قبل ان نتكلم عن قصة اسلام ابو بكر الصديق فقد أشرنا في المقالات السابقة من سيرة النبي محمد صلى الله عليه وسلم والتي تحدثنا فيها عن إسلام أهل بيته الكرام المطهرين. اشرنا إلى أننا سنروي قصة إسلام صديق رسول الله الصدوق أبو بكر ابن قحافة الذي سينعت فيما بعد بالصديق رضي الله عنه.
وقلنا أننا سنرويها في مقالة منفصلة لما له من تأثير كبير على الدعوة النبوية إلى عبادة الله عز وجل فقد كان رضي الله عنه أول من أسلم من الرجال. ومن أسلم من خارج باب النبوة تابعوا القراءة للنهاية لمعرفة قصة اسلام ابو بكر الصديق.
أبو بكر الصديق قبل الاسلام
كانت اللحظة التاريخية في الدعوة النبوية السرية في هداية و اسلام ابو بكر الصديق، أحد أبرز رجالات وأشراف وأحرار مكة الذي كان انسب قريش لقريش وأعلم قريش بها، وكان تاجرا معروفة ورجلا مألوفا ومحببا، و
قد كان من أعظم العرب نسبا، وأكثرهم ثقافة، فقد كانت الطبقة المثقفة ترتاد مجلسه لتنهل علما لا تجده عند غيره فكان رصيده الأدبي والعلمي والاجتماعي في المجتمع المكي عظيم.
كما كان أبو بكر من أعلم الناس في الجاهلية بالأنساب، فكان يعلم أنساب قريش، وكل ما فيها من خير وشر، وكان من كبار التجار المشهورين الذين اتصفوا بالخلق الحسن.
وعرف عن ابو بكر رضي الله عنه صحبته وملازمته لرسول الله صلى الله عليه وسلم قبل مجيء الإسلام، فكان مرافقا له، و شبيها له في تمثله بالأخلاق الفاضلة، وسط انتشار الجهل في قومهم.
فان اسم ابو بكر الصديق هو عبد الله بن عثمان، بن عامر بن عمرو بن كعب، بن سعد، بن تيم بن مرة، بن غالب القرشي التيمي.
ويلتقي ابو بكر الصديق مع النبي في النسب، في الجد السادس مرة بن كعب، ويكنى بأبي بكر.
ولد أبو بكر الصديق رضي الله عنه في مكة المكرمة، أم القرى في السنة الثالثة من ولادة الرسول صلى الله عليه وسلم وذلك بعد عام الفيل، بسنتين وستة أشهر
وقد نشأ رضي الله عنه وترعرع في موطن سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم بمكة المكرمة فكان ابو بكر الصديق كصاحبه النبي صلي الله عليه وسلم، أمينا صادقا كما كانت اعمارهم متقاربة اذ ان النبي صلي الله عليه وسلم يكبر ابو الصديق بسنتين فقط
كما أن أبو بكر رضي الله عنه كان من من مال قلبهم للتوحيد قبل بدء الدعوة، وذلك بسبب جلوسه عند الموحدين أمثال ورقة أبن نوفل العالم بالأديان، والقارئ للتورات والإنجيل،
وقد رافق أبو بكر الصديق النبي صلى الله عليه وسلم قبل الاسلام في تجارة إلى الشام مع عمه أبي طالب وهناك التقيا ببحيرة الراهب الذي يبشر بقدوم الإسلام على يد محمد بن عبد الله، عندما رأى كل شجرة، وصخر تركع للنبي عليه الصلاة والسلام، وهو ما لا يحدث إلا للأنبياء،
اسلام ابو بكر الصديق
كان لرجاحة عقل أبي بكر وصحبته للنبي محمد عليه الصلاة والسلام كانت معينا له علي دخوله للإسلام دون تريث،
فقد ورد في قصة اسلام ابو بكر الصديق أنه لما نزلت الدعوة على نبي الله صلى الله عليه وسلم جاء رجل يخبر أبا بكر بذلك، فجاء مسرعا إلى بيت صاحبه مستفسرا، فعرض عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم الإسلام، ودعاه للتوحيد فاسلم أبو بكر الصديق مباشرة دون تردد،
لعلمه بصدق صاحبه النبي محمد صلي الله عليه وسلم وما عهده عنه من حسن الخلق، فلم يعرف عن أحد أنه دخل الإسلام دون تردد كأبي بكر، فكان بذلك أول من آمن من الرجال،
وقد نقل عن بن إسحاق في قصة اسلام ابو بكر الصديق، أنه قال أن أبا بكر رضي الله عنه لقي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال أحق ما تقول قريش يا محمد، من تركك آلهتنا، وتسفيهك عقولنا، و تكفيرك آباءنا؟
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا أبا بكر؟ اني رسول الله ونبيه وبعثني. لأبلغ رسالته، وأدعوك إلى الله بالحق فوالله إنه للحق ادعوك إلى الله يا أبا بكر، وحدة لا شريك ولا يعبد غيره والموالاة علي طاعته أهل طاعته.
