فتح جزيرة رودس في عهد السلطان سليمان القانوني

فتح جزيرة رودس في عهد السلطان سليمان القانوني
فتح جزيرة رودس

جدول المحتوي

فتح جزيرة رودس هي واحدة من أعظم انتصارات الدولة العثمانية في عهد سلطانها الأقوى سليمان القانوني، انتصار حقق به سليمان القانوني حلم جده محمد الفاتح، وهو فتح جزيرة رودس التي كانت تضاهي في تحصيناتها مدينة القسطنطينية عاصمة الإمبراطورية البيزنطية،

ليأمن المسلمون شرور فرسان تلك الجزيرة، ويصير شرق البحر المتوسط عثمانيا تابعون للنهاية لمعرفة فتح جزيرة رودس في عهد السلطان سليمان القانوني.

فتح جزيرة رودس

محاولات المسلمين فتح جزيرة رودس

منذ عصور بعيدة، وتحديدا في عصر الإسلام الأول، اتجهت أنظار المسلمين نحو جزيرة رودس التي تقع في شرق البحر المتوسط، حيث كان الروم يغيرون منها على مراكب المسلمين ومدنهم الساحلية،

وبالفعل فقد فتح المسلمون هذه الجزيرة لأول مرة عام 28 للهجرة في عهد الخليفة عثمان بن عفان، لكنهم سرعان ما خرجوا منها بعد فتنة استشهاده،.

وبعد أن تولى معاوية بن أبي سفيان الخلافة، كلف جنادة بن أبي أمية بالتوجه لفتح جزيرة رودس لتكون هذه الجزيرة نقطة طلاق للإغارة على الأساطير الرومانية وقطع الطريق عليها في البحر لمنعها من التقدم نحو السواحل الإسلامية.

وبالفعل، نجح في فتحها عام 53 للهجرة، وأسكن فيها طائفة من المجاهدين المسلمين الذين كانوا يعترضون الروم في البحر، ويقطعون تقدمهم تجاه السواحل الإسلامية.

لكن بعد وفاة معاوية، خرج المسلمون من جزيرة رودس، ثم عادوا إليها ثانيه في عهد الخليفة العباسي هارون الرشيد، لكن الروم ما لبثوا أن أخرجوهم منها.

محاولات المسلمين فتح جزيرة رودس 

فرسان الإسبتارية في جزيرة رودس وصراعاتهم ضد المسلمين

تعاظم خطر جزيرة رودس مع استيلاء فرسان القديس يوحنا، أو كما يعرفون فرسان الإسبتارية على الجزيرة، وهو تنظيم عسكري شديد التعصب ساعد الصليبيين في احتلال الأراضي الإسلامية وارتكبوا مجازر يشيب لها الولدان في حق المسلمين.

وبعد هزيمة الصليبيين في معركة حطين على يد صلاح الدين الأيوبي عام 1187 للميلاد، هرب فرسان الإسبتارية إلى بلادهم قبل أن ينتقلوا إلى قبرص، حيث استمروا في مناوشة المسلمين عن طريق مهاجمة الأساطيل الإسلامية في البحر المتوسط والقرصنة ضد سفنهم.

ثم تجهت أبصارهم إلى جزيرة رودس من أجل الابتعاد عن أي سلطة ملكية في أوروبا، فقاموا باحتلال جزيرة رودس عام 1309 للميلاد.

وفيها ازدادت قوتهم ونفوذهم، خاصة بعد أن تم حل تنظيم فرسان الهيكل، وآلت العديد من ممتلكاته وثرواته للإسبتارية، وقد وضع هؤلاء الفرسان هدفا لهم وهو محاربة المسلمين أينما كانوا، فكانوا بحق ألد أعداء الإسلام.

دخلت الدولة العثمانية في العديد من الصراعات مع فرسان رودس كان أهمها هو تلك المحاولة التي قام بها القائد مسيح باشا في عهد السلطان محمد الفاتح لفتح الجزيرة عام 1480 للميلاد،

لكنها باءت بالفشل بسبب حصانة الجزيرة ومناعتها الطبيعية إلى جانب العديد من الأخطاء التي ارتكبها مسيح باشا.

