معركة حمص الثانية انها واحدة من اهم المعارك الحاسمة في تاريخ الصراع المملوكي المغولي، معركة شرسة اندلعت بعد ان استغل المغول الاضطرابات السياسية التي عصفت بدوله المماليك عقب وفاه الظاهر بيبرس ليتصدى لهم السلطان المنصور قلاوون ويوقع بهم هزيمه ساحقه منقذا مصر والشام من مصير مروع كان ذلك في معركة حمص الثانية او كما تعرف معركة عين جالوت الثاني تابعونا للنهاية.
تولي المنصور قلاوون حكم دولة المماليك في مصر
لم تسر الأمور على ما يرام في دوله المماليك بعد وفاه سلطانها الأقوى الظاهر بيارس عام 127 للميلاد ذلك الرجل الذي استطاع كسر شوكة المغول مع السلطان المظفر قطز في معركة عين جالوت،
ليتابع المسيرة بعد مقتل هذا الأخير ويتمكن من تحقيق عده انتصار رائعة على المغول ويواجه الصليبيين أيضا في عده معارك اسفرت عن فتح قيسارية وارسوف وقلعه صفد ويافا، ثم توج تلك الانتصارات الرائعة بفتح مدينه انطاكية حتى كانت اخر معاركه مع المغول في معركة ابلستين التي وقعت قبيل وفاته.
ليتولى الحكم من بعده ابنه السعيد ناصر الدين الذي لم يرث من ابيه شيئا من حزمه وحنكته السياسية، بل كان شابا مستهترا يميل الى اللهو والشراب، سيء الراي والتدبير.
عاد امراء المماليك الذين يمكن اعتبارهم من مؤسسي الدولة مع والده والذين رافقوا والده في رحلته الطويلة نحو السلطنة وشاركوه معاركه ضد المغول والصليبيين،
فاجتمع امر امراء المماليك على عزل السعيد بعد عامين من توليه السلطة وولوا مكانه اخاه الأصغر الأمير بدر الدين سلامش الذي كان في السابعة من عمره،
على ان يكون ولي امره الأمير قلاوون الصالحي الذي ما لبث ان أعلن ان السلطنة لا تقوم الا برجل كامل فبايعه امراء المماليك وأصبح سلطانا عام 1280 للميلاد وتلقب بالمنصور.
تولى المنصور قلاوون الحكم في فتره حرجه للغاية فمن جهة كانت السلطة مهتزة من تحته فقد كان بعضهم يرى نفسه أحق بالسلطنة منه، وكان اخرون يرون انه عزل ابن بيبرس مع ما يملك من شرعية باعتباره ابن الملك الظاهر.
وهكذا واجه قلاوون عده تحركات وتمردات ضده أبرزها تمرد الامير سنقر الاشقر نائب السلطان علي دمشق، والذي بايع البيعة لنفسه لينقسم صف المسلمين ويقتتلوا فيما بينهم ناسينا ابنه هلاكو عدوهم اللدود الذي يتربص بهم على الطرف الاخر من نهر الفرات.
ليس هذا فحسب بل كان هناك ايضا الصليبيون القابعون في بقايا الممالك الصليبية في ساحل بلاد الشام .
أوضاع دولة المغول قبل معركة حمص الثانية
قبل ان نتابع الصراع الدائرة بين السلطان قلاوون والأمير سنقر الاشقر دعونا ننتقل الى الجبهة المغولية لنتعرف على الأوضاع فيها، فبعد وفاة هولاكو عام 1265 للميلاد تولى ابنه اباقا خان حكم مملكة الخانات فارس التي أسسها هولاكو ضمن الإمبراطورية المغولية الكبرى.
وكان اباقا ذلك مغوليا، لكن انه اعتنق الديانة المسيحية بعد ما تولى الحكم وهو ما قربه نسبيا من بعض الحلفاء مثل مملكة ارمينية وكذلك الممالك الصليبية في ساحل بلاد الشام.
وقد ورث اباقا خان من والده العداء تجاه المسلمين وخاصة المماليك في مصر والشام فهم القوة الإسلامية المتبقية والوحيدة التي هزمت المغول في معركة عين جالوت،
لكنه لم يكن يريد الحرب معهم غير ان هناك من كان يرغب في ذلك وهو اخوه الصغير وقائد جيوشه الحاقد منكوتمر بن هولاكو فقد كان شديد الحقد والكراهية للمسلمين لا يطيق ان يسمع كلمة مسلم، واستطاع ان يجبر اخاه اباقا على قتال المسلمين.
معركة حمص الثانية المسماه معركة عين جالوت الثانية
زحف المغول بقياده اباقا خان على الشام بعدما وصلتهم انباء الاضطراب السياسي والعسكري الكبير الذي يعصف بالدولة المملوكية فشعر المسلمون بحرج موقفهم ان هم ظلوا متفرقين مختلفين،
فأرسل السلطان قلاوون الى الأمير سنقر يقول له “ان التتار قد اقبلوا الى المسلمين والمصلحة ان نتفق عليهم لئلا يهلك المسلمون بيننا وبينهم، وإذا ملكوا البلاد لم يدعوا منا أحد”
هنا افاق سنقر وتنبه للخطر المحدق بالمسلمين وكان قد هزم امام جيوش قلاوون فأرسل الى السلطان يطلب الصلح وقال “السمع والطاعة واليد الواحدة على عدو المسلمين”
وعفى عنه قلاوون واعطاه ولاية انطاكية وبعضا من حصون وقلاع بلاد الشام .
