حرب المائة عام إنها واحدة من أطول الحروب في التاريخ، حرب دامت أكثر من قرن من الزمان، بين إنجلترا وفرنسا، مهدت لنشأة فرنسا الجديدة، وتسببت في خسارة إنجلترا نفوذها على المستوى القاري، بعد أن سقط ملايين الضحايا جراء تلك الحرب الدموية،
حتى وضعت لها فتاة صغيرة النهاية، انها حرب المائة عام، تابعونا للنهاية لتعرفوا اسرار تلك الحرب الهامة في التاريخ.
أسباب حرب المائة عام
في العصور الوسطي لم تكن العلاقات بين إنجلترا وفرنسا بمثل ما هي عليه الآن، بل كانت علاقة عدائية لا تعرف سوى لغة الدماء والدمار، واستمر الصراع بين البلدين طوال سنوات طويلة، حتى انكسرت حدة العداء مع بداية القرن الماضي.
مقالتنا اليوم عن واحد من أطول الصراعات التي وقعت بين البلدين، والتي استمرت لفترات متقطعة من الحرب والسلم على مدار 116 عاما، وذلك منذ العام 1337 وحتى العام 1453 للميلاد.
لم تكن حرب ال100 عام وليدة اللحظة، بل كانت نتيجة لتوترات تراكمية بين البلدين، يمكن إرجاعها إلى القرن الحادي عشر عقب الغزو النورماندي الفرنسي لإنجلترا، واحتلالها بعد حرب هاستنجر عام 1066 للميلاد،
والتي انتهت بهزيمة هارولد الثاني ملك إنجلترا على يد ويليام الفاتح دوق نورماندي، ليصبح النورمان حكام لإنجلترا.
ونتيجة لذلك أصبحت إنجلترا تابعة لملك فرنسا الذي استغل تلك التبعية في الحصول على كثير من المكاسب المادية في شكل ضرائب وحقوق سيادة والكثير من السلع التجارية.
هذا إلى جانب الضغوط السياسية والمعنوية التي عانت منها إنجلترا جراء تلك التبعية، وكان لذلك أثر كبير في رغبة إنجلترا في التخلص من تلك التبعية، ليس هذا فحسب، بل واحتلال فرنسا أيضا.
من بين الأسباب التي مهدت للإنجليز غزو الأراضي الفرنسية هي شخصية الملك الفرنسي، فقد كان ملك فرنسا ضعيفا مسرفا في إنفاقه محبا للبذخ والحفلات الصاخبة، /ولم يحكم البلاد بنفسه، وإنما ترك أمره ال خاصته وحاشيته.
كما أن الملكة الفرنسية لم ينشئ جيشا نظاميا، واكتفى بجيش مؤقت مرهون بموافقة الإقطاعيين.
وعلى النقيض تماما كانت إنجلترا تتمتع بحكم ملك قوي وهو إدوارد الثالث الذي نجح في علاقاته الداخلية مع الإقطاعيين، واحكم سيطرته علي حكمه وشعبه ساعيا في اقتصاد بلاده.
والاهم من ذلك انه كون جيشا قويا نظاميا واسطولا قوي ضارب، اي انه علي النقيض تماما مع الجيش الفرنسي، الامر الذي اغري ملك انجلترا بغزو فرنسا.
حرب المائة عام
اندلعت حرب المائة عام في عام 1337 للميلاد لان الملكين ادوارد الثالث وفيليب السادس تنازعا حول الحقوق الاقطاعية في منطقة جاسكوني، فقد كان ملك انجلترا بفصته دوق جاسكوني تابعا للملك الفرنسي وفقا لقواعد الاقطاع في العصور الوسطي.
وكانت جاسكوني شريكا تجاريا مفيدا لإنجلترا فعبرها كان يصدر كيلوهات من الحبوب والصوف ويستورد النبيذ.
