التاريخ الإسلامي مليء بالشخصيات العظيمة التي ضحت بحياتها من اجل نصرة الدين لكن كتير مننا يجهل شخصية مهمة كانت السبب الرئيسي في تحقيق النصر في معركة عين جالوت التاريخية وهو القائد المغولي بركه خان.
من هو بركة خان
بركة خان هو واحد من أكبر قادة المغول حيث ولد بركة خان لاب وثني ولما كبر أصبح قائد القبيلة الذهبية أكبر قبائل المغول التقى بأحد شيوخ المسلمين وقدر الشيخ يقنعه باعتناق الإسلام فكرس بركه خان حياته كلها لتحطيم ابن عمه لدرجه انه تحالف مع الظاهر بيبرس واتفقوا هم الاثنين على القضاء على المغول.
فدخل هولاكو وابنه في دوامة من الحروب القبلية اللي كسرت شوقته وأنهت اسطورته وأسطورة جده جنكيز خان، وبفضل مجهودك بركه خان انتشر الإسلام عند المغول بسرعة رهيبة فاجمع المؤرخين على انه أحد أعظم قادة المسلمين.
ولذلك سمى الظاهر بيبرس ابنه الأكبر بركه خان تيمنا باسم صديق المخلص اللي ساعدوا في الانتقام من هولاكو على جرائمه الخليفة العباسي المستعصم بالله .
نسأة بركة خان
بركة خان اسمه الحقيقي بيرك او بيركاي بن جوجي بن جنكيز خائن وحسب ادق المصادر فهو اتولد حوالي سنه 1208 بقرية برخان خلدون الموجودة في مقاطعه خانتي بشمال شرق منغوليا .
الا ان بعض المؤرخين الفارسيين ومنهم منهاج الدين أبو عمرو عثمان ابن سراج الدين محمد الجوزاني يؤكدوا ان ولد خلال فتح المغول للإمبراطورية الخوارزمية اللي حصل سنة 1220،
وذلك نفس الادعاء اللي اقر به المؤرخ الفرنسي جان ريتشارد لان والده بيرك هي السلطان الفارسية سلطان خاتون بنت علاء الدنيا والدين ابو الفتح محمد شاه الإمبراطورية الخوارزمية اللي سقطت في ايد المغول سنه 1220.
ووقتها تم اسر بنته سلطان خاتون لكي تتجوز من جوجي او غوتشي اللي هو والد بيركاي خان فبالتالي اتولد سنة 1221 تقريبا واختاروا له ذلك الاسم لان معناه بالتركية القديمة الشخص الصعب.
وبالرغم من وجود خلاف بين على تاريخ ميلاده الا انهم اتفقوا على ان والده جوجي أنجب 13 ابن اكبرهم باتو خان اللي كبر وانتقل الى الشمال الغربي من الإمبراطورية المغولية لكي يأسس هناك القبيلة الذهبية او الدولة العظيمة،
وتلك قبيلة لقبت بذلك الاسم ده لان جميع خيامها من الخارج كانت ملونة باللون الذهبي.
وعرف عنها قوتها ومدن نفوذها وسيطرتها بين باقي قبائل المغول لدرجه انهم كانوا يلجؤوا اليها دائما في حروبهم ضد المسلمين الموجودين في المناطق الواقعة بداية من سيبيريا وروسيا الي نهر الفولجا مرورا بدوله بلجار اللي هي حاليا بلغاريا،
وأحب أقول لك ان بفضل امداداتهم العسكرية اللي وصلت لأكثر من 150 ألف جندي قدروا المغول انهم يحكموا سيطرتهم على المجر ويدمروا كتير من امارات المسلمين مثل الكبشاك وريازان .
اسلام بركة خان
في ذلك الوقت كان بيرك خان كبر وبدا يقاتل جنب اخوه باتو خان في غزو أوروبا لكن مات اوقتاي خان اللي تولى حكم الإمبراطورية المغولية بعد وفاة والده جنكيز خان مباشره ووقتها سيرت زوجته تركان خان شؤون الإمبراطورية بشكل ضعيف لمده خمس سنين.
وبعدها جاء ابنها جيوك خان وتولى منصب الخاقان الا انه مات بسرعة من غير ما يكمل في ذلك المنصب غير سنة واحدة فقط، فرجع برخام مع اخوه من غزواتهم لكي ينتخبوا حاكم جديد واستقر زعماء القبائل على مونكو خان.
الحقيقة ان المغول وقتها كانوا يتعاطفوا مع المسيحيين وده لان زوجة هولاكو هي السيدة دوقوز خاتون تعتنق الديانة المسيحية وكان معروف عنها تحريضها للمغول ضد المسلمين وأنها ذكية جدا في اشعال الفتن خاصة انها كانت مؤثرة بشكل ملحوظ على قرارات زوجها هولاكو.
