“ذات يوم، سيتحول الجسد الفاني إلى غبار، لكن الجمهورية التركية ستظل قائمة إلى الأبد” مصطفى كمال أتاتورك أبو الأتراك ومؤسس الجمهورية التركية الحديثة هو الرجل الذي قضى على الخلافة الإسلامية وأنهى حكم الدولة العثمانية الذي استمر 600 عام
وحول تركيا من دولة إسلامية تحكمها الشريعة الإسلامية لدولة أوروبية تقوم على العلمانية والأفكار الليبرالية.
أتاتورك، الذي اختلف الأتراك أنفسهم عليه ما بين فريق يراه صانع النهضة والحداثة، وفريق يراه شخصية علمانية منفتحة صنعها الغرب لإنهاء الخلافة الإسلامية، وكسر شوكة العثمانيين.
حذف المادة السادسة من الدستور والتي كانت تنص على أن الإسلام هو الدين الرسمي للدولة.
صديق القارئ، لو تريد ان تعرف من هو مصطفى كمال أتاتورك مؤسس دولة تركيا وصاحب نهضتها، وكيف قدر يقضي على الدولة العثمانية والخلافة الإسلامية؟ وليه الأتراك يقدسوه رغم إنه كان يحكم بالحديد والنار؟ اذا اكمل المقالة للنهاية.
من هو مصطفى كمال أتاتورك
نشأة مصطفى كمال أتاتورك
ولد مصطفى كمال أتاتورك في 19-5-1881م في حي قصيمية بمدينة سالونيك، اللي كانت خاضعة لسيطرة الدولة العثمانية وتتوزع حاليا بين تلات دول هي اليونان ومقدونيا وبلغاريا، وكانت تضم ثاني أكبر موانئ الدولة العثمانية بعد ميناء إسطنبول ولها انفتاح كبير على الغرب.
أبوه علي رضا أفندي صاحب الأصول الألبانية، كان موظف بالجمارك، إلا إن التجارة الواسعة في المدينة أغرته، وتحول تاجر أخشاب بعدما قرر يترك العمل الحكومي.
ووالدته زبيدة هانم صاحبة الشخصية القوية .
مصطفى اللي كان ليه خمس أشقاء توفى أربعة منهم في سن مبكر ولم يبقي معه غير أخته مقبولة واللي سوف ترحل عن الدنيا بعد وفاته ب 18 سنة بعد ما كتبت كتاب عنه بعنوان مصطفى كمال أخي.
وجد مصطفى كمال أتاتورك نفسه في صراع بين والده علي رضا ووالدته زبيدة، فالأول كان ضابط برتبة ملازم في واحدة من المليشيات المحلية أثناء الحرب بين روسيا والدولة العثمانية سنة 1877، كان يحلم بانضمام ابنه للعسكرية.
في الوقت اللي والدته كان عندها رغبة إنه يلتحق بمدرسة دينية تقليدية، لإن مثلما ورد في كتاب الغازي مصطفى كمال أتاتورك البير أورتايلي إن والدته كانت ذات نزعة دينية و نموذجا للمرأة التركية التي تعيش في الديار الرومية.
وفي النهاية التحق مصطفى بمدرسة شمس أفندي اللي تقدم العلوم الحديثة في المدينة غير المدارس الدينية التقليدية، واللي أسستها طائفة الدونمة بعدما ظهرت في الدولة العثمانية منتصف القرن ال17 ضمن اليهود الوافدين من الأندلس.
وتحولوا بعد ذلك للإسلام، إلا إنهم احتفظوا بعددهم الخاصة، فكانوا لا يتزوجوا ولا يزوجوا أولادهم من العثمانيين، ولهم مجتمعهم المنغلق الخاص، وتلك والنقطة في غاية الأهمية، و وسوف نحتاجها في قادم الفقرات خليكم فاكرينها.
ولما كان عمره سبع سنوات فقد والده وتأثر بشدة بسبب جواز أمه بعد فترة قصيرة على وفاة والده وذلك كان سبب مهم في عصبيته ومشاكله الكثيرة، واللي انعكست على شخصيته لاحقا، قبل ما يلتحق بالمدرسة الرشدية الإعدادية العسكرية المجانية،في ظل صعوبة دفع نفقات مدرسة شمسي أفندي برغم اعتراض والدته.
مصطفى اللي أعجب بالزي العسكري، وكان يريد ان يسير على خطى والده الراحل.
