في المقالة الثانية من السيرة النبوية الشريفة سنروي فيها قصة ابرهة الحبشي أو أبرهة الأشرم الذي حكم بلاد اليمن والذي مهد الله عز وجل على يده ودون أن يدري مولد رسول الله وقدوم الإسلام إلى الجزيرة العربية
ابرهة الحبشي هو قد كان هذا الرجل يحكم اليمن نتيجة سيطرة حكم الحبشة على هذه البلاد وقد كان أبرهة الحبشي مسيحيا تابعوا معنا
قصة ابرهة الحبشي
لما رأى أبرهة الحبشي أن الناس كلهم يحجون إلى الكعبة لم يقبل بهذا الأمر وحاول أن يصرف الناس عن بيت الله الحرام لكنه لم يستطع فقرر أن يبني كنيسة عظيمة سميت القليس في صنعاء باليمن ليحج الناس إليها
وهو لا يدري أن الكعبة ليست مثل أي بناء فهي التي أمر الله عز وجل ببنائها لتكون أول بيت يعبد فيه رب العزة كما قال تعالى في سورة آل عمران {إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِّلْعَالَمِينَ (96)}
ولما بناء إبراهيم عليه السلام أذن بناءا على أمر من الله تعالى قال عز وجل {وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَىٰ كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ (27)}
وهذه الكنيسة التي بناءها أبرها والتي لم يبنى قبل ذلك بناء مثله أرسل إلى النجاشي الذي يحكم ذلك المكان وقال يا أيها الملك إن قد بنيت لك كنيسة لم يبنى قبلها لملك قط مثلها وأنه سيدع الناس إلى حجها وفعل أبرهة الحبشي ما يريد ودعي الناس في كل بقاع الأرض إلى الحج لهذه الكنيسة
غضب العرب غضبا شديدا لفعل أبرها وبنائه لهذه الكنيسة ودعوته للناس للحج إليها بدلا من بيت الله الحرام فتسلل أحد العرب إلى هذه الكنيسة ليلا ودخلها وقام بتنجيسها من خلال قضاء حاجته فيها
فلما وصل الأمر إلى أبرها غضب وقال كيف يجرء واحد من العرب أن يلوث هذه الكنيسة التي بناها فجهز جيوشه لهدم الكعبة ردا على فعل العرب من تلوث كنيسته بهذا الشكل
خرج أبرها بجيش جرار قاصدا بيت الله الحرام لهدمه وسمع العرب بما يريد أن يفعله أبرها فقدم في وجهه رجل من ملوك اليمن اسمه ذو نفر واجتمعت معه بعض القبائل ليقاوم أبرها وجيشه
لكن أبرها هزمه وانتصر عليه بل وأسره فقال له ذو نفر يا أبرها أتقتلني فلعله يكون لك خيرا مني أبقني عندك فأحكم أبرهة الحبشي وثاقه وانطلق
أكمل أبرها تسيره نحو بيت الله الحرام حتى بلغ بلاد خثعم وخرجت له قبائل أكلب وشهران وناهس بقيادة رجل يدعى نفيل بن حبيب الأكلبي الخثعمي فأسره أبرها وأراد قتله فقال له الخثعمي أيها الملك لا تقتلني فإن دليك بأرض العرب وهذه القبائل ستسمع لك وتطيع فأسره أيضا
وانطلق أبرهة الحبشي بجيشه حتى وصل إلى ثقيف فخرج له قائدهم مسعود بن متعب وبايعه وقال له أيها الملك إنما نحن عبيدك سامعون لك مطيعون ليس لك عندنا خلاف وليس بيتنا هذا بالبيت الذي تريد إنما تريد البيت الذي بمكة ونحن نبعث معك من يدلك فتجاوز عنهم أبرهة الحبشي
وأرسل معه رجلا يدعى أبو رغال ليكون دليله إلى الكعبة لذلك أصبحت هذا الرجل أبو رغال رمزا للخيانة فالأحباش لم يكن لهم أن يعرفوا مكان الكعبة إلا بفضل خيانته حتى أن العرب نعتوا أي خائن بعده بأبي رغال
كما أن العرب قبل الإسلام اتخذ شعيرة تتمثل في رجم قبر أبي رغال بعد الحج وظلت هذه الشعيرة مستمرة حتى ظهور الإسلام فكان جزاءه من جنس عمله
وصل أبرهة الحبشي إلى مكة، وفي الطريق نزل في منطقة تسمى المغمس قبل مكة، فلما نزلوا فيها، أنزل الله عز وجل عذابه على أبي رغال، وهلك ثم بعدها أرسل أبرهة الحبشي رجلا يسمى الأسود بن مقصود يستطلع مكة، فخرج ببعض الخيل،
فلما وصل مكة، سأل أبهم بعض أموالهم، وأخذ مئتي بعير كان يملكها سيد قريش عبد المطلب بن هاشم وجاء بالإبل إلى أبرهة، فاجتمعت قبائله ذيل وكنانة وقريش يريدون قتال أبرهة الحبشي، فلما علموا مدي قوة وعدد جيش أبرهة الحبشي، تراجعوا عن فكرة قتاله.
