الحرب الصليبية الثانية
كتب/ أحمد عادل رمضان عن النزاع على مصر بين نور الدين والصليبيين تكلمنا فيما مضى عن أن مصر كانت في غاية الفوضى والاضطراب، وذلك بسبب الثورات الداخلية التي تثأر من أجل التحصيل على منصب الوزارة،
فالخليفة الفاطمي أصبح لا يمثل شيئاً إنما الأمر بيد المتغلبين من الوزراء والقواد، فكم جرت من مذابح ومعارك من أجل الوزراء للخلافة الفاطمية، ولم تستقر الحالة إلا بتولية “طلائع ابن رزيك” للوزارة عام (549)، ولكنه ما إن قُتل في عام (558) وتولى بعده ابنه “رزيك ابن طلائع” حتى عادت الفوضى،
وكان كل من “نور الدين محمود” وملك بيت المقدس “أموري” ينظر إلى مصر نظرة خاصة، ويود ضمها إليه لتعزيز جانبه، ولا يمنع كل منهما عن احتلالها إلا خوفه من الآخر،
وكانت الخلافات الداخلية من أجل الوزارة الفاطمية موجبة لتدخل كلا من “نور الدين” و”أموري” في السياسة المصرية، وباعثة بهما إلى النزاع من أجل مصر.
ثورة شاور السعدي (الدور الأول من النزاع على مصر)
عندما انتصب “رزيك بن طلائع” وزيراً للخلافة الفاطمية ثار ضده “شاور ابن مجبر السعدي” الوالي على مصر العليا، واستطاع أن يتغلب على “رزيك” ويقتله وأن ينتصب وزيراً للخليفة الفاطمي “العاضد” في (محرم سنة 558ه)،
وأساء “شاور السعدي” وأبناؤه السيرة مما جعل أحد القواد “ضرغام ابن عامر اللحمي” يتواطأ مع الخليفة الفاطمي ضد الوزير “شاور” فثار عليه واضطره إلى الفرار، وانتصب “ضرغام” على كرسي الوزارة، فتوجه “شاور السعدي” إلى دمشق مستنجداً ب”نور الدين محمود” متعهداً له بنفقات الحملة وغرامة سنوية قدرها (ثلث) إيراد البلاد المصرية.
ولكن “نور الدين محمود” تردد في إجابة طلب “شاور السعدي” إلى أن حدث ما أباد هذا التردد، فقد جاءت الأخبار معلمة بأن “أموري” ملك بيت المقدس هجم على مصر وتغلب على “ضرغام”، فحالفه وأقر له بالجزية خوفاً من تحالف “شاور السعدي” مع “نور الدين محمود”، وهنا اضطر “نور الدين” إلى إجابة طلب “شاور السعدي”،
فبعث معه قائده “أسد الدين شيركوه”، وكان من ضمن رجاله “صلاح الدين الأيوبي”، وهو ابن أخيه، وسرعان ما انتصر “أسد الدين شيركوه” على “ضرغام” وانتصب “شاور السعدي” على الوزارة من جديد.
إلا أنه لم يوفي بما تعهد ل”نور الدين محمود” بل حالف مملكة بيت المقدس سرياً، فاضطر “أسد الدين” لمحاربته بمساعدة “صلاح الدين” ابن أخيه، واستنجد “شاور السعدي” بملك بيت المقدس،
واستطاعت الجيوش الشامية أن تصمد للجيوش المصرية والصليبية في بلبيس من (رمضان إلى ذو الحجه 559ه)، وانتهز “نور الدين محمود” اشتغال “أموري” بحرب مصر، فتوجه إلى حصن حارم وحصن بانياس وفتحهما، فخشي ‘أموري” على مملكته وأخذ يفاوض “أسد الدين شيركوه” في عقد هدنة بينهما،
وتمت الهدنة على شرط انسحابهما عن مصر وتركها لأصحابها، وعلى هذا انتهت الجولة الأولى من النزاع على مصر بين “نور الدين” والصليبيين.
