من هو هرمس؟
هرمس هو نبي من أنبياء الله، سفير لدى السماوات، إله الحكمة العظيم لدى المصريين القدماء، وقديس كبير لدى الإغريق، تنسب إليه متون هرمس، وتعود إليه مكنونات الواح الياقوت، وهو أول من خاط اللباس و حاكه، عنده تجتمع أسرار أهرامات مصر العظيمة، أوتي الملك والنبوة والحكمة فنودي بمثلث العظمة أو ثالوثها .
هرمس هو هرمس الهرامسة أو هرمس ميركوريوس، أخنوخ هرميز أو إدريس عليه السلام، صاحب التعاليم الهرمسية في الألواح الزمردية الغامضة، ومشرع القوانين الكونية السبعة، أول من نادى بأن الكون مبني على الاهتزاز وتكلم في صفحاته عن قصة خلق الإنسان، سلطان العقل جوهر رسالته.
ويؤمن بوحدانية الاله العظيم، أتوم، من هو هرمس وما هي أسراره؟ ولما وصلت أسراره لجابر بن حيان رائد علوم الخيمياء؟ هل فعلا كان نبيا عظيما؟ أم رجلا حكيما؟ اطلع على أخبار السماء؟ ولما تحيط بقصته كل تلك الهالة من القدسية والغموض؟
ولماذا نسرد لكم قصة هرمس اليوم؟ تابعوا المقالة لمعرفة كل ذلك.
رسالة الاله الي هرمس
لنبدأ بأتوم الإله العظيم لدى المصريين القدماء، ومعنى اسمه التام أو الكامل، وبالعودة إلى تصنيفه الإلهي يسجل عنه في المصادر والكتب القديمة أنه ذاتي الخلق، أي ليس ابنا لإله من قبله، ونودي بالتام، حسب الاعتقاد الشائع أنذاك أنه مكون من الجنسين معا، الذكر والأنثى.
المهم أن أتوم هذا، وقبل ما يزيد عن 7000 سنة قبل الميلاد، أفتى بالعقل وعاء ضخم اللإنسان وأرسله إلى الأرض، ونودي عليه “أنصت يا قلب الإنسان. عماد نفسك بالعقل وتعرف على علة خلقك، وارتقي إلى من أرسل إليك هذا الوعاء، أولئك الذين عمدوا أنفسهم بالعقل، ووجدوا المعرفة الحق، وصاروا كاملين.”
القارئ لتلك العبارات، يدرك تماما أنها لم تكن حكرا على أتوم وحدة، بل تعد مطلع الرسالة الإلهية التي خطها هرمس بيديه إلى الإنسان ،وهي أيضا تحمل رسالة الخلق وجوهر الحياة منادية للإنسان بأن يرتقي إلى منشئي خلقه بالعقل.
وبالعقل وحدة مجد الله الإنسان، وجعله خليفة مؤتمنة على الأرض.
هل هرمس هو النبي ادريس عليه السلام؟
بالمقابل، تنسب بعض المصادر هذه المتون إلى الحكيم المصري تحوت إله الحكمة قبل 5000 سنة، وترى أنه يختلف عن هرمس الأصلي (إدريس)، ويقال إن سبب تسميته بهرمس مثلث العظم لتمييزه عن إله المصريين القدماء.
وحتى الآن لا تزال تلك الشخصية غامضة ومثار جدل ليس عند المسلمين فحسب، بل عند كثير من المؤرخين، فهناك تضارب في الروايات التاريخية التي تخبر عنه.
البعض يرجعه إلى تحوت إله الحكمة المصرية، واليونانيون أسموه هرمس، فأطلق المصريون عليه اسم هرمس مثلث العظمة، تمييزا له عن هرمس الأول إدريس.
وهناك من يعتقد أنه هرمس اسكندري اليوناني في حي يرفض البعض وجوده كليا، ويعتبره مزيجا أسطوريا من الشخصيات.
ولكن ما توفر لدينا من معلومات هو أن هرمس هو إدريس النبي عليه السلام بكل الأحوال قبل أتوم أو بعده، وسواء كان هرمس أو تحوت أو إدريس، أولا، وقبل 7000 سنة قبل الميلاد أو 5000.
الأهم من ذلك كله، أن منذ نشأة فكرة الوهية الكون، نادت بالعقل، بغض النظر عن الإله، وعليه تعد متون هرمس من أعظم المراجع الروحية في العصور المتقدمة، ابان النهضة الأوروبية،
وخاصة أنها حملت كثيرا من المفكرين والأدباء مثلا ليوناردو دافنشي، بوتشيلي، نيوتون، فيكتور هوجو، وشكسبير، والعديد من فلاسفة البلاط الملكة إليزابيت الأولى في لندن، والكثيرين غيرهم لاعتبارها الح. الأمثل لتشتت الأديان المنظمة عبر العالم.
