في هذه المقالة حديثنا عن النمرود وهو ملك طاغية من نسل بن نوح عليه السلام، ظهر في عهد نبي الله إبراهيم الخليل، فاذا من هو النمرود وما قصته؟ كيف كانت بداية دعوة إبراهيم عليه السلام لقومه في عهد النمرود الملك الطاغية؟ النمرود كان من ملوك الارض الاربعة وكان نهايته عذابا شديدا لم يخطر به علي بال
ولله في ذلك حكمة ليكون من خلفه عبرة وآية
حكم الأرض بعد طوفان العظيم في عصر نوح عليه السلام، ملوك كثر، امتد حكمهم لإمبراطوريات عظيمة، فلما تعاقبت الأجيال ومر الزمان، حكم الأرض ملوك أربعة، امتد حكمهم لشرقها وغربها، منهم اثنان مؤمنان، وهما سليمان عليه السلام، وذو القرنين، وأما الكافران فهما بختنصر، والنمرود الطاغية،
قال ابن كثير في كتاب البداية والنهاية، وقال الزبير بن بكار حدثني ابراهيم بن المنذر عن محمد بن الضحاك عن ابيه عن سفيان الثوري قال قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ملك الأرض أربعة: مؤمنان وكافران؛ فالمؤمنان: ذو القرنين وسليمان، والكافران: نمرود وبخت نصر، وسيملكها خامس من أهل بيتي.)وهكذا قال سعيد بن بشير سواء،
من هو النمرود
النمرود هو النمرود بن كنعان وهو احد ملوك الارض الأربعة وهو اول من حكم الأرض منهم بعد الطوفان حكم بابل بالعراق وحكمه امتد 400 عام، ويقال بأنه عذب 400 عام أخرى، اتسع حكمه أقصى الأرض شرقا وغربا، ادعى الألوهية، وأول من وضع التاج على رأسه، كان يأمر قومه بالسجود له، ومن يرفض لا يطعمه، ويتركه للهلاك.
ولد النمرود في عام 2053 قبل الميلاد، واختلف المؤرخون في نسبه، إما لحام بن نوح، وإما لسام، منهم من قال أنه النمرود بن كنعان بن كوش، ابن حام بن نوح،
ومنهم من قال بأنه النمرود بن فالخ، ابن عابر بن شالخ،بن ارفخشت بن سام بن نوح ولكن اتفق معظم المؤرخون انه نسبه يرجع لحام بن نوح، وهذا ما ذكره بن كثير في كتاب البداية ونهاية،
قصة النمرود كاملة
كان النمرود طاغية تجبر وعتي في الأرض، يقال أنه أمر كبير المهندسين في عصره، واسمه كوشي بأن يهدم قبور الفقراء، لما رأى أنها تطلع على النار، لكي يبني له حديقة غناء باسمه،
ويحكى أن كبير الكهنة، واسمه تارح بن ناحور بن ساروغ، ابن أرغ بن فالغ، ابن عابر بن شالخ بن قينان، ابن أرفيخش بن سام بن نوح، ولقبه الذي منحه له النمرود هو آزر،
آزر كان عربيا من سلالة العرب العاربة التي يمتد نسلها لنوح عليه السلام، وهنا، نتحدث عن أبي نبي الله إبراهيم عليه السلام،
قال تعالى{۞ وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ آزَرَ أَتَتَّخِذُ أَصْنَامًا آلِهَةً ۖ إِنِّي أَرَاكَ وَقَوْمَكَ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ (74)} هذا يدل على أن اسم أبي إبراهيم آزر وقال جمهور أهل النسب منهم ابن عباس على أن اسم أبيه تارح وأهل الكتاب يقولون تارخ بالخاء معجبة فقيل أنه لقب بصنم كان يعبده اسمه آزر
وقال ابن جرير والصواب أن اسمه آزر ولعل له اسمان علمان أو أحدهما لقب والآخر علم وهذا الذي قوله محتمل والله أعلم
كان لآزر ثلاثة من الأبناء إبراهيم عليه السلام وناحور وهاران الذي يمتد من نسبه لوط عليه السلام أسند له النمرود مهمة صنع صنم له على هيئته ليعظمه قومه ويعبده فكان هذا الإله رمزا للقوة والحكمة والعظمة
قصة النمرود وسيدنا إبراهيم عليه السلام
