في هذه المقالة سنتحدث عن عبرة ضربها الله عز وجل لأهل قريش الذين كفروا بدعوة رسول الله عليه الصلاة والسلام وهي عبرة قصة قصة أصحاب الجنة مع أن الله أنعم علي قريش بني عام كثير سواء بطعام أو ثمرات أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف ومع ذلك لم يشكروا نعمة الله عز وجل
قال تعالى {إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ كَمَا بَلَوْنَا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ (17)} فقد بلا الله عز وجل أهل قريش مثلما بلي قبلهم أصحاب الجد وسنتعرف في هذه المقالة على قصة أصحاب الجنة بمشيئة الله تعالى تابعوا المقالة للنهاية.
من هم أصحاب الجنة
أخبر الله عز وجل نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم بأن ما يحدث مع قريش وسادتها حدث في السابق لأصحاب الجنة
وان أصحاب الجنة هم لمجموعة من الناس قيل أنهم كانوا يعيشون في اليمن أو في الحبشة والله أعلم بذلك ولكن لا يهم المكان وإنما المهم المواقف والمواعظ والأحداث المعبرة في تلك قصة أصحاب الجنة
كان بين هؤلاء الناس رجل صالح وهذا الرجل الصالح قيل أنه كان موحدا وحيدا بالله عز وجل لذلك كان يعرف حق الفقراء والمساكين عليه
قصة أصحاب الجنة
قد كان هذا الرجل الصالح الموحد بالله يملك جنة فيها كل أنواع الثمار وكان يقسم ثمار جنته إلى ثلاثة أقسام
- جزء يعطيه للفقراء والمساكين
- وجزء له ولأولاده الخمسة
- والجزء الثالث ينفق به على جنته لتطرح ثمارها من جديد
ولهذا أنعم الله عز وجل عليه وزادت الخيرات عنده
ولما كبر هذا الرجل بالسن ظهر على أولاده عدم رضاهم بفعل أبيهم وتقسيمه للثمار بهذه الطريقة إلا ولده الأوسط فقط كان مقتنعا بما كان يفعل والده بتقسيمه للثمار بينهم وبين الفقراء والمساكين وبين مصاريف الزراعة وكان يتحدث عن أن ذلك هو سبب بركة الله التي حلت على جنتهم وثمارهم
فلما مات الرجل الصالح وورث الإخوة الخمسة جنته الكبيرة التي لم يكن يضاهيها أي بستان في ذلك الزمان لما كانت تحتوي من فاكهة ناضجة لم تكن موجودة في أي مكان آخر آخر
وفي أول مواسم جني ثمار الجنة بعد وفاة الرجل الصالح وجد الإخوة الخمسة أن ثمار جنتهم تضاعفت أكثر مما كانت في عهد والده فلم يروا بستانهم من قبل بهذا الطرح وهذا المحصول
وبدلا من أن يشكروا الله عز وجل على ما أنعمه عليهم ويستمر في سنة والدهم بأن يعطوا الثلث للفقراء والمساكين تحدث الإخوة ما عدا أوسطهم عن أن والدهم كان أحمقا لأنه كان يعطي كل هذه الثمار للفقراء والمساكين
فما كان من أوسطهم إلا ان رد عليهم بأن والدهم كان على حق في إنفاقه على الفقراء والمساكين وأن هذه البركة والوفرة التي يرونها في الثمار ما هي إلا نتاج ما كان يفعله والدهم من إعطاء حق الفقراء والمساكين
فإذا بالإخوة الأربعة يعنفون أخاهم بعد هذا الكلام وحاولوا إسكاته دون جدوى لدرجة أنهم حاولوا قتله ومع كثرتهم وتجمعهم عليه وما رآه في أعينهم من شر لم يجد الأخ الأوسط إلا الصمت والانصياع لما يفعله إخوته الأربعة
وذلك بعدما قام بدوره في نصحهم ومطالبته لهم بالتسبيح والتأكيد لهم على أن ثمار الجنة الكثيرة والوفير وبركتها ما هي إلا نتاج أعمال والدهم الصالحة