وصهرها، وفق ديني، عالم جديد يرتكز، وا على ما نصت إليه هذه التعاليم، فهي تدفعنا على نحو أكبر، لفهم أعمق للآيات المقدسة لكل من التوراة والإنجيل والقرآن.
هرمس والواح الياقوت الزمردية
الواح الياقوت أو الألواح الزمردية والمعروفة أيضا بطاولة سماراغدينا الواح أسطورية تحوي في طياتها أسرارا تعد من أعجب الغاز الخلق وخفايا تكوينه، يرجح كثيرون أنها تعود إلى بطل حكايتنا اليوم هرمس. فهي تحتوي على أسرار المادة الحية، وطرق تحويلها، كما أنها تعتبر بوابة البشرية الأوسع نحو مواطن علم الخيمياء، وروائع تشكيلاته.
ومن العجيب أن أول ذكر لمحتواها كان باللغة العربية ما بين القرن السادس والثامن الميلادي، ومن بعدها ترجمت إلى اللاتينية في القرن الثاني عشر، إذ تقول الروايات، وبحسب ما تناقلته الأخبار عبر كتاب سر الخليقة وصنعة الطبيعة،
أن أول من وجد اللوحات هو رجل يدعى بليناس الحكيم، أو أبولنوس مع رجل كبير في السن يجلس على عرش ذهبي في مخبأ تحت تمثال هرمس، وأن مخطوطاته كتبت منذ أزمان غابرة.
وبعدها وجدت لوحة مترجمة في كتاب يعود لجابر بن حياة أب الفلاسفة، وطليعة المتعلمين في علوم الخيمياء، وقد لقي اهتماما بالغا من الغرب أكثر من المسلمين والعرب بما تحتويه كتبه على شروح وأفكار تتناول أصل الخليقة وطرق فهمها.
في معرض الحديث عن الخيمياء، لا يسعنا الاستطراد كثيرا في كلام عن أصول هذا العلم وتفرعاته، ويعزى علم الخيمياء إلى مفهوم تصيير المادة من حالة إلى أخرى.
ونستذكر هنا رواية الخيميائي لكاتبها باولو كويلو، والتي لاقت شهرة عريضة في الأوساط الأدبية بما تحتويه من خيال ممزوج بطابع أدبي فني جميل، و تعد أنموذجا واضحا عن الفكرة المتداولة عن مفهوم علم الخيمياء الذي في الأصل يعنى بحقائق أبعد وأعمق بكثير.
وإن الإسقاط المادي لمفهومه عبر تصيير المادة من شكل آخر، ما هو إلا ترميز لباطن أصوليته.
فهو يدور حول تحويل جوهر المرء من أرض يا دنيوي ماديا، إلى كائن رباني إلهي، عبر صياغة جديدة للمفاهيم والمعتقدات التي يمتلكها الفرد، فكل معتقد أو فكرة تؤمن بها، تصنع بشكل أو بآخر. واقعك الملموس، وتحدك بحدودها وتحتكم كلها.
وهنا يبرز دور الخيمياء الأساسي او ا يسمي حجر الفلاسفة في تحريرك من عبء الأفكار التي تسيطر عليك، وتنقلك من الحيز اللاوعي إلى الحيز الواعي المدرك لنفسه ولأفكاره، وهو لب الرسالات السماوية ونطق به معظم الأنبياء.
وباختصار توجيه لوعي الفرد نحو الداخل، معرفة الذات، توصله معرفة الخارج، معرفة الله.
قوانين هرمس السبعة
لقد شاع في الآونة الأخيرة تداول كبير لـ قوانين هرمس السبعة، وعلى نحو واسع، وتعددت شروحها وتفاسيرها القوانين الكونية أو القوانين الهرمسية السبعة، والتي ذكرت لأول مرة عام 1908 في كتاب كبليون بمؤلفين مجهولين الهوية أطلقوا على أنفسهم اسم المبتدئون الثلاثة.
ولكن وإن دققت فيها جيدا، فإنها تشرح لك بعناية السمات الكونية الضابطة للكون نفسه، والتي أيضا، تنسب إلى هرمس وتلخص في تعدادها سمات أو قوانين الوجود من حولنا، مندرجة عبر سبعة تفنيد ات أساسية وهي قوانين هرمس السبعة:
- قانون العقل: كل شيء تراه وتلمسه، ما هو إلا انعكاس بما تفكر به، وإن الكون بمثابة عقل له وكل شيء فيه عبارة عن فكرة
- قانون التناظر: لكل شيء نظير، ما في الأعلى موجود في الأسفل.