وذات يوم بلغ النمرود خبر صاعق بأنه سيزول ملكه ويهلك على يد مولود جديد يقول ابن كثير الرحمة الله عليه فكر أنه طلع نجم أخفى ضوء الشمس والقمر فهال ذلك أهل ذلك الزمان وفزع النمرود فجمع الكهنة والمون الجمين وسألهم عن ذلك
فقالوا يولد مولود في رعيتك يكون زوال ملكك على يديه فأمر عند ذلك بمنع الرجال عن النساء وأن يقتل المولود من ذلك الحين فكان مولد إبراهيم الخليل في ذلك الحين فحماه الله عز وجل وصان من كيد الفجار
لكن النمرود لم يكن يعلم أن مرأة آزر تحمل في بطنها من سيزول ملكه على يديه خبأ آزر مرأته الحامل في الجبال وكان يذهب إليها بالماء والطعام ويخف ذلك عن جميع الناس حتى ولد أبو الأنبياء إبراهيم عليه السلام وظل مختبئا في كهف بداخل الجبل حتى صار شابا يافعا
وظل آزر يحمل سر ابنه إبراهيم لأعوام عديدة ظل آزر يدعوه لعبادة الآلهة كما كان يفعل آباؤهم لكن إبراهيم لم يكن يستجيب لأوامر أبي وكان يختلي بنفسه ويتأمل الشمس والقمر وكان يشهد لإبراهيم بحسن الخلق والأدب والحكمة
بدأ النمرود يشعر بالخطر فأرسل في طلب المنجمين وأخبروه مرة أخرى بأنهم حذروه من زوال ملكه على يد المولود الجديد لكن النمرود كذب حديثهم لأنه يعلم يقينا أنه قتل جميع المواليد الذكور ذلك العام إلا أنهم أخبروه بأنه قتل جميعهم إلا عدوه وأنه سيظهر في الوقت المعلوم
وجاء اليوم الموعد حين تكبر النمرود على القوم وأخبرهم بأنه رزقهم هذا الطعام ومنع بعضهم من الطعام لأنه لم يسجد له ومن بينها هؤلاء الناس كان إبراهيم عليه السلام
فتعجب النمرود من رد إبراهيم بأن له ربا رزاقا يحيي ويميت فقال له النمرود أنا أحيي واميت وأمر بإحضار رجلين فقت لأحدهم وعفا عن الآخر
فتحداه إبراهيم بأن يأتي بشمس من المغرب إن كان يقدر على ذلك فسقطت حجة النمرود وعقد لسانه ومرض مرضا شديدا
ولم يريد ذكر النمرود صريحا في القرآن الكريم وإنما كان ذلك جليا من قصته في سورة البقرة قال تعالى {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ ۖ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ ۗ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (258)}
تمر الأيام وتعود للنمرود صحته وعندها علم بالمولود الذي سيزول ملكه على يدي فأرسل في طلب آزر يسأله عن فعلة ابنه وتحديه له فكيف لبن آزر كبير الكهنة أن يكفر بالآلهة بل وينكر ألوهية النمرود ولم يقر آزر بأن ابنه أولد في نفس العام الذي قتل فيه الذكور حتى لا يصاب ابنه بأذي
وبدأ إبراهيم في أولى خطوات دعوته لعبادة الله فكسر جميع التمثيل في المعبد بما فيها تمثال النمرود ما عدى كبيرهم وفي ذلك الفعل من الحكمة والذكاء الذي يدل على رجاحة عقل إبراهيم عليه السلام وقوة حجته في محاورة النمرود الطاغية
وعندما علم النمرود بفعلة إبراهيم توعده بعقاب لم يشهد مثله ليكون عبرة لغيره قال تعالى في سورة الأنبياء
قَالُوا أَأَنتَ فَعَلْتَ هَٰذَا بِآلِهَتِنَا يَا إِبْرَاهِيمُ (62) قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَٰذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِن كَانُوا يَنطِقُونَ (63) فَرَجَعُوا إِلَىٰ أَنفُسِهِمْ فَقَالُوا إِنَّكُمْ أَنتُمُ الظَّالِمُونَ (64) ثُمَّ نُكِسُوا عَلَىٰ رُءُوسِهِمْ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هَٰؤُلَاءِ يَنطِقُونَ (65) قَالَ أَفَتَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنفَعُكُمْ شَيْئًا وَلَا يَضُرُّكُمْ (66) أُفٍّ لَّكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ ۖ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (67)
