الدولة الأيوبية هي واحدة من أهم الدول الإسلامية التي غيرت التاريخ، دولة ولدت على يد الناصر صلاح الدين الذي استطاع إسقاط الدولة الفاطمية لينشأ على أنقاضها الدولة الأيوبية التي واجهت الكثير من التحديات، أبرزها الحملة الصليبية،
بعد أن استطاع صلاح الدين استعادة القدس، لتظل الحرب سجالا بين الطرفين، حتى كانت نهاية الدولة الأيوبية بمقتل آخر سلاطينها توران شاه على يد المماليك، تابع معنا للنهاية لنعرفكم على تلك الحقبة الهامة من التاريخ الإسلامي.
نشأة الدولة الأيوبية
بدأت ملامح الدولة الأيوبية في الظهور، عندما وصل الناصر صلاح الدين الأيوبي مع عمه أسد الدين شيركوه إلى مصر لصد الخطر الصليبي عنها، ليدخل شيركوه القاهرة، فقربه الخليفة الفاطمي العاضد لدين الله منه، وعينه وزيرا.
غير أن وزارته لم تدم سوى شهرين، إذ توفي شيركوه ليتولى الوزارة من بعده ابن أخيه صلاح الدين.
كانت نهاية الدولة الفاطمية عام 1171 للميلاد، عندما مرض الخليفة الفاطمي العاضد مرض موته، فقطع صلاح الدين خطبته وخطب للخليفة العباسي المستضيء بأمر الله، لتكون تلك نهاية الدولة الفاطمية، ولحظة ميلاد الدولة الأيوبية في مصر.
من هو مؤسس الدولة الأيوبية
مؤسس الدولة الأيوبية هو صلاح الدين الأيوبي فخلال فترة حكمه التي استمرت قرابة ال24 عاما، نجح صلاح الدين في تحقيق إنجازات هائلة أدخلته التاريخ من أوسع أبوابه، فقد وضع نصب عينيه منذ اللحظة الأولى لتوليه الحكم توحيد العالم الإسلامي، وتحرير أراضي المسلمين من أيدي الصليبيين.
وقد نجح في تحقيق هدفه الأول إلى حد كبير، حيث خاض الكثير من الصولات والجولات، حتى ضم جزءا كبيرا من بلاد الشام تحت سرايته، قبل أن يصطدم بالصليبيين في عدد من المعارك المهمة، أبرزها معركة حطين التي فتحت الطريقة لتحرير القدس،
ليتابع صلاح الدين فتوحاته، وتسقط في يده معظم المدن والمواقع الصليبية في بلاد الشام.
وبسقوط مملكة بيت المقدس، تداعت كل أوروبا للإسراع بالإعداد لحملة صليبية ثالثة لاستعادة بيت المقدس، ليستمر القتال بين صلاح الدين وبين الصليبيين حتى تم توقيع صلح الرملة عام 1192 للميلاد والتي وضعت النهاية للحملة الصليبية الثالثة، وأنهت المعارك بين صلاح الدين وبين الصليبيين.
وما لبث أن توفي صلاح الدين بعد هذا الصلح بعام، بعد أن وضع بداية النهاية للصليبيين في المشرق الإسلامي.
الصراع علي حكم الدولة الأيوبية بعد وفاة صلاح الدبن الأيوبي
ترك صلاح الدين فراغا سياسيا كبيرا بموته، فقد انقسمت البلاد بين ورثته الذين تنازعوا على السلطة، وكان صلاح الدين قبل وفاته قد ولي ابنه الأفضل على دمشق وأعمالها، وولى ابنه العزيز عثمان على مصر وولى الظاهر غازي حلب وأعمالها.
لكن سرعان ما نشب الصراع بين الأخوين العزيز والأفضل على دمشق، وحاصر العزيز على إثر هذه الخلافات دمشق مرتين، وقد استعان الأفضل فيهما بعمه العادل الذي استفاد من هذا الصراع بين الأخوين بعودة إقطاعه في مصر في المرة الأولى،
ثم بإقامته في مصر في المرة الثانية، حيث جعل من نفسه حكما بين الأخوين المتنازعين، مما مكنه من فرض كلمته عليهما، ليصبح سيد الموقف، ويقترب من تحقيق هدفه في السيطرة على دمشق، بل وعلى الدولة الأيوبية بأكملها، فقد كان يرى أنه أحق الناس بعد أخيه بالسلطنة.