انتقل المدرسة الثانوية العسكرية العليا في مدينة بيتونيا اللي موجودة في مقدونيا، وقتها احتلت اليونان جزيرة كريت، وأعلنت الدولة العثمانية الحرب لاستعادة، الجزيرة، والحرب دي كان فيها واقعة شهيرة لمصطفى كمال اتاتورك لما تقدم للالتحاق بالحرب رغم إن سنه لم يكن يتعدى ال16 عام.
وذلك قبل ان يتم رفض طلبه بسبب سنه الصغير.
المدرسة الثانوية العسكرية شهدت لقب مصطفى الثاني وذلك بعدما لقبه معلم الرياضيات مصطفى صبري بيه باسم كمال بسبب تفوقه ونبوغه، وذلك لقب يدل على النضج والكمال في اللغة التركية والعربية قبل ان ينهي المرحلة الثانوية بتفوق، احتل المركز الثاني على مستوى المدرسة، ووقتها تمت ترقيته من قبل نفس المعلم، لمعلم مساعد.
انقلاب مصطفى كمال أتاتورك علي السلطان العثماني عبد الحميد الثاني
مصطفى كمال أتاتورك أكمل مشوار الصعود ومع نبوغه في الدراسة اترشح للالتحاق بكلية الأركان العليا في إسطنبول مركز حكم الدولة العثمانية وفعلا انضم إليها سنة 1899 لكي يبدأ احتكاكه بالسياسة لأول مرة خصوصا إن تلك الكلية كانت تضم أعراق وجنسيات من أوروبا وآسيا وجميع أراضي الدولة العثمانية.
وبدأ اكتشاف الثقافات البعيدة، واللي سوف تساهم بعد ذلك في تشكيل فكره ورأيه لطريقة الحكم واستلهامه الأفكار الأوروبية المنفتحة.
وهنا سؤال يخطر علي بالنا وهو، كيف مصطفى كمال أتاتورك الذي تربى ونشأ وتعلم في المدارس العسكرية العثمانية سوف ينقلب على السلطان ويحاول يزيحه من العرش؟
خلال تلك الفترة انضم مصطفى كمال لجمعية وطن وحرية المناهضة للسلطان عبد الحميد الثاني، واللي تطالب بالعودة للعمل بدستور 1876، واللي كان عطله السلطان، والسير على خطى الأفكار الليبرالية في أوروبا، خصوصا مع فترة الضعف اللي كانت تمر بيها الدولة العثمانية والديون المتراكمة عليها للأوروبيين.
وللعلم، فالسلطان عبد الحميد الثاني قرر الانتقال للحكم النيابي في بداية حكمه وتم إصدار أول دستور للدولة العثمانية في 1876 بمجلس النواب المعروف بمجلس المبعوثان.
إلا إن المجلس ذلك رفض مطالب الأوروبيين بتحسين وضع المسيحيين بالدولة العثمانية وذلك تسبب في إعلان روسيا الحرب على الدولة العثمانية ودخول عبد الحميد الثاني في معارك مع الروس و الجبل الأسود وصربيا وغيرها من الدول قبل ان يقرر حل المجلس وتعطيل الدستور.
أنهى مصطفى كمال تعليم العسكري في 1905 و تخرج برتبة نقيب والتحق بالجيش الثالث العثماني، وبعدها ترأس جمعية وطن وحرية الثورية المناهضة للسلطان، وسياسات حكمه في إسطنبول.
إلا إن عيون السلطان كانت في كل مكان بمركز الحكم وتم القبض علي مصطفى كمال أتاتورك هو وزملائه، ودخل السجن.
دور يهود الدونمة في سقوط الدولة العثمانية
هل تتذكر نقطة يهود الدونمة اللي ذكرتها لك قبل قليل؟ الان سوف نعرف دورهم في سقوط الدولة العثمانية، فمصطفى كمال أتاتورك البعض يراه شخصية محيرة ولها أكتر من وجه، فمثلا الدكتور عبد الله النفيسي كشف إن الدراسات تؤكد إن مصطفى كمال أتاتورك من اليهود الدونمة اللي أخفوا وهويتهم تحت غطاء الإسلام، وعرفوا بالدونمة بسبب عدم انتمائهم لدين معين.
وتم التواصل مع مصطفى كمال أتاتورك من اليهود الأوروبيين لتدبير انقلاب على السلطان عبد الحميد الثاني، وذلك السبب في تنظيمه وانضمامه لجمعيات تهاجم السلطان وسياسات حكمه.
