حديث عجوز بني اسرائيل
سبب ذكر قصة عجوز بني اسرائيل انه في يوم من الأيام نزل النبي محمد صلى الله عليه وسلم ضيفا على رجل من الأعراب فلم يصدق الرجل نفسه أن ضيفه هو رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم
فأخذ الرجل يقدم الطعام والشراب والفاكهة لرسول الله محمد صلي الله عليه وسلم مع أنه رجل فقير لا يملك شيئا إلا القليل لكنه كان في قمة السعادة لأن بيته قد امتلأت بركة ونورا بوجود رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم
فتعجب النبي صلى الله عليه وسلم من كرم هذا الأعرابي الفقير فما كان من نبي الله إلا أن طلب من هذا الأعرابي أن يأتي إليه بعد ذلك ليجزيه ويكافئه على ما فعله معه
ومرت الأيام وتعرض هذا الأعرابي لأزمة مادية كبيرة فتذكر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان قد طلب منه أن يأتي إليه ليجزيه ويكافئه
فما كان من هذا الأعرابي إلا أن ذهب إلى النبي صلى الله عليه وسلم واستأذن في الدخول عليه فلما علم النبي صلى الله عليه وسلم بوصول هذا الأعرابي أذن له أن يدخل
فدخل الأعرابي على رسول الله صلى الله عليه عليه وسلم فرد النبي السلام ورحب به غاية الترحيب وأخذ يسأله عن أحواله ليطمئن عليه
فبدأ الرجل يشكو إليه الفقر والحاجة فما كان من النبي صلى الله عليه وسلم إلا أن قال له يا أعرابي أطلب ما تريد وكان النبي صلى الله عليه وسلم يظن أن هذا الأعرابي سيطلب شيئا كبيرا
وذلك بأن يسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يدعو وله بمغفرة ذنوبه أو بدخول الجنة وصحبة النبي صلى الله عليه وسلم فيها
لكن هذا الأعرابي لم يسأل النبي صلى الله عليه وسلم شيئا من كنوز الآخرة بل سأله شيئا يسيرا من حطام الدنيا الفاني
حيث قال له الأعرابي يا رسول الله أريد ناقة برحلها نركبها ونسافر عليها وأعنزا نحلبها ونشرب حليبها
حزن النبي صلى الله عليه وسلم حزنا شريدة ذلك أن هذا الأعرابي أتيحت له فرصة العمر بأن يدعو له رسول الله صلى الله عليه وسلم دعوة مستجابة فيفوز في دنياه وأخراه
لكنه ترك كل ذلك وسئل رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا يسير يمكن أن يطلب من أي إنسان غير النبي
فإذا به النبي صلى الله عليه وسلم يقول لهذا الأعرابي أعجزت أن تكون مثل عجوز بني إسرائيل فتعجب الصحابة رضي الله عنهم لأنهم لم يسمعوا بسيرة عجوز بني اسرائيل من قبل
فقالوا يا رسول الله وما عجوز بني إسرائيل فبدأ النبي صلى الله عليه وسلم يحكي لهم قصة عجوز بني إسرائيل وهي امرأة كانت صاحبة همة عالية
فلما أتيحت لها الفرصة بأن تطلب شيئا من نبي الله موسى عليه الصلاة والسلام لم تطلب منه أي شيء من حطام الدنيا بل طلبت من موسي شيئا أكبر من ذلك بكثير
وذلك حديث عجوز بني اسرائيل
(أَعجِزتُم أن تكونوا مثلَ عجوزِ بني إسرائيلَ ؟ فقال أصحابُه : يا رسولَ اللهِ و ما عجوزُ بني إسرائيلَ ؟ قال : إنَّ موسى لما سار ببني إسرائيلَ من مصرَ ، ضَلُّوا الطريقَ ، فقال : ما هذا ؟ فقال علماؤهم نحن نُحَدِّثُك : إنَّ يوسفَ لما حضره الموتُ أخذ علينا مَوثِقًا من اللهِ أن لا نخرُجَ من مصرَ حتى ننقِل عظامَه معنا ، قال : فمن يعلمْ موضعَ قبرَه ؟ قالوا ما ندري أين قبرُ يوسفَ إلا عجوزًا من بني إسرائيلَ ، فبعث إليها ، فأتَتْه ، فقال دُلُّوني على قبرِ يوسفَ ، قالت لا و الله لا أفعلُ حتى تُعطِيَني حُكمي ، قال : و ماحُكمُكِ ؟ قالت أكونُ معك في الجنَّةِ ، فكره أن يُعطِيَها ذلك ، فأوحى اللهُ إليه أن أَعطِها حكمَها ، فانطلقَتْ بهم إلى بُحَيرةٍ ، موضعَ مُستَنْقَعِ ماءٍ ، فقالت : انضِبوا هذا الماءَ ، فأَنضبوا ، قالت احفِروا و استخرِجوا عظامَ يوسفَ ، فلما أقلُّوها إلى الأرضِ ، إذ الطريقُ مثلُ ضوءِ النَّهارِ)