لكن الملك الفرنسي سلب ملكية جاسكوني الي التاج الفرنسي وهاجم الساحل الجنوبي لإنجلترا، وهكذا حصل ادوارد علي العذر المثالي لبدأ الحرب، ليتحول النزاع حول الحقوق الاقطاعية في منطقة جاسكوني الي معركة علي التاج الفرنسي.
عندما رغم ادوارد الثالث في الحصول علي لقب ملك فرنسا، وهو اللقب الذي كان يحمله الملك فيليب السادس.
بدأ ادوارد الثالث بمعركة بحرية علي السواحل الفرنسية، انزلت فيها البحرية الإنجليزية خسائر في الاسطول الفرنسي.
وواصل ادوارد غزو فرنسا ابتداءا بالبلدان المنخفضة، ذلك بين عامي 1339 و1340، وحقق بعض الانتصارات الصغرى، وخرج فيليب السادس بفرسانه لملاقاة الزحف الإنجليزي، إلى أن اللقاء أثبتت فوق الجيش الإنجليزي الذي تمكن بسهامه من قهر الجيش الفرنسي وقتل منه الآلاف.
ففر ملك فرنسا من المعركة، ووصل الجيش الانجليزي زحفه حتى وصل إلى مدينة كاليه التي سلمت للإنجليز عام 1347.
ومع تأكد ملك فرنسا من ضعف إمكانياته فعقد هدنة مع ملك إنجلترا.
في عام 1350 توفي الملك الفرنسي فيليب السادس ليخلفه الملك الجون الثاني الذي واصل الحرب، لكنه كان ملكا ضعيفا، وجاءت معركة بواتيه عام 1356 لتنزل الهزيمة بالجيش الفرنسي، وتنتهي بوقوع ملك فرنسا جون الثاني بالأسر.
وتم توقيع معاهدة بريتني في عام 1360 بعد إجراء مفاوضات لمدة طويلة، حيث حازة إنجلترا بموجبها السيطرة على مدينة كاليه ومعظم منطقة أكويتين.
وحصلت على فدية كبيرة مقابل الملك الفرنسي المأسور.
كانت معركة بواتييه كارثة سياسية إلى جانب كونها كارثة عسكرية. واضطربت أحوال فرنسا بعد الهزيمة وجيء بالأمير شارل الخامس والذي كان شابا صغير السن لا خبرة له لتزداد الأمور سوءا وتكثر الاضطرابات في كل أنحاء البلاد.
وواصل شارل الخامس الكفاح ضد الاحتلال الإنجليزي، وكان قد استفاد من التجارب السابقة، فدخل مع إنجلترا في معارك منفصلة، واستدرج إنجلترا في معارك داخلية أثقلت كاهلها، واستمرت هذه الحروب لسنوات أفقدت الإنجليز الكثير من الموارد والإمكانيات.
ووقف الشعب الفرنسي إلى جانب شارل الخامس بعد أن مل الشعب من الرضوخ وقلة الموارد ومذلة النفس، فحدث أن خسرت انجلترا الكثير من المواقع التي احتلتها، واضطرت لعقد سلسلة من اتفاقيات الهدنة بدءا من عام 1375 للميلاد،
وانعكست هذه الأوضاع على داخل إنجلترا التي قلت مواردها وانقلبت أوضاعها الداخلية.
وما لبث أن مات إدوارد الثالث عام 1377 ليخلفه الملك ريتشارد الثاني، ويحاصر بصراعات داخل إنجلترا، و حرب مفتوحة مع فرنسا تحتاج إلى حلول حاسمة.
ثم جاءت وفاة الملك شارل الخامس فجأة ليخلفه الملك شارل السادس عام 1378، والذي كان يعاني نوبات جنون منعته من مزاولة الحكم ليشهد البلاط الفرنسي صراع داخلي ادام يا على عرش البلاد، دون اعتبار للصراع الخارجي مع إنجلترا.
وانعكس الصراع على أوضاع العامة التي انتقل إليها الصراع والتفتت وشيوع التمرد والعصابات.
