بدأ دعم بريطانيا للملك عبد العزيز بن آل سعود بشكل سري بعدما تخلت عن دعم الشريف بن الحسين بعدما رفض الشريف الحسين يوقع على اتفاقية فرساي في 1919ـ التي أنهت الحرب العالمية الأولى، وأيضا حصل على مبايعة من العالم العربي بإنه يكون الخليفة الجديد للمسلمين من شتى بقاع العالم العربي، وسنعرف تلك التفاصيل في المقالة تابعونا للنهاية.
دعم بريطانيا للملك عبد العزيز بن آل سعود
الشريف الحسين، تنازل عن العرش لابنه علي ابن الحسين وأبحر للعقبة لدعم ابنه ضد آل سعود، اللي اجتاحوا الحجاز في 1924 و أسسوا دولتهم هناك، لكن كان في هنا الوجه الآخر للملك عبد العزيز آل سعود، وتحالفه مع السلطات الإنجليزية بسبب مصلحته الشخصية.
ولكي تعرف تلك المصالح كانت عبارة عن ماذا؟ ووصلت لاين؟ ركز للنهاية.
لما قامت الحرب العالمية الأولى في أغسطس 1914 بدأت مكانة الملك عبد العزيز آل سعود تكبر في نظر السياسة البريطانية اللي كانت تبحث على حلفاء تستند عليهم في معركتها القادمة ضد الألمان والعثمانيين، خصوصا في الجزيرة العربية،
بعدما كانت سياستها زمان تقتضي البعد عن عمق الجزيرة العربية والتركيز على مصالحها على ساحل الخليج العربي من الكويت، شمال الي عمان جنوبا.
وهنا قررت بريطانيا بسرعة إنها ترجع تتصل بعبد العزيز آل سعود عن طريق صديقه الكابتن وليام هنري إيرفين شكسبير، والاتصال ده كان بداية تحالف آثاره ما زالت واضحة الي الان.
وبالفعل شكسبير، ضابط الاتصال البريطاني، تم استدعاؤه مرة أخري بعد ما قدم طلب للتقاعد ورجع شكسبير بحماس شديد للاتصال بعبد العزيز آل سعود سعود، وكان هدف البريطانيين من التحالف مع الملك عبد العزيز آل سعود مثلما بتقول المصادر إنهم يزيحوا صنيعة الأتراك أمير حائل ابن الرشيد اللي كان بيهدد جناح الجيش البريطاني في جنوب وادي الرافدين.
شكسبير قدر يتواصل مع عبد العزيز، وقبل قرب الزلفي في نجد لكي يحددوا الخطوط العريضة لاتفاقية مهمة بين الطرفين، قبل معركة معركة جراب اللي حصلت بينا بن سعود وبن رشيد.
في تلك المعركة تم قتل شكسبير في يناير 1915 بعدما قضى خمس سنين من حياته في تعريف السياسة البريطانية بابن سعود، وأهميته اللي كانت بتزيد يوم بعد يوم في خدمة المصالح البريطانية، مثلما بتقول الوثائق.
ومعركة جراب اللي انتهت بتعادل بين بن سعود وبن رشيد، وموت صديق عبد العزيز الكابتن شكسبير، جعلت أمير الرياض يتجنب الدخول في حرب كبيرة لمدة سنتين أو ثلاثة.
لكن الملك عبد العزيز آل سعود كان قال لشكسبير قبل موته إنه لن يساعد بريطانيا طالما تاركينه يواجه مصير مجهول أمام العثمانيين، في حالة الدخول في صدام مع حليفهم الرئيسي في وسط الجزيرة العربية، أمير جبل شمر بن رشيد.
لذلك كده في برقية عاجلة من وزارة المستعمرات في الهند بتاريخ 30 يناير 1915 لوزارة الخارجية البريطانية تبين تأييد المقيم السياسي في الخليج ووزارة الهند لموقف عبد العزيز بن سعود نظرا لأهمية موقعه الاستراتيجي في الجزيرة العربية، وإن الإنجليز كانوا مقدرين ذلك الدور حتى بعد نهاية الحرب العالمية الأولى.
في البرقية كان مكتوب “إن الرغبة في عقد معاهدة مع الأمير بن سعود لا تنجم فقط عن الضرورات الحالية التي تحتم دفع ثمن فوري لصداقته، بل أيضا عن الوضع العام الذي سيطرأ على الخليج العربي كنتيجة للحرب الحالية في حالة زوال الحكم التركي عن البصرة،
و من الممكن أن نتوقع أن أمير نجد سيكون سيدا ليس في وسط الجزيرة العربية فقط، بل في شريط طويل من الساحل.”