كانت جزيرة رودس من قبل غزو العثمانيين لها أحد أقوى الحصون في أوروبا كلها، بل يمكن القول بأنها كانت عادل حصانة القسطنطينية وربما تفوق القسطنطينية كونها محاطة بالبحر من كل جانب، الأمر الذي يكسبها ميزة عدم إمكانية نقل مدافع الحصار العملاقة إليها، والتي لا تستطيع السفن في هذا الزمن حملها.

هو في السنوات التي تلت غزو العثمانيين عل رادس ضعاف الصليبيون تحصيناتها، وزاد من الخنادق والعوائق، كما دعم الأسوار لتتمكن من تحمل المدفعية العثمانية وجعلها ثلاثية الطبقات في مناطق عديدة وزودوها بالعديد من الأبراج بالغة التحصين في الزوايا البارزة،

ليتمكن المدافعون من داخلها من إمطار المحاصرين بالسهام و طلقات البنادق وقذائف المدفعية، كما قللوا عدد البوابات لجعل مهمة الاقتحام أصعب وأصعب.

فرسان الإسبتارية في جزيرة رودس وصراعاتهم ضد المسلمين

فتح جزيرة رودس في عهد السلطان سليمان القانوني

لكن رغم كل تلك التحصينات سيأتي أحد أحفاد الفاتح ليحقق حلم جده، ويفتح جزيرة رودس، إنه السلطان سليمان القانوني، فما الذي دفعه إلى اتخاذ هذه الخطوة وكيف ستكون المواجهة هذه المرة يا ترى؟ تابعونا للنهاية؟

كانت جزيرة رودس بفرسانها الأشداء ودعمها البابوي الدائم ومهارة بحاريها، تمثل خطورة متزايدة على حركة التجارة والنقل في شرق البحر المتوسط، بل وتمثل مخاطر كبرى كذلك على حركة السفن العسكرية في المنطقة.

وقد زادت خطورة فرسان جزيرة رودس بعد ضم مصر إلى الدولة العثمانية، حيث صار هناك تهديد حقيقي لحركة السفن العثمانية من الأناضول وإسطنبول إلى الإسكندرية ودمياط.

أضيف إلى ذلك أن المواجهات العسكرية المستمرة في غرب البحر المتوسط بين الأسطول الإسباني وأساطيل الجزائر التي صارت تابعة للدولة العثمانية، كانت تتطلب حركة دائبة للأسطول العثماني من إسطنبول وجاليبولي إلى الجزائر، وهذا يعرض الأسطول للهجمات المفاجئة من جزيرة رودس.

وهكذا، كان لا بد من وضع حد لفرسان رودس، خاصة بعد أن فتح العثمانيون بالجراد عاصمة صربيا الحصينة، إذا كان لا بد من توجيه ضربة سريعة قبل أن تفيق القوى الأوروبية من الصدمة، وتشرع في إعداد حرب صليبية جديدة ضد العثمانيين، وهكذا تقرر فتح رودس.

فتح جزيرة رودس في عهد السلطان سليمان القانوني

في أواخر يونيو عام 1522 للميلاد توجه أسطول عثماني ضخم زاد على 400 سفينة تحت قيادة القائد مصطفى باشا والذي شرع في إغلاق الميناء الرئيسي للجزيرة حيث سدت الحامية مجراه بسلسلة حديدية ضخمة لتمنع اقتراب السفن من عمق المدينة، وفرض الحصار البحري عليها، والذي عزلها عن العالم كليا.

ثم بدأ إنذار المحاربين خارج أسوار مدينة رودس العاصمة، بينما لحق السلطان سليمان بالقوات العثمانية بعد شهر برفقة ما يقارب ال100,000 جندي عثماني وعشرات المدافع الضخمة، وكميات هائلة من البارود والمتفجرات للتعامل مع الأسوار المنيعة.

بدأ القصف العثماني للجزيرة على مدار الساعة طوال عدة أسابيع دون أن تحدث قذائف المدفعية أضرارا بالغة بالأسوار، لكن العثمانيين لم يكتفوا بالقصف من الأعلى، فقد قاموا بحفر العديد من الأنفاق تحت الأرض وزرع كمية هائلة من المتفجرات أطاحت بأحد أقوى أبراج جزيرة رودس، وهو البرج الإنجليزي.