وقرأ عليه صلى الله عليه وسلم القرآن، فلم يفر ولم ينكر، فأسلم ابو بكر الصديق، وكفر بالأصنام، وخلع الأنداد، وأقر بحق الإسلام. تذكر مؤمنا مصدقا.
وبهذه المواصفات كان أبو بكر الصديق رضي الله عنه وأرضاه بمثابة كنز من الكنوز ادخره الله سبحانه وتعالى لنبيه ومصطفاه صلى الله عليه وسلم
فعن انس بن مالك قال؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “أرحم أمتي بأمتي أبو بكر.” فقد كان جيشه صلى الله عليه وسلم في دعوته إلى الله عز وجل.
نسب أبو بكر الصديق، وعلمه، ومكانته جعل إيمانه بما أنزله الله على رسوله صلى الله عليه وسلم، بداية لدخول الكثير إلى الدين الحنيف،
فعندما انضم أبو بكر الصديق للدعوة النبوية السرية، استجاب له صفوة الصفوة من رجالات العرب، على رأسهم عثمان بن عفان، وعبد الرحمن بن عوف، وسعد بن ابي وقاس، والزبير بن العوام، وطلحة بن عبيد الله، وهما أول ثمار الصديق في الاستجابة لدعوته في نصر الإسلام رضي الله عنهم وأرضاهم جميعا.
دعاهم إلى الإسلام، فاستجابوا، وجاء بهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فرادا، فأسلم بين يديه، فكان الدعامات الأولى التي قام عليها صرح الدعوة الاسلامية، وكان العدة الأولى في تقوية جانب رسول الله صلى الله عليه وسلم،ثم تتابع الناس يدخلون في دين الله أفواجا.
وقد كان السابقون في الدعوة النبوية السرية هما خيرة أقوامهم ولم يكونوا كما صور أعداء الإسلام بأن الرعيل الإيمانية الأول كان من حثالة الناس، والأرقاء، وضعاف القوم الذين أرادوا استعادة حريتهم أو ما شابه ذلك.
فالخمسة الذين اسلموا على يد أبي بكر الصديق من أسياد قومهم، ومن أكثر أهل مكة ثراءا ونسبا شريفا، ف عثمان بن عفان ينتمي لبني أمية بن عبد شمس بن عبد مناف، وهم من كبار سادات قريش، كما كان غنيا شريفا في الجاهلية ومن أحكم قريش عقلا وافضلهم رأيا وكان محبوبا من قبلهم.
ولم يسجد لأي صنم طوال حياته كما أنه لم يشرب الخمر، لا في الجاهلية ولا في الإسلام.
أما عبد الرحمن ابن عوف رضي الله عنه وأرضاه، فكان تاجرا ثريا، وكان كريما، اشتهر الصحابي الجليل بالكرم والجود، وأنه كثير الإنفاق، وبلغ من جوده أنه قيل أهل المدينة جميعا، شركاء لابن عوف في ماله ثلث يقرضهم وثلث يقضي عنهم ديونهم، وثلث يصلهم ويعطيهم.
اما سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه وأرضاه، فهو ينتمي لبني زهرة أحد القبائل العربية العريقة، التي تعد بطن من بطون قريش،
أما الزبير بن العوام رضي الله عنه فحدث ولا حرج فهو ابن أخ زوجة الرسول عليه الصلاة والسلام خديجة بنت خويلد رضي الله عنها وأرضاها، أي أنه ينتمي لقبيلة بني سعد، وكان فيهم الشوري.
اما الخامس فهو طلحة بن عبيد الله، وهو ينتمي إلى قبيلة بني تيم من سادات و وجهاء قريش، وكان فيهم تنظيم الديات والغرامات نظرا لمكانتهم وقوة نفوذهم بين قبائل العرب، وسوف نتحدث عن قصصهم في مقالات مفصلة بإذن الله تعالى.
ومن الملاحظ والمشاهد في عالم الواقع، أن أصحاب الجاه كان لهما أثر كبير في كسب أنصار للدعوة، ولهذا كان أثر أبي بكر الصديق في الإسلام أكثر من غيره،
فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (ما نفعَني مالٌ قطُّ ، ما نفَعني مالُ أبي بَكرٍ . قالَ : فبَكى أبو بَكرٍ وقالَ : يا رسولَ اللَّهِ ! هل أنا ومالي إلَّا لَكَ يا رسولَ اللَّهِ !)
أي لم ينفعني مال أحد من الصحابة رضي الله عنهم، كما نفعني مال أبي بكر رضي الله عنه، لأن أبا بكر كان معطاء باذلا في سبيل الله، وفي سبيل الدعوة.