الا ان بيرك خان اعتنق الإسلام فجأة في مدينة بخاري سنه 1252 اثناء التقاءه بإحدى قوافل المسلمين هناك.
الحقيقة ان الرواية اللي تحكي عن كيفية دخول بركة خان الإسلام عليها خلاف بين المؤرخين لكن أشهر وأدق الروايات هي ان اثناء عودته من منغوليا الى قبيلته سراي جوق توقف عند بخاري والتقى هناك بالشيخ نجم الدين مختار الزهدي وبدأ يسأله عن الإسلام وتعاليمه،
وذلك لان بيرك خان أصلا كان متأثر بالدين الإسلامي تحديدا وشغوف به من صغره حسب ما قالته بعض المصادر.
وحسب ما تم ذكره في الموسوعة البريطانية فالشيخ نجم الدين كان من أكبر فقهاء الحنفية فقدر يجاوب على جميع أسئلة بيرك خان بكل سهوله وأيضا محي كل الشكوك اللي تساوره حول عقيدة التثليث وحول جميع العقائد الوثنية المنتشرة بين القبائل المغولية.
فطلب بيركاي خان منه تأليف كتاب او مخطوطة تؤيد بالبراهين رسالة الإسلام وتوضح بطلان عقائد التتار والتثليث وترد على المخالفين والمنكرين للإسلام.
فألف الشيخ الزهدي مخطوطه الرسالة النصرية بناء على أوامره ودخل بيركاي خان الإسلام بمجرد ان قرأها عن حب واقتناع ورغبه حقيقيه في نصره الدين الإسلامي.
واقنع كمان اخوه تيمور بدخول الإسلام وكانت اول اعماله هي تحويل اسمه لبركه خان والارسال الى خليفه المسلمين في بغداد وهو الخليفة المستعصم بالله لكي يبايعه.
في ذلك الوقت كان المغول اشبه بفزاعه ترهب جميع الممالك على الأرض واخبار انتصاراتهم وتدميرهم لقلع أكبر الامبراطوريات كانت تجوب العالم كله خاصة العالم العربي والإسلامي لان الخلافة الإسلامية بقيادة الخليفة المستعصم بالله كانت في أضعف حالتها.
وبالرغم من ذلك الا ان بركة خان مع اخوه خان تولوا هم زعامة القبيلة الذهبية وكان يتعمد اظهار شعائر الدين الإسلامي لدرجة انه بنى مدرسة داخل القبيلة لكي تعلم الناس تعليم الإسلام،
بالإضافة الى انه بنى مدينة سراي على نهر الفولجا اللي هي حاليا مدينة ساراتوف في روسيا وجعلها عاصمة القبيلة الذهبية وشيد فيها المساجد والحمامات ووسعها جدا الي ان أصبحت أكبر مدن العالم وقتها.
غزو هولاكو للعالم العربي والإسلامي
هولاكو وقتها قرر انه يغزوا العالم العربي والإسلامي ويقضي على الخلافة الإسلامية خاصه ان بعد ارساله الخطابات الى الخليفة المستعصم لكي يقنعه بالاستسلام والدخول تحت عباءة المغول بدون حرب أرسل اليه خليفه المسلمين خطاب جارح في تطاول شديد على الخان،
وقال فيه عبارته مشهورة “انني عندما اشير بجمع الشتات سأبدأ بحسم إيران ثم أتوجه منها الى بلاد توران واضع كل شخص في موضعه وان كنت تريد الحرب والقتال فلا تتوانى لحظة ولا تعتذر فان لي الوفا مؤلفة من الفرسان والرجال هم على أهبة الاستعداد للقتال.”
فاتجه هولاكو لبغداد وحاصرها وقضى على الخلافة العباسية هناك.
الحقيقة ان هولاكو لما حاول يفعل ذلك اثناء وجود باتو خان في منصب حاكم القبيلة الذهبية كان بركة خان يذهب لاخوه باتو خان لكي يطلب منه منع الحملة على المسلمين ويظهر له مدي طيبتهم وسماحتهم وان بينه وبينهم عهد.
ومثبت في اغلب المصادر الواقعة الشهيرة اللي يقول فيها “اننا نحن الذين أقمنا مونكو خانا اعظمًا وما جزانا على ذلك الا انه أراد ان يكافئنا بالسوء في اصحابنا ويغفر ذمتنا ويتعرضوا الى ممالك خليفة المسلمين وهو صاحبي وبيني وبينه مكاتبات وعقود ومودة وفي هذا ما لا يخفى من القبح”
ولذلك باتو خان كان يمنع تحريك الحملة عن طريق الضغط على مونكو خان لكن بوفاة باتو خان وتنصيب بركه خان حاكم للقبيلة قرر هولاكو في ذلك الوقت تنفيذ الحملة.
