كثير من الناس يسألون لماذا لا تطبع الدول الكثير من المال وتقضي على الفقر؟ أو ليه الدولة مينفعش تطبع فلوس وخلاص؟ في تلك المقالة سوف نجيب علي كل تلك الأسئلة من جميع النواحي.
ليه الدولة مينفعش تطبع فلوس وخلاص؟
لعلك سألت نفسك يوما ليه الدولة مينفعش تطبع فلوس وخلاص؟ أو لماذا لا تطبع الدول الكثير من المالوتقضي على الفقر ونصبح أغنياء جميعا ليس هذا وحسب بل ويمكننا أن نسدد ديوننا ولا نعاني من تحكم الدول الكبرى وتدخلها في شؤون بلادنا.
مهلا مهلا يا صديقي قبل أن تسحبك الأحلام الوردية إلى هذا التفكير دعني أخبرك بأن تلك الفكرة قد راودت الآلاف غيرك بل وراودت أيضا بعض الدول التي ظنت أنها ستحل كل مشكلاتها المالية والاقتصادية بتلك الطريقة.
لكن النتيجة كانت كارثية بحق في مقالتنا هذه سنجيب على السؤال الذي يشغل أذهاننا جميعا وهو لماذا لا تطبع الدول الكثير من النقود ونصير أغنياء و لماذا لا تطبع الدول الدولار جميعا وذلك بأسلوب مبسط وسلس بعيدا عن التعقيدات الاقتصادية تابعون للنهاية.
تاريخ التعامل النقدي
ما هو تاريخ التعامل النقدي؟ أو كيف كان التعامل المادي عبر التاريخ؟
قبل أن نتحدث عن طباعة النقود يجدر بنا أن نلقي نظرة سريعة على تاريخ التعامل النقدي فيذكر تشابوروخا كوسيمبا أستاذ الأنثروبولوجيا بالجامعة الأميركية أن الاتعامل المادي بين الناس كان يتم من خلال ما عرف بالمقايضة.
أي التبادل المباشر بين الطرفين للسلع المطلوبة قبل أن يأتي المال ليحل محل تلك الطريقة البدائية.
وقد تطور شكل المال على مدى آلاف السنين بداية من الأشياء الطبيعية إلى النقود المعدنية إلى العملات الورقية إلى الأموال الرقمية.
لتستخدم تلك الأشياء كوسيلة للتبادل وطريقة للدفع ومعيار للقيمة ومخزن للثروة ووحدة للحساب.
ما هي المواد التي كانت تستخدم في التعامل النقدي قبل ظهور الأموال والنقود؟
برزت الخامات التي يعتبر وجودها نادرا في الطبيعة والتي يمكن التحكم مفيد تداولها بكفاءة بوصفها وحدات قيمة للتفاعل والتبادل.
وهذه تشمل القواقع مثل أصداف اللؤلو التي انتشرت على نطاق واسع في الأميركيتين وأصداف الودع التي استخدمت في أفريقيا وأوروبا وآسيا وأستراليا.
كما استخدم النحاس والعنبر والسبد والحديد والفخار وسبائك الرصاص والخرز الذهب والفضة كعملات.
حتى الحيوانات الحية مثل الأبقار استخدمت كشكل من أشكال العملة وخدمت بالفعل المجتمعات الرعوية بنجاح لكنها ليست سهلة النقل إلى جانب أنها معرضة للكوارث البيئية.
تاريخ ظهور النقود
ما هو تاريخ ظهور النقود وكيف ظهرت النقود ؟
ثم ظهرت النقود أخيرا وذلك عندما نشأ شيكل بلاد الرافدين وكان ذلك أول بلد تظهر فيه النقود والأموال وكان أول ظهور للنقود في تلك البلاد منذ ما يقرب من 5 آلاف عام .
وهو أول شكل معروف للعملة أما عن أقدم العملات المعروفة فهي ترجع إلى عام 650 وعام 600 قبل الميلاد في آسيا الصغرى.
حيث استخدمت النخبة في كل من مملكة ليديا ومملكة أيونية العملات الذهبية والفضية المسكوكة لدفع رواتب الجيش.
ثم كان الاعتراف بالعملات النقدية كوسيلة من السلع الأساسية في بداية الألفية الأولى للميلاد.
سبب نجاح التعامل النقدي
ما هو سبب نجاح التعامل النقدي
يمكن القول إن عمليات النقدي يعود نجاحها إلى حد كبير إلى قابليتها للنقل وقوات تحملها وسهولة حملها.
