عن تورغوت ريس فلقد مات بربروس، ولم يعد لتركيا من يقود سفنها البحرية وألويتها إلى طريق النصر، وما يحفظ لها كرامتها في البحر الأبيض المتوسط، هكذا فرح الأوروبيون بوفاة البحار الأسطورة خير الدين بربروس، الذي طالما أرعب الأساطيل الأوروبية، وصد خطرهم عن العالم الإسلامي،
معتقدين أن الدولة العثمانية قد تفقد نفوذها بالمتوسط، لكن فرحتهم لم تكتمل فها هو ذا بحار جديد، سيأتي ليستلم الراية من بعد بربروس، ويكمل ما بدأه قائده، إنه ملك البحر المتوسط تورغوت ريس تابعونا للنهاية.
من هو تورغوت ريس
هذا الشبل من ذاك الأسد مقولة تنطبق بشدة على تورغوت ريس باشا هو الأمير العثماني، الذي كان الذراع اليمنى لأمير البحار خير الدين بربروس، وزوج ابنته، فقد عاد هذا الرجل أمجاد البحرية العثمانية، وساهم في تحرير ليبيا من فرسان مالطا.
وحاول القضاء على فرسان القديس يوحنا بحصار مالطا، لكنه استشهد في ذلك الحصار.
ولد تورجوت عام 1485 في مقاطعة منتشيه في السواحل الغربية للأناضول عائلة عثمانية فقيرة، أحب تورغوت ريس البحر منذ حداثة سنة، وقد ركب السفينة لأول مرة وهو في الثانية عشرة من عمره فقط بدافع حب المغامرة.
حيث عمل في بادئ العمر في سلاح المجاديف، ثم سلاح المدفعية في السفن، قبل أن يقتحم ميدان الجهاد البحري مطلع القرن السادس عشر الميلادي، برفقة مجاهدين أتراك بسطوا سيطرتهم على البحار الشرقية لحوض البحر الأبيض المتوسط.
تورغوت ريس في مواجهة أعداء الدولة العثمانية
استطاع تورغوت ريس في وقت قصير أيكون أسطولا من السفن بلغ في بدايته 24 سفينة، حيث قام بالعديد من عمليات القتال البحري ضد السفن الإسبانية والإيطالية.
هذا بخلاف الانتصارات التي حققها بين الحين والآخر على سفن البرتغالية، متخذا من مدينة جربة التونسية قاعدة له.
وقد وصلت انتصارات تورغوت ريس على السفن الأوروبية إلى مسامع خير الدين بربروس فأعجب به وضمه إلى أسطوله عام 1533 وجعله ساعده الأيمن في غزواته البحرية.
ومع الوقت، تطورت علاقة بربروس بتورغوت ريس، حتى إن بربروس زوج ابنته له ليصبح تورجوت أحد أركان الأسرة البربروسية ذائعة الصيت في عالم البحرية.
بعد سقوط الأندلس عام 1492 وانتهاء الحكم الإسلامي فيها، ومن ثم بدأ الإسبان والبرتغاليين يغيرون على سواحل المشرق الإسلامي.
ظهر عدد من أبطال الجهاد البحري الذين أخذوا على عاتقهم إنقاذ مسلمي الأندلس من الاضطهاد النصراني، والوقوف بوجه الغزاة الأوروبيين، أبرزهم الأخوين عروج، وخير الدين بربروس الذين سيطروا على البحر المتوسط بداية مطلع القرن السادس عشر.
لكن التاريخ لم يحفظ كثيرا أسماء من كان عون للأخوين بربروس في غزواتهم ومالا يعلمه الكثيرون أن تورجوت كان أحد البحارة العثمانيين الذين دافعو عن الدولة العثمانية وحلفائها، وكان أحد الذين شاركوا في عمليات إنقاذ الأندلسيين المضطهدين من بطش محاكم التفتيش الصليبية.
محققا العديد من الانتصارات ضد الأسطول الأوروبي في البندقية ونابولي و رودوس وخاض عبر بروس معارك عديدة.
لكن لم يشتهر اسمه تورغوت ريس إلا من خلال معركة بروزة أو كما تعرف بمعركة بريفيزا التي وقعت على السواحل اليونانية عام 1538.