فما هي قصة عجوز بني إسرائيل معنا بإذن الله موسي عليه الصلاة والسلام
قصة عجوز بني اسرائيل
تبدأ قصة عجوز بني اسرائيل من أيام نبي الله يوسف عليه الصلاة والسلام فإنه لما أصبح يوسف عليه السلام عزيز مصر واحس بعد ذلك بقرب أجب أجله وقال {۞ رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِن تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ ۚ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ۖ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ (101)}
هنا أخذ نبي الله يوسف عليه السلام العهد والميثاق على بني إسرائيل عند موته أنهم إذا خرجوا في يوم من الأيام من مصر أن يحفروا ويأخذوا جسده ويدفنوه في الأرض المقدسة في فلسطين
ومات يوسف عليه السلام ومرت سنوات وسنوات ولم يستطع بنوا إسرائيل أن يأخذوا جسده من مصر ليدفنوه في الأرض المقدسة
ولما بعث نبي الله موسى عليه الصلاة والسلام وذهب إلى فرعون ليدعوه إلى عبادة الله جل وعلى وحده لا شريك له فأبا فرعون أن يؤمن بالله بل وحارب رسول الله موسى عليه السلام وخرج بجيشه وراء موسى ومن آمن معه من أجل أن يقتلهم
وبينما هم في الطريق إذ ضلوا الطريق فتعجب نبي الله موسى عليه السلام فسأل من معه من علماء بني إسرائيل عن سبب ذلك
فقالوا له إن يوسف عليه السلام قد أخذ العهد على بني إسرائيل أنهم إذا خرجوا من مصر أن يحفروا ويأخذوا جسده ليدفنوه في الأرض المقدسة
فقال موسى عليه السلام وهل هناك أحد يعرف مكانة قبر يوسف عليه السلام قالوا لا يعرف مكانة قبر يوسف عليه السلام الا امرأة عن عجوز من بني إسرائيل
فقال موسى عليه السلام ائتوني بها فذهبوا إليها وجاؤوا بها إلى نبي الله موسى عليه السلام فلما رآها قال لها دليني على قبر يوسف عليه السلام
فقالت المرأة عجوز بني اسرائيل لن أدلك على قبر يوسف عليه السلام إلا إذا حققت طلبي فسألها موسى عليه السلام ما هو طلبك وماذا تريدين
قالت أريد أن أكون معك في الجنة فتعجب نبي الله موسى عليه السلام من طلبها واستصعب أن يحقق لها طلبها
لأنه رأى أن هذا العمل الذي ستقوم به لا يساوي أن تكون معه في تلك المنزلة العالية أو لأنه لا يستطيع أن يعدها بشيء لا يملكه هو فهو لا يستطيع أن يقول لأحد أنه سيكون معه في الجنة إلا إذا أوحي الله عز وجل إليه بذلك
وبالفعل أوحي الله عز وجل إليه في تلك اللحظة بأن يعطيها سؤلها وما أرادت وأن يخبرها بأن الله قد حقق لها أمنيتها وأنها ستكون مع موسى عليه السلام في الجنة
وعندما أخبر نبي الله موسى عليه السلام هذه المرأة العجوز بأنها ستكون معه في الجنة قامت المرأة وتوجهت إلى بحيرة صغيرة قريبة منهم
وطلبت منهم أن ينضوا ذلك الماء ثم قالت لهم احفروا هذا المكان فلما حفروا وجدوا جسد يوسف عليه السلام كما هو وكأنه قد دفن الآن
فلما رفعوه وساروا به أضاء لهم الطريق كأن هم في ضوء النهار هكذا تقول هذه الرواية وما نقله ناقلوها فيها فسبحان الله العظيم.