كما أنها تسهل التبادل وتقرب بين المجتمعات المتباينة وترسخ الطبقات الاجتماعية إلى جانب أنه يمكن للقادة السياسيين السيطرة على إنتاج القطع النقدية فضلا عن سهولة تداولها واستخدامها .
وسرعان ما أصبحت الأموال أداة للسيطرة السياسية ووسيلة تمكن من فرض الضرائب لدعم النخبة والإنفاق على الجيوش.
أضيف إلى ذلك فإن الأموال تعمل أيضا كقوة داعمة للاستقرار عن طريق تشجيع التبادل السلمي للسلع والمعلومات والخدمات داخل المجموعات المختلفة وبين المجموعات وبعضها.
رأي الاقتصاد في طباعة الكثير من المال
ما هو رأي الاقتصاد في طباعة الكثير من المال؟ وما هي شروط طباعة النقود؟
لأن الأموال أداة لإثبات نفوذ دولة فقد كان على الدولة أن تجد وسيلة تمكنها من طباعة النقود والسيطرة عليها دون الإضرار باقتصادها.
إذ إن المال من الناحية الاقتصادية يجب أن يتناسب ضخ العملات النقدية في السوق من طرف الدولة مع حجم الاقتصاد وما حجم الإنتاج المحلي.
وهذا يعني أن كل وحدة نقدية مطبوعة لا بد أن يقابلها رصيد من احتياطي النقد الأجنبي أو رصيد ذهبي أو سلع وخدمات حقيقية يتم إنتاجها في المجتمع.
حتى تكون النقود المتداولة في سوق ذات قيمة حقيقية هو ليست مجرد أوراق مطبوعة.
فالنقود مثل أي سلعة أخرى تطبق عليها قوانين الاقتصاد الأساسي وقواعد العرض والطلب وتلك كانت شروط طباعة النقود.
وهذا يعني أن أسعار السلع والخدمات تحدد عن طريق آلية العرض والطلب فكلما زاد العرض لسلعة معينة سيقل سعر السلعة لأن الكمية الموجودة في سوق زائدة عن الحاجة وتغطي طلبات الأفراد.
هذا بفرض أن الطلب ثابت وهناك فائض أكثر من الحاجة الأمر الذي يدفع المنتجين إلى تقليل أسعار منتجاتهم كاستراتيجية للتسويق وطريقة لتحفيز الأفراد على شراء كميات أكبر.
والعكس صحيح فكلما قال العرض لسلعة معينة
سيرتفع سعرها لأن الكمية المعروضة قليلة لا تلبي احتياجات الأفراد لذلك يدفع الأفراد الراغبين بهذه السلعة مبالغ أكبر من السعر السابق للحصول على السلعة قبل نفاذ الكمية.
لماذا لا تطبع الدول الكثير من المال ونصبح أغنياء جميعا؟
لماذا لا تطبع الدول الكثير من المال ونصبح أغنياء جميعا من الناحية الاقتصادية؟
لكن وفي حال قامت الدولة بضخ عملات نقدية أكبر من حجم الاقتصاد ستقل القيمة الشرائية للعملة وترتفع الأسعار بشكل جنوني.
ليرتفع معها التضخم الاقتصادي والمالي وتصل الدولة لحالة من عدم الاستقرار الذي يجرها إلى الانهيار الاقتصادي وتنهار معه البنية الاجتماعية وباقي القطاعات.
هذا يعني أن طباعة النقود من البنك المركزي ليست سهلة بل هي عملية فنية معقدة اقتصادية .
ففي حالة طباعة نقود دون أن يكون لها غطاء سيؤدي ذلك إلى نتيجة أساسية واحدة وهي ارتفاع الأسعار حيث يزيد المعروض النقدي دون أن يقابله زيادة موازية في السلع والخدمات ونتيجة لذلك يفقد الناس الثقة في العملة المحلية.
ومن ثم يقومون بالتخلص مما لديهم من هذه العملة وشرائع عملات أجنبية أو أصول عينية مثل العقارات والذهب وهذا سيؤدي بدوره إلى مزيد من انخفاض قيمة العملة المحلية
الأمر الذي يؤدي في النهاية إلى انهيار قيمة العملة ومن ثم الانهيار الاقتصادي.
لماذا لا تطبع الدول الكثير من المال وتقضي على الفقر؟
لماذا لا تطبع الدول الكثير من المال وتقضي على الفقر ؟ خصوصا من الناحية العملية.
هذا من الناحية الاقتصادية لكن من الناحية العملية فدعنا عزيزي المشاهد مبسط لك الأمر تخيل أن تأتي الحكومة وتعطيك مئة مليون دولار مثلا .
