مقدمة عن قصة الملكة حتشبسوت
بقلم كلا من
الباحثة الأثرية:- هناء أحمد عبدالعزيز
الباحثة الأثرية:- فداء عبدالرحيم عبدالله
مرة أخرى نسافر عبر الزمن إلى أزمانٍ قديمة إلى مصر القديمة حيث شيد المصريون القدماء حضارة مازالت تعد لغزاً محيراً في سجل التاريخ.
نتحدث اليوم عن ملكة ذات طابع خاص مميز، واحدة من أعظم ملكات التاريخ إنها ” الملكة حتشبسوت” ملكة ملكات مصر القديمة، ودرة تاج مصر الفرعونية، حيث تعتبر حتشبسوت من أقوى حكام مصر علي مر العصور.
اعتبرت فترة حكمها نقطة تحول محوري في التاريخ المصري القديم، وتشهد لها آثارها المعماريه الفريده بعظمة حكمها، واهتمامها بالثقافة والفنون، فضلاً عن حالة الرخاء التي تميزت بها سنوات حكمها لمصر.
ولدت في قصر فرعوني أميرة سميت حتشبسوت وهي الابنة الكبرى للملك تحتمس الاول، وكانت الخامسة ضمن تسلسل ملوك الأسرة الثامنة عشرة، ويعتبر الملك أحمس الأول هو الجد الأكبر لحتشبسوت ومؤسس الأسرة الثامنة عشرة.
اسم حتشبسوت باللغة الهيروغليفية “خنمت-امن-حات-شپسوت” اي خليلة آمون المقدمة علي الاميرات.
الملكة حتشبسوت هي أول ملكة فرعونيه حكمت مصر، وخلال فترة زواجها من تحتمس الثانى كانت تمارس الحكم من وراء الستار فقد كان الملك تحتمس الثانى شخصاً ضعيفاً، وربما مريضاً فى الوقت نفسه، وبعد وقت قصير أصبح واضحاً أنه سائر في طريق الموت، وبدأت حتشبسوت تحكم البلاد بإسمه كفرعون، إلا أن إبنه لم يكن كذلك، فقد أبرم الكثير من المؤامرات مع كهنة آمون للحيلولة دون تولى الملكة الحكم، إلا أنها استطاعت تحقيق ذلك.
وتم إعلان حتشبسوت ف عام 1404ق.م ملكاً على مصر، ورغم أن حكم مصر كان يعتمد علي رضى الكهنة بالدرجة الأولى إلا أن الشعب لم يتقبل ببساطة أن تتولي الحكم امرأة، ولكن قدرتها علي الحكم، وحنكتها في التدبير كان لها أكبر الأثر في تقبل المصريين لحكمها بل ورضاهم عن ذلك فيما بعد، ولا شك في أن نشأتها كان لها الأثر الأكبر في ذلك، فقد كانت الابنة الأكبر لوالدها الملك تحتمس الأول، وكانت تشاركه الحكم في أواخر ايامه.
حاولت الملكة حتشبسوت أن تمثل نفسها كرجل في التماثيل، وتلبس الذقن والملابس الرجالية، إذ كان الملك طبقاً للعرف ممثلاً للإله حورس الحاكم على الارض، لذلك كانت دائماً تلبس وتتزين بملابس الرجال، كما قصت شعرها، واستخدمت الذقن المستعار، وحاولت دائماً أن تنسى أنها امرأه بل كانت تشير إلى نفسها بضمير المذكر في محاولة منها لاظهار قوتها أمام الشعب.
تتويج الملكة حتشبسوت
لا توجد سجلات تصف اليوم الذي تم فيه تتويج ” حتشبسوت “. وهذا لأنها طوال بقية فترة حكمها كانت أحيانا تفضّل أن تتظاهر بأنها جاءت إلي العرش عقب وفاة أبيها ” تحتمس الأول ” مباشرة، وفي أوقات أخري، كانت تحسب حكمها من وقت وفاة زوجها ” تحتمس الثاني “. وبناء على ذلك، فإن ” حتشبسوت ” لم تكن مهتمة حقًا أن تأمر بعمل نقوش خاصة تصف متي وصلت بالتحديد إلي العرش.
ومن الأجزاء الهامة في حفل تتويج ” حتشبسوت “، اختيار أسمائها الملكية. كانت تلك الأسماء تستخدم من قبل كل فرعون رموزاً لتأكيد حقه بالعرش. وتحدد هذه الأسماء علاقته بآلهة مصر، وأيضاً بالأرض نفسها.
ومن الواضح أنه كان من المهم بصفة خاصة ل” حتشبسوت ” أن تؤكد ادعاءها بحقها في العرش باختيار أسمائها الخاصة. فبصفتها ابنة” رع “، صار اسم ” حتشبسوت ” هو ” ختوم – آمون حتشبسوت “.
اسماء و القاب الملكة حتشبسوت
* هناك نقش أخير علي جدار معبد ” حتشبسوت ” في الدير البحري، يصف مشهدا خيالياً يعلن في سياقه والدها ” تحتمس الأول” وإله الشمس “رع” أسمائها الملكية الأخري.
