إستعاده الإمبراطورية الرومانية
كتبت/ سمر محمد.
التطور الذي لحق بفرنسا:
إن القرنين (الأول والثاني) من (الألف الثانية للميلاد) شهدا نزوع بعض البلدان تدريجياً إلى القومية، وتاتي فرنسا على رأس هذه البلدان لما نالته من تقدم في مجال الحياة الفكرية والثقافية، وفي الفنون والعمارة، وفي تهذيب الحياة الإجتماعية التي رسمت المجتمع الإقطاعي في أنحاء غربي ووسط أوروبا، وحوالي نهاية القرن (الثاني عشر للميلاد) كانت اللغة الفرنسية يتم التحدث بها في كل بلاط، كما كانت اللغة الرسمية في الإمارات التي أسسها الصليبيون شرقي البحر الأبيض المتوسط، كما كانت حياة النبلاء الفرنسيين الرسمية يتم تقليدها في كل مكان، وغدت باريس المدرسة الكبرى للفلسفة جذبت إليها طلبة العلم من كل مكان في عالم العصور الوسطى، ثم يعودون إلى مواطنهم وقد تشبعوا بالآراء الجديدة.
كونتية الفلاندرز:
وفي الركن الشمالي الشرقي لفرنسا، وفيما وراء حدودها كانت تقع كونتية الفلاندرز كثيفة السكان، وأقاليم هولندا وفريزلاند، هذه الأراضي المنخفضة كانت المناطق الأولى التي شهدت قيام الصناعة، وهي التي كانت أيضاً أول من اكتشف مباهج وشقاء الإزدهار التجاري، فالفريزيون كانوا مشهورين منذ الأزمنة القديمة بأقمشتهم الصوفية التي مازلنا نطلق عليها اسم الفريزية، ولاستكمال مواردهم من الصوف فإنهم كانوا يرسلون المشترين إلى إنجلترا، حيث تطورت عملية رعي الأغنام منذ زمن بعيد، وحيث صوف الأغنام الناعم ليحموا أنفسهم من المناخ الإنجليزي.
وفي الوقت الذي ازدهرت فيه التجارة الأوروبية، فإن الفلاندرز استفادوا من موقعهم الذي تلتقي عنده العديد من الطرق التجارية، وحيث تنتهي الطرق القادمة من باريس وجنوبي ألمانيا وإيطاليا، كما أن المراكب التجارية المنحدرة في نهر الراين كانت تصل إلى موانيها، وتلتقي هناك بالمراكب التجارية القادمة من اسكندنافيا وإنجلترا وبقية فرنسا.
إقامة المدن وتطويرها:
وعلى إمتداد بلدان الأراضي المنخفضة تم إقامة كثير من المدن الجديدة، وتجددت الثروات عن طريق الصناعة والتجارة، هذه المدن الجديدة جذبت إليها نوعين من الرجال، النوع النشط الطموح، والنوع المستاء وهم الذين أصبحوا سكان هذه المدن، وفاقدي الأمل في الحصول على أرض، وهؤلاء هم الذين أصبحوا من العاملين بالصناعة، كما أن الأموال والفرص ساعدت على خلق الرأسمالية الخاصة، والتي غدت متواجدة جنباً إلى جنب مع الإشتراكية البدائية التي تمثلها الدولة.
ولقد قامت المدينة بتنظيم كل شيء من حيث الأسعار والأجور والرواتب، ولأنها كانت مهتمة بالصحة العامة فقد تم بناء المستشفيات، وتم منع استخدام الأطفال والنساء في العمل، ليس لأن ذلك غير إنساني، ولكن لأن عمل النساء كان يدخلهن في منافسة غير عادلة مع الرجال، أما رجال الأعمال فقد كانوا مزهوين بثرواتهم، لذلك أقاموا المباني العامة الفخمة، وفي الشوارع الخلفية فإن عمال الغزل المنهكين كانوا يسخرون منهم؛ لأنهم كانوا تحت رحمة دورة العمل وقيود هذه الدورة الناجمة عن المناخ العام وما فيه من صراع.
البابوية في روما والإمبراطورية في ألمانيا:
في العصور الوسطى ظهرت قوتان كُبريان هما البابوية في روما والإمبراطورية في ألمانيا، فكانت البابوية بما لها من مسؤولية روحية أملت عليها ضرورة الإشراف وتوجيه سلوكيات كل البشر بمن فيهم الأباطرة، أما العلماء الذين تم تعيينهم بواسطة الملوك والأباطرة فقد نادوا بأن الملك يستمد قوته من الرب، وهو مسؤول فقط أمامه، وأن اختصاص الكنيسة يجب أن يكون منصباً على الشؤون الدينية لا الدنيوية، كما أن العصور الوسطى اشتهرت بالصراع بين البابوات والأباطرة وبعض الحكام العلمانيين، وكان لكل من الملوك والأباطرة جيوشهم، أما البابوات فلم يكن لديهم شيء سوى السلطة الدينية والأسلحة الروحية، وهي قرارات الحرمان والمنع واللعنة، ونتيجة لذلك فإن القوى المعارضة كانت تقريباً متوازنة معهم.
الإمبراطور أوتو الأول:
إن حكام ألمانيا كانوا من سلالة رؤساء القبائل الذين قُدر لأقويائهم وأكثرهم قسوة وجشعاً أن يبقوا وأن يصبحوا ملوكاً، وفي القرن (العاشر للميلاد) ظهرت (واحدة) من الإمبراطوريات القبلية شمالي ألمانيا، والتي انبثقت من الفرع السكسوني كأقوى الأقوياء، ومنها جاء الدوق “أوتو السكسوني” والذي تم اختياره ملكاً لألمانيا بواسطة رفاقه الدوقات عام (936م) والذي استغل لقبه بشكل حازم.
وهكذا وبشكل مثير للغضب فإنه أصدر مجموعة من التعليمات المثيرة للنبلاء الذين اختاروه، كما أنه شن عدة حملات حربية على السلاف والبوهيميين، وأحرز نصراً كبيراً على الشعوب المجرية عام (955م) مُنهياً وإلى الأبد تهديدهم لغربي أوروبا، كما طلب منه البابا “يوحنا الثاني عشر” مساعدة حربية ضد ملك اللومبارد، فعبر “أوتو” جبال الألب، واستولى على التاج اللومباردي لنفسه، وفي سنة (962م) تم تتويجه إمبراطوراً على يد البابا الذي لم يتعلم الدرس المهم من دروس التاريخ، وهو أنه يجب ألا تطلب المساعدة من رجل قوي ضد (واحد) من منافسيك، وهكذا أصبح “أوتو” الإمبراطور “أوتو الأول” الذي كرر نفس العمل الخيالي وبنفس الصورة التي قام بها “شارلمان”، واستعاد الإمبراطورية الرومانية في الغرب، والتي عرفت باسم الإمبراطورية الرومانية المقدسة، والمقدسة لأن التتويج تم على يد البابا، والرومانية لاستعادة الزمن الذي كانت فيه أوروبا تنعم بالوحدة.
يتبع..
المرجع/
تاريخ أوروبا في العصور الوسطى.
——————————————————————————
((كل هذا في اطار مبادرة حكاوي لنشر الوعى الأثري و الترويج و دعم السياحة المصرية تحت اشراف فريق ديوان التاريخ))
#مبادرة_حكاوى
#الموسم_الخامس
#أصل_التاريخ_ديوان_التاريخ