قبل أن نبدأ مع الحبيب صلى الله عليه وسلم في قصة السيرة النبوية لا بد أن نأخذ لمحة عن الحياة في الجزيرة العربية وعن حال العرب فيها وعن حياة العرب في الجاهلية قبل الإسلام وكيف كانوا يعيشون في تلك الجزيرة؟ وما هي ديانتهم ومعتقداتهم؟
وكيف كانت تسير حياة العرب في العصر الجاهلي وعاداتهم وتقاليدهم وعلاقاتهم بعضهم ببعض؟ تابعونا لمعرفة كل ذلك
ما هو أصل العرب
اصل العرب كما قيل من قاحطان وإسماعيل عليه السلام وكلنا نذكر في قصص الأنبياء لما عاش إسماعيل عليه السلام ابن الخليل إبراهيم صلى الله عليه وسلم في مكة تزوج من امرأة جرهمية من جرهم بن قاحطان فاصل العرب يرجع إلى قاحطان وإسماعيل عليه السلام.
حياة العرب في الجاهلية قبل الإسلام
ديانة وعبادة العرب في الجاهلية
نبدأ سرد حياة العرب في الجاهلية قبل الإسلام في انه عاش العرب في الجزيرة العربية زمنا طويلا على توحيد الله عز وجل يعبدون الله تعالى ويطوفون بالبيت يحجون لله جل وعلى ودينهم التوحيد حتى حدث امر تسبب فيه رجل واحد هو عمر بن لحي الذي خرج من مكة عندما كانت على التوحيد قاصدا الشام وبالتحديد البلقاء
فوجد بها قوما يسمون العماليق وهم ولد عملاق ويقال عمليق بن لاوذ ابن سام بن نوح رآهم عمر بن لحي يعبدون الاصنام فاستغرب وسألهم ما هذا الذي تفعلون فردوا بان هذه اسلام فقال لهم ما ذا تفعلون بها قالوا نعبدها
قال لما قالوا له نستنصرها فتنصرنا ونستمطرها فتمطرنا.
قال بسخرية هذه تمطركم قالوا نعم جربناها سنين طويلة فسألهم عمر بن لحي ان يعطوه واحد منهم فأعطوه صنما فأخذ عمر بن لحي هذا الصنم من الشام وعاد به إلى مكة فاستغرب اهل مكة وسألوه ما هذا الذي تفعل يا عمرو
فقال هذا صنم جئت به من الشام نعبده ونستنطره فينطرنا ونستنصره فينصرنا فسخروا منه وقالوا صنم نستمطره فيمطرنا فقال نعم فاذا بعمرو بن لحي يقنع اهل قريش وكانوا على التوحيد واقتنعت القبائل حولهم فصنعت اصناما وكل منها عبدت من دون الله عز وجل
حتى التلبية التي كانت لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك لبيك غيروها فكانوا يقولون لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك لبيك الا شريكا هو لك تملكه وما ملكت فجاءوا بالتوحيد وختموا بالشرك
وبعدها ينتشر الشرك بين العرب بعدما كانوا على دين التوحيد وكل ذلك بسبب عمرو بن لحي الذي قال عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما بعد (رأيت عمرَو بنَ لُحيٍّ يجرُّ قصَبَه في النارِ لأنه أولُ مَن سيَّب السوائبَ وغيرَ دينَ إبراهيمَ) المصدر : مجموع فتاوى ابن باز
أي رأيت عمر عامر الخزعي وهو عمر بن لحي يجر قصبه في النار اي امعاءه فكان اول من غير دين إبراهيم
انتشرت الاصنام أيضا في كل بيوت مك وفي كل ما حولها فقد كان يتمسحون بها ويطلبون البركة منها ويستأذنوها للسفر ويذبحون لها الذبائح والقرابين ليتقربوا الى هذه الاصنام من دون الله تعالى
لدرجة ان رجلا كان يدعى اساف ومرأته تدعى نائله من قبيلة جرهم فعلى الفاحشة في جوف الكعبة فمسخهم الله عز وجل صنمين فجعلت قريش الصنمين يعبدان من دون الله تعالى بالرغم من انه تعالى عذبهما
كفار العرب وليس قريش فقط وصل بهم الامر الى انهم بنوا بيوتا لأصنامهم يطوفون بها غير بيت الله الحرام
- فهذه اللات عبدتها ثقيف
- ومناة عند الاوس والخزرج في يثرب
- وكذلك العزي في منطقة تسمى نخلة
وهو مذكره تعالى في sورة النجم. {أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّىٰ (19) وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَىٰ (20) أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنثَىٰ (21) تِلْكَ إِذًا قِسْمَةٌ ضِيزَىٰ (22) إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنتُمْ وَآبَاؤُكُم مَّا أَنزَلَ اللَّهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ ۚ إِن يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنفُسُ ۖ وَلَقَدْ جَاءَهُم مِّن رَّبِّهِمُ الْهُدَىٰ (23)}