هذه القلاقل الداخلية مهدت الطريق أمام الملك الإنجليزي هنري الخامس لغزو فرنسا والسيطرة على أغلب المدن الواقعة شمال فرنسا.
ووجد الملك الفرنسي نفسه في موقف الذل والمهانة، فاضطر إلى الاعتراف بملك إنجلترا هنري الخامس ملكا على فرنسا وانضمت فرنسا إلى التاج البريطاني ليترتب على ذلك ظهور حالة من اليأس في وجدان الشعب الفرنسي، وهم يرون انتشار الإدارة الإنجليزية بموظفيها تدير أمور البلاد والمدن الفرنسية.
انقلبت الأوضاع فجأة عندما توفي كلا من شارل السادس ملك فرنسا و هنري الخامس ملك وانجلترا خلال شهرين متتاليين في عام 1422.
فازداد الأمر تعقيدا، إذ تسلم خلافة المملكتين الإنجليزية والفرنسية الملك هنري السادس الذي كان لا يزال طفلا رضيعا آنذاك.
أعادت هذه التطورات البلدين إلى حالة النزاع العسكري، فتوغل الإنجليز في الجزء الشمالي والجنوبي الغربي من فرنسا إلى أن وصلوا إلى مدينة أورليان وحاصروها، ولم يكن من المتوقع أن تصمد المدينة طويلا في وجه الإنجليز،
لولا ظهور فتات أنقذت فرنسا، ووضعت بداية نهاية لحرب المائة عام.
من هي الفتاة التي أوقفت حرب المائة عام
الفتاة التي أوقفت حرب المائة عام هي جان دارك فتاة فرنسية خلدها تاريخ فتاة بسيطة يعمل والدها بالزراعة وتعيش في قرية صغيرة تدعى دومريميه.
في أواخر حرب المائة عام وتحديدا في عام 1424 وعندما كانت جان تبلغ من العمر 12 سنة فقط، ادعت جان أنها رأت في منامها أنها كانت واحدة في أحد الحقول مع رئيس الملائكة ميخائيل وكاترين الإسكندرانية و القديسة مارجريت.
وقد طلب هؤلاء جميعا منها إجلاء الإنجليز من البلاد وإعادة ولي العهد إلى مدينة ريمس من أجل تتويجه ملكا.
وعندما بلغت جان السادسة عشرة من عمرها تنبأت بحدوث انسحاب عسكري بالقرب من أورليان، وهو ما حدث حقا، ليصدق الناس أن صوتا من الله يرشدها إلى قيادة جيش بلادها.
وقلبت جان الصراع الإنجليزي الفرنسية طويل إلى حرب دينية، واستطاعت أن تقود الجيش وتحقق سلسلة من الانتصارات المذهلة التي غيرت مجري الحرب.
كما نجحت في تنصيب شارل السابع على العرش عام 1429 بمدينة ريمس، لكن انتهي بها الأمر إلى الوقوع في يد الإنجليز الذين أعدموها حرقا عام 1431.
لكن المقاومة الفرنسية لم تنتهي، واستمرت الحرب 22 عاما بعد وفاة جان دارك حتى عام 1453 عندما دارت معركة كاستيون التي انتهت بالفوز الفرنسي وسقوط مدينة بوردو وغوين في أيديهم،
لتنتهي حرب المائة عام بخسارة الإنجليز لكل غنائمهم في فرنسا، باستثناء مدينة كاليه التي استعادها الفرنسيون في عام 1558.
مهدت أنقاض حرب المائة عام لنشأة فرنسا الجديدة، كما كانت ذات نتائج حاسمة بالنسبة لإنجلترا، إذ خسرت هذه الأخيرة نفوذها على المستوى القاري ووسعت بشكل متزايد لتوسيع نفوذها على المستوى البحري.
نأمل بأن يكون المحتوى قد نال إعجابكم عن تلك الحقبة من تاريخ فرنسا وانجلترا، ابقوا في امان الله والسلام