ووارد ان الأراء اللي تبنت تلك الفكرة استمدت ذلك من إن تلك الفترة شهدت طلب المنظمة الصهيونية العالمية من السلطان عبد الحميد الثاني أن يترك لهم فلسطين مقابل 20,000,000 جنيه إسترليني، لسداد كامل ديون الدولة العثمانية.
إلا إنه رفض وأصدر فرمان بمنع هجرة اليهود لفلسطين اللي كانت تحت الراية العثمانية وقتها وذلك أثار غضب اليهود والإنجليز بشكل خاص، واللي كانوا يبحثوا عن وطن يجمع اليهود ويكون مركز دولة لهم.
دور مصطفى كمال أتاتورك في إسقاط الدولة العثمانية
وبعيدا عن حكاية يهود الدونمة فان مصطفى كمال أتاتورك خرج من السجن بعد فترة قصيرة من دخوله بعفو من السلطان عبد الحميد الثاني، وتم منحه وتمنح فرصة لإثبات ولاءه عسكريا وكسب ثقة السلطان.
لما ركب السفينة متوجه لسوريا لمواجهة الخارجين عن الحكم العثماني في دمشق، إلا إنه قرر العودة لمسقط رأسه في سالونيك سرا، و وقتها طلاقة أفكاره مع أفكار جمعية الاتحاد والترقي اللي كانت تستهدف إسقاط السلطان عبد الحميد الثاني وإعادة العمل بالدستور المعطل.
وفي الوقت اللي استمر في الجيش، وبحلول 1907، أصبح مصطفى كمال أتاتورك قائد الجيش الثالث.
الأحداث في الدولة العثمانية في تلك الفترة كانت تتجه ناحية جمعية الاتحاد والترقي، ومع الضغوط الكبيرة قدروا يجعلوا السلطان عبد الحميد الثاني في 1909 يتنازل عن العرش، وتولى أخوه السلطان محمد رشاد، واللي كان واجهة شكلية.
في الوقت للسيطرة الفعلية كانت لضباط وحكومة الاتحاد و التراقي، ومعها بدأت الأفكار العلمانية الليبرالية تضع أول خطواتها داخل الدولة العثمانية اللي كانت تعاني الضعف لدرجة إنها تلقبت برجل أوروبا المريض.
ولان اللي عمله مصطفى كمال في الدولة العثمانية لم يحدث في تاريخها على مدار 600 سنة، فأتي الوقت اللي يثبت فيه نفسه في أرض المعارك.
ومع اندلاع الحرب العثمانية الإيطالية في ليبيا واللي كانت سنة 1911 سافر لكي يحارب مع المقاومة الليبية ضد الإيطاليين في الحرب اللي انتهت بخسارة الأتراك والمقاومة واحتلال الإيطالي الي ليبيا واللي استمر لمدة 35 سنة لكي يرجع على إسطنبول بذيول الهزيمة.
وفي العام التالي اندلعت حرب البلقان الأولى بعدما أعلنت الجبل الأسود الحرب على الدولة العثمانية، ومعها صربيا واليونان وبلغاريا، وحققوا انتصارات كبيرة في البداية، قبل ما ينجح أنور باشا في قيادة الجيش العثماني لتحقيق النصر واسترداد جزء من الأراضي.
إلا إن العثمانيين في المجمل كانت حالتهم تزداد سوء قبل بداية الحرب العالمية الأولى، والتي سوف تقضي على الأخضر واليابس.
تحول مصطفى كمال أتاتورك الي بطل قومي في الدولة العثمانية
فمع اندلاع الحرب العالمية الأولى يا صديقي، كان مصطفى كمال أتاتورك يقدم نفسه كبطل وقائد عسكري، فشارك في معركة سارقامش اللي وقعت بين الجيشين العثماني والروسي شرق الأناضول في يناير 1915.
وبعدها بشهرين عين قائد للفرقة ال19 التابعة للجيش الثالث العثماني ضمن معركة جناق قلعة اللي انتصر فيها الجيش العثماني على القوات البريطانية والفرنسية المهاجمة لمضيق الدردنيل.
وتعتبر تلك المعركة دي واحدة من الأساطير اللي ترتبط بمصطفى كمال أتاتورك بعدما اتحرك بقواته لتأمين مضيق الدردنيل اللي كان المنفذ البحري الوحيد للسفن الروسية القادمة من البحر الأسود للبحر المتوسط.
