عن العصر العباسي الثاني هناك عبارة تعبر عنه وهي لذة العفو أعذب من لذة التشفي، وأقبح أفعال المقتدر الانتقام، الخليفة المنتصر بالله. شارك في قتل أبيه وأزال شدة العلويين، وبنى شاهدا لقبر الحسين رضي الله عنه، استمرت فترة حكمه لمدة ست اشهر.
عاني فيهم من الندم والحزن بسبب اشتراكه في قتل والده المتوكل، وآخر حاجة قالها قبل موته ذهبت مني الدنيا والآخرة. عجلت أبي، فعجلت.
و لما تولى الخلافة من بعده عمه المستعين بالله قلت الفتحات، وزادت الاضطرابات والحروب والثورات، واللي دفع التمن هم عامة الناس.
لو تريد ان تعرف كيف كانت بداية العصر العباسي الثاني وتعرف من هو الخليفة المنتصر بالله؟ وتكتشف بنفسك لماذا فترة حكمه كانت قصيرة؟ وما السبب في تولي عمه المستعين بالله الخلافة بدلا من أخوه، اذا تابع المقالة للنهاية.
بداية العصر العباسي الثاني
بعد وفاة الخليفة المتوكل على الله، واللي كانت فترة حكم كلها عبارة عن أحداث مشوقة فسنعرف اكتر عن بداية العصر العباسي الثاني من خلال الخليفة المنتصر و الخليفة المستعين بالله.
ومثل ما قلنا لكم قبل ذلك إن بانتهاء العصر الأول من الخلافة العباسية انتهى عصر القوة بالمعنى الحرفي، وبدأت سلسلة من الدسائس والمؤامرات التي ليس لها أول من آخر ومليئة بالتدهور على كل المستويات.
وتدهورت الفلسفة، وتدهور التعليم، وتراجعت الصحة، و تشرذمت الدولة الإسلامية إلى دويلات.
بل إن مركز الخلافة نفسه شهد انقسامات ودسائس ومؤامرات، واللي سوف تكون السبب في انهيار العباسيين للأبد.
خلافة المنتصر بالله
ورغم تعدد الأسباب وانتشار الفقر في المجتمع العباسي في عهد الثاني، إلا إن العوامل السياسية كان لها الدور الأبرز في تدهور الخلافة العباسية فبعد مقتل الخليفة المتوكل على يد ابن المنتصر بالله، ومجموعة من الأمراء،
انتقلت الخلافة مباشرة لابنه المنتصر بالله محمد أبو جعفر، وقيل أبو عبد الله بن المتوكل ابن المعتصم ابن الرشيد.
ولد سنة الخليفة المنتصر بالله 222 هجريا في مدينة سامراء، وكانت أمه أم ولد رومية اسمها حبشية، أما أبو الخليفة المتوكل على الله، فهو اللي كان عقد لولاية العهد في سنة 235 هجريا،
وفي وصفه قيل عنه، كان مليح الوجه، أسمر أعين، أقنا الرابعة جسيما، بطينا، مليحا، مهيبا، وافر العقل، راغبا في الحياة، قليل الظلم محسنا إلى العلويين، أزال عن آل أبي طالب ما كان فيه من الخوف والمحنة، بمنعهم من زيارة قبر الحسين،
وكان كريما حليما مهيبا شجاعا، فطنا محترسا،
المنتصر بالله بعد ما قتل أبوه وأخد المبايعة بتوليه الخلافة في يوم الأربعاء الموافق 4 شوال سنة 247 هجريا، عزل إخوته المعتز والمؤيد من ولاية العرش اللي كان عقدها ليهم المتوكل قبل وفاته،
ومن أكتر الحاجات اللي اشتهر بيه الخليفة المنتصر كانت كره للأتراك اللي كان لازم يسبهم في كل مجلس، وبسبب موقفه منهم كان دايما يقول في حقهم جملته الشهيرة هؤلاء قتلة الخلفاء، لذلك كان العداء كبير قوي بينه وبين الأتراك،
وقالت كتير من المصادر إنهم كانوا السبب في موته بعد ما أشتروا ذمة طبيبه الخاص به بن طيفور واعطوا له 30,000 دينار لما كان المنتصر بالله مريض، فأشار بفصده، ثم فصده بريشة مسمومة، فمات.