وكنتيجة لتأكيد ولا بن سعود للإنجليز ومطالبته بمعاهدة حماية حقيقية عبد العزيز آل سعود عرف صديقه شكسبير سر حربي شديد الأهمية وهو الخطة العثمانية ضد الإنجليز في الحرب العالمية الأولى، واللي كانت سوف تعتمد على انضمام السعوديين للأتراك والقيام بدور هام جدا.
شكسبير بسرعة، أرسل برقية سرية عاجلة للقوات المسلحة البريطانية في الهند، اللي بدورها نقلت تلك التفاصيل وزارة الحرب البريطانية في 19-1-1915م،
تلك البرقية السرية جاء فيها “ابن سعود أخبارنا أن الخطة التركية الأصلية كانت أن بن سعود يدافع عن البصرة و يقوم بهجوم خادعا لعرقلة أي تقدم بريطاني وبن رشيد وقبائل أعنز يتقدمون نحو سيناء، ومصر بالاتصال مع القبائل الغربية، وشريف مكة والإمام الإدريسي يدافعون عن اليمن والحجاز والأماكن المقدسة.
بفضل شكسبير وتقاربه مع عبد العزيز آل سعود، وتعهدهم بإبرام معاهدة، تم إفشال تلك الخطة وبعد ست أيام فقط تم ارسال برقية ثانية من نائب الملك في الهند لوزارة الهند في 25-1-1915م تؤكد على موقف بن سعود الحرج وضرورة عقد معاهدة معه.
وقالت “دون أن تكون بيد ابن سعود معاهدة فعلية معنا فإنه لم يكن بوسعه أن يستجيب بصورة مباشرة لطلبنا الذي جاء بعد ذلك بأن يتقدم نحو البصرة، والواقع أنه محرج في الوقت الحاضر بسبب صعوبة وضعه الراهن، وإذا لم تعقد المعاهدة قريبا،
فإنه يخشى أن تدفعه الظروف إلى تقديم تطبيق مكشوف لنيته في الانحياز إلى جانب الأتراك.”
في الشهور اللي كانت بين وضع المسودة الأولية والمعاهدة النهائية، المعاهدة تعدلت أكثر من مرة من قبل ابن سعود لضمان شروط الكافية لحمايته أثناء الحرب ضد الرشيد والعثمانيين وتقوية استقلاليته وتقليل تحكم بريطانيا في سياسته،
وفي الوقت اللي كانوا فيه في شد وجذب العثمانيين، سمعوا عن تلك الاتصالات السرية ، وحاولوا يجتذبوا الإمام السعودي للمشاركة في الجهاد ضد الكفرة مثلما وصفوهم، لكن المحاولة فشلت لإن ابن سعود كان معجب الجانب البريطاني لإنه رأي مصالحه الشخصية معهم.
وفي 26-12-1915م الملازم بيرسي كوكس وقام عبد العزيز آل سعود معاهدة في جزيرة دارين المقابلة للقطيف، وتلك المعاهدة سميت بعد ذلك بمعاهدة دارين ونائب ملك بريطانيا وحاكم الهند صدق عليها في يوليو 1916 واعتبرت السعودية بمقتضاها دائرة بشكل كامل في فلك السياسة البريطانية.
وبموجب تلك المعاهدة الحكومة البريطانية اعترفت بأن سيادة عبد العزيز آل سعود تشمل نجد والقطيف والجبيل وكل المدن والمرافق التابعة لتلك لمقاطعات مقابل التزام بريطانيا بحماية مصالحه ومصالح بلاده بعد مشاورات مناسبة.
والان سوف أعرض لك المادة الثالثة من المعاهدة ونري علي ماذا نصت “أن يتعهد ابن سعود أنه يمتنع عن أي مخابرة أو اتفاق أو معاهدة مع أي حكومة أو دولة أجنبية.
والمادة الرابعة أكدت إن أمير نجد لا يقدر يتنازل عن الأراضي أو جزء منها ولا يؤجرها أو يرهنها أو يتصرف فيها بأي شكل ولا يقدمها على سبيل الامتياز لأي دولة أجنبية أخري أو لأي أحد من رعاية دولة أجنبية من غير موافقة الحكومة البريطانية”
والمادة السادسة كانت “أن يتعهد بن سعود كما تعهد والده من قبل أنه يمتنع عن أي تجاوز وتدخل في أرض الكويت والبحرين وأراضي مشايخ قطر وعمان وسواحلها، وكل المشايخ الموجودين تحت حماية إنجلترا ومن يملكون معاهدات معها.” وكان هدف بريطانيا من ذلك هو تقسيم الدول العربية.
المؤرخين متفقين على إن تلك المعاهدة كانت تعني بشكل مباشر الحماية البريطانية على آل سعود ودولتهم في نجد، وأضاف عبد العزيز آل سعود كان إنه يحصل على مرتبات شهرية ودعم تسليحي كبير قدره ألف رشاش وبندقية و100 الف وحدة ذخيرة، وبالفعل استلم الدفعة الأولى من مرتبه اللي كان 5000 جنيه إسترليني.