وتقول لك هذا المال لك يمكنك إنفاقه كما تشاء ومن ثم تفعل المثل مع باقي أفراد الشعب الذي سيطير حتما من الفرحة ويندفع لشراء كل ما يريده وما لا يريده.
ثم ماذا؟ نعم لا بد أنك أنتجت الأمر بنفسك لن يكون لدى أحد دافع للعمل فلماذا يستيقظ الفلاح باكرا ليزرع الأرض .
ولماذا يقف الخباز في هذا الجو الرهيب ليصنع الخبز ولماذا ينحني عامل نظافة اليد لجمع القمامة من الشارع.
وقس على ذلك بقية الوظائف التي لا غنى عنها يا صديقي.
باختصار لماذا يعمل الناس يشقون من أجل الحصول على المال وهو في أيديهم بالفعل.
الأسوأ أن الكارثة لن تقف عند هذا الحد فمع اندفاع الناس لشراء السلع والخدمات التي يحتاجونها والتي لا يحتاجونها ستنفذ المنتجات سريعا.
وإن لم تكن قد نفذت بالفعل سيقوم المنتجون برفع أسعار سلعهم وخدماتهم لتناسب نسبة الزيادة في الطلب.
وكما تعلم كلما ارتفعت طلب زاد السعر ومع ارتفاع الأسعار ستفقد العملة قيمتها وسيجد الناس أنفسهم مضطرين إلى دفع المزيد من المال مقابل الحصول على الكمية ذاتها من البضائع.
وهكذا ستنفذ أموالهم سريعا ليجدوا أنفسهم مضطرين إلى العمل حتى يحصلوا على النقود لكنهم لم يجدوا عملا في تلك الحالة لأن الاقتصاد قد انهار بالفعل مع انهيار العملة .
الأمر مخيف أليس كذلك؟
تجربة زيمبابوي في طباعة الكثير من النقود
ما هي تجربة زيمبابوي في طباعة الكثير من النقود والتضخم الذي حصل بها؟
ماذا لو أخبرناك بأن ذلك السيناريو المرعب قد وقع بالفعل في عدة دول تجاهلت حكوماتها المحاذير الاقتصادية الخاصة بطباعة النقود.
ومن أمثلة ذلك ما حدث في زيمبابوي سنة 2008 م إذ طبعت الحكومة نقودا أكثر في محاولة منها لدفع عجلة النمو في البلاد فكانت نتيجة كارثية.
إذ ارتفعت الأسعار بشكل جنوني وتجاوز معدل التضخم 230 مليون % حتى إن السنة الأميركية الواحد كان يعادل 500 مليار دولار زمبابوي
وأصبحت قيمة الأوراق النقدية المطبوعة لا تساوي تكلفة الورق الذي طبعت عليه.
الأمر الذي جعل الحكومة توقف التعامل بالعملة المحلية وتستبدله بالدولار الأميركي أو الراند الجنوب الأفريقي وغيره من العملات الأجنبية.
تجربة فنزويلا في طباعة الكثير من النقود
ما هي تجربة فنزويلا في طباعة الكثير من النقود والتضخم الذي حصل بها؟
حدثت تجربة ذاتها في فنزويلا عندما قامت الحكومة بطباعة العملة الفنزويلية بصورة مفرطة وغير محسوبة لترتفع الأسعار أيضا بصورة فلكية.
فكان على المواطن الفنزويلي الذي يريد شراء دجاجة وزنها كيلوغرامين والتي تساوي دولارين كان عليه أن يدفع 14 مليونا و 600 ألف بوليفار وهكذا انهارت العملة الفنزويلية وفقدت 99% من قيمتها .
ووصلت نسبة التضخم إلى 400.000 % في عام 2018 وقد حاولت فنزويلا حماية مواطنيها من هذا التضخم الهائل بفرض قوانين تحافظ على مستوى أسعار الاحتياجات الأساسية مثل الأطعمة والأدوية.
فكانت النتيجة نفاذ مخزون المتاجر والصيدليات من تلك المواد الأساسية.
أين تطبع الدول النقود
أين يوجد مكان طباعة النقود في الدول ؟
قبل أن نختم في مقالتنا عزيزي القارئ بقي لنا أن نجيب على سؤال هام قد يدور في ذهنك الآن وهو أين تطبع الدول النقود؟.
بعض البلدان تقوم بطباعة كل نقودها داخل حدودها كما هو الحال في الهند وأيضا الولايات المتحدة الأميركية لأنها ملزمة قانونا بطباعة أوراقها النقدية داخل حدود أراضيها .