والتي مكنت الدولة العثمانية من فرض سيطرتها المطلقة على البحر الأبيض المتوسط، ففي تلك المعركة لعب تورغوت ريس دورا كبيرا في النصر العظيم الذي حققه الأسطول العثماني على أسطول التحالف الصليبي،
فقد كان تورغوت ريس برفقة أسطولها المكون من 20 قطعة بحرية يقوم بمهمة مراقبة تحركات الأسطول الصليبي قبل أن يلتف بأسطوله على الأسطول الأوروبي وسط المعركة، ويلحق بهم الهزيمة، ثم طارد تورغوت ريس السفن الهاربة وقام بتدميرها والاستيلاء عليها.
بعد هذا الإنجاز الرائع الذي حققه تورجوت في معركة بروزة، ارتفعت أسهمه كثيرة لدى الدولة العثمانية، وعندما استدعي خير الدين بربروس إلى العاصمة العثمانية إسطنبول كلف تورغوت ريس بالقيام بمتابعة العمليات العسكرية على شواطئ إسبانيا وإيطاليا.
حادثة أسر تورغوت باشا
لكن تورجوت لم يعلم بأن هناك مؤامرة تدبر له. مؤامرة بأسره أو قتله، لم تمر معركة بريفيزا مرور الكرام بالنسبة للأوروبيين، وخاصة لقائد الأسطول الصليبي على الادميرال الجنوي الشهير أندريه دوريا، الذي عهد إلى أبن أخيه جانينو دوريا بالنزول إلى البحر بحثا عن تورجوت من أجل أسره أو القضاء عليه.
وبالفعل بينما كانت تورغوت ريس يقود إحدى سفنه إلى جزيرة كورسيكا تعرض له جانين، وقام بمحاصرته ليسقط تورجوت في لقصر عام 1540.
ظل تورغوت ريس في القصر أربع سنوات كاملة، ولم يكن من السهر خسارة رجل عظيم مثل تورجوت فتدخل السلطان سليمان القانوني بنفسه من أجل إطلاق سراحه ونجحت جهود الدولة العثمانية في فك أسر تورغوت ريس.
حيث قاد خير الدين بربروس أسطولا بحريا كبيرا رسي به أمام السواحل الإيطالية ليجبر حكومة جنوة على تسليم تورجوت مهددا إياها بمهاجمتها إذا امتنعت عن تسليمه.
وأمام هذا التهديد أذعن الإيطاليون إلى طلب بربروس وقاموا بإطلاق سراح تورجوت من الأسر بعد أن حصلوا على فدية ضخمة مقابل إطلاق سراحه، حيث حصلت مرة جنوة على امتياز صيد المرجان وإقامة مرسى بجزيرة طبرق،
بينما حصل أندريه دوريا على 3000 قطعة ذهبية، ووقعت هدنة بين الدولة العثمانية والمملكة الإسبانية، لكن تورغوت ريس رفض الاعتراف بتلك الهدنة، وعادل يزاول عمليات الجهاد البحري ضد السفن الاسبانية والإيطالية رغم تجاوزه ال60 من عمره، حيث غزة سواحل نابولي، ثم حرر سواحل سوسا والمنستير.
في عام 1546، خسرت الدولة العثمانية واحدة من أعظم رجالها، كان ذلك هو قائد الأسطول العثماني خير الدين بربروس، لتعم الفرحة أوروبا بأسرها، والكل يتساءل من سيخلف هذا الرجل العظيم في قيادة الأسطول العثماني؟
نعم، ومن سواه؟ إنه ذراعه اليمنى لخير الدين بربروس وساعده القوي تورجوت باشا الذي يوشك أي حقق نصرا رائعا آخر يضاف إلى سجل انتصاراته المبهرة متمثلا في تحرير ليبيا من سطوة فرسان مالطة
لكان قبل أن حديثكم عن ذلك يجدر بنا ان نرجع قليلا إلى الوراء لنتعرف على فرسان مالطة، وسبب سيطرتهم على ليبيا.