ومن ثم حاول العثمانيون احتلال ذلك الجزء، لكن المدافعين ردوهم عن تلك الجهة بعد أن تكبد الطرفان خسائر فادحة.

حاول مصطفى باشا بعد ذلك أن يشن هجوما كبيرا على الحصن في اتجاه الحصن الإسباني وما يجاوره لكن الهجوم لم يحقق هدفه، فقام السلطان سليمان بعزل مصطفى باشا نتيجة فشل الهجوم، وعين أحمد باشا خلفا له.

في الشهرين التاليين لم يحرز العثمانيون تقدما كبيرا لكن الأوضاع داخل المدينة بدأت تسوء إذا استمر القصف العثماني الهادر من فوقهم ولم تنقطع الانفجارات من أسفلهم مما أثر على قنوات المياه والصرف المطمورة تحت المدينة التي بنيت قبل قرون طويلة في عهد الرومان، وتداعت أجزاء كثيرة من الأسوار والتحصينات.

فتح جزيرة رودس في عهد السلطان سليمان القانوني

وصل الفريقان إلى حالة من الإرهاق جعلت رغبتهما تتلاقى في القيام بهدنة ومحاولة الوصول إلى حل دبلوماسي فاتفق الطرفان على هدنة للتفاوض من ال11 عشر إلى 13 من ديسمبر، ولكن لم يصل إلى نتيجة، فاستأنف السلطان القانوني القصة في 17 من ديسمبر،

وأرسل تهديدا بأن المدينة س تستباح في حال سقوطها عنوة، أما إذا استسلمت فإنه سيعطي الأمان لكل أهلها، سواء من المحاربين أم المدنيين، وسوف تكون هناك تسهيلات غير مسبوقة لأهل الجزيرة.

ومع سقوط الحصن الإسباني القائم في المواجهة دب الرعب في سكان رودس الذين رأوا الاجتياح العثمانية النهائي مسألة ساعات، فضغط بشدة على المقاتلين للاستسلام.

وفي ال20 من ديسمبر أعلن فيليب دي ليل آدام رئيس الفرسان استسلامه وقبول شروط السلطان القانوني كلها.

وفتحت مدينة رودس أبوابها للعثمانيين في 22 من ديسمبر ليتفاجأوا بشروط غاية في التسامح إذا سمح للمقاتلين بالرحيل من رودس خلال 12 يوما وبحوزتهم كل ما يريدون من ممتلكاتهم وأسلحتهم.

أما المدنيون فيختارون إما البقاء في الجزيرة أو المغادرة إلى أي مكان يريدون، وستكون أمامهم مهلة لمدة ثلاث سنوات لأخذ القرار النهائي في هذه المسألة، ومن أراد البقاء فله الأمان التام على الروح والممتلكات على أن يدفع الجزية بعد إعفاء لمدة خمس سنوات، تقديرا للظروف الصعبة التي سببتها الحرب.

كما أصدر السلطان سليمان أمرا بعدم هدم أي كنيسة في الجزيرة، وألا تحول أي منها إلى مسجد.

كان انتصارا رائعا بحق ذلك الذي حققه العثمانيون، لكنه كان بالغ التكلفة، فقد بلغت خسائر العثمانيين حوالي 25,000 قتيل وجريح، اما فرسان  رودس فقط تكبدوا أكثر من 3000 قتيل، وهو ما يمثل تقريبا نصف حامية الجزيرة.

وبهذا النصر ضار شرق البحر المتوسط عثمانيا بدرجة كبيرة، إلا من الأسطورة البندقي الذي كان في حالة ضعف، الأمر الذي فتح للعثمانيين آفاقا جديدة على المستوى البحري، سيكون لها شأن كبير في عهد السلطان سليمان القانوني وبعده.

نأمل بأن يكون المحتوى قد نال إعجابكم، ابقوا في امان الله والسلام.

فتح جزيرة رودس

Facebook
X
Telegram
LinkedIn
Tumblr
Reddit
Scroll to Top