المنتصر لما تولى الخلافة طبق سياسة كانت تختلف تماما عن سياسة والده المتوكل، فكان يخالف أبيه في جميع أحواله، طعنا عليه ونصرة لفعله،
ومثل ما قال عنه أبو الفرج كان المنتصر يظهر الميل إلى أهل البيت، ويخالف أباه في أفعاله فلم يجرؤ منه على أحد منهم قتل أو حبس أو مكروه،
فالمنتصر منع، اضطهاد العلويين، ورفع حظر زيارة كربلاء، وبنى مشهد أو قبر الحسين.
وقال ابن الأثير أمر الناس بزيارة قبر علي والحسين عليهما السلام وأمن العلويين، وكانوا خائفين أيام أبيه وأطلق وقوفهم، وأمر برد فداك إلى ولد الحسن والحسين ابني علي بن أبي طالب عليه السلام،
وأظهر العدل والإنصاف في الرعية، فمالت إليه القلوب، مع شدة هيبتهم له، وكان كريما حليما.
وطبعا لا ننسى إن برشلونة وضواحيها تمت محاصرتها في عهده فسيطرة المسلمين على بعض أرباض المدينة، وعلى برجين من أبراجها، ولكن بعد خروج المسلمين منها استولى عليها النصارى، ولم يقدر المسلمين، إنهم يرجعوا ليها مرة تانية،
ده غير إنه أمر قاضي البصرة بالإمساك عن إصدار الأحكام، وعزلوا للمدينة صالح بن علي، واستعمل عليها علي ابن الحسن ابن إسماعيل ابن العباس ابن محمد.
وأيضا أكد على الوالي الجديد ضرورة احترامه للعلويين، وهنا قال يزيد المهلبي ولقد بررت الطالبية بعد ما ذموا زمانا بعدها وزمانا، وردت ألفة هاشم فرأيتهم بعد العداوة بينهم إخوانا.
والحقيقة إن فترة حكم المنتصر ما في أحداث كتير تقال باعتبار إنها كانت فترة قصيرة جدا، وهنا ذكر بن جرير عن بعض أصحابه إن بعد ما تولى المنتصر الخلافة كان يسمع الناس بتقول إنه لن يستمر في الخلافة أكتر من ست شهور، لإن دي دايما بتكون مدة خلافة، اللي يقتل أبيه،
زي بالضبط اللي حصل شيروي بن كسري الذي قتل والده بسبب الملك، واستمرت ولايته ست شهور فقط،
ولذلك لما كانت والدة المنتصر بتدخل عليه وتسأله عن حاله، كان داzما يقول لها ذهبت مني الدنيا والآخرة،
وهنا يقول المؤرخين إن في يوم من الأيام دخل على المنتصر مجموعة من أصحابه اللي وجدوه وقتها ساعتها يبكي بشدة، ولما سألوه عن السبب رد عليهم وقال رأيت أبي المتوكل في منامي هذا، وهو يقول ويلك يا محمد قتلتني وظلمتني، و غصبتني خلافتي، والله لا أمتعت بها بعدي إلا أياما يسيرة ثم مصيرك إلى النار.
أغلب المؤرخين اختلفوا على موت الخليفة المنتصر، ففي منهم اللي قال إنه توفى بسبب سرطان المعدة، وغيرهم، قال إن سبب موته كان مؤامرة من الأتراك بعد ما أقنعوا الطبيب الخاص بيه بانه يدس له السم مثل ما قلنا ،
ولكن أيا كان، ففي يوم 25 من ربيع الأول لسنة 248 هجريا توفي الخليفة المنتصر بالله ابن المتوكل على عمر 26 سنة، فلم يتمتع بالخلافة إلا ستة أشهر.
خلافة المستعين بالله
ومن بعد المنتصر بالله تولى الخلافة عمه المستعين بالله وهو أبو العباس أحمد بن محمد المعتصم ابن الرشيد الذي ولد سنة 221 هجريا، وكانت أمه أم ولد اسمها مخارق، وهو أخو كلا من الخليفة المتوكل و الخليفة الواثق بالله.
وقيل في وصفه أنه كان مليحا أبيضا بوجهه أثر الجدري الثغ كان خيرا فاضلا بليغا أديبا، وهو أول من أحدث لبس الأكمام الواسعة وقال فيه الفخري، وأعلم أن المستعين كان مستضعفا في رأيه وعقله وتدبيره، وكانت أيامه كثيرة الفتن، ودولته شديدة الاضطراب،
ولم يكن فيه من الخصال محمود، إلا أنه كان كريما و هوبا.
