عصر الاضمحلال الأول والفترة المصرية الانتقالية الأولى
انه عصر الاضمحلال الأول في مصر القديمة ذلك العصر الذي تلي سقوط الأسرة المصرية السادسة، لينهار الحكم المركزي، وتتفتت وحدة البلاد، وتعمها الفوضى والاضطرابات والحروب الأهلية، وتدخل مصر في عصر ظلام طويل استمر أكثر من 300 عام،
وذلك من بداية الأسرة السابعة وحتى نهاية الأسرة العاشرة، تابعونا للنهاية لنعرفكم على الأسرتين السابعة والثامنة من الفترة الانتقالية الأولى في التاريخ المصري القديم، والذي عرف عصرهما بعصر الظلام في تاريخ مصر القديمة.
نهاية الأسرة السادسة المصرية
كانت فترة حكم الملك بيبي الثاني من الاسرة المصرية السادسة وبانا على مصر، فقد حكم هذا الملك 94 عام، وبالرغم من أن بداية حكمه كانت مبشرة بالخير، إلا أنه مع ضعف الملك وشيخوخته ضعف النظام الملكي المركزي للمملكة القديمة، واستبد حكام الأقاليم واستقلوا عن السلطة المركزية،
وعملوا على توسيع أقاليمهم وكونوا قواتهم الخاصة، الأمر الذي أدى إلى حدوث حروب أهلية، وتردت الأوضاع السياسية والاقتصادية، ونهب الحكام خيرات البلاد والعباد، وفرضوا الضرائب الباهظة، وأهملوا لإصلاح الأراضي الزراعية، وانضم لهما الكهنة غير مبالين بالشعب الذي يعاني جراء هذه الفوضى.
قد عجز المصريون عن دفن موتاهم، فكانوا يلقون بهم في النيل، حتى أصبحت التماسيح ضخمة لكثرة ما تأكله من جثث المصريين، وساد الجذم، حتى عقمت الكثير من النساء، وانتشر البؤس والجوع والفقر.
فهب شعب في أول ثورة في التاريخ المصري ضد الظلم وضد فساد الملك وما حوله من حاشية ظالمة فاسدة، وأطلق على هذه الثورة الثورة الرعاع،
وقد بدأت تلك الثورة بمجموعة من المنشورات والشعارات القديمة التي تعكس مطالب الشعب، مثل تسقط المحاكم، تسقط المعابد، الأرض لمن يزرعها، الحرفة لما يحترفها، والكل سواء.
وقد خرج المصريون إلى الشوارع في ثورة شعبية عارمة أتت على الأخضر واليابس ونظموا إضرابا عاما شمل البلاد لكي يشل حركة الاقتصاد لإجبار الملكي على تنفيذ مطالب الشعب،
وامتنع الناس عن دفع الضرائب وهجموا على مخازن الحكومة، وقتلوا حراسها، واستولوا على ما كان بها، ونهبوا الأسواق والتجار، وأحرق المنشآت الحكومية، واعتدوا على قبور الملوك ونهبوها، وانتشر قطاع الطرق في كل مكان
وسادت حالة من الانفلات الأمني، واستمر تلك الثورة سبع سنوات، حتى سقطت الأسرة السادسة لتكون تلك نهاية الدولة المصرية القديمة.
غموض الأسرة المصرية السابعة
يذكر المؤرخ سليم حسن في كتابه موسوعة مصر القديمة أن نفوذ الملك المصري قد تدهورت تدهورا عظيما في نهاية حكم الملك بيبي الثاني، وسادت الفوضى البلاد، حتى إننا لا نعرف من الآثار التي بقيت لنا من عهد الأسرة السابعة شيئا محدودا،
وكل ما وصل إلينا كان عن طريق روايات المؤرخ مانيتون الذي يقول بأن هذه الأسرة كانت تضم 70 ملكا، حكم 70 يوما، والواقع أن العصر الذي تلي عصر الأسرة السادسة كان شحيحا بشكل عام من ناحية الحقائق التاريخية،
وذلك لعدم وجود آثار معاصرة والظاهر أن الملوك الذين حكموا مصر في تلك الفترة لم يشيد ومباني عظيمة كأسلافهم، إذا لم يعثر لهما في محاجر سينا، أو الحمامات على أي أثار من النقوش
وكان المتبع في عهد أسلافهم أن كل ملك من الذين أقاموا المعابد العظيمة ينقش اسمه على صخور هذه الجهات تذكار للحملات التي كان يرسلها لقطع الأحجار النادرة لعمارته و مقابره.