وبسبب أهمية ذلك المضيق، شنت قوات الحلفاء بقيادة بريطانيا وفرنسا حملات للسيطرة على المضيق، ووقتها كانت شهادة ميلاد مصطفى كمال أتاتورك كبطل تركي بعدما كبد الحلفاء خسائر فادحة وصلت ل200,000 قتيل.
السيط والشهرة اللي حازهم مصطفى كمال أتاتورك بعد المعركة كانوا بمثابة تقديم نفسه للشعب باعتبار بطل قومي قادر على قيادة الأتراك، وبفضل بطولاته في الدردنيل نال ترقية استثنائية لرتبة عقيد، واصبح قائد الفيلق ال16 في المنطقة الشرقية،
وانتقل الحرب ضد روسيا شرق الأناضول، وقدر يحقق انتصارات كبيرة ضد الروس واسترجع الأراضي اللي فقدتها الدولة العثمانية، ووصل القوقاز لكي يتحرك بعدها لقيادة الجيش السابع في سوريا.
وهنا مصطفى كمال أتاتورك اللي حقق انتصارات كبيرة وتحول لبطل قومي في الدولة العثمانية، وجد نفسه يخسر الحرب في سوريا ويتراجع لحدود الأناضول الجنوبية لكي يطلب دراسة وقف إطلاق النار.
قيادة مصطفى كمال أتاتورك للنضال الوطني
وبحلول 1918م كانت دول المحور المتمثلة في الإمبراطورية العثمانية والإمبراطورية الألمانية والإمبراطورية النمساوية المجرية ومملكة بلغاريا تخسر في الحرب العالمية الأولى ضد الحلفاء المتمثلين في بريطانيا وفرنسا وروسيا القيصرية وصربيا.
وتم توقيع معاهدة مودروس في نوفمبر 1918 واللي حددت معالم احتلال دول الحلفاء للأراضي العثمانية، تلك المعاهدة دي كانت شديدة القسوة على الدولة العثمانية مثلما نقول بلغاتنا السكاكين كثرت وكل واحد يريد نصيبه من تركة العثمانيين.
وضمت شروط وضعتها لندن ودول الحلفاء لوقف الحرب وهي تسريح الجزء الأكبر من الجيش العثماني والسيطرة الكاملة على مضيقي البسفور والدردنيل،
والتخلي التام عن جميع الولايات العربية مع حق احتلال أي بقعة في الدولة العثمانية لها أهمية عسكرية لبريطانيا وفرنسا والحلفاء، أو حدوث أي تهديد لأمن تلك الدول.
ووقتها وافق السلطان العثماني على المعاهدة وهو مضطر، خصوصا إن تحالفه مع ألمانيا كان ينهار، والهزيمة فادحة، وانتهت الحرب العالمية الأولى بتقسيم الدولة العثمانية بين فرنسا وبريطانيا وإيطاليا واليونان.
وبدأت سفن دول الحلفاء تتجه للأراضي العثمانية وتمركزت في ميناء إسطنبول.
ومع احتلال الحلفاء للدولة العثمانية قرر مصطفى كمال قيادة النضال الوطني ضد الوجود الأجنبي، وذلك على عقد أول مؤتمر وطني للتكتل ضد الاستعمار في الأناضول.
في الوقت اللي أصدر الصدر الأعظم رئيس الحكومة وقتها فريد باشا قرار بإعفاء مصطفى كمال أتاتورك من منصبه في الجيش وطالبه بالعودة لإسطنبول لدرجة إنه بقى ملاحق وكان مطلوب القبض عليه.
وذلك يعكس الحالة اللي أصبحت عليها الدولة العثمانية، والسيطرة الكبيرة للحلفاء بقيادة لندن على القرار في الأستانة.
مصطفى كمال أتاتورك قرر الاستقالة من الجيش إلا إنه واصل حرب الاستقلال واتخذ من أنقرة مركز له لإنها تتوسط الأناضول وبعيدة عن نفوذ القوات الأجنبية، وقدر هناك يكون المجلس الوطني الكبير البديل ل/لبرلمان في إسطنبول، وحمل شعار إما الاستقلال وإما الموت.
وفي 1920 أرغم الحلفاء الدولة العثمانية على توقيع معاهدة سيفر واللي كانت الضربة القاضية للدولة العثمانية بعد ما نصت على تنازل العثمانيين عن باقي الأراضي اللي كانوا يحكموها ولم يتبقى للسلطان غير جزء بسيط في إسطنبول يحكمه.