المساعدة البريطانية بالمال والسلاح، كانت مهمة لعبد العزيز آل سعود مش ليس فقط في الحرب العالمية الأولى، لكن أيضا في تحديد مصيره ومستقبله السياسي أمام أعدائه الداخليين، خصوصا قبائل الشمر و العجمان والمرة.
سجلات الخارجية البريطانية تؤكد الثقة اللي الإنجليز وضعوها في عبد العزيز، ففي برقية مؤرخة بتاريخ 29-12-1915م، أرسلها شارك في الهند لوزارة الهند في لندن، قال فيها
“موقف بن السعود الشخصي كان صريحا ومستقيما، وأنا أعتقد أن انضمامه إلينا بثبات خلال الحرب يمكن الاعتماد عليه.”
وكانت الثقة البريطانية اللي وضعوها في عبد العزيز آل سعود كانت في محلها، أثناء الخلافات بين أل سعود وشريف مكة، اللي كان يخاف من قوتهم اللي كانت تهدد الحدود بين نجد والحجاز.
الشريف حسين أكد في لقائه مع جون فيلبي الرحالة وضابط المخابرات البريطاني اللي اتصل بعبد العزيز آل سعود سنة 1917، إن في اتصالات سرية بين ابن سعود وبين الأتراك المحاصرين في المدينة المنورة من قبل شريف مكة والقوات البريطانية أثناء الحرب العالمية الأولى.
جون فيليب دافع بحسم عن ابن سعود وقال “عندما كنت في جدة أكد للشريف بكثير من الشدة أن لديه برهانا لا جدال فيه على أن بن سعود كان منذ مدة طويلة يتواصل سرا مع فخري باشا، القائد التركي لحماية المدينة المنورة،
والواقع أن ابن سعود لم يخبرني عندما كنت في الرياض، باستلامه رسائل من فخري باشا فحسب، بل إنه سلم إلي ثلاث أصلية منها، وكانت إحداها، على أية حال، توضح بشكل حاسم أنه لم يرد أبدا على الرسالتين الأخريين.”
ولم يقل فيليب تلك الحقيقة فقط، لكن أيضا أخرج للشريف حسين تلك الرسائل اللي سلمها له عبد العزيز آل سعود من القائد التركي فخر باشا المحاصر من قبل الإنجليز وقواته، لكن الشريف رفضها رفضا قاطع، رغم ذلك جون فيلبي كان مقتنع تماما بولاء عبد العزيز للإنجليز.
عموما الإنجليز من خلال هنري ماكماهون ومكتب المندوب السامي في القاهرة، في لك الوقت أعطى الضوء الأخضر في يونيو 1916 للشريف حسين بإطلاق ما أسمه الثورة العربية الكبرى ضد العثمانيين،
وتلك كانت في حقيقتها استغل البريطاني لحماسة العرب ودمائهم لطرد العثمانيين من غرب الجزيرة العربية في الحجاز وحتى الأردن في الشمال، فضلا عن الشام والعراق مع وعود كاذبة بالاستقلال والدعم مستقبلا.
وذلك الذي اعترف بيه لورانس العرب بعد ذلك، الضابط الشاب البريطاني اللي كان بيحرك الشريف وقواته كالعرائس وقال
“بما إني لم أكن أحمق نهائيا، فقد رأيت أنه إذا انتصرنا نحن في الحرب، فإن وعودنا للعرب ستكون حبرا على ورق ولكنت مستشارا نزيها لبعثت رجالي إلى ديارهم، ولما سمحت لهم المجازفة بحياتهم من أجل هذه القضية،
إلا أن الحماسة العربية كانت أداتنا الرئيسية لنكسب الحرب في الشرق، لذلك أكدت لهم أن إنجلترا ستبقى على العهد نصا وروحا، ولكنني بالطبع كنت على الدوام أشعر بالمرارة والخجل.”
وكان دور البريطانيين في المنطقة العربية مهم جدا خلال الحرب العالمية الأولى، فهدفهم الأساسي هو توحيد الأمراء المواليين ليهم في الجزيرة العربية لمواجهة العثمانيين، فكانوا دائما يشجعوا عبد العزيز على الانضمام للشريف حسين،
لكن عبد العزيز كان مثلما ليس مرتاح تجاه الشريف الحسين، وذلك كان دعم بريطانيا للملك عبد العزيز بن آل سعود أمير نجد وفي المقالة القادمة سوف نعرف دور البريطانيين في المنطقة العربية خلال الحرب العالمية الأولى، ابقوا في امان والسلام.
المصادر
- مصر العثمانية
- مدخل مختصر لفهم «الوهابية»
- تاريخ المملكة
- لماذا خصّص البريطانيون راتبا شهريا لعبد العزيز آل سعود؟
- تاريخ نجد الحديث وملحقاته