سنحت الفرصة للعادل بالسيطرة على دمشق عام 592 للهجرة 1196 للميلاد عندما تعاون مع العزيز ليدخل إلى دمشق ويخرج الأفضل منها، حيث أصبح العادل نائبا للعزيز في دمشق وأعمالها.
وكان الصليبين قد استغلوا تلك الخلافات التي سادت البيت الأيوبية ليستولوا على مدينة جبيل.
وحين قدمت الحملة الألمانية إلى عكا عام 1197 للميلاد، استطاع العادل أن بتصدى لها، واستولى على يافا بهجوم مباغث. ورد الصليبيون على ذلك باستيلائهم على بيروت.
غير أن العادل تجنب الاصطدام بهم في معركة، مفضلا عقد هدنة معهم، وقد تم له ذلك عام 1198 للميلاد.
تولي السلطان العادل حكم الدولة الأيوبية
في العام التالي توفي العزيز عثمان، فنجح العادل في السيطرة على مصر طاردا منها الأفضل الذي حاول حكمها نائب لابن العزيز، ثم خلع العادل ابن العزيز واستقل بحكم مصر، ليصبح سلطان مصر والشام، ويعيد توحيد البيت الأيوبي تحت سلطانه، غير أنه لم يتابع سياسة أخيه صلاح الدين في مقاومة الصليبيين.
بل اثر مهادنتهم، ويبدو أنه كان يخشى أن يؤدي تعامله العسكري مع الصليبيين إلى قدوم حملة صليبية كالحملة الثالثة، لكن ما يخشاه قد وقع بالفعل، فقد خرجت حملة صليبية جديدة، هي الحملة الخامسة للاستيلاء على مصر.
وقد وصلت الحملة إلى عكة وبدأ الصليبيون بالإغارة على قرى ومدن الشامل جمع المؤن والأموال والتمويه على هدف الحملة، وهو غزو مصر، وعاثوا في الأرض فسادا دون أن يقوى جيش الملك العادل في الشام على ردعهم لضخامة جيوشهم.
ثم كانت المفاجأة القاسية للملك العادل عندما غير الصليبيون نصار حملتهم ليتجهوا نحو مركز الدولة الأيوبية، ووصلوا إلى دمياط.
وبالرغم من الجهود التي بذلها العادل لصد الصليبيين عن دمياط، إلا أن الصليبيين استطاعوا الاستيلاء على برج دمياط، وكان سقوط هذا البرج مؤذنا بسقوط المدينة.
ولما وصل هذا الخبر إلى العادل، لم يتحمل الصدمة، ومات من الحزن عام 1218 للميلاد، ليخلفه من بعده ابنه الكامل محمد، فكيف ستؤول الأمور يا ترى؟ تراقبوا معنا الأحداث القادمة.
تولي السلطان الكامل حكم الدولة الأيوبية
بعد وفاة العادل طمع أحد الأمراء واسمه عماد الدين بن المشطوب في الاستيلاء على الحكم لتكون مفاجأة قاسية للمسلمين عندما ترك الكامل ميدان القتال وعاد إلى القاهرة لتدارك محاولة الانقلاب تلك.
فدبت الفوضى في صفوف الجيش الإسلامي، وانسحبوا من المعسكر ليعبر الصليبيون إلى بر دمياط ويملكوه دون مقاومة تذكر.
ولم يكن هذا هو الموقف الوحيد الذي تخاذل فيه الكامل أمام الصليبيين، فقد عرض عليهم أن سلمهم الأراضي التي كانت بأيديهم قبل معركة حطين، وما تلاها من فتوحات عدا الكراكي والشوبك، أي أنهم سيأخذون أغلب ما استعاده عمه صلاح الدين دون قتال، مقابل رجوع الصليبيين عن دمياط.
لكن الباباوية رفضت هذا العرض، بعد أن رأت أن الاستيلاء على مصر سار مضمونا، لكن من حسن الحظ أن دبت الخلافات بين الصليبيين، الأمر الذي أتاح للمسلمين وضع خطة محكمة لمواجهة الصليبيين الذين تحركوا باتجاه القاهرة وقت فيضان النيل السنوي.
