معركة بليفنا أو حصار بلفن

معركة بليفنا أو حصار بلفن
معركة بليفنا أو حصار بلفن

جدول المحتوي

عن معركة بليفنا أو حصار بلفن فام آخر مناطق سيطرة الدولة العثمانية في القارة الأوروبية على وشك مواجهة كابوس رهيب، مؤامرة روسية ليس هدفها مجرد انتزاع بعض المعاقل البلقانية من العثمانيين، وإنما احتلال العاصمة العثمانية نفسها،

وعلى الرغم من خسارة العثمانيين لتلك المعركة إلا أنهم حالوا بصمودهم ودمائهم دون تنفيذ تلك المؤامرة التي حيكت بخبث ضد الدولة العثمانية، وذلك في معركة بليفنا أو حصار بلفن أو بالفن كما يسمي، تابعونا للنهاية، لنعرفكم على تلك المعركة الهامة في تاريخ الصراع الروسي العثماني.

تدهور أحوال الدولة العثمانية

نحن الآن في عصر أفول الدولة العثمانية، تلك الدولة التي كان العالم يحسب لها ألف حساب، والتي أخذت على عاتقها منذ نشأتها فتح مدينة القسطنطينية، ونشر الإسلام في أوروبا، وضم أجزاء منها إلى إمبراطوريتها،

قبل أن تنتقل إلى المشرق الإسلامي، لتضم معظم بلدانها إليها، وتقف دفاعا عنه في مواجهة المؤامرات الأوروبية التي لا تنتهي، وتتابع مسيرتها الناجحة في فتح المدن الأوروبية، حتى تصل إلى أسوار فيينا .

لم تعد كما كانت، فقد بدأت عوامل الضعف تنخر في كيانها تدريجيا، ثم تسارعت وتيرة تدهور الدولة العثمانية على كافة المستويات السياسية والعسكرية والاقتصادية والحضارية، في الوقت الذي بدأت فيه القوى الأوروبية العالمية تتفوق عليها في الجوانب.

وأخذت الدولة العثمانية تتفكك وتخسر أراضيها واحدة في الأخرى، وسط تكالب القوى الكبرى على العديد من مناطقها، مثل الجزائر التي احتلتها فرنسا عام 1830، واشتعال التمردات في العديد من أقاليمها خاصة الأوروبية،

حيث غالبية السكان من غير المسلمين، كما حدث في ثورة اليونان في الفترة ما بين عامي 1821 و1832، ثم انتقلت عدوي التمرد، والحركات الانفصالية المدعومة من الدول الأوروبية وروسيا إلى معظم أجزاء شبه جزيرة البلقان، وازدادت الأوضاع سوء في الدولة العثمانية التي خسرت أغلب أراضيها في أوروبا.

و وسط تلك الظروف البائسة ارتقى إلى عرش السلطنة العثمانية السلطان عبد الحميد الثاني عام 1876 ليجد نفسه في مواجهة صربيا والجبل الأسود شبه المستقلتين التين أعلنت الحرب على الدولة العثمانية، بتحريض من روسيا القيصرية.

وتجدد تمرد في البوسنة والهرسك وبلغاريا وغيرهما من المدن التي كان تحت السيادة العثمانية.

تدهور أحوال الدولة العثمانية 

اخماد الثورات في روسيا والبلقان

نجح السلطان عبد الحميد في إخماد ثورة الصرب وتوغر العثمانيون داخل صربيا حتى اقترب من بلجراد عاصمة صربيا فأعلنت روسيا الحرب على الدولة العثمانية بحجة أنها الحامية للمسيحيين الأرثوذوكس، وتدخلت القوى الأوروبية لمنع الحرب ليس حبا في العثمانيين كما تعتقد، وأينما لكي لا تستولي روسيا على الكعكة كاملة.

وقد رأت القوى الأوروبية، أنا نجاح روسيا دون الآخرين في ابتلاع موارد وأراضي الدولة العثمانية سيخل توازن القوى العالمية، كما أن بريطانيا التي كانت القوة العالمية الأبرز آنذاك، رأت في ذلك خطرا شديدا يهدد مصالحها، إذا اقتربت روسيا إلى هذا الحد من شرق المتوسط، وخطوط تجارة والتواصل بين بريطانيا مستعمراتها في الهند.

