الإغتيالات السياسية
كتبت/ روناء نصر
مقدمة:
يعتبر التاريخ الإسلامي السياسي بعد الرسول صلى الله عليه وسلم من أشد الحقبات التاريخية، واشتهر بكثرة الإغتيالات السياسية وقد كثرت الشخصيات، ويعتبر من أشهر الشخصيات “عبد الرحمن بن خالد بن الوليد” سيف الله المسلول.
انحياز عبد الرحمن بن خالد إلى معاوية بن أبي سفيان:
كان “عبد الرحمن بن خالد” أموي الهوى إنحاز إلى “معاوية بن أبي سفيان” في صراعه ضد “علي بن أبي طالب”، فيما إنحاز أخوه “المهاجر بن خالد” إلى “علي” ضد “معاوية”، وبحسب “ابن عبد البر” في كتابه الاستيعاب في معرفة الأصحاب فقد أدرك “عبد الرحمن” النبي عليه الصلاة والسلام، واشترك مع أبيه “خالد” في معركة اليرموك الشهيرة على الرغم من حداثة سنه، ونظير انخراطه في الكثير من المعارك والتصاقه بوالده الموصوف بنبوغه العسكري وفروسيته، فقد تعلم الفتى من والده فنون القيادة واكتسب منه الخبرات القتالية، وفي حرب صفين كان “عبد الرحمن” أحد قادة الجيش الأموي ومن المؤيدين لمطالب “معاوية” في الخلافة .
وبعد أن استتبت الأمور ل”معاوية” أمره على حمص، فسار فيهم سيرة محمودة، فأحبه أهلها وتعلقت قلوبهم به، وكان ل”عبد الرحمن” وقائع مشهودة مع الروم المجاورة تخومهم لمدينة حمص، وقيل أنه لما ولي “العباس بن الوليد” بعد زمن حمص قال لأشراف المدينة: يا أهل حمص ما لكم لا تذكرون أميراً من أمرائكم مثل ما تذكرون “عبد الرحمن بن خالد”؟ ، فقال بعضهم: كان يدني شريفنا ويغفر ذنبنا، ويجلس في أفنيتنا، ويمشي في أسواقنا، ويعود مرضانا، ويشهد جنائزنا، وينصف مظلومنا.
اختلاف العلماء حول دواعي قتل عبد الرحمن بن خالد:
لم يشفع ل”عبد الرحمن” ما صنعه من أفعال جليلة في خدمة “معاوية” وآل أمية، فقد قتله الخليفة بواسطة طبيبه السرياني “ابن أثال”، وإن هناك ما يشبه الإجماع بين المحدثين والمؤرخين في أن “معاوية” هو من أمر بالتخلص من “عبد الرحمن”، ولكن هناك اختلاف فيما بينهم حول دواعي قتله، ف”الطبري” في تاريخ الرسل والملوك، و”ابن الأثير” في الكامل في التاريخ يذهبان إلى أن “معاوية” خاف على نفسه من “عبد الرحمن” بعد أن ذاع صيته، ولمع نجمه، ومالت إليه قلوب أهل الشام، فأمر طبيبه “ابن أثال” أن يحتال في قتله، وضمن له إن هو فعل ذلك أن يضع عنه خراجه ما عاش، وأن يوليه جباية خراج حمص، فلما قدم “عبد الرحمن” حمص منصرفاً من بلاد الروم دس إليه “ابن أثال” شربة بعض ممالیکه فشربها فمات بحمص فوفى له “معاوية” بما ضمن مسمومة له، وولاه خراج حمص، ووضع عنه خراجه.