لكن هناك بعض الآثار ترجع إلى عصر الأسرة السابعة منها بعض الجعارين للملك نفر كا رع، الذي يعتقد بأنه من ملوك الأسرة السابعة.
الأسرة الثامنة المصرية
دعونا الآن ننتقل إلى الأسرة الثامنة التي تعرف بالأسرة القفطية لنتعرف عليها، إذ يرجح بأنها قد مكثت نحو 40 عاما، ورغم ورود أسماء ملوك ال لها، إلا أن تاريخها كان غامضا، باستثناء بعض الحقائق التي أمكن للمؤرخين معرفتها عن تلك الأسرة.
فقد حفظت لنا الآثار أسماء بعض ملوكها، وإن اختلفت الآراء بين المؤرخين حول عدد هؤلاء الملوك، ففي قائمة العرابة نجد اسم 17 ملكا حكم زمنا في هذه الفترة، وفي قائمة تورين ذكر ثمانية ملوك فقط،
أما المؤرخ مانيتون فقد قال بأن عدد ملوك هذه الأسرة 18 دون أن يذكر أسمائهم، في حين أن قائمة سقارة لم يرد فيها ذكر أي ملك بعد بيبي الثاني إلى أوائل الأسرة الحادية عشرة.
ويبدو أن ملوك هذه الأسرة قد بقوا محافظين على تسمية أنفسهم بأسماء أسلافهم في معظم الأحيان، فنجد من بين ملوك الأسرة الثامنة خمسة ملوك تسموا باسم نفر كا رع، وواحد تسمى باسم ددف رع، وآخر أطلق على نفسه اسم نفر ار كا رع،
والظاهر أنه كان من جراء الحركة التي قام بها حكام المقاطعات للمحافظة على استقلالهم في مقاطعاتهم منذ الأسرة السادسة أن حاكم مقاطعة قفط آنس من نفسه القوة فضم إلى مقاطعته المقاطعة السبعة العليا من الوجه القبلي وأسس منها مملكة مستقلة تحت سلطانه، عن أسرة منف،
إذا عثر في قسط على بعض آثار تدل على أن ملوكها كانوا يحملون كل الألقاب الملكية، وكان هؤلاء الملوك يغمرون وزرائهم بسلطة واسعة حتى إنهم كانوا في الواقع هم المسيطرين الحقيقيين على شؤون هذه المملكة وهناك الكثير من الدلائل التي تشير إلى ذلك،
منها مرسوم عين فيه الملك وزيره شماي، مديرا على الوجه القبلي ووضع تحت سلطانه ال22 مقاطعة التي كان يشتمل عليها صاعد مصر.
وبعد فترة عين الملك وزير آخر يحتمل انه ابن شماي ليكون مديرا للوجه القبلي، وحدد اختصاصه بالمقاطعات السبع الجنوبية فقط، وهذا يشير إلى أن الوزير قد اشترك معه ابنه في حكم المقاطعات التي تحت سلطانه من الوجه القبلي.
ويبدو أن وظيفة الوزير التي أنشأها الملك لكبح جماح حكام الأقاليم أصبحت وراثية يتولاها الابن عن الأبي مما ألغي نفوذ الملكي تماما.
ومن الآثار المهمة التي ترجع إلى هذا العصر أيضا مرسوم في قفط لملك يدعى دمزاب تاوي، وقد جاء في هذا المرسوم أن الملكة كان يهدد بالعقاب الصارم كل أهل هذه الأرض الذين يعتدون على الأوقاف أو يتلفون أو يهشمون النقوش أو المعابد أو موائد القربان أو تماثيل الوزير إيدي التي توجد في كل المعابد والأماكن الدينية.
والأغرب أنه بجانب العقاب الدنيوي الذي يلقاه كل من تعدى على حقوق هذا الوزير، أن الملك يهدد بالعقاب الأخروي أيضا، إذ يقول إن المعتدين لن يجمعهم الإله مع الملائكة المطهرين، بل سيوثقون و يكبلون، ويساقون أسرا للإله، أوزير ولآلهة مدنهم.
وهذا يدل على أن المعبود أوزير المعبودات المحلية كانت تعد قضاة.
