مقدمة حول قصة صاحب الجنتين من قصص القرآن الكريم في سورة الكهف
في قصة صاحب الجنتين سنتأكد أن الدنيا ما هي إلا دار ممر ولا يجب عن المسلم المؤمن بالله عز وجل ورسوله عليه الصلاة والسلام أن يتمسك بها وان يبني فيها مستقبله وأن يكنز من أجلها الذهب والفضة والا يغتر بما يملك ويجحد بنعم الله تعالى
فالله عز وجل خلقنا فقط لعبادته قال تعالى في سورة الذاريات {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (56)}
وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما قال (واللَّهِ ما الدُّنْيا في الآخِرَةِ إلَّا مِثْلُ ما يَجْعَلُ أحَدُكُمْ إصْبَعَهُ هذِه -وأَشارَ يَحْيَى بالسَّبَّابَةِ- في اليَمِّ، فَلْيَنْظُرْ بمَ تَرْجِعُ؟) مصدر الحديث : صحيح مسلم
فالدنيا شببها رسول الله في هذا الحديث بالإصبع والآخر شبهها بالبحر ومدة بقاء الدنيا كلها من أولها لآخرها الالاف السنين بالنسبة للأخيرة كقطرة ماء تعلقت بأصبع وضعه صاحبه في البحر تابعونا لمعرفة قصة صاحب الجنتين
قصة صاحب الجنتين
قصة صاحب الجنتين تبدأ عند أخوان وقيل صاحبان حصلا على أموال في زمن من الأزمات أحدهما كان مؤمنا والآخر كان كافرا أما المؤمن فتصدق بأمواله كلها في سبيل الله عز وجل على الفقراء والمساكين
وعاش حياة بسيطة يريد الآخر ولا يفكر في الدنيا قط فما يشغله هو الجنة والرضا الله عز وجل حتى ينجو يوم لا ينفع فيه مال ولا بنون
أما صاحبه فقد كان كافرا بخيلا بكل ماله وجعل أمواله في شراء الزرع والثمار حتى أعطاه الله عز وجل في الدنيا جنتين من أكثر الجنان نعيما وملكا لم يسبقه به غيره من مال وبنين وكل متاع الدنيا
وقد ظن نفسه مخلدا في هذه الأرض وإنما يمتلك جاء من جراء عمله وجهده واجتهاده وليس لله عز وجل فضل عليه في شيء
قال تعالى في سورة الكهف {۞ وَاضْرِبْ لَهُم مَّثَلًا رَّجُلَيْنِ جَعَلْنَا لِأَحَدِهِمَا جَنَّتَيْنِ مِنْ أَعْنَابٍ وَحَفَفْنَاهُمَا بِنَخْلٍ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمَا زَرْعًا (32) كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَهَا وَلَمْ تَظْلِم مِّنْهُ شَيْئًا ۚ وَفَجَّرْنَا خِلَالَهُمَا نَهَرًا (33)}
فقد كانت الجنتين عظيمتان جميلتين من أعناب والأعناب محاطة بالنخيل وكان الزرع ينبث بين الأشجار كأنهما جنتان من جنان الآخرة على الأرض وقد فجر الله تعالى بينهما نهرا وأمرهما عز وجل فأنتجتا كلما فيهما من ثمار يانعة ناضجة في منظر في غاية الحسن والبهاء
تمر الأيام ويلتقي الصاحبان من جديد وكل واحد على حاله الغني غني والفقير فقير ولم يكن اللقاء بينهما مثل أي لقاء صديق بصديقه بعد فترة من الغياب والاشتياق بل كان لقاءا ندي إلى حد كبير بدأه صاحب الجنتين كما بوصفه القرآن الكريم
لم يسلم على صديقه ولم يسأله عن أحواله وسبب غيابه وما إلى ذلك من الأسئلة التي تسأل عند لقاء صديقين بعد غياب فصاحب الجنتين تغافل عن كل هذه الأسئلة وبدأ لقاءه بصاحبه الفقير بالتكبر عليه وازدرائه والاغترار بماله وجاهه وحدائقه وبساتينه وأمواله وبخدمته وحشمه وولده وبعشيرته التي تدافع عنه
هكذا بدأ صاحب للجنتين لقاءه بصديقه الفقير الذي ضحى بأمواله في سبيل الله تعالى وأنفقها على الفقراء والمساكين وما إلى ذلك من مصارف الخير قال تعالى {وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ فَقَالَ لِصَاحِبِهِ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَنَا أَكْثَرُ مِنكَ مَالًا وَأَعَزُّ نَفَرًا (34)}
