إرساء القضاء
كتبت/ سمر محمد
هنري الثاني:
في عام (1154م) اعتلى عرش البلاد “هنري الثاني”، وكان أول ملك من ملوك الأنجويين وهو “ابن جيوفري بلانتاجنت” كونت أنجو، امتاز بأنه كان قوي البنية عريض المنكبين مفتول العضلات، وخاصة عضلات الذراعين والرجلين ذا رأس مستدير ضخم وعنق قصير وشعر كستنائي وجلد منمش، محب للاستطلاع بشكل كبير يجيد عدة لغات بطلاقة وذاكرة حاده لا ينسى وجهًا ولو مرة واحدة أو شيئًا مهمًا.
زيادة رخاء القرى:
وبفضل قدراته الخلابة نعمت إنجلترا بكثير من الرخاء، وعلى أيامه اكتسبت إنجلترا لقبًا لا يمكن نسيانه، وهو إنجلترا السعيدة أو أرض إنجلترا المملوءة سعادة، حيث امتلأ الريف بالقلاع الحصينة، وزاد عدد القرى الصغيرة على جوانب البرك والجداول المائية، وظهر النماء في الريف، والذي لا يزال أثره واضحًا في الريف الإنجليزي إلى الآن، كما تم بناء العديد من الكاتدرائيات الضخمة مثل “كنتربوري وإلي واكسفورد وويلز”، وازدهرت التجارة وزاد عدد المدن، وتم بناء قنطرة لندن وهي أول قنطرة تم تشييدها من الحجار على المنطقة التي يصل إليها المد من نهر التايمز، والتي بدأ العمل فيها سنة (1176م)، ولإقامة أساسات هذه القنطرة كان لابد من تقسيم مياه نهر التايمز عن طريق إقامة عدد من السدود لتمكين العمال من وضع الأساسات في مجرى النهر مما يعد عملاً هندسيًا بطوليًا أو فذًا.
إرساء قواعد العدل والقضاء:
أما أهم إنجاز قام به “هنري”، فهو وضع القواعد الأساسية للقانون العام الذي تم بمقتضاه تنظيم العمل في المؤسسات الحكومية وترسيخ قواعد الحرية الإنجليزية، هذا القانون العام اعتمد على العرف السائد والتقاليد المرعية، وهو عام لأنه شمل كل المملكة، وذلك لأن الأساليب السابقة كانت متبعة، ويتم بمقتضاها تحديد إذا ما كان الشخص بريئًا أم مذنبًا عن طريق المحاكمة بالتعذيب أو الصراع بين الأبطال قد غدت سخيفة وغير عادلة وكثيرًا ما كان يبدو فيها حكم السماء مناقضًا للواقع، لذلك فقد قام “هنري” بتقسيم هيئة المحلفين إلى مجموعة من الشهود، وهم الذين يقسمون على أن يشهدوا بالحق، وربما كانوا في عملهم هذا مثل هيئة المحلفين في العصر الحديث، والذين يتخذون قرارهم بناءًا على الحالات والمعلومات المتاحة لهم لا على أساس البراهين التي كانت تقدم لهم أمام المحكمة، وبناءًا على إجماعهم على رأي ما يتم البت في القضية.
الصراع مع الكنيسة:
ولقد أدت جهود “هنري” في إرساء نظام قضائي عادل إلى الدخول في صراع مع الكنيسة التي كانت لها محاكمها وقراراتها التي لابد من سريانها على جميع رجال الدين وحتى الكتبة، ولكي يجنب الإنسان نفسه الإتيان بكاتب ويحمي نفسه من عقوبة قطع الرأس، فقد كان عليه أن يقرأ وبصوت مسموع بعض المقاطع الشعرية المقدسة، وهي التي كانت تسمى المقاطع الشعرية الخاصة بالرقبة، وفي عام (1164م) أصدر “هنري” مجموعة القوانين الشهيرة باسم “كلارندون”، والتي حدت من سلطة المحاكم الكنسية نوعًا ما.
مطالبة توماس بيكيت بحقوق للكنيسة:
وكان أول من وضع توقيعه على مجموعة القوانين هذه هو “توماس بيكيت” أسقف كانتربوري، ولكنه سرعان ما تبرأ منها، وطالب بحقوق للكنيسة لم يشر إليها البابا نفسه من بينها منع تطبيق عقوبة الإعدام على كل رجال الدين حتى لو ارتكبوا جريمة القتل، وبعد سنوات من الصراع فقد اضطر الملك أن يصيح معلنًا: “يا لهم من رجال وضيعي المولد بلداء، هؤلاء الذين جلبتهم إلى مملكتي! ألا يوجد من يخلصني من هذا القس اللعين؟”، وقام “أربعة” من رجاله بهذه المهمة فامططوا خيولهم إلى كانتربوري، حيث وجدوا “بيكيت” في كاتدرائيته، وصرعوا رجل الدين غير الهياب أمام كنيسة “مريم العذراء”، ولقد عثر الرهبان الذين جهزوا جثمانهم للدفن أسفل عباءته على قميص من وبر يابس تمامًا، وبال بدرجة توحي بقداسته، ولقد تم إضافة اسمه إلى قائمة القديسين خلال سنتين، وأصبحت كنيسته واحدة من المزارات المقدسة التي يحج إليها في العام، وكما هي عليه الحال الآن تمامًا على الرغم من أن الحجاج اليوم أقل ورعًا عن سابقهم.
تبعية ايرلندا لإنجلترا:
وبالنسبة لايرلندا فترجع تبعيتها الطويلة لإنجلترا إلى أيام “هنري” نتيجة لطلب أحد الزعماء الايرلنديين المساعدة الإنجليزية ضد منافسيه، فاستجاب لهذا النداء جماعه من الفرسان للأنجلو نورمان الذين اخضعوا لنفوذهم المنافسين، وكذلك الزعيم الذي طلب المساعدة، ولم يكن في مقدور “هنري” أن يسمح بقيام مملكة مستقلة، فقام بغزو ايرلندا، وأخضع الطرفين الايرلنديين والانجلو نورمان، وفي كل مكان دان له بالطاعة في ممتلكاته أقام العديد من الأبراج المحصنة، والتي قام السادة الإنجليز منها بمراقبة أتباعهم، وكثير من هذه القلاع ما زال باقيًا كرمز وتذكار للايرلنديين على تبعيتهم الطويلة الآن.
ازدياد قوة إنجلترا:
كما كانت علاقات “هنري” بفرنسا صعبة ومعقدة، ففي فترة حياته فإن الملوك الفرنسيين كانوا يزدادون قوة ويوسعون ممتلكاتهم، حيث قاموا بإصلاح كثير من الأراضي البور، وتحويلها إلى أرض زراعية، وعززوا التجارة وشجعوا قيام كثير من المدن الجديدة، وغدا الإحساس بالقومية الفرنسية يزداد وضوحًا، وكان “هنري” كملك لإنجلترا قد ورث كونتية أنجو الفرنسية، وفي نفس الوقت فقد كان ذوقًا على نورماندي، وبالتالي فإنه كان فصلاً للملك الفرنسي.
يتبع …
المرجع/
تاريخ أوروبا في العصور الوسطى.
——————————————————————————
((كل هذا في اطار مبادرة حكاوي لنشر الوعى الأثري و الترويج و دعم السياحة المصرية تحت اشراف فريق ديوان التاريخ))
#مبادرة_حكاوى
#الموسم_الخامس
#أصل_التاريخ_ديوان_التاريخ