صارت الصحبة بين رسول الله وأبي بكر بالإيمان بالله عز وجل، و بالمؤازرة في الشدائد، واتخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا بكر رضي الله عنه صاحبا له طوال حياته، وقد لقب رضي الله عنه في القرآن الكريم بالصاحب،
قال تعالى في سورة التوبة. {إِلَّا تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا ۖ فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَىٰ ۗ وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا ۗ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (40)}
وقد أجمعت الأمة على أن الصاحب المقصود هنا هو أبو بكر والله أعلى وأعلم. الكثير من الأحاديث النبوية التي تظهر قدر أبي بكر الصديق عند رسول الله،
منها عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال (خَطَبَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فَقالَ: إنَّ اللَّهَ خَيَّرَ عَبْدًا بيْنَ الدُّنْيَا وبيْنَ ما عِنْدَهُ فَاخْتَارَ ما عِنْدَ اللَّهِ، فَبَكَى أبو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ رَضِيَ اللَّهُ عنْه، فَقُلتُ في نَفْسِي ما يُبْكِي هذا الشَّيْخَ؟ إنْ يَكُنِ اللَّهُ خَيَّرَ عَبْدًا بيْنَ الدُّنْيَا وبيْنَ ما عِنْدَهُ، فَاخْتَارَ ما عِنْدَ اللَّهِ،
فَكانَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ هو العَبْدَ، وكانَ أبو بَكْرٍ أعْلَمَنَا، قالَ: يا أبَا بَكْرٍ لا تَبْكِ، إنَّ أمَنَّ النَّاسِ عَلَيَّ في صُحْبَتِهِ ومَالِهِ أبو بَكْرٍ، ولو كُنْتُ مُتَّخِذًا خَلِيلًا مِن أُمَّتي لَاتَّخَذْتُ أبَا بَكْرٍ، ولَكِنْ أُخُوَّةُ الإسْلَامِ ومَوَدَّتُهُ، لا يَبْقَيَنَّ في المَسْجِدِ بَابٌ إلَّا سُدَّ، إلَّا بَابُ أبِي بَكْرٍ.)
وقال عبد الله بن عمر عن الصديق(كُنَّا نُخَيِّرُ بيْنَ النَّاسِ في زَمَنِ النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ؛ فَنُخَيِّرُ أبَا بَكْرٍ، ثُمَّ عُمَرَ بنَ الخَطَّابِ، ثُمَّ عُثْمَانَ بنَ عَفَّانَ رَضِيَ اللَّهُ عنْهمْ.) المصدر : صحيح البخاري
أما علي بن أبي طالب رضي الله عنه فقد أقام على المنبر خطيبا في الناس فقال ألا أخبركم بخير هذه الأمة بعد نبيها؟ أبي بكر وخيرها بعد أبي بكر عمر ثم يجعل الله الخير حيث أحب.
وقد روية أنه بعد إسلام عمرو بن العاص بثلاثة أشهر، أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم على قيادة جيش المسلمين في غزوة ذات السلاسل، فلما كان طلب المدد من رسول الله، فبعث إليه عليه الصلاة والسلام المدد، وأمر عليهم ابا عبيدة بن الجراح. وأبو بكر،
وكان من حديثه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثه يستنفر العرب إلى الشام، وذلك أن أم العاص بن وائل كانت امرأة من بلي، فبعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم إليهم يستألفهم، لذلك،
حتى إذا كان على ماء بأرض جذام يقال له السلسل هل ولذلك سميت تلك الغزوة غزوة ذات السلاسل، فبعث إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يستمده فبعث إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا عبيدة بن الجراح في المهاجرين الأولين، وفيهم أبو بكر وعمر،
وقال لأبي عبيدة حين وجه لا تختلفا فخرج أبو عبيدة حتى إذا قدم عليه قال له عمرو إنما جئت مدد الي. قال أبو عبيدة لا، ولكني على ما أنا عليه، وأنت على ما أنت عليه، وكان أبو عبيدة رجلا لينا سهلا هين عليه أمر الدنيا، فقال له عمرو بل انت مدد لي
فقال أبو عبيدة يا عمرو، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لي لا تختلفا، وإنك إن عصيتني اطعتك.
وذهب عمرو بن العاص فقال يا رسول الله من احب الناس اليك قال عائشة فقال لست عن هذا، أسأل بل من الرجال فقال أبو بكر فهذه دلالة على أن أبا بكر رضي الله عنه وأرضاه له الحظوة عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، ودلالة على أن الإمارة لا تدل على الفضل، بل يمكن أن يكون المفضول تحت يد الفاضل.
العبر والدروس المستفادة من اسلام ابو بكر الصديق
وفي النهاية هناك الكثير من الدروس مستفادة من قصة اسلام ابو بكر الصديق وإيمان أبي بكر الصديق رضي الله عنه وأرضاه، أهمها هو:
معرفة مقدار الصداقة، رغم أنه ينتمي لقريش أكبر قبائل العرب، وبني هاشم أشرف بيوت العرب، إلا أن الله عز وجل لم يختر له أحدا من أقاربه ليرافقه في دعوة إلى الله عز وجل، بل اختار الله له الصديق رضي الله عنه وأرضاه.
دمتم في رعاية الله وأمنه ولمعرفة المزيد حول سيدنا أبو بكر الصديق يمكنك الاطلاع عليه من هنا