في الوقت اللي تحالف الشعب والبرلمان مع مصطفى كمال أتاتورك في أنقرة لما تم انتخابه كأول رئيس لمجلس النواب ورئيس للحكومة التي تشكلت في أنقرة، وبعدها بدأ الحرب مع اليونانيين اللي وجدوا نفسهم يحاربوا لوحدهم ضد الأتراك، بعدما تخلت فرنسا وبريطانيا عنهم.
وذلك كان سبب في ادعاء البعض إن مصطفى كمال يهودي الأصل وعميل زرعته بريطانيا للقضاء على الخلافة العثمانية، وإظهاره كبطل قومي ينقذ بلاده من تخلف الخلافة وضعفها، ويجلب الاستقلال والنصر للبلاد.
تلك الفترة حصلت فيها معارك كبيرة مثل معركتي إينونو الأولى وإينونو الثانية وقدر مصطفى كمال أتاتورك يحقق انتصارات كبيرة، وبعدها معركة صقاريا في 1921، واللي أدت لتراجع القوات اليونانية نحو مدينة إزمير واللي تم تحريرها بحلول أغسطس 1922 لكي يوقع الأتراك واليونانيين هدنة ميدانيا واللي كانت في أكتوبر من العام نفسه.
ويمنح المجلس الوطني الكبير لقب الغازي لمصطفى كمال أتاتورك، واللي كان قاصر في السابق على السلطان وحده.
تحول تركيا من الدولة العثمانية إلى الجمهورية التركية
اللي عمله مصطفى كمال أتاتورك في تركيا، سوف يظل نقطة فارقة في تاريخ الأتراك والمنطقة، فهو بعدما انتهي من حروب الاستقلال قرر يعمل ثورة في تاريخ الدولة العثمانية، ونفي سلطان وحيد الدين المعروف ب محمد السادس لإيطاليا، وألغى السلطنة.
وتولى مكانه عبد المجيد بن عبد العزيز، واللي اصبح لقبه الخليفة كرمز للخلافة الإسلامية، لكنه لا يمتلك أي سلطات.
وفي يونيو 1923 وقع الأتراك بقيادة أتاتورك اتفاقية لوزان بين ممثلين عن الجمعية الوطنية التركية وممثلين عن الإمبراطورية البريطانية، وإيطاليا واليابان واليونان ورومانيا والصرب و كرواتيا، وسلوفانيا، وفرنسا.
وتلك الاتفاقية كانت الثورة الحقيقية في تاريخ العثمانيين، وبموجبها تحولت تركيا من الدولة العثمانية للجمهورية التركية التي اتخذت من أنقرة عاصمة جديدة لها بدلا من إسطنبول العاصمة التاريخية للدولة العثمانية.
وحصل الأتراك على الشرعية الاستقلال، ورسمت حدود تركيا الموجودة لحد اليوم.
مصطفى كمال أتاتورك مؤسس الجمهورية التركية
وبنهاية نفس السنة كان يتم انتخاب مصطفى كمال أتاتورك بالإجماع كأول رئيس للجمهورية لكي يستمر في منصبه حتى وفاته سنة 1938،
مصطفى كمال أتاتورك اللي ولد في مدينة منفتحة على الغرب بأفكاره، وثار على السلطان الرافض لتطبيق الأفكار الليبرالية العلمانية قرر يكتب السطر الأخير في الخلافة الإسلامية لما ألغى في مارس 1924 الخلافة العثمانية بشكل رسمي، وأنهى 600 سنة من الدولة العثمانية اللي بدأت مع المؤسس عثمان بن ارطغرل.
ومع سيطرة مصطفى كمال أتاتورك على مقاليد الحكم، وإلغاء الخلافة الإسلامية بشكل نهائي، واللي كان لها أثر كبير في علاقة تركيا بالدول العربية والإسلامية، ويكفي إن دول كثيرة اوقفت إرسال الجزية اللي كانت ترسلها سنويا للخلافة في الأستانة،
لكن مصطفى كمال أتاتورك كان عنده أفكار بعيدة كل البعد عن فكر السياسة السابقة للدولة، واللي كانت قائمة على أساس ديني، وكان يري إن السياسة والدين يمشوا في خطين ولا ينفع يتقابلوا.