فعبرت قوات الجيش المصري لكي تحاصر الصليبيين قرب المنزلة وأجهزوا على سفن الصليبيين الراسية بين المقدمة والمؤخرة، ثم بدأ فيضان النيل، وفتح المسلمون الجسور، فأغرقت كل الطرق أمام الجيش الصليبي، ووجد الصليبيون أنفسهم والماء قد أغرق غالبية الأرض من حولهم،
إلى جانب محاصرة الجيش المصري لهم جنوبا، والجيش الشامي من ناحية الشمال.
وهكذا، لم يجد الصليبيون أمامهم سوى طلب الصلح والهدنة على أن يخرجوا من دمياط بغير عوض، ووافق الكامل على ذلك.
انتهت الحملة الصليبية الخامسة، لكن غرائب الملك الكامل لم تنتهي، فبعد فشل الحملة الصليبية الخامسة حاول المعظم شقيق الملك الكامل الخروج على طاعته وتعاظم الشقاق بين الأخوين،
حتى أقدم الكامل على أغرب تصرف يمكن أن يقدم عليه حاكم مسلم فما بالك بابن أخي الناصر صلاح الدين الذي حرر بيت المقدس؟
لقد أرسل الكامل إلى الإمبراطور الألماني فريدريك الثاني، يستعين به في مواجهة أخيه، ويتعهد له بمنحه بيت المقدس وجميع فتوحات صلاح الدين بساحل الشام.
وكانت فرصة لا تعوض بالنسبة للصليبيين وتحرك فريدريك بالفعل نحو المشرق، لكن الملك المعظمة وفي قبل وصول فريدريك وانتهت بذلك حاجة الكامل إلى الإمبراطور الألماني، الذي أخذ يرجو الكامل ويستعطف. ليسلمه بيت المقدس،
وخشي الكامل من قيام فريدريك وبقية الجموع الصليبية بالشام بعمل حربي ضد، فقام بتسليم بيت المقدس لهم من أجل مصالحه الشخصية عام 1229 للميلاد،
متجاهلا الجهاد العظيم الذي قام به عمه صلاح الدين، ومن قبلها الكثير من الأمراء والسلاطين المسلمين من أجل استرداد الأراضي المقدسة من براثن الاحتلال الصليبي.
تولي السلطان الصالح نجم الدين أيوب حكم الدولة الأيوبية
في عام 1239 للميلاد، وفي السلطان الكامل، وآلت الأمور إلى ابنه السلطان الصالح نجم الدين أيوب عام 1240، بعد فترة من الصراع على في البيت الأيوبي، ودارت الحرب مرة أخرى بين أبناء البيت الأيوبي للسيطرة على الشام،
فتحالف بعض أمراء البيت الأيوبي مع الصليبيين لغزو مصر، وتحالف الصالح نجم الدين أيوب مع الخوارزميين، ونجح التحالف الصالحي الخوارزمي في فتح مدينة بيت المقدس، لتعود مرة أخرى للمسلمين.
ثم تقابل الفريقين في غزة، وانتصر جيش الصالح نجم الدين أيوب، وأنزل هزيمة ساحقة بالجيش الصليبي، وجاءت نتيجة لذلك الحملة الصليبية السابعة على مصر بقيادة الملك الفرنسي لويس التاسع الذي نجح في الاستيلاء على دمياط.
فانتقل الصالح إلى المنصورة، وقادة المقاومة من هناك، لكنه توفي عام 1249 للميلاد قبل المواجهة الحاسمة مع الصليبيين.
فقام المماليك بمواجهة الصليبيين، وأنزلوا بهم هزيمة ساحقة، وقد تولى توران شاه الحكم بعد وفاة أبيه الصالح أيوب فتنكر للمماليك، وراح يعفيهم من مناصبهم، ويمنع عنهم أجورهم، يولي حاشيته الوظائف التي كان يشغلها المماليك،
كما أرسل إلى شجر الدر يهددها ويطلب منها مال أبيه هو ما تحت ايدها من المظاهرات، فكتبت تلك الأخيرة إلى المماليك تخبرهم بما حدث، فقام باغتياله عام 1250 للميلاد.
لتنتهي بذلك الدولة الأيوبية في مصر، نأمل بأن يكون المحتوى قد نال إعجابكم عن تلك الحقبة من تاريخ مصر، ابقوا في امان الله والسلام