وهكذا استعاد المسلمون وحدتهم واستعدوا للقاء الغول وقد تمكن المغول من السيطرة على عنتاب وحلب وبعض المناطق والمدن الأخرى في شمال الشام، وكالعادة فقد ارتكب المغول اعمالا وحشية في المدن التي دخلوها فقتلوا وأسروا الالاف واحرقوا المساجد والمدارس ودار السلطنة وبيوت الامراء في حلب .
بدأ السلطان المنصور قلاوون يعد العدة لقتال المغول فبدا أولا بمراسلة الممالك الصليبية في ساحل بلاد الشام فراسل اماره عكا وطرابلس وعقد معهما معاهدات تلزمهما بان لا يحارب مع المغول في حربهم ضد المسلمين وهذا ما تحقق لهم بالفعل.
اعد المغول جيشا كبيرا قدر عدده ب 100 ألف مقاتل تحت قيادة منكوتمر وعبروا الفراط باتجاه الشام وانضم للمغول في الطريق ليون الثالث ملك ارمينيا،
ووصلت اخبار الهجوم المغولي للسلطان قلاوون فكتب الى ملوك المسلمين في كل مكان يستدعيهم للقاء العدو وجهز قلاوون جيشا قدر ب 50 ألف مقاتل وتحركوا تجاه مدينه حمص.
في الوقت الذي تقدم فيه المغول شيئا فشيئا حتى وصلوا الى مدينة حماة، فأبادوها عن بكرة ابيها كما هي عادتهم الوحشية.
تجهز الجيشان وكان السلطان قلاوون قائدا لقلب الجيش بينما وضع الأمير سنقر الأشقر على ميسرة الجيش وجعل امير حماة على الميمنة،
وعلى الجانب الاخر كان منكوتمر في قلب الجيش يقود المعركة وعلى ميسره الجيش قاده مغول بينما تسلم ميمنة الجيش ليون الثالث ملك ارمينيا والجنود الاسبتارية الصليبيون الذين رفضوا الدخول في معاهدات السلطان المنصور قلاوون.
وفي ال 14 من رجب عام 680 للهجرة ال 29 من أكتوبر عام 1281 للميلاد ومع طلوع النهار التحم الجيشان في قتال عظيم لم يرى مثله منذ زمن طويل، وكاد المغول ينتصرون، فقد تمكنت ميمنة الجيش المغولي من كسر ميسرة الجيش الإسلامي بقياده سنقر الأشقر بل طاردوه حتى معسكره.
فاضطربت صفوف الجيش المملوكي وشارف على الهزيمة وفر كثير من المسلمين من المعركة، لكن السلطان قلاوون ثبت في ارض المعركة ثباتا عظيما في طائفه قليلة من جنوده وحفز الجند على القتال وكان لهذا الثبات أثر عظيم في عوده الفارين فتحمست الجنود والامراء.
وبينما طاردت ميمنة الجيش المغولي سنقر الأشقر وراحت تجمع الغنائم من حمص جاء امير العربي عيسى بن مهنا بكتيبة من فرسان الصحراء وصدم الجيش المغولي من ناحية العرض فاضطرب الجيش المغولي لصدمته بشده وانقلبت دفه القتال لصالح المسلمين.
وفي خضم تلك الاحداث جاءت الضربة القاضية للمغول فقد وقع قائد جيش المغول منكوتمر عن جواده واصيب في المعركة فانسحب قلب الجيش الذي يقوده منكوتمر من المعركة وهكذا أصبحت ميمنة الجيش المغولي معزولة وحدها عن بقية الجيش، بعد انسحاب قلب الجيش وانشغال الميسرة بمطارده سنقر الاشقر.
وانتصر المماليك في هذه المعركة انتصارا ساحقا أعاد للأذهان ذكريات نصر عين جالوت العظيم.
ظل المغول يهربون حتى وصلوا الى نهر الفرات فغرق اكثرهم فيه ونزل إليهم اهل مدينة البيري فقتلوا منهم خلقا كثيرا وسرايا الجيش الإسلامي خلفهم للتأكد من خروجهم من البلاد.
كانت هذه معركة حمص الثانية من اهم المعارك في التاريخ الإسلامي بل لا نبالغ ان قلنا بانها حددت مصيره، فلو انتصر المغو في هذه المعركة لكانت الشام ومصر لقمة سائغة لهم ولحققوا ما لم يستطع الجيش المغولي الأول تحقيقه عندما هزم في معركة عين جالوت في عام 1260 للميلاد قبل ذلك بنحو ثلاثة عقود.
كما تغيرت سياسة المغول لفتره من الوقت تجاه دوله المماليك بعد معركة حمص الثانية اذ توفي اباقا خان بعد المعركة بشهور قليلة وتحديدا في شهر ابريل عام 1280 للميلاد حزنا وكمدا على هزيمة جيشه الصارخة ووفاة أخيه منكوتمر بعد المعركة متأثرا بجراحه.
ليتولى حكم المغول اخوه احمد تكودار بن هولاكو الذي كان قد أسلم وهو شاب وما ان أصبح الخان حتى راس قلاوون وأخبره بانه يرفض سياسة العداء بين دولته ودولة المماليك باعتبارهما مسلمين.
نامل بان يكون المحتوى قد نال اعجابكم عن تلك الفترة من تاريخ دولة المماليك.