وكان عقاب النمرود له أن عد له نارا عظيم ليلقي به فيها ويحرقه على أعين الناس لكن الله تعالى حفظه وأمر النار بأن تكون بردا وسلاما على إبراهيم قَالُوا حَرِّقُوهُ وَانصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِن كُنتُمْ فَاعِلِينَ (68) قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ (69) وَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَخْسَرِينَ (70)
كاد النمرود أن يجن فكيف لإبراهيم أن ينجو من النار وجميع من رأي المعجزة أقر بنبوة إبراهيم وآمن بالله وتخل الجميع عن النمرود فأمر بطلب كوشي كبير المهندسين ليبني له صرحا يخترق السماء ليصل إلى إله إبراهيم ليحاجج الله
زلزل الله السرح وما فيه وسقط على رأس النمرود فرد الله عليه في قوله تعالى في سورة النحل قال تعالى {قَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَأَتَى اللَّهُ بُنْيَانَهُم مِّنَ الْقَوَاعِدِ فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِن فَوْقِهِمْ وَأَتَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ (26)
كيف مات النمرود
فكان دمار الصرح عقاب لتحد النمرود لله عز وجل ومن هنا بدأ عقاب النمرود يقال بأن صرح النمرود العظيم هو برج بابل المقام في بلاد الرافدين في مدينة بابل بالعراق حاليا والله أعلم وأنهم مكون من ثمانية أبراج فوق بعضها البعض بقاعدة مربعة حسب ما توصلت إليه الأقمار الصناعية
وله سلم اللولبي يرقى به من أراد الصعود إلا أن البرج الحالي هو ترميم للبرج السابق لأنه دمرا في عهد النمرود
نجا النمرود لكنه لم ينج من عقاب الله فهاجم جيش من البعوض على جنود النمرود فقتلهم جميعا وأمر الله بعوضة لتدخل في أنف النمرود وتصل لدماغه فكما طغى وتجبر لأربعمائة عام عذب ببعوضة لأربعمائة عام أخرى
وحين يزداد طنينها يطلب من الجميع أن يضربه بالأحذية على رأسه حتى يتوقف الطنين وحين ساءت حالته كان يضرب بمطارق من حديد حتى هلك بسبب بعوضة
وأما قصة دخول البعوضة في منخره حتى ضرب بالمطارق فقد أخرجها الطبري في جامع البيان وفي تاريخ الرسل والملوك
أمهله الله فرصا للتوبة لكنه استمر في طغيانه وادعاء الألوهية فاستحق من الله ما ناله من العذاب وتلك قصة النمرود الطاغية مع نبي الله إبراهيم عليه السلام ومثل هذه القصص ونحوها من الإسرائيليات لا حرج في نقلها من باب العبرة والعظة على ألا ينسب إلى رسول الله عليه الصلاة والسلام إلا ما علم مخرجه وثبت اسناده
فعن عبد الله بن عمرو أن نبي صلى الله عليه وسلم (بَلِّغُوا عَنِّي ولو آيَةً، وَحَدِّثُوا عن بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَا حَرَجَ، وَمَن كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا، فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ.) رواه البخاري في صحيحه
وبذلك فقد عرفنا من هو النمرود ولمعرفة المزيد عن النمرود يمكنك الاطلاع عليه من هنا