الدولة البويهية الشيعية

الدولة البويهية هي الدولة التي هيمنت على الخلافة العباسية أكثر من قرن من الزمان، دولة شيعية استغلت الضعف الذي عرف طريقه إلى دولة الخلافة الإسلامية لتسيطر على البلاد وتتسلط على الخلفاء العباسيين،

حتى جاء السلاجقة ليسقطوا تلك الدولة وينقذ الدولة العباسية من براثنها، ويعيد للأمة أمجادها إنها الدولة البويهية، تابعون للنهاية، لنعرفكم على تلك الحقبة الهامة من التاريخ الإسلامي.

أحوال الدولة العباسية قبل إقامة الدولة البويهية

قبل أن نحدثكم عن الدولة البويهية، يجدر بنا أن نتوقف قليلا عند الظروف التي أحاطت بالخلافة العباسية قبل نشأة تلك الدولة، فقد مضى العصر العباسي الأول، ولا تزال للمسلمين دولة واحدة، وجميعهم يتبعون خليفة واحد، باستثناء بعض البلاد التي لم تستطيع الدولة العباسية السيطرة عليها.

وقد شهد هذا العصر نهضة هائلة شملت كل المجالات، كما نشطت فيه حركة الجهاد الإسلامي.

أما العصر العباسي الثاني فكان على النقيض تماما، إذ ازداد نفوذ العسكر الأتراك في البلاط العباسي على نحو مخيف، حتى إنهم تحكموا في تولية الخلفاء وقتلوا بعضهم، فضعف أمر الخلافة هو ضعفت معها الدولة الإسلامية.

وبدأت تظهر حركات الانفصال التي استأثرت بحكم جزء من الدولة، وفي هذه الظروف العصيبة كان هناك من يتربص ويراقب تلك الأوضاع استعدادا للاستيلاء على الخلافة العباسية وفصل رأس الأمة عن جسدها أنهم البويهيون.

نشأة الدولة البويهية الشيعية

ينتصب البويهيون إلى أبي شجاع بويه وهو رجل فارسي كان يعمل حطابا أو صيادا كما تذكر بعض المصادر وله ثلاثة أبناءهم علي والحسن وأحمد، وقد سكن بويه وأبنائه بلاد الديلم قبل أن يخرجوا مع من خرج من دعاة العلويين لثورة على العباسيين.

ثم ألتحقوا بمرداويج بن زياري مؤسس الدولة الزيانية في طبرستان حيث عين الإخوة الثلاثة على اقطاعات مختلفة من المنطقة وكان علو شأن بني بويه على يد الأخ الأكبر علي الذي ولاه مرداويج بلاد الكرج وكان على هذا تراوده نزعات تتعدى الاستقلالية إلى التوسع على حساب جيرانه،

بالإضافة إلى الطموح السياسي الذي تحقق له سريعا، فقد استطاع بناء الجيش قوي استولى به على معظم بلاد فارس خلال فترة قصيرة، واتخذ مدينة شيراز قاعدة لحكمه وذلك بعد أن انقلب بنو بويه على مرداويج،

وبعد مقتل مرداويج سيطر البويهيون على أصفهان والري وهمذان والكرج وقرمان والأهواز ولم تقف الخلافة العباسية مكتوفة الأيدي إزاء هذه التطورات الخطيرة.

فقد حاولت السعادة الأهواز ولكنها لم تستطع، في الوقت الذي راح فيه البويهيون يراقبون الأحداث في عاصمة الخلافة العباسية، حتى تسنح لهم الفرصة للاستيلاء عليها.

كانت العراق تعم بالاضطرابات والفوضى، فطمع البويهيون في الاستيلاء على بغداد عاصمة الخلافة العباسية، فأرسل علي أخاه أحمد للسيطرة على العراق ولكنه لم يفلح في تحقيق هدفه.

وبعد فترة وجيزة كاتب بعد القادة في بغداد أحمد بن بويه وطلبوا منه المسيرة للاستيلاء على بغداد، فاستجاب أحمد لهذا الطلب ودخل بغداد بعد معركة حامية الوطيس مع الأتراك عام 334 للهجرة.

واستقبله الخليفة المستكفي بالله واحتفى به وعينه أميرا للأمراء وعهد إليه بتدبير أمور الدولة

ولقبه ب معز الدولة، ولقب أخاه علي بعماد الدولة كما لقب أخاه حسن بركن الدولة، وهكذا تأسست الدولة البويهية في فارسة والعراق والأهواز وقرمان والراي وهمذان وأصفهان والتي استمرت حتى عام 447 للهجرة.

علاقة البويهيون بالدولة العباسية

رغم ما فعله الخليفة المستكفي بالله مع البويهيين إلا أن ذلك لم يشفع له، فقد عمل البويهيون على القضاء على ما تبقى من هيبة الخلافة، وجعلوها منصبا شكليا بلا أي صلاحيات مطلقا، وسيطر البويهيون على مقاليد الأمور، وتصرفوا بشكل مطلق،

حتى إنهم حجروا على الخليفة المستكفي بالله، ومنعوه من التصرف في أمواله واكتفوا بمنحه راتبا شهريا، ولم يعد له حق تعيين وزير أو كاتب، بل صار البويهيون هم من يعينون الوزراء، وصارت المعاهدات والاتفاقات تعقد بغير علم الخليفة أو توقيعه في معظم الأحيان.