وهكذا انتشر الشرك في الجزيرة العربية حيث سيطر الشيطان على قلوب وعقول كفار الجزيرة العربية لدرجة انهم كانوا يتشاءمون فاذا ما أرادوا على سبيل المثال السفر طير طائرا ونظروا اين يطير الى اليمين ام الى الشمال
فاذا ما طار طائر ناحية اليمين سلكوا هذا الطريق واذا ما طار طائر ناحية الشمال لم يسلكوا هذا الطريق
يتشأمون حتى من الأسماء والاصوات والأيام وكثر العرافون والسحرة والكهنة والمنجمون بينهم بل وصل بهم الامر الى انهم اذا نزلوا في واد من الوديان كانوا يستعيدون بالجن والشياطين فيقولون نعوذ بشر هذا الوادي بسيد هذا الوادي
قال تعالى في سورة الجن {وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِّنَ الْإِنسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِّنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا (6)} فكل مظاهر الشرك كانت منتشرة في مكة وما حولها من عبادة غير الله عز وجل من اصنام وطواغيت وشياطين وجن والاستعادة بهم من دون الله تعالى والذبح للتقرب لآلهتهم التي لا تنفع ولا تضر
كان كفار العرب وخاصة مكة ينسبون عبادتهم للأصنام الى إبراهيم وإسماعيل عليهم السلام لدرجة انهم كانوا يعلقون صورة لهما في جوف الكعبة وكانوا يعيشون حياتا تحلل الحرام وتحرم الحلال
حتى الناقة التي تلد عشرة من الاناث سيبوها وحرموها حتى انزل الله تعالى في سورة المائدة {مَا جَعَلَ اللَّهُ مِن بَحِيرَةٍ وَلَا سَائِبَةٍ وَلَا وَصِيلَةٍ وَلَا حَامٍ ۙ وَلَٰكِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ ۖ وَأَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ (103)}
أي ان كفار الجزيرة العربية كانوا اذا ما ولدت ناقة خمسة ابطن شقوا اذنها وامتنعوا عن ركوبها وذبحها وكانوا يسيبون ابلا لآلهتهم في نذر يلزمهم ان شفي مريض او قضيت لهم حاجة كما كانت الشات اذا ولدت انثى فهي لهم وان ولدت ذكر جعلوه لآلهتهم
وان ولدت ذكرا وانثا قالوا وصلت اخاها فلم يذبح الذكر لآلهتهم واذا ولد من صلب الفحل عشرة ابطن قالوا قد حما ظهره فلم يركب ولم ينتفع وسيب لأصنامهم فلا يحمل عليه وكل هذا كان مجر اباطيل ما انزل الله عز وجل بها من سلطان ولكن هيئها لها كفرهم وشركهم وشياطينهم
اما حال اليهود والنصارى في الجزيرة فلم يكن افضل حالا من الكفار فاليهود كان همهم هو جمع الأموال والسلاح واثارة الحروب بين الناس اما حال النصارى فقد كان لهم رهبان يحلون لهم الحرام ويحرمون عليهم الحلال فيحرمونه وكانت القبائل بينها وبين بعض تتقاتل على اتفه الأسباب
ربما ناقة رعت في ارض ليست ارضها قامت لأجل ذلك حروب لسنوات طوال ولسبب اتفها من هذا قامت بين القبائل حروب ومعارك طاحنة راحت في سبيلها نفوس وازهقت أرواح
الزواج عند العرب في العصر الجاهلي
العفة في الجزيرة العربية في ذلك الوقت كانت في أوساط الاشراف فقط اما طبقات الأدنى فقد كان الزنا فيها مباح وكان هناك الكثير من أنواع النكاح منه كنكاح اليوم حيث تنكح المرأة من خلال وليها ونكاح اخر يقول فيه الزوج لزوجته اذا طهرت اذهبي الي فلان فاستبضعي منه أي احملي منه فتنام معه أياما حتى تحمل
ثم يأتيها زوجها وكان يراد من ذلك ان يورث الابن شجاعة او شدة او نجابة هذا الرجل.
وكان هناك نوع آخر تختار فيه المرأة عشرة من الرجال يأتونها فإذا حملت اختارت ما شاءت منهم ويجبر أن يكون ابن له
وهناك نكاح البغايا الذي كان منتشر في الجزيرة العربية فقد كانت المرأة العاهرة تضع راية عند باب بيتها فيأتيها ما شاء من الرجال فإذا ولدت جمع لها ودعوا لها القافلة وهم الذين يشبهون الناس ويعرفون هذا ابن من ملامحه وعلامات جسده ثم يلحقوا ولدها بالذي يرون منهم.
