجال والنساء والأطفال بلا رحمة،
لكن ما لبث أن تمكن البلغار من نصب كمين لنقفور وجيشه، حيث سدوا مداخل ومخارج ممر جبلي ضيق كان يخيم فيه البيزنطيون وأغلقوه بالحواجز الخشبية، ومن ثم انقضوا عليهم،
وقتلوا أغلب القادة البيزنطيين من بينهم نقفور الذي قطعت رأسه وأرسلت إلى قائد البلغار كروم. الذي حولها إلى كأس شراب، اعتاد أن يشرب فيه، هو وحلفائه نخب انتصاراتهم، بل ويقال إن كروم كان يجبر السفراء المبعوثين من القسطنطينية على شرب من راس نقفور
نأمل بأن يكون المحتوى قد نال إعجابكم، ابقوا في امان الله والسلام.