- قانون الاهتزاز: لا شيء ثابت في الكون، كل شيء يهتز وفق تردد معين، فإن أردت شيئا ما، فاهتز بنفس تردده.
- قانون الإيقاع: كل الأشياء في الكون تسير وفق إيقاع خاص بها، كموج البحري، أو انحناءات الجبال، لكل بداية نهاية ولكل نهاية بداية كل شيء له إيقاعه الخاص.
- قانون السبب والنتيجة : كل سبب له نتيجته وكل نتيجة لها سببها، ما من شيء يحدث عبثا، كل شيء يحدث وفق قانون الصدفة هو اسم يطلق على قانون غير معروف.
- قانون القطبية: إن الكون مبني على المتناقضات، لكل شيء نقيض، ومن هنا تتجلى الثنائيات.
- قانون الجنس: خلق الله الكون وفق الثنائيات، كما الذكر والأنثى.
وفي هذا الشرح البسيط، نرى كيف استطاع هرمس أن يلخص الوجود بقوانين بسيطة تجيب على كافة تساؤلاتنا العميقة والوجودية، وإن لم تفهم أو تعي عظمة هذه الشروح والقوانين،
فلا بأس، فإنه قد ذكر أيضا مراحل العقل الثلاث التي يعيشها الإنسان على الأرض، وتمثل مراحل تطور الوعي التي ينبغي دفعها حتى تصل إلى المرحلة الأخيرة اللاهوتية.
الوعي المادي العظيم، أي الوعي الدنيوي، الوعي العقلاني اي اليقظة، الوعي الروحاني العظيم أي الوعي الرباني.
خاتمة حول حقيقة قصة هرمس الهرامسة
بالعودة إلى ما سبق و مقارنة مع ما نعيشه من صراعات دينية، ولادة لصراعات سياسية مختصا دية واجتماعية، تفتك بنا يوميا، نصل إلى حقيقة لا لبس فيها، أثبتتها معظم كتب العلوم الإنسانية القديمة والمعاصرة، والتي لا تزال تخاطب الوعي البشري منذ آلاف السنين حتى وقتنا هذا.
الحقيقة أن البشرية لازالت تقبع تحت مستوى متدن من الوعي الذي كانت سجينته منذ الأزل، والسبب هو تحييد العقل، وأننا بالفعل لم نرتقي حتى الآن إلى المقام الذي عهده الله لنا، بدليل أن مازلنا متقاتلين متناحرين على أمور تعد للعاقل الفطن مدعاة للضحك والسخرية.
والجدير بالذكر أن تاريخنا العربي والإسلامي حافل بشخصيات عظيمة، تعد ركنا أساسيا للعلم الوافر المستفيض، الذي إذا سخرنا جهد تناحرنا بين بعضنا لثانية واحدة، بغية استيعاب ما فيه، لهبطت إلينا الملائكة ساجدة مرة أخرى، ولترفعنا ان نكون علماء ربانيين.
إننا وللأسف ما زال بعضنا في الدرك الأسفل من المقام السماوي الذي نذره الله لنا، مصرين كل الإصرار على الجحود بكل فكرة أو قيمة، تنأي بنا عن شرور الافتتان في الدنيا و مصارعها معتنقين بذلك ما قد اهترئ من التراث مدججين بعري الجهل أو التطرف لأجل التطرف فقط،
خلف بعض الجهلة ممن يدعون بأنهم رجال دين، والذين ما زالوا يثبتون لنا في كل مرة أنهم أجهل الناس بالله وبالدين.
فاصحوا وتيقنوا وحكموا عقولكم يا أبناء جلدتي عل قولي ينصب في ضمائركم، فيحيكم، من بعد موتكم هذا، فتدركوا جنات عدن والفردوس التي وعدكم الله سبحانه وتعالى بها لصالح العمل ونور العلم، فتبصروا عظمة الخلق من حولكم، لتكشف لكم آيات السماوات كما كشفت للذين من قبلكم علكم تفكرون، سلام.
المصادر
- هرمس الهرامسة – ويكيبيديا
- زيدان، يوسف. 2013. دوامات التدين. دار الشروق. ص.29.
- كتاب أخبار العلماء بأخيار الحكماء للقفطي علىٰ الموسوعة الشاملة.
- تكوين العقل العربي، محمد عابد الجابري، الصفحة 177.
- بحار الأنوار للمجلسي ج١١، ص٢٨٠، باب ٩ من قصص إدريس، ونقل صاحب البحار من تفسير الرازي ج٢١ ص٢٣٣ باب واذكر في الكتاب إدريس.