بعد ما استولي جيش أبرهة على إبل عبد المطلب، بعث رجلا يدعى حناطة الحميري، ليسأل عن شريف المنطقة، فقيل له هو عبد المطلب بن هاشم ابن عبد مناف ابن قصي،
فتوجه حناطة هذا، وقال لعبد المطلب، إن الملك لا يريد حربكم، إنما جاء ليهدم البيت، فإن لم تحاربه، فلا حاجة له بدمائكم، وإن لم تريد الحرب، فالملك يريد أن يجلس معك، وهو ما رد عليه عبد المطلب، بأنهم لا يريدون أيضا حرب، وأنهم لن يدافعوا عن الكعبة.
فخرج عبد المطلب مع حناطة نحو معسكر أبرهة الحبشي، وسأل عن ذو نفر، الملك الذي أسره أبرهة وهو في طريقه إلى مكة، والذي كان صديقا لعبد المطلب،
فجلس معه وقال له، يا ذا نفر، هلك أن تشفع لنا عند أبرهة الحبشي، فرد ذو نفر، وما يغني رجل اسير مثلي، ينتظر أن يقتله غداً أو عشية، ما عندي غناء في شيء مما نزل بك؟
إلا أن ذو نفر، قال لعبد المطلب، إنه عنده صديق هو سائق الفيل، ويدعى أنيس، فسأرسل إليه ليشفع لك عند أبرهة الحبشي، فبعت ذو نفر إلى أنيس فجاء به، فقال، يا أنيس، إن عبد المطلب سيد قريش، يطعم الناس بالسهل، والوحوش في رؤوس الجبال، وقد أصاب الملك له مئتي بعير،
فاشفع له عند أبره، وهو ما فعله أنيس وأخبر أبره أن سيد قريش، يريد أن يكلمك، دخل عبد المطلب على أبرهة الحبشي الذي استعظمه فور رؤيته إياه، فهو سيد قريش، وأعطاه هيبته ووقاره، لدرجة أنه قام من على كرسية، ليجلس مع عبد المطلب على الأرض حتى يكون مستويّان في الجلسة،
وكان بينهما ترجمان فلكل منهما لغة، فطلب أبره الترجمان أن يسأل عبد المطلب عن حاجته، فرد عبد المطلب أنه يريد بعيره أو إبله التي سلبت منه، فقال أبرهة الحبشي إنه أعطاه قدره فور رؤيته، ولكنه لما سمع طلبه زهده، فقال عبد المطلب، ولم؟
فرد أبره كيف تطلب الإبل وتترك البيت الذي جئت لهدمه، فأجاب عبد المطلب إني أنا رب الإبل، وإن للبيت، رب سيمنعه، فاستشاط أبرهة غضبا، وقال، ومن سيمنعني عن البيت، فقال عبد المطلب، رب البيت،
فإذا بعبد المطلب، يأخذ الإبل ويرجع، وأسرع إلى قريش، يقول لهم، أخرجوا، فإن الرجل عازم على هدم الكعبة، واستباحة الحرم، فخرج الناس رجالاً ونساءاً وأطفالاً، هرباً إلى الجبال، ينظرون ماذا سيفعل أبرهة الحبشي في كعبتهم،
وظل عبد المطلب يمسك حلقت الكعبة، يدعوا الله عز وجل أن يحمي بيته، وقال كلماته الشهيرة، اللهم إن العبد يمنع رحله، فامنع رحالك، لا يغلبن صليبهم ومحالهم غدوا محالك، وانصر على آل الصليب وعابديه اليوم آلك، إن كنت تاركهم وقبلتنا، فأمر ما بدالك،
ثم أمر عبد المطلب ما بقى من الناس أن يخرجوا من بيوتهم، وفرغت مكة وما حول الكعبة من البشر، ينتظرون قدوم أبرهة الحبشي وجيشه الجرار، وخلي الحرم، ولم يفق أحد يحمي بيت الله الحرام،
وفي صبيحة اليوم التالي عازم أبرهة على تنفيذ مخططه، وجهز جيشه الذي عده لهدم الكعبة، وهي الفيل الذي جلبه من صنعاء، واسم الفيل كان محمود، وانطلق الجيش باتجاه الحرم وفيه نفيل الأكلبي الخثعمي، الذي آثره جيش أبرهة كما ذكرنا وهو يعرف قدر الحرم،
فقام نفيل الخثعمي بالهمس في أدن الفيل قائلا، أبرك محمود، وارجع راشدا من حيث جئت، فإنك في بلد الله الحرام، فبرك الفيل في مكانه ولم يقم، فوجهه أبرهة جهات مختلفة عن مكة، فقام يهرول، ورفض الهرولة ناحية مكة،
فبدأ الرعب يدب في جيش أبره، ما بال هذا الفيل يتوجه إلى أي مكان، إلا بيت الله الحرام