يقول هذا النقش :
لقد أمر جلالته الكهنة المرتلين أن يأتوا لكي ينقشوا أسمائها الملكية العظيمة لحظة تسلمها شارة السلطة كملك علي مصر العليا والسفلى … وبعد ذلك قاموا بنقش أسمائها كملك علي مصر العليا والسفلى. وبالفعل فقد ألهم الإله عقولهم لكي يكتبوا أسمائها بالضبط كما ألفها هو أولاً؛
١/ اسمها العظيم: “حورس” ال”كا” القوي .
٢/ اسمها العظيم: “صاحبة السيدتين المزدهرة سنيناً”.
٣/ اسمها العظيم: “حورس الذهبي” صاحبة الإشراق الإلهي .
٤/ وأخيراً اسمها بصفتها حاكمة علي مصر العليا والسفلي “ماعت كا رع” ، فلتحيي إلي الأبد.
أهم أعمال الملكة حتشبسوت في فترة حكمها
بنت جيشاً قوياً ونشيطاً في رحلاته البحرية مع المناطق المجاورة.
فتحت العديد من المناجم، والمحاجر التي كانت مهملة قبل فترة توليها الحكم، وخاصة مناجم النحاس في منطقة شبه جزيرة سيناء.
نشطت حركة التجارة مع جيرانها، حيث أعادت استخدام القناة الرابطة بين البحر الأحمر، ونهر النيل، ونظفتها، وسهلت طريق الأسطول المصري اتجاه خليج السويس، ثم اتجاه البحر الأحمر.
أمرت ببناء عدد من المباني في معبد الكرنك، كما بنت معبداً خاصاً بها في الدير البحري في مدينة الأقصر.
أمرت بإنشاء سفن بحرية كبيرة لتنشيط حركة الأسطول التجاري المصري، واستغلتها لنقل المسلات التي أمرت بإضافتها إلي جانب معبد الكرنك لتمجيد الإله آمون.
أمرت بإرسال بعثة إلي مدينة أسوان لجلب العديد من الأحجار الضخمة لبناء المنشآت، كما أنشأت مسلتين عظيمتين من الجرانيت من أجل تمجيد الإله آمون، ثم نقلهما عبر نهر النيل حتي طيبة.
ساهمت في ازدهار التجارة نتيجة استيراد بعض أنواع الأسماك، وذلك عن طريق إرسال أسطول كبير إلي المحيط الأطلسي.
أرسلت بعثات تجارية علي متن العديد من السفن التي تقوم بالملاحة في البحر الأحمر، والمحملة بالهدايا والبضائع مثل: ( البردي، وبذور الكتان) إلي بلاد بونت (الصومال) وجنوب اليمن، حيث استقبل الملك البعثة استقبالاً جيداً، وأعادها محملة بكميات وفيرة من الأخشاب، والبخور، والحيوانات المفترسة، والأحجار الكريمة، والعاج، والجلود.
وفاة الملكة حتشبسوت
توفيت حتشبسوت فى ال10 من الشهر الثانى لفصل الخريف عام 1457ق.م، بعد أن ظلت فى الحكم ل22 عام، وبعد أن ماتت حتشبسوت حاول تحتمس الثالث أن يدمر كل تمثال لزوجة أبيه ويشوهه ويمسح إسمها، ويخفي ملامح حكمها من الحضارة الفرعونية كاملة.
دون الكثير جداً من آثار الملكة حتشبسوت أبرزها معبد الدير البحري، معبد حتشبسوت الذي طمث وجه أغلب تماثيلها به، وتم محو العديد من النصوص به التي تتحدث عن فترة حكمها، وحتي الآن لا نعلم كيف انتهت حياة الملكة، وعما إذا كانت قد ماتت ميتة طبيعية، أو أنها قتلت علي يد تحتمس الثالث.
حقاً فعلتها الملكة حتشبسوت، ونجحت في جعل مصر دولة قوية ذات جيش حامى بدون خوض أى معركة حربية، وجعلت من علاقاتها في ذلك الوقت اللبنة الأولي في الدبلوماسية التى عرفناها فى الحياة السياسية الحديثة، وأقامت الكثير من الاتفاقيات السياسية والتجارية، وعلاقات الصداقه الثنائية مع دول الجوار.
-تركت الملكة حتشبسوت آثاراً تشهد بالمستوى الإقتصادى والإجتماعى الذى شهدته مصر فى عهدها، والتى لا تزال مزاراً سياحياً يأتي إليها السياح من جميع أنحاء العالم.
المصادر:-
1-تيريسا بيدمان، حتشبسوت من ملكة إلي فرعون مصر، ترجمة علي ابراهيم منوفى.
2-كريستيان ديروش نوبلكور، حتشبسوت عظمه..وسحر..وغموض، ترجمة فاطمة عبدالله.
3-ونفرد هولمز، كانت ملكة على مصر، سعد احمد حسين.
4-قادة مصر الفرعونيه..حتشبسوت.
(كل هذا فى إطار مبادرة حكاوى لنشر الوعى الأثرى والترويج ودعم السياحة المصرية تحت إشراف فريق ديوان التاريخ)