الدولة الوطاسية إنها إحدى الدول التي قامت في بلاد المغرب في فترة عصيبة من تاريخ المسلمين، دولة قامت بعد حملة تنكيل شديده استهدفهم بها آخر سلاطين الدولة المرينية لينجو من تلك الحملة محمد الشيخ الذي أعد العدة وتربص بالحكم حتى استلمه الشريف الإدريسي،
وينشأ الدولة الوطاسية التي عاصرت مأساة نهاية المسلمين في الأندلس، واستهداف البرتغال للمغرب، حتى كانت نهايتها على يد الدولة السعدية.
تابعون للنهاية، لنعرفكم على تاريخ الدولة الوطاسية من البداية وحتى النهاية.
الظروف التي مهدت نشأة الدولة الوطاسية
قبل أن نحدثكم عن نشأة الدولة الوطاسية، يجدر بنا أن نرجع قليلا إلى الوراء لنتعرف على الظروف التي أحاطت بظهور تلك الدولة، ونقف على أسرار الصراع بينهم وبين أقربائهم بني مرين. فبنو وطاس هم فرع من قبيلة بني مرين والوطاسيون سلالة بربرية تنحدر من إحدى فروع قبيلة زناتة البربرية من منطقة الزاب في الجزائر.
وكان موطنهم في الأجزاء الشمالية من الصحراء المغربية وفي القرن الثالث عشر الميلادي نزحوا إلى شرق المغرب وعمروا منطقة الريف.
كانت العلاقة بين بني مارين وبني وطاس، يشوبها الحذر في البداية، لكن مع استغلال قبيلة بني مرين الظروف العصيبة التي ألمت بالموحدين عقب معركة العقاب في الاندلس عام 610 للهجرة ودخولهم في صراعات دامية مع الموحدين لإسقاط دولتهم والسيطرة على مدنهم.
ناصب بنو وطاس بني مرين العداء وساندوا الموحدين ضدهم، لكن في النهاية سقطت دولة الموحدين وقتل السلطان الموحدي الأخير الواثق بالله، لينجح المرينيون في القضاء على دولة الموحدين في مراكش ويقيموا دولتهم بني مرين.
لم ينسى المرينيون موقف بني وطاس منهم أثناء صراعهم مع الموحدين فعاد المرينيون بعد استقرار الأوضاع في دولتهم إلى إحكام قبضتهم على حصن تازوطا الذي كان مقر بني وطاس.
ولكن الوطاسيين قاموا بثورة عامة 691 للهجرة 1292 للميلاد، كان ذلك للاحتفاظ بنفوذهم في هذا الحصن، وامتدت ثورتهم، فشملت منطقة الريف، ثم طرد الوالي المرينية وحاشيته وسيطروا على الحصن،
فجهز السلطان المريني يوسف بن يعقوب جيشا كبيرا جعل عليه أحد قادته وأمره بالتوجه إلى حسن تازوطا ، ثم خرج السلطان بنفسه على رأس جيش آخر وحاصر الجيشان الحصن مدة عشرة شهور، وتمكن عمرو وعامر ابنا يحيى زعيمة الوطاسين من الفرار إلى تلمسان، ودخل يوسف بن يعقوب الحصن، وأنزل العقاب بالوطاسيين، ثم عاد إلى عاصمته.
بدء الوطا سيون يتقربون من السلطة في الدولة المرينية عندما تولى الحكم سلاطين لم يكونو قد بلغو سن الرشد بعد، فتولى الوطاسيون الوزارة و الحجابة، لكن العلاقة بين المرينيين والوطاسيين انحدرت إلى مستوى خطير.
كان ذلك عندما تولى أبو زكريا الوطاسي الوزارة، فقد استقل بالحجابة وأخذ في تغيير مراسم الملك وعوائد الدولة وزاد ونقض في كل ما أبرمه الوزراء، وعامل الناس بالعنف، وقام بعزل قاضي فاس الفقيه أبي عبد الله محمد المصمودي، وعين مكانه الفقيه يعقوب التسولي.