معظم المراجع التاريخية ترجح أن السبب في مقتل “عبد الرحمن” يعود إلى حرص “معاوية” على إزاحة الأشواك عن طريق ابنه “يزيد”، وكان “عبد الرحمن” من الأشخاص القلائل الذين قد يشكل وجودهم مستقبلاً تهديداً لمساعي “معاوية” في استخلاف ابنه من بعده بسبب شعبية “عبد الرحمن” الجارفة التي حصدها بجهوده وزادها ما ورثه عن أبيه “خالد”، ف”الأصفهاني” في الأغاني و”ابن عبد البر” في الاستيعاب في معرفة الأصحاب و”ابن الأثير” في أسد الغابة و”القاضي التنوخي” في الفرج بعد الشدة، تؤكد روايتهم على وجود صلة مباشرة بين اغتيال “عبد الرحمن” وتطلعات “معاوية” لاستخلاف ابنه “يزيد”، فقد جاء في تلك المصادر أن “معاوية” لما أراد أن يظهر العهد ل”يزيد”، قال لأهل الشام: إن أمير المؤمنين قد كبرت سنه ورق جلده، ودق عظمه، واقترب أجله ويريد أن يستخلف عليكم فمن ترون؟، فقالوا: “عبد الرحمن بن خالد بن الوليد” فسكت “معاوية”، وأضمرها ودس “ابن أثال” الطبيب إليه، فسقاه سماً فمات.
وبرأيي أن الرواية الأخيرة أقوى حجة من سابقتها على الرغم من اتفاقهما معاً في النتائج واختلافهما في الأسباب، ومما يرجح ما جاء في الرواية (الثانية) أن “عبد الرحمن” قد اغتيل في عام (46 هـ)، أي بعد عام واحد أو أقل من قيام “المغيرة بن شعبة” والي الكوفة حينها بإقناع “معاوية” بتنصيب “يزيد”.
ما بعد مقتل عبد الرحمن بن خالد:
ولما قتل “عبد الرحمن” بلغ الخبر ابن أخيه “خالد بن المهاجر” فحمي “خالد”، ودعا مولى له يدعى “نافعاً” فأعلمه الخبر، وقال له: لا بد من قتل “ابن أثال”، فخرجا حتى قدما دمشق، وكان “ابن أثال” يمسي عند “معاوية”، فترصد له “خالد” ومولاه حتى خرج فسار “خالد” بمحاذاته ثم وثب عليه فقتله بسيفه، فلما بلغ “معاوية” الخبر قال: هذا “خالد بن المهاجر”، ففتشوا عنه حتى وجدوه، فأتى به فلما وقف أمام “معاوية” قال له: لا جزاك الله من زائر خيراً، قتلت طبيبي، فقال “خالد”: قتلت المأمور وبقي الآمر (في إشارة إلى “معاوية”)، فقال له “معاوية”: عليك لعنة الله لو كان تشهد مرة (واحدة) لقتلتك به أي لو كان “ابن أثال” قد أسلم لقتلك به، ثم إن “معاوية” أمر بحبسه وألزم عشيرة “خالد” من بني مخزوم دية “ابن أثال” فكانت (اثني عشر ألف درهم)، أدخل بيت المال منها (ستة آلاف درهم)، وأخذ (ستة آلاف) وأخذ (ستة آلاف درهم)، ولما أطلق “خالد” من سجنه، عاد إلى المدينة، فلما رجع إليها أتى “عروة” فسلّم عليه، فقال له “عروة”: ما فعل “ابن أثال”؟، فقال: قد كفيتك “ابن أثال”، ولكن ما فعل “ابن جرموز” (“عمرو بن جرموز” الذي قتل “الزبير بن العوام”) فصمت خجلاً.
المرجع/
خالد السعيد، أشهر الإغتيالات فى الإسلام من زمن الصحابة حتى العصر العباسي
——————————————————————————
((كل هذا في اطار مبادرة حكاوي لنشر الوعى الأثري و الترويج و دعم السياحة المصرية تحت اشراف فريق ديوان التاريخ))
#مبادرة_حكاوى
#الموسم_الخامس
#أصل_التاريخ_ديوان_التاريخ