الدروس المستفادة من قصة عجوز بني اسرائيل
فرسول الله محمد صلى الله عليه وسلم كان يحرص دائما على أن يكون الإنسان عالي الهمة يقول صلى الله عليه وسلم كما في حديث ابن عباس رضي الله عنهما (إنَّ اللهَ تعالى يُحِبُّ مَعاليَ الأُمورِ ، و أَشرافَها ، و يَكرَهُ سَفْسافَها)
أي إن الله سبحانه وتعالى يحب الأمور عالية الشأن رفيعة القدر التي ترفع قدر صاحبها مثل عزة الإيمان وقوته والامتثال لله ورسوله صلى الله عليه وسلم ويكره سَفْسافَها أي رديئها وحقيرها والتوافه التي تنبئ عن الخسة والدناءة وتنبئ عن عدم المروءة
مثل الإصرار على الذنوب والغيبة والنميمة وتدخل المرء فيما لا يعنيه
فقد قال يوما عليه الصلاة والسلام لربيعة بن كعب كما في صحيح مسلم وكان ربيعة غلاما يخدم النبي محمد صلى الله عليه وسلم محبة وإكرامه وأراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يكافئه فقال عليه الصلاة والسلام يوما وهو يصب الوضوء عليه
(يا ربيعة بن كعب أطلب من شيء فقال ربيعة مياه رسول الله أنظرني حتى أفكر ثم رفع الغلام بصرة إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقال يا رسول الله أسألك مرافقتك في الجنة
فنظر إليه النبي صلى الله عليه وسلم سلم وتعجب وظن أن الغلام يريد شيئا آخر لكنه خجل فقال صلى الله عليه وسلم له أو غير ذلك يعني لعلك تريد شيئا آخر وخجلت
فقال ربيعة هو ذاك يا رسول الله فقال صلى الله عليه وسلم من أمرك بهذا فقال ربيعة لا أحد غير أني نظرت في الدنيا فعلمت اني إذا سألتك شيئا من الدنيا ذهب لكن أردت أن أسألك شيئا من أمر الآخرة
فقال صلى الله عليه وسلم وقد أعجب بتصرف ربيعة أعني على نفسك بكثرة السجود فكان ربيعة بعدها لا يرى إلا راكعا أو ساجدا)
فهذه هي الهمة العالية التي كان عليه الصلاة والسلام يربي عليها أصحابه رضي الله عنهم ولذا قال صلى الله عليه وسلم
(في الجنَّةِ مائةَ درجةٍ ما بينَ كلِّ درجَتينِ كما بينَ السَّماءِ والأرضِ ، والفِردوسُ أعلاها درجةً ، ومنها تُفجَّرُ أنهارُ الجنَّةِ الأربعَةِ ، ومِن فوقِها يكونُ العرشُ ، فإذا سألتُمُ اللَّهَ فاسأَلوه الفِردوسَ)
اللهم يا حي يا قيوم ذا الجدال والإكرام يا رب العالمين يا من عز فارتفع وذل كل شيء له وخضع
اللهم إني أسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك أو أنزلته في كتابك او علمته احد من خلقك او استأثرت به في علم الغيب عندك ان تجعل القرآن العظيم ربيع قلوبنا ونور صدورنا وجلاء احزاننا وذهاب همومنا وغمومنا اللهم امين
وبهذا فقد انتهت قصة عجوز بني اسرائيل والله أعلي وأعلم ولمعرفة المزيد من قصص الحديث الشريف يمكنك الاطلاع عليها من هنا