ليس هذا فحسب، بل تعمد البويهيون إهانة الخليفة المستكفي بالله قبل أن يقوموا بخلعه واعتقاله وإيداعه السجن حتى توفي فيه عام 338 للهجرة.

وهكذا، ولأول مرة في تاريخ الدولة الإسلامية، يصبح الخلفاء لعبة في يد البويهيين فيعزلون الخلفاء، ويولون غيرهم دون أن يكون للخلفاء من الأمر شيء، ويفعل البويهيون باسمهم كل شيء، ويخطب لهم على كل منبر، وتعلن باسمهم الحروب التي لا ناقة لهم فيها ولا جمل.

وقد عرف العصر الذي سيطر فيه البويهيون على الخلافة العباسية بالعصر العباسي الثالث.

لكن البويهيين لم يكتفوا بكل ذلك، بل إن أحمد بن بويه فكر في إنهاء الخلافة العباسية تماما، وشاور أصحابه في مبايعة الخلافة الفاطمية الشيعية، غير أن البعض حذره من مغبة تلك الخطوة، لأن مثل هذا التغيير كان سيعرض العالم الإسلامي لهزات عنيفة، بالإضافة إلى زعزعة الحكم البويهي،

فتراجع أحمد بن بويه عن تلك الفكرة، وإن ارتبط حكام البويهيين بالدولة الفاطمية بأواصر الصداقة والتعاون.

كيف تسببت الدولة البويهية في ضعف الامة الإسلامية؟

تغيير كبير حدث في عاصمة الخلافة العباسية في فترة حكم البويهيين فقد كان أهل بغداد قبل الدولة البويهية على مذهب أهل السنة، ولم استولى البويهيون على بغداد كانوا يحملون روح العداء للخلفاء العباسيين المخالفين لهم في المذهب،

ونمي مذهب الشيعة ببغداد وقد فتح البويهيون الباب أمام الممارسات والطقوس الشيعية إذا لزم البويهيون الناس بالاحتفال بذكرى عاشوراء.

وبحسب ما ذكر المؤرخ الذهبي في كتابه تاريخ الإسلام، فقد ألزم معز الدولة الناس بغلق الأسواق، ومنع الهراسين والطباخين من الطبيخ، ونصبوا القباب في الأسواق، وعلقوا عليها المسوح، وأخرج ونساء منشرات الشعور مضجات يلطمن في الشوارع، ويقمن المئات م على الحسين عليه السلام، وهذا أول يوم نيح عليه ببغداد.

وبسبب النزعة الطائفية التي أثارها البويهيون في عاصمة الخلافة، فتح باب الفتن والنزاعات التي راح ضحيتها مئات الآلاف من النفوس ومئات الملايين من الأموال وتمزقت الأمة مما أطمع فيها عدوها، فبلغ منها ما لم يبلغه من قبل،

فاستولى النصاري على ثغور الإسلام، ومنها تلك الثغور التي اجتهد الخلفاء العباسيون الأوائل المنصور، والمهدي، والرشيد، والمأمون في بنائها وتعميرها وتحصينها، حيث فقدها المسلمون في عصر البويهيين.

وبدلا من أن تكون سيوف البويهيين مسلطة على أعداء الأمة، كانت سيوفهم مسلولة على أنفسهم أو على غيرهم، يتنازعون على السلطة، فزادت بهم الأمة، ضعفا على ضعف، ولولا بعض الدفع مما قام به سيف الدولة الحمداني، وأحيانا كافور الإخشيدي لحقق البيزنطيون انتصارات فارقة في الشام والعراق.

وهذه هي المرة الأولى التي تنشأ دولة تسيطر على المشرق، فلا تستطيع، حتى وهي في أوج قوتها، تحقيق انتصارات باهرة على الروم.

فالأمويون هددوا القسطنطينية عاصمة الدولة البيزنطية أكثر من مرة، ثم جاء العباسيون، فوجهوا ضربات موجعة للروم، وحتى في عصر سيطرة الأتراك على الخلافة العباسية كان الجهاد قويا.

ثم جاء البويهيون، فلم يفعل إزاء الروم شيئا، بل تلقوا الضربات في صمت.

سقوط ونهاية الدولة البويهية

استمرت الدولة البويهية 113 عام، وكانت فترة حكمهم سلسلة متصلة من الصراعات الداخلية على السلطة، إلى جانب الصراعات المذهبية بين السنة والشيعة، وكان العراق مسرحا للصراعات بين الديلم والأتراك،

وفي كل مرة يتصارع الفريقان، ينتشر السلب والنهب والقتل، وتزداد البلاد تفككا، حتى جاء السلاجقة الأتراك بقيادة طغرل بك الذي قاد الجيش كبيرا من الاتراك ليسيطر على بغداد، ويضع بذلك نهاية الدولة البويهية، ويعيد للخلافة العباسية هيبتها، وتعود الأمة إلى مواجهة أعدائها، لتحقق انتصارات رائعة خلدها التاريخ.

نأمل بأن يكون المحتوى عن الدولة البويهية الشيعية قد نال إعجابكم، ابقوا في امان الله والسلام.