اتفق الإخوة الأربعة وخامسهم منصاع معهم دون اقتناع منه وهو مكره اتفقوا عندما يأتي الصباح يذهبون إلى جنتهم بكل أدوات الحصاد لحصد الثمار وبيعها قبل أن يشعر الفقراء ويأتون لأخذ ما كانوا يأخذوه في عهد والدهم
نام الإخوة الأربعة هذه الليلة وهم في قمة سعادتهم على خطتهم ومكرهم ناموا وهم ينتظرون الصباح لتنفيذ ما اتفقوا عليه من جني للثمار دون إعطاء الفقراء حقهم
عقاب أصحاب الجنة
وفي الليل أنزل الله عز وجل على جنة هؤلاء الإخوة صاعقة من السماء وقيل ريح شديد تسلطت على المحصول فجعلت هذه الريح الجنة أرضا خاوية مدمرة محترقة لا تصلح للزراعة من جديد من هول ما حدث لها من دمار واحتراق
قال تعالى عن قصة أصحاب الجنة في سورة القلم {فَطَافَ عَلَيْهَا طَائِفٌ مِّن رَّبِّكَ وَهُمْ نَائِمُونَ (19) فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ (20)}
يقول بن عباس أن جنة الإخوة أصبحت سوداء مثل سواد الليل فقد يحترق كلها عن بكرة أبيها وهم لا يشعرون وهم نائمون ينتظرون الوقت الذي سيذهبون فيه إلى جنتهم لجني ثمارها دون أن يشعر الفقراء بهم ودون أن يعطوهم حقوقهم من هذه الثمار فأحرقها الله عز وجل لهم وهم لا يشعرون
فان الله عز وجل أودع هذا الكون سنن ثابتة لا تتغير ولا تتبدل ينسج علي منوالها نظام هذه الحياة فالعاقل اللبيب من يساير سنن الله تعالى ولا يصادمها ومن هذه القواعد والسنن أن الجزاء من جنس العمل
فجزاء العامل من جنس عمله إن خيرا فخير وإن شرا فشر قال تعالى في سورة النبأ {جَزَاءً وِفَاقًا (26)} ولعل هذا المعنى هو ما أشار إليه سعيد بن جبير رحمه الله تعالى حين قال له الحجاج اختر لنفسك أي قتلة تريد أن أقتلك فقال بل اختر لنفسك انت يا حجاج فوالله لا تقتلني قتلة إلا قتلك الله مثلها يوم القيادة
ماذا فعل أصحاب الجنة عندما رأوا ماحل بجنتهم؟
وبالعودة إلى قصة أصحاب الجنة ومع شروق شمس اليوم الجديد استيقظ الإخوة الأربعة ومعهم أخوهم الخامس يرجو الله عز وجل أن يتوب إخوته وأن يتراجعوا على ما يفعلون ويخططون ويمكرون وظل ينصحهم في الطريق ويذكرهم بأبيهم وما كان يفعله من خير وأن خيره رده الله تعالى إليهم في مباركته لجنتهم وثمارها
يذكرهم بالفقراء وحاجاتهم وانتظارهم لهذه الثمار من العام للعام وما يدري هل أو إخوانه ما فعل الله عز وجل بأموالهم وثمارهم قال تعالى في عن قصة أصحاب الجنة سورة القلم {فَتَنَادَوْا مُصْبِحِينَ (21) أَنِ اغْدُوا عَلَىٰ حَرْثِكُمْ إِن كُنتُمْ صَارِمِينَ (22) فَانطَلَقُوا وَهُمْ يَتَخَافَتُونَ (23)}
أي أنهم تنادوا فيما بينهم هيا بنا لنذهب إلى جنتنا لكي نقطع ما فيه من ثمار في هذا الوقت المبكر حتى لا يرانا أحد
وساروا إلى بستانهم يتحدثون فيما بينهم بصوت خافت حتى لا يسمعهم أحد ويؤكدون أن بستانهم لن يدخله فقراء ولا مساكين مرة أخرى وأن ثمار جنتهم ستكون بعد ذلك لهم فقط ولا حق لفقير ولا مسكين في رزقهم وأموالهم وثمارها
ولكن الله عز وجل يسمعهم من فوق سبع سماوات فهو تعالى يسمع ما توسوس به النفس لصاحبها فما بالك بحديثهم وكلامهم الخافت مع بعضهم البعض