الدور الثاني من النزاع على مصر
استفاد “أسد الدين شيركوه” من ذهابه الأول إلى مصر لما اكتشف المملكة المصرية وعرف ما فيها، وأيقن بضرورة الإستيلاء عليها للتغلب على الصليبيين، ولهذا أخذ يهون أمرها على “نور الدين”، ويطلب منه الإذن في احتلالها، وأذن “نور الدين” أخيراً لرأي قائده،
فجرت حملة ثانية على مصر عام (562ه- 1167م) بقيادة “أسد الدين شيركوه”، وما إن سمع الوزير “شاور” بتوجه الجيوش النورية إلى مصر حتى بعث إلى أحلافه الصليبيين، فأسرع إلى نجدته “أموري” ملك بيت المقدس.
وتقابل الجيشان في صعيد مصر قرب المُنية فانتصرت الجيوش النورية (563ه- 1167م) انتصاراً باهراً، وأظهر الشاب “صلاح الدين الأيوبي” براعته وثباته، ثم سارت الجيوش الشامية شمالاً إلى الإسكندرية، فدخلتها دون مقاومة، وعمل القائد “شيركوه” على إتمام فتح البلاد المصرية الفسفاط والقاهرة،
فترك نصف جيشه بالإسكندرية موكلاً قيادته وأمره إلى “صلاح الدين الأيوبي”.
وكانت هذه المرة الأولى التي تولى فيها “صلاح الدين الأيوبي” القيادة وتحمل المسؤولية، وكأن القدر قد هيأ له المجال لإظهار بطولته وعبقريته، فإنه ما إن توجه عمه “أسد الدين شيركوه” إلى الفسفاط والقاهرة حتى هاجم الصليبيين الإسكندرية وحاصروها براً وبحراً بمساعدة الأسطول البيزنطي،
واشتد الضيق على المحصورين بالإسكندرية وكادوا يستسلمون، ولكن “صلاح الدين” القائد الشاب أظهر الجد والمقاومة ودافع أحسن دفاع إلى أن أدركه عمه “شيركوه” مثل المرة الأولى، وانتهى الدور الثاني من النزاع على مصر بعقد هدنة إلتزم فيها الطرفين بالانسحاب عن مصر وتركها لأصحابها.
الدور الثالث والأخير من النزاع على مصر
لم يكن “أموري” ملك بيت المقدس مخلص النية في الهدنة، إذ لم يسحب كامل جيشه عن مصر لأنه كان ينوي الإستيلاء عليها متى أن ابتعدت الجيوش الشامية عنها، وما إن إطمأن لهذا حتى جرت حملة على البلاد المصرية واستولى على بلبيس،
وفتكت جيوشه بالسكان وذبحوا الكثير منهم وأغراهم هذا الإنتصار فتقدموا إلى الفسفاط، وخاف الوزير “شاور” من استيلاء الصليبيين عليها، فأشعل فيها النيران التي استمرت (54 يوماً) وقضت عليها تماماً، وتقدم الصليبيين إلى القاهرة ونصبوا الحصار عليها،
وأجرى “شاور السعدي” مفاوضات مع الصليبيين وأحكم التمطيط لهذه المفاوضات إلى أن تصل الجيوش النورية التي بعث يستنجد بها.
إذ كان “نور الدين محمود” عازماً على الاستيلاء على مصر فقد انتهز الفرصة مرة أخرى، وأرسل للمرة الثالثة قائده “شيركوه” مع “صلاح الدين” ابن أخيه، وما إن وصلت الجيوش الشامية وانضم إليها الجيش المصري حتى بادر الصليبيون بالانسحاب،
وفك الحصار دون إقدام على قتال، ودخل “شيركوه” إلى القاهرة دخول القائد المنقذ وهلل له الناس واستبشروا به، وقربه للخليفه “العاضد” منه وخلع عليه، ثم دُبرت مؤامرة ضد “شاور السعدي” فقتل (564ه-1169م)، وانتصب “أسد الدين شيركوه” وزيراً للخلافة الفاطمية،
ولكن لم تدم وزارته أكثر من شهرين فتوفي في (جمادي الثاني 564ه-مارس 1169م).
خاتمة حول النزاع على مصر بين نور الدين والصليبيين
المرجع : الحروب الصليبية في المشرق والمغرب.
((كل هذا في اطار مبادرة حكاوي لنشر الوعى الأثري و الترويج و دعم السياحة المصرية تحت اشراف فريق ديوان التاريخ)) ولمعرفة المزيد حول تاريخ مصر يمكنك الاطلاع عليه من هنا
#مبادرة_حكاوى
#الموسم_الرابع
#ديوان_التاريخ_مستقبلك_في_الاثار_والتاريخ