فجأةً أظلمت السماء، ونظر الجميع سواء الجيش أو حتى الناس في الجبال إلى السماء، فوجد مجموعة عظيمة كبيرة من البطيور، تغط السماء كلها ففزع أبرهة وفزع جيشه، كل طير بمنقاره حجر من سجيل، وبرجله حجرين،
فإذا بالسماء تنطر أمطاراً من الحجارة تتساقط من السماء، وقيل أيضاً إن طيور قدمت من ناحية البحر، فتعجب عبد المطلب منها وقال، والله إنها لطير غريبة، ما هي بنجدية ولا تهامية،
وإذا بها تقترب ومعها حجارة من طين، وبدأت ترم الحجارة عليهم، بدأ جنود جيش أبرهة يتساقطون واحداً تلو الآخر، والحجارة تتنزل من السماء، وكل من أراد الهروب تبعته الطيور، وأسقطت عليها الحجارة، لترديه قتيلاً في صحراء مكة، فهرب من هرب، وقتل من قتل،
وقيل أن الحجارة عندما كانت تمس جنود أبرهة، تصيبهم بالجذري، فكلما حك أحدهم جلده، تساقت هذا الجلد عن بدنه، حتى أن أبرهة نفسه أصيب في جسده، وهربوا به معهم، فكانت أنامله تتساقط أنملةً أنملة، حتى قدم به صنعاء حيث بلادهم، وهو مثل فرخ الطير،
فما مات حتى خرج قلبه من صدره، وهلك صريعاً ليكون عبرةً لكل من يعتبر، وهكذا، دمر الله عز وجل أبرهة الحبشي وجيشه الجرار، وهو ما ذكره تعالى في سورة الفيل، قال عز وجل،
{أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ (1) أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ (2) وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَبَابِيلَ (3) تَرْمِيهِم بِحِجَارَةٍ مِّن سِجِّيلٍ (4) فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَّأْكُولٍ (5)}
وقد سمي ذلك العام بعام الفيل، وفيه ولد الرسول عليه الصلاة والسلام،
الدروس المستفادة من قصة أصحاب الفيل
وفي النهاية هناك الكثير من الدروس المستفادة من قصة أصحاب الفيل،
أولها أن الله عز وجل لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء، فالكعبة لم تمس بسوء، فهي أول بيت وضع للناس، وما حاول أحد أن يعتدي عليها إلا أهلكه الله تعالى،
كما أن في قصة ابرهة الحبشي واصحاب الفيل تمهيداً لنبوة سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام،
كما تظهر لنا القصة كيف أن الله تعالى أهلك أصحاب الفيل ذوي القوة الكبيرة والمال الوفير بشيء لا يمكن أن يؤذي الإنسان، فقد أرسل عليهم طيورا، حتى يعتبر أهل الكبر والإفساد في الأرض بذلك، فلا يعتزون بمال ولا بقوة،فانه اذا جاء عذاب الله تعالي فلا راد له إلا هو،
قصة أبرهة الحبشي وجيشه أصحاب الفيل تؤكد أيضاً على حرمة الكعبة وحفظ الله تعالى لها، فقد أهلك الله تعالى من عتد عليها ليؤكد عظمتها وحرمة التعدي عليها، فهي بيت الله الحرام وأول بيت وضع للناس،
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، (إِنَّ اللهَ حَبَسَ عن مكةَ الفيلَ,وَسَلَّطَ عليْها رسولَ اللهِ والمؤمنينَ,ألا فإنَّها لم تَحِلْ لأَحَدٍ قبلِي,ولاَ تَحِلُّ لأَحَدٍ بَعْدِي,ألا وإِنَّها حَلَّتْ لي ساعَةً من نَهارٍ,ألا وإِنَّها ساعَتِي هذه حرامٌ,لا يُخْتَلَى شَوْكُها,وَلا يُعْضَدُ شَجَرُها,ولايلتقطُ ساقِطَتُها إِلَّا لِمُنْشِدٍ,وَمَنْ قُتِلَ لهُ قَتِيلٌ فهوَ بِخَيْرِ النَّظَرَيْنِ,إِمَّا أنْ يُعْقَلَ,وَإِمَّا أنْ يُقَادَ أهلُ القَتِيلِ)
دمتم في رعاية الله وأمنه، وسنبدأ السيرة النبوية الشريفة في قادم المقالات.