لكن بالنسبة لأغلبية الدول فإنها تقوم بطباعة أموالها في الخارج بل إن بعضها لا يمتلك حتى دار سك للعملة مثل دولة ليبيريا.
تطبع عدد من الشركات المتخصصة للغاية معظم عملات العالم وتعد شركة دي لارو البريطانية أكبر شركة لطباعة الأوراق النقدية في جميع أنحاء العالم.
إذ تطبع الأوراق النقدية لنحو 140 مصرفا مركزيا وإذا كنست الأوراق النقدية التي تطبعها خلال أسبوع واحد أحد فقط فسيكون ارتفاعها ضعف ارتفاع قمة إيفرست.
وهناك أيضا شركة ألمانية منافسة للشركة البريطانية وهي التي تطبع الأوراق النقدية لنحو 100 مصرف مركزي وتعد كل من شركة الأوراق النقدية الكندية والولايات المتحدة وشركة craane السويدية شركات رئيسية أيضا في طباعة النقود للبلدان المختلفة.
لماذا تطبع الدول النقود بالخارج بدلا عن طباعتها داخل أراضيها؟
أما عن السبب الذي يدفع الدول إلى الاستعانة بشركات متخصصة لاتبعت نقودها هو أن تلك العملية مكلفة وصعبة.
أضف إلى ذلك أن الشركات العاملة في طباعة الأوراق النقدية موجودة منذ مئات السنين ولديها تكنولوجيا متخصصة ومصداقية ودقة متطورة في مجال الأمن.
ما هي مخاطر طباعة النقود خارج الدولة؟
لكن هذا الأمر سلاح ذو حدين فالاستعانة بمصادر خارجية في عملية إنتاج النقود محفوفة ببعض المخاطر أبرزها أن تقوم بعض الحكومات الأجنبية بحجب النقود ولا أدل على ذلك مما حدث مع ليبيا في عام 2011 .
حيث حجزت الحكومة البريطانية حوالي مليار وستة وثمانين مليون دينار ليبي أي ما يقارب 990 مليون جنيه إسترليني من ضمنها نحو 140 مليون جنيه إسترليني كانت قد طبعتها شركة دي لارو.
مما تسبب في نقص في الأوراق النقدية بفترة العقيد معمر القذافي الأخيرة في السلطة.
ورغم أن مثل تلك الحالات نادرة الحدوث إلى أن ذلك قد صدم خبراء هذه الصناعة.
ومع ذلك فلم يكن لحادثة ليبيا تأثير كبير على استمرار الاستعانة بمصادر خارجية لإنتاج النقود الورقية.
لماذا تعد سويسرا أكبر دولة في طباعة وإنتاج الأموال والنقود؟
لكن حل هذا الأمر بسيط وهو الاتجاه إلى الدول المحايدة لطباعة النقود مثل سويسرا التي تعد الدولة الأكثر طباعة للنقود في العالم للدول الأخرى.
ليس فقط بسبب نظامها الاقتصادي والمالي الذي جعلها واحدة من أغنى دول العالم فهو الأكثر حرية في العالم ومحدد بصورة واضحة كما أنه محقق للاكتفاء الذاتي.
ولكن أيضا بسبب إيديولوجيتها السياسية فهي واحد عدة من الدول الحيادية دائما فهي لا تدخل في أي صراع أو حروب.
كما أنها لا تمتلك أي عداءات أو توتر سياسي مع أي دولة في العالم وبالعودة إلى مخاطر طباعة النقود في الخارج.
فمن الناحية النظرية يمكن تقويض بلد من خلال الاستعانة بمصادر خارجية لطباعة الأموال.
إذا طبعت الشركة المصنعة أكثر من المبلغ المطلوب منها دون إذن البنك المركزي وبالتالي تغرق الاقتصاد بنقود تفوق حاجته الأمر الذي قد يتسبب في حدوث تبعات اقتصادية كارثية كبيرة كالتضخم.
كما أن هناك أيضا خطرا متمثلا في أن الجهة الأجنبية التي تطبع الأموال ستكون على دراية بالسمات الأمنية لنقود ورقية معينة.
مما يجعل من الممكن إنتاج نقود مزورة ومع ذلك لا يوجد دليل واضح يشير إلى حدوث أي من هذه الأمثلة في الوقت الحالي.
نأمل أن يكون المحتوى قد نال إعجابكم ولمعرفة المزيد حول المواضيع الثقافية المتنوعة من هنا.