الحرب الاهلية للمغول بين بركة خان وهولاكو
ولما اخبار الحملة وصلت لبركة خان توعد لابن عمه لكن كانت امامه عقبه واحده وهي الحجة التي يقولها للجنود لكي يوافقوا علي محاربة جيش هولاكو.
فتحالف مع المماليك وبعدها اختار الغنائم كوسيلة لكي يقنع بها الجيش المغولي انه يحارب وذلك لان لهم ثلث الغنائم كان متفق على حسبة لتوزيعها وفقا لقانون الياسا اللي وضعه جنكيز خان بنفسه فأرسل بركه خان ابن اخوه نواي خان لغزو بولندا وليتوانيا لكي يجمع منها غنائم تساعده في الحرب ضد هولاكو.
وبمجرد ان انتهى من تنفيذ المهمة كان مونكو خان حاكم الإمبراطورية المغولية مات فاضطر هولاكو انه يعود لمنغوليا لكي يشارك في اختيار الحاكم الجديد.
المنافسة وقتها كانت بين قبلاي خان وبين اريكبوك فاختار بركه خان انه يقف في صف اريكبوك اما هولاكو فقرر انه يدعم قبلاي خان وللأسف تنصب قبلاي كخان أعظم للمغول ووافق علي الحملة ضد بلاد الشام بقيادة هولاكو واسفرت في النهاية عن معركة عين جالوت اللي انتهت بفوز المسلمين.
فتحالف بركة خان مع الظاهر بيبرس بشكل اقوى وتبادلوا مع بعض السفراء والرسائل واتفقوا على شيء واحد فقط وهي قتال هولاكو وجيشه بعدما انسحب الى بلاد فارس.
وبالفعل جمع بركه خان جيشه بقيادة ابن اخوه المسلم نوغاي خان لكي يغزوا به بلاد القوقاز وهناك اشتبك جيش هولاكو معهم وانحسمت المعركة في بدايتها لصالح هولاكو الا ان بركة خان أعاد ترتيب صفوفه في القبيلة الذهبية واتجه لجيش هولاكو بنفسه،
واثناء انسحاب جيش أباقا خان وعبور نهر الفولجا المتجمد بسبب الشتاء انكسر الجليد وغرق اغلب جنوده.
فاضطر هولاكو وقتها انه يتحالف مع الإمبراطورية البيزنطية ضد بركة خان وجيشه اللي عمل تحالف عسكري قوي ومنظم مع الظاهر بيبرس في مصر.
وبعد اسر البيزنطيين لسفراء المماليك أرسل بركة خان الجيش قوي بقيادة نوغاي خان الهجوم عليهم وبالفعل تمكن من هزيمة البيزنطيين واجبرهم على إطلاق سراح سفراء المماليك.
وفي سنة 1265 انتهى عهد هولاكو خان وتنصب ابنه اباقا خان حاكم من بعده فاستغل بركة خان الفرصة وأرسل جيش بقيادة ابن اخوه نوغاي لغزو بلاد فارس فاشتبك مع جيش اباقا خان ابن هولاكو وانحسمت المعركة في بدايتها لصالح اباقا خان بعد ما قدر يصيب نوغاي في عينه اليمنى.
فتحرك بركة خان لمساندة ابن اخوه على راس جيش قوي للقضاء على دولة الالخانات او دولة هولاكو.
وبمجرد ان فرض سيطرته على مدينة تبليسي بجورجيا استشهد بركة خان سنة 1266 خلال احدى المعارك وذلك بعد ما استمر في حكم القبيلة حوالي عشر سنين تقريبا قضاهم كلهم في خدمه الإسلام والمسلمين والدفاع عنهم.
كما تصدى لجيش هولاكو المعروف بجبروته وعدواته للمسلمين وكان هدف أساسي في انتصار المسلمين خلال معركة عين جالوت والمعارك التي تليها لدرجة ان بعض المؤرخين يصنفوه بانه حامي مكة والمدينة من غزو المغول،
لان في الاغلب كان مصيرهم يكون نفس المصير بغداد لولا مجهودات القائد المسلم بركة خان وغيرته على الدين الإسلامي حتى ضد قبلته والقبائل المغولية.
ولذلك تكون انتهت مقالتنا عن القائد المغولي المسلم بركة خان.