بعد وفاة المنتصر في 248 هجري، خاف الاتراك ان حد من أولاد الخليفة المتوكل، يبقى هو خليفة المسلمين الجديد، ووقتها سوف ينتقم منهم لانهم كانوا السبب في موت المتوكل ومن بعده المنتصر على حسب الذي قالته بعض المصادر.
فلذلك لم يكن امامهم إلى المستعين بالله اللي كانوا يرونه لقمة صائغة بالنسبة لهم.
وفي يوم 25 ربيع الأول سنة 248 هجري بويع على المستعين بالله خليفة على المسلمين، وكان الأتراك مقربين جدا منه، لدرجة إنه ولاهم على تربية ابنه العباس.
وفي سنة 250 هجريا حصلت فتنة بين أهل خراسان وطبرستان لما ارسل أهل طبرستان للحسن بن زيد الحسني لكي يبيعوه في حكمهم، وفعلا وافق الحسن بن زيد وذهب فورا على طبرستان، واستولى عليها بعد قتال عنيف حصل بينه وبين جيش المستعين اللي ارسله له وقتها لكي يقاتلوا،
وبعد ما قدر الحسن بن زيد إنه يتغلب على جيش المستعين بالله تولى الخلاف على أهل طبرستان واستمرت ولايته لمدة 20 سنة الي ان توفي سنة 270 هجريا،
أما لو اتينا نتكلم عن الحركات الثورية في عهد الخليفة المستعين بالله، فسنجد إنها كانت كثيرة جدا نتيجة لضعف الخليفة وتسلط القادة الأتراك على أمور الدولة واستبدادهم بيها، وبالخليفة ذات نفسه.
وذلك بدوره ترتب عليه شغب أهل حمص لأكثر من مرة في سنين متتالية بداية من سنة 248 هجريا لحد سنة 251 هجريا، وقتها اقرر موسى بن بغا الكبير اللي كان قائد تركي في الجيش إنه يتصدى للشغب اللي يحصل في حمص،
وفعلا دخل جيش موسى بن بغي في معركة طاحنة مع أهل حمص في أرض الرستن، واتأسر فيها أشرف حمص، ومن بعدها هديت الثورات وذلك كان غير الثورات اللي حصلت في مدينة الري والكوفة، واللي وصلت إنها تكون زي حروب الشوارع بالضبط، وحال الخلافة كان في تدهور مستمر،
ولم يدفع احد ثمن كل تلك الثورات، اللي عامة الشعب الذين جاعوا وقتلوا ونهبت أموالهم ويمكن الخليفة المستعين بالله كان من أكتر الخلفاء اللي اتسم بكم كبير من الثورات والمؤامرات اللي لم تكن لها أول من آخر، والدولة العباسية في عهده حرفيا كانت مدمرة اقتصاديا وسياسيا، وقلت الفتوحات الإسلامية بشكل كبير.
وهنا المستعين بالله لما أمر بقتل باغر التركي اللي شارك في اغتيال متوكل انقسم وقتها التركي لجزئين، مجموعة منهم فضلت مع المستعين، ورجعت معالي بغداد عاصمة الخلافة،
والجزء الثاني تمردوا وعملوا جيش مع نفسهم ضد الخليفة، والذين معه واتي بعد كده قادة الجيش اللي تمردوا على المستعين، وخرجوا المعتز بالله أخو المنتصر من السجن، وعينوه هو الخليفة على المسلمين.
وقتها جهز المعتز جيشه، وقرر محاربة المستعين، وطبعا هنا أهل بغداد قرروا إنهم يحاربوا معه، وفعلا وقعت بينهم معارك دامت لشهور، وراح ضحيتها الآلاف، وانتشر الفقر والجوع بعامة الناس،
وذلك الذي جعل المستعين يأخذ قرار التخلي عن الخلافة، وبقى المعتز هو الخليفة الجديد للمسلمين، وذلك كان سنة 252 هجريا.
وبعد تسع شهور من حبس المستعين طلب المعتز بالله من أحمد بن طولون إنه يتخلص من المستعين، فكان رد بنطلون عليه والله لا أقتل أولاد الخلفاء، ولذلك المعتز بالله أمر سعيد الحاجب بانه لازم هو اللي يخلص على المستعين.
وفعلا ذبح سعيد الحاجب المستعين في يوم 3 من شهر شوال لسنة 252 هجريا، وكان عمره وقتها 31 سنة، وبكده يسدل الستار على قصة خليفة من خلفاء بني عباس
لكي يستر التاريخ حروف جديدة لخليفة آخر من بني عباس سوف نعرف حكايته في مقالة أخري من مقالات تاريخ الدولة العباسية.