وكان هناك أيضا نكاح المتعة وهو نكاح الى اجل بلا خطبة ولا صداق فاذا انقضى انفسخ العقد وواقعة الفرقة.
وكان هناك أيضا نكاح البدل او المبادلة وهو ان يبدل الرجلان زوجتيهما بشكل دائم ويكون بلا صداق بل كان الرجل يتزوج المرأة واختها بل كان يتزوج زوجة ابيه.
وهناك الكثير والكثير من أنواع النكاح التي كانت منتشرة في الجاهلية والتي لم ينزل الله عز وجل بها من سلطان.
هكذا كانت العرب تعيش حياة بهيمية بل كان الرجل ينصر اخاه وبنعمه نصرة الجاهلية ظالما او مظلوما
المرأة في الجاهلية قبل الإسلام
اما المرأة في هذا الوقت فقد كانت مهانة وذليلة فيروى ان قوم يدعون قوم ربيعة قاتلوا قوم أخرى وكان العرب وقتها اذا حدث قتال واخذوا سبايا أي اسيرات فانه يتم تخيرهن بين ازواجهن وبين البقاء مع من سباهم.
فعندما وقعت بنت سيدة قوم بني ربيعة في الاسر وخيرت بين العودة لقومها وزوجها او البقاء في السبي فضلت من سباها فالحقة العرب قومها وابيها الذي اقسم انه اذا ما جاءته بنت قتلها فرزقه الله بعشر بنات فوأدهن جميعهن.
فصارت عادة في القبيلة ثم صارت عادة بين القبائل. قال تعالى في سورة التكوير. {وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ (8) بِأَيِّ ذَنبٍ قُتِلَتْ (9)}
بل كان العرب اذا أراد ان يبقي على ابنته حيا يتوارى من القوم ويخبئ نفسه من الذل والهوان. قال تعالى في سورة النحل.{وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُم بِالْأُنثَىٰ ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ (58) يَتَوَارَىٰ مِنَ الْقَوْمِ مِن سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ ۚ أَيُمْسِكُهُ عَلَىٰ هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ ۗ أَلَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ (59)}.
حتى ان رجلا من الصحاب يقص قصته قبل الإسلام في الجاهلية فيقول. ولدت زوجة انثي فمسكتها على هون حتى اذا كبرت وصارت جارية تلعب وبدأ الخطاب يخطبونها اتتني الحمية والغير فقلت لزوجتي زينيها والبسيها وجهزيها. فقالت لماذا؟ قال اريد ان ازور بها أقربائي
ففرحت زوجته والبستها وزينتها واخذت عليه العهود بان لا يمسها بسوء فاخذ بنته وفي الطريق رأى بئر فنظر داخل البئر السحيق ونظرت ابنته معه يقول
فأحست ابنته بأمر سوء فقالت له ابنته اسألك بالله يا ابي ان لا تخون عهد امي وامانتها فلما نظر الي وجهها وبكائها رحمها ولكن عندما ينظر الى البئر اخذته الغيرة والحمية مرة أخرى حتى القاها في البئر وسمع صراخها الى ان فارقت الحياة.
وكانت المرأة أيضا اذا متوفي زوجها فان أولاده يرثونها حالها كحال الميراث وكانت تباع وتشترا في الأسواق. هكذا كان حال المرأة في الجاهلية قبل الإسلام ذل وهوان
اخلاق العرب في الجاهلية
ورغم ذلك كان العرب في الجاهلية يتميزون بأخلاق عرفوا بها وكانوا يعيشون عليها بل ويموتون عليها فقد كانوا يتصفون بالكرم الواسع لدرجة ان الواحد منهم قد يذبح ناقة هي كل ما يمتلكه من اجل ضيف لا يعرفه
وكانوا يجمعون الأموال لذبح الذبائح اكراما لحجاج بيت الله الحرام كما كانوا يتصفون أيضا بالالتزام بالعهود والمواثيق ولو على حساب أولادهم وذرياتهم وأقوامهم
كما كانوا يتصفون بعزة النفس وعدم الهوان والكبرياء وقد قيل في ذلك الاف الابيات من الشعر ولهذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إنما بُعِثْتُ لأُتَمِّمَ مكارمَ و في روايةٍ ( صالحَ ) الأخلاقِ)
وهذا دليل علي انها كان لدي العرب اخلاق وجاء النبي صلي الله عليه وسلم ليتمها وسنبدأ السيرة النبوية الشريفة في قادم المقالات.