فالمال والبنون فتنا صاحب اللجنتين وظن أن هذا النعيم الدنيوي نعيم دائم وهو رجل كافر بأنعم الله تعالي رزقه الله جنتين وبستانيين عظيمين جميلين
ولكن هذا الرجل بجهله وكفره فتن بهذه النعمة العظيمة وفتن بهاتين اللجنتين وما تنتجانه من شتى أنواع ثمار والفواكه الناضجة التي تسر الناظرين ولم يشكر هذا الرجل الله عز وجل على هذه النعام العظيمة الجزيلة ولم يؤمن ولم يتصدق ولم يقم بما يجب عليه
ولكنه بدل ذلك ذلك تجاوز وغفل وكفر بالنعمة ونسب الخير والنعمة لنفسه بدل أن ينسبها للمنعم المتفضل سبحانه وتعالى وأخذ يتكبر على الرجل الفقير
كما كفر هذا الرجل بنعمة الله عز وجل عليه من خلال جحوده وعدم شكر الله تعالى عليها والتحدث عنها
فقد جاء عن جابر بن عبد الله قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (مَن أُعْطِىَ عطاءً فوجَدَ فليَجْزِ به ، فإن لم يَجدْ فليَثْنِ به ، فمن أَثْنى به فقد شَكَرَه ، ومَن كَتَمَه فقد كَفَرَه. )
لم يكتف هذا الكافر صاحب للجنتين بغرور الدنيا فقط وتكبره على صاحبه بما عنده من مال وجاه بل وصل به الأمر إلى الافتراء على رب العزة عز وجل فقد صدق فيه قول الله تعالى في سورة التغابن {إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ ۚ وَاللَّهُ عِندَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ (15)}
فقد ادعى صاحب جنتين أن بساتينه الممتدة بما فيها من أشجار وثمار وخضرة وكل ما تشتهيه الأنفس لن تباد أبدا ولن ينزعها منه الله عز وجل وسيظل على غناه ولن يفتقر أبدا
لم يتوقف صاحب الجنازتين عند ذلك وتمادى في الافتراء على الله عز وجل بالتشكيك في يوم القيامة والبعث وأقسم في تكبر أنه إذا رجع إلى ربه أي لو كان هناك قيامة وموت وبعث على سبيل الافتراض سيبدله لله عز وجل خيرا من ما يمتلكه في الدنيا
قال تعالى في سورة الكهف {وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِن رُّدِدتُّ إِلَىٰ رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْرًا مِّنْهَا مُنقَلَبًا (36)} فقد كان هذا الكافر من شدة العجب بفستانه وسروره أفرط في وصفه ثم قاس حال الآخرة على الدنيا
وظن أنه في تقلبه بالعيش الهنئ في الدنيا لم يكن إلا لكرامة يستوجبها في نفسه فإذا كان هناك رجوع أو بعث كما يقول صاحبه فسيكون حاله أحسن وأفضل
فما كان من الرجل المؤمن الثابت على الإيمان المتمسك بالميزان الإيماني الصحيح والذي لم تخدعه الحياة الدنيا وزخرفها إلا أن رد على كفر وتكبر وتعنت صاحب الجنتين وذكره بأن أصلا خلقته من ضعف ومن مادة ضعيفة
قال تعالى {قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلًا (37)} لم يكتفي الرجل المؤمن بذلك بل دافع عن نفسه مما قاله له صاحبه الكافر المغرور من أنه أفضل منه وأكثر مالا وولدا وما إلى ذلك
دافع مؤمن بالقول أنه ثابت على الإيمان بالله عز وجل المنعم المتفضل سبحانه وتعالى وأن الأصل في الدنيا ليس المال والجاه والولد بل الارتباط بالله في الغنى والفقر وفي كل الأحوال
وأن الصحيح إذا دخل الإنسان أملاكا له يقول ما شاء الله وأن ينسب القوة والملك والنعمة لله سبحانه وتعالى فيقول لا قوة إلا بالله قال تعالى {لَّٰكِنَّا هُوَ اللَّهُ رَبِّي وَلَا أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَدًا (38) وَلَوْلَا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاءَ اللَّهُ لَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ ۚ إِن تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنكَ مَالًا وَوَلَدًا (39)}