فكانت هذه هي الأسباب التي دفعت الأوروبيين إلى تدخل لمنع الحرب، فعقد مؤتمر ترسانة، وتمسكت روسيا بشروطها التعجيزية التي تعتبر تدخلا سافرا في شؤون الدولة العثمانية، فرفضها السلطان عبد الحميد الذي عمل على دحض حجج القوى الكبرى الخاصة بحماية حقوق الاقليات.

فأصدر دستورا للدولة العثمانية ينص على المساواة التامة بين رعاية الدولة، ويفتح الأبواب أمام مشاركة سياسية أوسع للمواطنين، وبالتالي لم يعد هناك معنى لتدخلات الدول الكبرى.

لكن روسيا رفضت ذلك، فقد كان قرار الحرب محسوما في روسيا التي أعلنتها هي وصربيا ورومانيا والبلغار والجبل الأسود على العثمانيين.

وكان موقف الدولة العثمانية سيئا حقا، فالعثمانيون في الحرب بلا حليف أو صديق، كما أن الجيش العثماني ضعيف نسبيا أمام الجيش الروسي، فما بالك وقد تحالف ضده عدة جيوش؟

أضف إلى كل ذلك أن الخزينة العثمانية مثقلة بالديون ولن يستطيع السلطان عبد الحميد تجهيز الجيش.

لكن بعد فشل كل الطرق الدبلوماسية، فضل السلطان عبد الحميد الموت بشرف على الاستسلام للشروط الروسية.

كان هدف روسيا الظاهر من تلك الحرب، هو دعم حلفائها الانفصاليين الذين يجمعهم بالروس الانتماء إلى الشعوب السلافية، لكن الهدف الحقيقي لروسيا كان توجيه ضربة قاسمة للدولة العثمانية، إذا كانت الخطة تقتضي باحتلال العاصمة البلغارية صوفيا،

ثم الاندفاع فورا صوب العاصمة العثمانية إسطنبول وإسقاط الدولة العثمانية، قبل أن تتدخل القوى الأوروبية لوقف ذلك.

اخماد الثورات في روسيا والبلقان  

معركة بليفنا أو حصار بلفن

في 24-4-1877م، بدأت جيوش الحلفاء بالزحف، فأرسلت روسيا جيشا بقيادة الدوق نيكولاس نحو نهر الدانوب، واتجهوا نحو مدينة نيقوبوليس، فجهز السلطان عبد الحميد 11,000 مقاتل وجعل عليهم القائد عثمان باشا، وأرسلهم سريعا لينقذوا المدينة من السقوط،

لكن المدينة سقطت بالفعل، بينما كان عثمان باشا في الطريق إليها، فرجع هذا الأخير بقواته إلى مدينة بليفنا وقرر التحصن بها استعدادا لصد الهجوم لأنها المدينة التالية بعد نيقوبوليس.

حصن جيش عثمان باشا مدينة بلفن بسرعة فائقة قبل وصول الحلفاء،

وفي 19 من يوليو وصل الروس ليبدأوا هجومهم على المدينة الحصينة بقصف مدفعي كثيف على المواقع المحصنة في بليفنا، ونجحوا في الاستيلاء على الخنادق الأمامية إلا أن عثمان باشا أرسل تعزيزات لدعم الخطوط الأمامية وقاد هجمات مضادة تمكن خلالها من استرجاع الخنادق.

بعد عدة أيام، أرسل السلطان عبد الحميد تعزيزات لعثمان باشا، فوصلت قواته إلى 22,000 مقاتل و58 مدفعا، كما وصلت إلى الحلفاء، الكثير من الإمدادات من روسيا ورومانيا.

وفي نهاية يوليو بدء الهجوم الواسع الثاني على بليفنا من ثلاث جهات، فهاجم الفرسان من الجانبين والمشاة من العمق، ونجح الحلفاء في الاستيلاء على موقعين حصينين داخل المدينة، لكن ما لبث ان تمكن عثمان باشا من قيادة هجوم مضاد استعاد كل ما فقده العثمانيون من مواقع.

فشل الحلفاء في اقتحام تحصينات بليفنا ناتجه الدوق نيكولاس إلى تطويق المدينة وتحصينها وفرض الحصار عليها وقطع كافة الإمدادات عنها، وذلك لإضعاف الحامية وإجبارها على الاستسلام.

حول عثمان باشا أن يكسر الحصار حول بليفنا لكنه فشل في ذلك، وازداد الوضع سوءا بعد وصول القيصر الروسي ألكسندر الثاني بنفسه، ليدعم الجند ومعه 80,000 مقاتل ليتجاوز  بذلك أعداد جيش الحلفاء ال100.000 مقاتل، في حين كانت قوات عثمان باشا نحو 30 ألفا.