وقد كانت هذه المكانة محفوظة للمعبود رع حتي هذه الفترة مما يدل على الانقلاب الديني ضد عبادة عين الشمس ومملكة منف.
أيضا فقد عثر على عدة مراسيم للملكي نفر كا حور في قطط منها مرسوم خاص بوقف تمثال الملك حيث أرسل الأمر الخاص بهذا الوقف إلى رئيس كتبت الحقول للمقاطعات الخامسة والسادسة والسابعة والثامنة والتاسعة من مقاطعات الوجه القبلي لتنفيذه،
وهذا المرسوم يدل على أن أملاك الملك في المقاطعات أخذت تتناقص وتتضاءل بسبب ما كان يهبه الملك لحكام الأقاليم من أملاكه الخاصة في هذه الجهات، مما زاد في سلطانهم. وقلل من نفوذه وأضعف سلطانه.
ومنذ بضع سنين عثر على مقبرة لأحد حكام مقاطعة إدفو في بلدة المعلة ويفهم من نقوش هذه المقبرة أن الثورة التي قام بها ملوك قفط لم تقبلها حكام المقاطعات الجنوبية، بل حارب أهلها ضد طيبة وقفط أمن أجل استقلالهم في جانب ملك لمن عرف اسمه، وقد ختمت هذه الحروب بانتصار طيبة وقط.
ومن أهم ما عثر عليه من تلك الحقبة أسطوانات من حجر اليشم الأخبضر ترجع إلى الملك خان دو، وهو أيضا من ملوك الأسرة الثامنة، و هذه الأسطوانات صناعة أجنبية، وإن كانت بعض التفاصيل التي عليها مصرية.
كذلك عثر على جعران لم لكن اسمه راع إن كا، وهذا الجعران وجد عليه رسم يدل على أنه من أصل سامي محض، يشبه الرسم الذي على أسطوانة الملك خندو هوذه الدلائل ترجع الفكرة القائلة بأن البلاد في هذه الفترة قد غاها قوم من أهالي سوريا.
ويظن المؤرخ بتري أن الوجه البحري وجزء من الوجه القبلي قد غزي في نهاية الأسرة السادسة، كما يقال إن قوما من الشمال الشرقي من سوريا احتل مصر، ومن أهم الدلائل على حدوث هذه الغزوة ظهور الأزرار التي كانت تتخذ شعرات منذ نهاية الأسرة السادسة، ثم اختفت في الأسرتين التاسعة والعاشرة.
وهذا النوع من الأزرار التي عثر عليها في مصر، رغم وجود بعض الأشكال المصرية البحتة عليها أحيانا، مثل علامة الحياة و علامة الصقر، كان الطابع الأجنبي ظاهرا في صناعتها.
كذلك هناك بعض الأسماء وجدت في هذا العصر مثل شماي وني وتلولو وعانوا ويستدل من تركيبها أنها سامية الاشتقاق.
نعم، نتيجة لهذا الضعف الرهيب الذي ساد مصر في تلك الفترة، طمع أعدائها فيها في نهاية هذا العهد فاجتيحت بالغزوات الأجنبية من كل الجهات، فانقض عليها الآسيويون من الشمال، والنوبيون من الجنوب، واللوبيون من وسطها، وصارت مصر مقسمة إلى ثلاثة أقسام.
ففي الشمال، كانت الدلتا في يد الآسيويين، وفي مصر الوسطى كان حكام إهناز هما المسيطرين، وفي الوجه القبلي كانت البلاد ملتفة حول حكام طيبة، ولا نعرف شيئا عن ملوك الأسرة الثامنة، وربما يرجع ذلك إلى ضعفهم. وتغلب حكام طيبة عليهم.
ويظن المؤرخ بتري أن الوجه القبلي في هذا العهد قد غزاه قوم من الجنوب، وكان من جراء ذلك أن الغزاة استوطنوا طيبة، وكان منهم فيها بعد سلالة ملوك الأسرتين الحادية عشرة والثانية عشر، وهكذا عادت البلاد إلى الفوضى والانقسام، ولم يبقى فيها تحت سلطان ملوك مصر إقليم واحد،
نأمل بان يكون المحتوى عن تلك الحقبة من تاريخ مصر القديمة قد نال اعجابكم، ابقوا في امان الله والسلام.