زاد الرجل المؤمن من الرد على صاحبه والديه الدفاع عن نفسه في محاولة منه لإثناء صديقي عن كبره وعناده وتجبره وافترائه على الله عز وجل وتصحيح مفاهيمه الدنيوية
بقوله إن كنت تراني فيما يظهر لك من علمك القاصر المرتبط بالمظاهر فقط أنك أغنى مني وأفضل مني مالا وولدا وقوة وما إلى ذلك من متاع الدنيا الزائلة فإن الله عز وجل قادر أن يغنيني ويعطيني أكثر مما عندك
وحذر الرجل المؤمن صديقه الكافر بأنعم الله عز وجل من غضبه سبحانه وتعالى عليه فهو تعالى يمهل ولا يهمل وإن عاقبة الكفر والبغي والاغترار بالنعمة عاقبة وخيمة وقاد له فالله سبحانه وتعالى قادر على أن يهلك جننتيه ويدمرهما بسبب اغترابه وبغيه وظلمه وكفره
قال تعالى {فَعَسَىٰ رَبِّي أَن يُؤْتِيَنِ خَيْرًا مِّن جَنَّتِكَ وَيُرْسِلَ عَلَيْهَا حُسْبَانًا مِّنَ السَّمَاءِ فَتُصْبِحَ صَعِيدًا زَلَقًا (40) أَوْ يُصْبِحَ مَاؤُهَا غَوْرًا فَلَن تَسْتَطِيعَ لَهُ طَلَبًا (41)}
لم يفلح كلام الرجل المؤمن في إثناء صديقه الكافر عما يفعل كعادة أغلب الصالحين في محاولتهم الإصلاح وظل صاحب الجنتين على عناده وكفره وجحوده بأنعم الله تعالى رغم ما قاله له صديقه مثله مثل الكثير من الكافرين الذين ظلوا على عنادهم حتى أخذهم الله عز وجل أخذ عزيز مقتدر
ولنا في النمرود وفرعون وقارون وغيرهم عبره قال تعالى في سورة القمر {كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا كُلِّهَا فَأَخَذْنَاهُمْ أَخْذَ عَزِيزٍ مُّقْتَدِرٍ (42)}
عقاب صاحب الجنتين
هنا جاء وعد الله عز وجل وعقابه لذلك الكافر المعاند الذي اغتر بالدنيا واغتر بجنتيه فقاده غروره وكفره إلى أن غضب الله عليه فاستحق العقاب من الله العظيم جبار السماوات والأرضوقد جاء عذاب الله تعالى لصاحب اللجنتين بأن أرسل عز وجل على جنتي ذلك الرجل صاعقة دمرتهما وأهلكتهما وأتلفت ما فيهما من ثمار وجعلت عاليها سافلها وسوتهما بالتراب
قالت تعالى {وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلَىٰ مَا أَنفَقَ فِيهَا وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَىٰ عُرُوشِهَا وَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَدًا (42)}
ندم صاحب الجنتين على ما قدم وأدرك أنه استحق زوال هذه النعمة العظيمة الجليلة بسبب كفره وعناده وغروره ندم على شركه بالله تعالى وندم على كفره بالنعمة ولكن ندمه جاء بعد هلاك جنتيه وخسارته لما أنعم الله عليه من نعم
وعلم وقتها أنه لا عظيم ولا ناصر إلا الله تعالى ولا يستحق العباد إلا الله عز وجل وأن النعمة يجب أن تقابل بشكر الله عليها وأدرك أنه أخطأ أكبر خطأ حينما منع الصدقة وحرم الفقراء والمساكين من حقهم في هذه النعمة
قال تعالى في سورة إبراهيم {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ ۖ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ (7)} أي لئن شكرتم نعمتي عليكم لأزيدنكم منها ولئن كفرتم أي كفرتم النعم وسترتموها وجحتموها إن عذابي لشديد وذلك بسلبها عنهم وعقابه إياهم على كفرها.
الدروس المستفادة من قصة صاحب الجنتين
وفي النهاية هناك الكثير من الدروس المستفادة من قصة صاحب اللجنتين أهمها:
أخذ العظة والعبرة من حال من خدعته الدنيا بما أظهرت له من الملذات وعدم عصيان لله أو نسيان الآخرة
وأن النعمة التي ينعم الله تعالى بها على عباده هي ملك للشعب لله عز وجل يؤدي الإنسان حقها بالشكر وعدم الجحود والكفر بها وإن لم يستخدمها في طاعة الله لا تتحقق منها أي فائدة وتكون سببا في بطلان أعماله
دمتم في رعاية الله وأمنه ولمزيد من قصص القرآن الكريم يمكنك الاطلاع عليها من هنا