ولما رأى السلطان عبد الحق آخر سلاطين الدولة المرينية ما فعله الوزير واستحواذه على أمور الدولة، وأدرك أن الوطاسيين يحاولوا أن يشاركوه الملك، بل وكادوا يغلبونه على أمره قبض على الوزير أبي زكريا، وأخويه أبي بكر، وأبي شامة، وعمهم فارس بن زياد الوطاسي وذبحهم جميعا.
ولم يبقى سوى محمد الشيخ ومحمد الحلو أخو الوزير أبو زكريا فسعي عبد الحق إلى البحث عنهما لكنه لم يعثر عليهما لذهاب الشيخ في ذلك اليوم للصيد واختفاء الحلو عند قيام المذبحة، ومن تلك المذبحة، كان قيام الدولة الوطاسية.
الدولة الوطاسية في المغرب
هذا ت الأوضاع في الدولة المرينية بعد حملة التنكيل التي استهدف بها السلطان المريني عبدالحق الوطاسيين، أو هكذا بدأت الأمور، لكن في الحقيقة كانت الأوضاع غير ذلك، فقد هرب محمد الشيخ عندما وصلته خبر النكبة التي حلت بعائلته، ولحق به أخوه الحلو، وسارا إلى جهة الصحراء، وجعلا يترددان فيما بينها وبين البلاد الهبطية، حتى ملكا أصيلا.
ولما قوي أمره، واستفحل بأصيلا، تطلع إليه أعيان، فاس وكاتبه الرؤساء من الدولة المرينية سرا، ووجه إليه الدعوة للقدوم إليهم مقابل طاعته ونصرته.
في ذلك الوقت، كانت الأوضاع قد اضطرابات في الدولة المرينية، بعد أن قارب عبدالحق اليهود من مقاليد الحكم، فتسلطوا على الأهالي، فانفجرت الثورة لتعم فاس كلها واضطراب ان مرين إلى مبايعة الشريف أبي عبد الله محمد بن علي الإدريسي نقيب الأشراف بفاس، كان ذلك لإسكات الأصوات المعارضة لحكمهم وللقضاء على الثورات.
كما أراد بذلك كسب العامة ببيع أحد أفراد البيت الذين يتمتعون بإجلال الخاص بين الناس.
في الوقت الذي بايع فيه أهل فاس أبا عبدالله الحفيد، كان محمد الشيخ في أصيلا تتبعه القبائل هناك، ويعظم أمره، ومن ثم سار نحو فاس، فحاصرها حتى دخلت في طاعته عام 875 للهجرة.
استغل البرتغاليون فرصة خروج الشيخ لحصار فاس ليستولوا على أصيلا عام 876 للهجرة، كما استولوا على بيتم الوطاسي وأثر ابنه محمد وابنته وزوجته وجماعة من الأعيان وبقي محمد ابن الشيخ محمد الوطاسي أسيرا لدى البرتغاليين سبع سنوات حتى فداه والده.
شهد عهد محمد الشيخ مأساة سقوط غرناطة آخر معاقل المسلمين في الأندلس عام 897 للهجرة 1492 للميلاد، ففر كثير من الأندلسيين إلى بلاد المغرب وغيرها، وكان من بين من رحلوا إلى المغرب آخر ملوك الأندلس أبو عبدالله الأحمر الذين جاء إلى الشيخ الوطاسي في فاس بأهله وأولاده وبقي بها حتى وافته المنية عام 940 للهجرة.
وواصل البرتغاليون تقدمهم في بلاد المغرب، واستولىوا وعلى ساحل البريجة بين أزمور وتيت عام 907 للهجرة، كما استولو على سواحل السوس، وما لبث أن وقع المغرب في منطقة نفوذ البرتغاليين الذين اتخذوا من بعض المراسي المغربية ملجأ لأساطيلهم، مستغلين انقسام القبائل العربية والصراعات على الحكم والاضطرابات السياسية التي عمت البلاد.
استمر محمد الشيخ الوطاسي في الحكم حتى وافته المنية فتولى السلطة من بعده ابنه محمد الملقب بالبرتغالي عام 910 للهجرة 1505 للميلاد، وقد عزم محمد البرتغالي على الأخذ بثأره من البرتغاليين الذين أسروه سبع سنوات.