إنجازات وفتوحات تورغوت ريس
منظمة فرسان مالطة أو فرسان القديس يوحنا هي منظمة خيرية دينية كان هدفها المعلن هو تقديم المساعدة للمحتاجين من الحجاج المسيحيين.
وعند بداية الحروب الصليبية تحولت إلى منظمة عسكرية قدمت مساعدات كبيرة للصليبيين وارتكبوا مجازر مروعة بحق المسلمين في القدس، قبل أن يطردوا من القدس على يد الناصر صلاح الدين الأيوبي وينتقلوا إلى قبرص ثم إلى رودس، حيث تحول إلى القتل وابتزاز التجار والسطو وعلى السفن،
قبل أن يستقر في مالطة، ثم انتقلوا إلى طرابلس بعد تسلمها من الإسبان عام 1530 من أجل قطع الطريق أمام العثمانيين في التوسع أكثر.
لجأ الليبيون إلى العثمانيين يطلبون العون من السلطات العثمانية لصد فرسان مالطة، ولم يتأخر السلطان سليمان القانوني فاستدعى تورغوت ريس إلى إسطنبول وطلب منه فتح طرابلس. وفي 15-8-1551م
حيث استطاع تورغوت ريس برفقة مراد أغا وسنان باشا، ان يحرروا طرابلس ويطردوا فرسان القديس يوحنا منها.
هو في عام 1553 عهد السلطان سليمان القانوني إلى تورجوت باشا بولاية طرابلس، وكانت ورجوت أهلا لتلك المهمة، فأحسن إدارة البلاد واستطاع خلال وقت قصير ان يرمم الخراب الذي قام به فرسان مالطة، فقام بتشييد الأبراج والأسوار لحماية المدينة من هجمات الغزاة.
كما شجع زراعة وأنعش التجارة، معتمدا في ذلك على الغنائم التي تأتي بها غزوات أسطوله في المتوسط.
وازدهرت البلاد في عهده الزهار لم تشهده منذ عقود طويلة، كذلك قام تورغوت باشا بتوسيع نفوذ ولايته حيث وصل من مدينة صفاقس بتونس غربا حتى حدود مصر شرقا.
وخلال إقامته في طرابلس، حقق تورغوت ريس العديد من الانتصارات على الأساطيل الأوروبية في أكثر من معركة، أبرزها معركة بونز البحرية التي وقعت قبيل توليه الحكم بعام واحد فقط، ودمر خلالها أسطول جنوة وأثر العديد من السفن والجنود.
ثم عاود فتوحاته المتعددة على شريط البحر المتوسط من الناحية الغربية فحرر مدينة قفصة التونسية، ثم كاتانيا و جزر صقلية، وبعدها كورسيكا التي حرر بها 7000 مسلم كانوا في الاسر هناك.
هذا بالإضافة إلى معركة جربة الشهيرة عام 1560 التي لقن خلالها أساطيل إسبانيا والبندقية وفرسان المعبد أحد أبرز فنون القتال البحري في التاريخ.
وفاة تورجوت ريس
ها نحن ذا، نصل إلى الفصل الأخير في حياة تورجوت باشا، فقد أراد تورغوت ريس، أن بقضي على منظمة فرسان القديس يوحنا التي اتخذت من جزيرة مالطة عاصمة لها وأوغلت في القتل والسطو على سفن المسلمين، وشكلت تهديدا للدولة العثمانية،
لذلك أعدت الدولة العثمانية حملة بحرية وبرية ضخمة للقضاء على فرسان يوحنا بمالطة وانضم تورجوت مع أسطوله إلى تلك الحملة عام 1565، لكن بسبب خطأ ارتكبه القائد الأعلى للجيش مصطفى بيالي باشا الذي ترك المرتفعات التي تحيط بالجزيرة دون حماية، فاستخدمها فرسان المعبد في المعركة،
الأمر الذي تسبب في إصابة تورغوت باشا بشظية في رأسه استشهد على إثرها عن عمر يناهز و80 عاما بعد حياة حافلة بالجهاد وتاريخ مشرف من الانتصارات الرائعة.
نأمل بأن يكون المحتوى قد نال إعجابكم عن تورغوت ريس الشخصية الهامة في تاريخ الدولة العثمانية، ابقوا في امان الله والسلام.