قال تعالى عن قصة اصحاب الجنة في سورة القلم {فَانطَلَقُوا وَهُمْ يَتَخَافَتُونَ (23) أَن لَّا يَدْخُلَنَّهَا الْيَوْمَ عَلَيْكُم مِّسْكِينٌ (24) وَغَدَوْا عَلَىٰ حَرْدٍ قَادِرِينَ (25)}
لما وصل الإخوة الأربعة مع أخيهم الخامس المكره الرافض لأفعالهم وأعمالهم لما وصلوا لجنتهم الخضراء التي كان بها أفضل أنواع الثمار وأجودها وتجري من بين أشجارها الأنهار في منظر بديع رزقه الله عز وجل لأبيهم الصالح وورثها من بعده أبناؤه
لما وصلوا الي جنتهم وجدوا أرضا سوداء محروق لدرجة أنهم اعتقدوا أنهم أخطئوا الطريق وأن هذه الأرض ليست أرضهم لم يستطيعوا حتى استيعاب حدث لجنتهم خضراء المثمرة قال تعالى في سورة القلم {فَلَمَّا رَأَوْهَا قَالُوا إِنَّا لَضَالُّونَ (26)}
أي أنهم لما رأوا جنتهم محترقة كالتي حصدت ثمارها وقطعت أشجارها أنكروها وقالوا لقد أخطأنا الطريق إليها حتى أنهم عادوا ليبحثوا عن مزرعتهم غير مصدقين لهول ما حدث لها
فذهبوا هنا وهناك حتى تأكد لهم في النهاية أن هذه الجنة المحترقة المدمرة التي تحول خضارها إلى سواد فحل هي جنتهم التي لم يكن يضاهيها أي حديقة
فما كان منهم إلا ان رضخوا لواقعهم الجديد وأنهم حرموا مما كان يرزقه الله تعالى لوالدهم الصالح فلم يكن وفرة ثمار الحديقة في السابق جراء حسن زراعة من والدهم بل بسبب إنفاقه على الفقراء والمساكين وإعطائه كل ذي حق حقه
فرد الله تعالى عليه ذلك بالبركة في رزقه وثماره وأرضه ولما حاول الأبناء وفكروا في منع ما كان يفعله والدهم بدل الله تعالى لهم الأحوال وحول لهم جنتهم الخضراء إلى أرض سوداء لا تصلح حتى للزراعة
هنا تحدث شقيقهم الأوسط الذي حذرهم أشد تحذير مما يفكرون في وقال لهم ألم نقل لكم سبحوا الله عز وجل واشكروه على فضله ونعمه وبركته
وإن تتقوا الله تعالى حق تقاته ولا تظلمه ولا تفعل ما تخططون له ولا تحرموا الفقراء والمساكين من ثمار جنتنا واستمروا على نهج والدنا الذي كان يعطي كل ذي حق حقه حتى يبارك الله لنا في زرعنا كما باركه تعالى في عهد والدنا الصالح
فندم الإخوة الأربعة على ما فكروا فيه وخططوا لفعله ندم واعلى أنهم لم يسمعوا لشقيقهم الذي حذرهم مما يفكرون فيه ندموا ولكن في وقت لا ينفع فيه الندم
فأموالهم وثماره وجنتهم دمروا ولم يعد لديهم أي شيء من خير الدنيا قال تعالى في سورة فاطر {وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ ۚ}
نهاية قصة أصحاب الجنة
بخل الأخوة الأربعة بحق أموالهم وجنتهم وأحرقها رب العزة أمامهم صار الإخوة الأخ أربعة يلومون بعضهم بعضا على ما فكروا به وخططوا له هذا يقول أنت من بدأت في التفكير في هذا المسلك والآخر يرد عليه وأنت من سايرتني في الأمر ولم تخالفني بل شجعتني على هذا الفعل المشين
وإلى ذلك من الحديث الذي حاول كل طرف من خلاله أن يحمل الآخر مسؤولية ما حدث لهم حتى اعترفوا في النهاية جميعا بأنهم يتحملون المسؤولية واستغفروا الله تعالى عسى أن يغفر لهم
قال تعالى عن قصة اصحاب الجنة في سورة القلم {فَلَمَّا رَأَوْهَا قَالُوا إِنَّا لَضَالُّونَ (26) بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ (27) قَالَ أَوْسَطُهُمْ أَلَمْ أَقُل لَّكُمْ لَوْلَا تُسَبِّحُونَ (28) قَالُوا سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ (29)
فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ يَتَلَاوَمُونَ (30) قَالُوا يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا طَاغِينَ (31) عَسَىٰ رَبُّنَا أَن يُبْدِلَنَا خَيْرًا مِّنْهَا إِنَّا إِلَىٰ رَبِّنَا رَاغِبُونَ (32) كَذَٰلِكَ الْعَذَابُ ۖ وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ ۚ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ (33)}
علم الإخوة الأربعة في نهاية الأمر أن صداقات والدهم للفقراء والمساكين وما كان يفعله هو فقط ما كان يبارك في زرعهم وجنتهم وثمارها وعندما فكروا في مخالفة ما كان يفعله والدهم بدلهم الله خير الجنة بالسواد والدمار والنيران التي أحرقت الأخضر واليابس والتي جعلت أرضهم لا تصلح مرة أخرى للزراعة
ولما استغفر أصحاب الجنة ربهم عز وجل دعوا الله تعالى أن يبدلهم خيرا منها وقد قيل إنهم سئموا الحياة وأرادوا أن يبدلهم الله جنة خيرا منها في الآخرة وقيل أنهم أرادوا خيرا جديدا في الدنيا
ثم ختم الله عز وجل قصة أصحاب الجنة بقوله تعالى {كَذَٰلِكَ الْعَذَابُ ۖ وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ ۚ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ (33)} أي أنه مثل الذي بلونا به أصحاب الجنة من إهلاك جنتهم بسبب جحودهم لنعمنا سيكون عذابنا لمن خالف أمرنا من كبار مكة وغيرهم
فقد ذكرنا سالفا أن الله عز وجل ذكر لرسوله صلى الله عليه وسلم قصة أصحاب الجنة في القرآن الكريم كعبرة ضربها الله عز وجل لأهل قريش الذين كفروا بدعوة رسول الله عليه الصلاة والسلام
مع أن الله أنعم عليهم بنعم كثير سواء بطعام أو ثمرات لو كان هؤلاء المشركون يعلمون أن عقوبة الله تعالى لأهل الشرك به أكبر من عقوبته لهم في الدنيا لارتدعوا وتابوا وأنابوا ولكنهم بذلك جهال لا يعلمون.
العبرة والدروس المستفادة من قصة أصحاب الجنة
وفي النهاية هناك الكثير من العبر في قصة أصحاب الجنة أهمها :
- أن الامتناع عن أداء حق شكر الله تعالى على نعمه يؤدي إلى ذهاب النعمة وأن البطر والغرور يؤدي إلى لنكران نعم الله تعالى فيظن المرء بأن ما عنده هو نتاج عقله وجهده فيعاقبه الله تعالى بالحرمان
- وأن الله عز وجل يختبر عباده بالمنع والإعطاء
- وأن التوبة إلى الله تعالى يمكن أن تكون سببا لإبدال العقاب والجزاء بالخير والثواب فلا يجزع المسلم من حصول أي مكروه له فيحرص على تكرار التوبة والمداومة على الاستغفار
- ونستفيد أيضا من قصة أصحاب الجنة أن النعمة تتضاعف وتكثر إذا ما أدى المسلم حق الله تعالى في شكرها لكن إذا ما قصر في شكر الله تعالى أو اغتر بما لديه من مقومات الحياة فستكون العاقبة وخيمة عليه سواء كان الجزاء في الحياة الدنيا أو أمهل إلى الحياة الآخرة
فالابتلاء لا يكون فقط بالمنع والفقر المرض بل ويكون في الغنى وفي إغداق النعم لينظر هل يشكر المرء أم يكفر دمتم في رعاية الله ولمعرفة المزيد من قصص القرآن الكريم يمكنك الاطلاع عليها من هنا