فزحف إلى أصيلا وحاصرها، ثم اقتحمها بعد قتال عنيف، لكن ما لبث أن جاء المدد إلى البرتغاليين من طنجة وجبل طارق فحاربوا المسلمين الذين خرجوا من المدينة بعد حرقها وهدمها.
انشغل السلطان محمد البرتغالي بجهاد البرتغاليين وإرسال الغزوات إليهم، حتى إنه غافل عن مراكش وسواحلها، ولم ينتبه إلى الخطر الذي ينمو تحت السطح ويهدد دولته بالسقوط إنهم السعديون الذين سيضعون النهاية للدولة الوطاسية قريبا. فكيف حدث هذا؟ ترقبوا معنا الأحداث القادمة.
سقوط الدولة الوطاسية علي يد السعديين
بدء ظهور السعديون في مراكش عامة 915 للهجرة، فقد ظهر رجل يدعى أبو عبد الله بن محمد السعدي، وهو مؤسس الدولة السعدية لاحقا، ذلك الرجل الذي مع ولديه أحمد الأعرج ومحمد الشيخ، يحشدون الناس بحجة الجهاد ضد البرتغال والأسبان وطردهم من الأراضي المغربية، لكنهم كانوا في حقيقة الأمر يسعون لإسقاط دولة الوطاسيين.
وقد هيأت الظروف للسعديين تحقيق هدفهم، فبعد وفاة السلطان محمد البرتغالي عام 931 للهجرة تولى السلطة من بعده أخوه أبو حسون،
لكن ما لبث ان أقام ابن أخيه أبو العباس أحمد بن محمد البرتغالي بالقبض عليه وخلعه وهكذا بدأ الصراع على الحكم بين أفراد الأسرة المالكة في الوقت الذي كان يجب عليهم الوقوف يدا واحدة لمواجهة الأخطار الداخلية والخارجية التي تهدد بلادهم.
وفي تلك الظروف التي تمر بها البلاد، نجح السعديون في الاستيلاء على مدينة تارودنت وحصنها، ومعها انطلق الجهاد ضد الصليبيين، واستطاع السعديون نفتح عدة مدن مغربية كانت مستعمرة من قبل البرتغاليين أو الإسبان، وسيطروا عليها.
وظهر السعديون بمظهر أبطال الجهاد، وذاع صيتهم في طول البلاد وعرضها، فكان من الطبيعي والحال هكذا، أي اندلع الصراع بين الوطاسيين والسعديين، فاندلعت الحرب بينهما، حتى تم الاتفاق عام 940 للهجرة، على أن يكون للوطاسيين من تادلا إلى المغرب الأقصى، وللسعديين من تادلا ، لا إلى السوس.
وعقد الوطاسيون صلحا مع البرتغاليين لثلاث سنوات، لكن السعديين ما لبثوا النقد والاتفاق، وكاد أن يصل إلى فاس مقرا الوطاسيين، فاندلع صراع مجددا بينهم وبين الوطاسيين.
وفي عام 951، استولى السعديون على العاصمة فاس وأثر السلطان أبو العباس، في حين تمكن السلطان الوطاسي المخلوع ابن حسون من الهرب، ليلتمس العون من الإسبان، وأعلن ولاءه، لامبراطورهم، بل واستعداده لتسليمهم باديس، في مقابل مساعدته في استرداد عرش فاس.
وبالفعل فقد ساعده الإسبان بسفن والأموال، لكنه فشل في استعادة عرشه، فلجأ إلى البرتغاليين الذين ساندوه بالجنود والأموال وعدة الحرب، لكن قوات الدولة العثمانية حاصرتها واستولت عليها، مما جعل من حسون يلجأ إليهم طلبا للعون في مقابل الاعتراف بسلطة الخليفة العثماني.
فمكنه العثمانيون من العودة إلى عاصمته فاس ثانية وواصل بن حسون نشاطه ضد السعديين حتى سقط قتيلا.
لتسقط بذلك الدولة الوطاسية تماما، وتقوم مكانها الدولة السعدية، نأمل بأن يكون المحتوى قد نال إعجابكم، ابقوا في امان والسلام.