ترى كيف ستكون المواجهة بين العثمانيين والروس؟ ترقبوا معنا، فنحن على أبواب ملحمة خالدة.

في 11 من سبتمبر، شن الحلفاء، هجوما واسع النطاق على بليفنا، ورغم المقاومة الشرسة للعثمانيين، إلا أن الحلفاء نجحو في الاستيلاء على العديد من المواقع الدفاعية بالمدينة وحاول عثمان باشا أن يسترد ما فقده من مواقع، فقاد سلسلة من الهجمات المضادة.

ورغم سوء الوضع فقد استطاع عثمان باشا استعادة كافة المواقع باستثناء حصن كريغتزا.

معركة بليفنا أو حصار بلفن

رجع القيصر إلى روسيا، وجعل الجنرال إدوارد تودلبن رئيس الأركان يقود المعركة، فأمر بحصار المدينة من الجهات الأربعة وساعده في ذلك كثرة جنوده.

وبعد أن طوقت المدينة بدأ القصف من كل الجهات وفي الوقت نفسه سعي الروس إلى القضاء على باقي جيوب المقاومة العثمانية في المناطق القريبة من بليفنا حتى ان يقطعوا أية فرصة لوصول الإمدادات إلى عثمان باشا وقواته.

وتوقفت كل الإمدادات عن العثمانيين المحاصرين في بليفنا او بلفن، واستمر القصف عدة أيام وسقط الكثير من القتلى في صفوف الجيش العثماني ولم يبقى أمام عثمان باشا سوى خيار واحد وهو الهجوم الكامل، فإما أن يكسروا الحصار وينتصروا وإما ان يموتوا بشرف في أرض المعركة.

وفي ليلة 9 من ديسمبر قاد عثمان باشا قواته، وعبر النهر القريب من بليفنا، ثم اقتحموا صفوف القوات الروسية التي أخذتها المفاجأة فاقتحم العثمانيون الخط الدفاعي الأول في معارك التحامية عنيفة،

ثم اقتحموا الخط الدفاعي الثاني، لكن محاولتهم فشلت، فقد كانت قوات الحلفاء تقدر على الأقل بأربعة أضعاف قوات عثمان باشا التي أنهكها القتال، وطول مدة الحصار ونفاذ المؤن، وأصيب عثمان باشا في فخده فسقط أرضا وشاع مقتل القائد في صفوف عثمانيين،

فاضطربت صفوفهم ونجح الروس في شن هجماتهم المضادة ودفعوا العثمانيين للانسحاب عبر النهر إلى بليفنا وهنا لم يكن أمام عثمان باشا سوى الاستسلام، بعد أن خسر الآلاف من قواته، وتم الاستسلام في 10-12-1877م.

اقتيد السلطان عثمان باشا مكرما إلى روسيا حيث استقبله القيصر بنفسه وأثنى على شجاعته وبقي عثمان باشا في روسيا حتى شفيت جراحه ليعود بعدها إلى إسطنبول حيث استقبله السلطان عبد الحميد وأنعم عليه بلقب غازي تقديرا لبسالته وقربه إليه حتى جعله وزير الحربية.

بالرغم من هزيمة العثمانيين في بليفنا، إلا أن الأشهر الخمسة التي قضاها الروس أمام أسوار بليفنا، وتحصيناتها، تعطلت خطط الاندفاع الروسي نحو إسطنبول، مما أعطى الفرصة للتحركات الدولية الرامية لإيقاف تلك الحرب، قبل أن يصل الروس إلى إسطنبول ويسقطوا والدولة العثمانية.

وكان في مقدمة القوى الدولية بريطانيا بالطبع والتي وصل أسطولها إلى بحر مرمرة العثماني، على مقربة من إسطنبول، في رسالة قوية للقوات الروسية المتقدمة.

في المقابل، فقد وضعت تلك الحرب نهاية نفوذ العثماني في البلقان، وأخرجت رومانيا من التبعية للدولة العثمانية، كما أوقعت بعض المناطق في القوقاز والبحر الأسود في يد روسيا ومنحت جزيرة قبرص في المتوسط لبريطانيا، بينما حصلت النمسا على البوسنة والهرسك.

نأمل بأن يكون المحتوى في تاريخ الدولة العثمانية قد نال إعجابكم، ابقوا في امان الله والسلام.

معركة بليفنا أو حصار بلفن

Facebook
X
Telegram
LinkedIn
Tumblr
Reddit
Scroll to Top