لذلك سعي لإحداث تغيير في الثقافة السائدة في المجتمع، وحاول بكل الطرق يصنع دولة علمانية جديدة بأفكار منفتحة مغايرة للدولة العثمانية.
الجمهورية الجديدة اللي قادها أتاتورك تشكلت وفقا ل 6 مبادئ عرفت بالكمالية، وهي الجمهورية والقومية والشعب والدولة والعلمانية والثورة.
إلا إنه بحسب كتير من الكتاب كان حاكم ديكتاتوري مستبد صاحب الصوت الواحد فيما يعرف سياسيا بالاوتوقراط، فأسس حزب الشعب الجمهوري واللي سيطر على الحكم لقرابة تلات عقود متواصلة.
وكان يسكت أي صوت معارض، واعتبر سياساته مناسبة لجميع الأوقات والأزمان للوصول لمستقبل مشرق لتركيا.
لكن التغيير الأهم في وجود مصطفى كمال أتاتورك على رأس السلطة كان تبنيه دولة القومية العرقية وليس القومية الدينية، فقرر يمنع النقاب، وأطلق دعوات لخلع الحجاب باعتباره نوع من بقايا الماضي. وأغلق المدارس الدينية واستبدلها بالمدارس الحديثة اللي بتقدم العلوم على الطريقة الأوروبية.
واستقدم المعلمين والمناهج الأوروبية، وألغى كلمة الله من اليمين الجمهوري، ومنع الأذان باللغة العربية، واستبدله باللغة التركية، واستبدل حروف اللغة المكتوبة من العربية للأبجدية اللاتينية.
وحذف المادة السادسة من الدستور العلماني الجديد اللي أصدره في بداية حكمه، واللي تنص على أن الإسلام هو الدين الرسمي للدولة، في الوقت اللي أمر بمنع تعدد الزوجات مثلما ينص الدين الإسلامي، ومنح النساء الحق في المطالبة بالطلاق.
ومع التحول العلمانية والتخلي عن الحكم بالشريعة الإسلامية أكيد الشعب لم يكن يمر ذلك عليه مرور الكرام، فبدأ ظهور حركات عصيان على حكم أتاتورك، وأبرزها ثورة الشيخ سعيد الكردي اللي كان يطالب بالعودة للخلافة والشريعة الإسلامية،
لكن مع بطش أتاتورك تم إخماد الثورة وتصويرها على إنها ثورة الأكراد ضد الأتراك، وتقدم الشيخ سعيد للمحاكمة وبعدها تم إعدامه.
ومع إسكات كل التيارات الدينية المعارضة، كانت الجمهورية التركية اللي تصورها أتاتورك، وبدأ يبنيها على أرض الواقع تقوم على أفكار الغرب، فسعى لتحديث السكان على الطريقة الأوروبية ومنع اللبس التقليدي العثماني اللي كان سائد وقتها وهو الطربوش والعمامة واستبدلهم بالقبعة الأوروبية.
وتبنى تقويم الميلاد في المعاملات الرسمية بدلا من التقويم الهجري، وفي عهده حصلت المرأة التركية على حق التصويت لأول مرة في تاريخ تركيا.
وقرر تحويل آيا صوفيا اللي تعتبر من المعالم الأثرية في إسطنبول واللي كانت في يوم من الأيام رمزا للحكم المسيحي البيزنطي وبقت مسجد في زمن العثمانيين لمتحف كرمز للتعايش بين الأتراك.
وخصص يوم الأحد كيوم راحة أسبوعي بدلا من الجمعة، على غرار الأوروبيين.
التحديثات الجديدة اللي أدخلها مصطفى كمال كان من بينها الأسماء، فصدر قانون بمنح لقب لكل عيلة من التراث، ووقتها حصل على لقب أتاتورك اللي تعني في التركيا أبو الأتراك، ومنع القانون استخدام الاسم من قبل أي شخص، وأقر إنه ممنوح لرئيس الجمهورية مصطفى كمال وحده.
وبمناسبة ذلك القانون فمصطفى كمال أتاتورك لغي العمل بالشريعة الإسلامية في القانون والمحاكم، واستبدلها بمجموعة من القوانين الأوروبية مثل القانون المدني السويسري. وقانون العقوبات الإيطالي، وقانون التجارة الألماني.
وبعيدا عن القبضة الاستبدادية اللي حكم بها مصطفى كمال أتاتورك بالحديد والنار، وقمع أي صوت معارض له، خصوصا التيارات الدينية، حقق مصطفى كمال أتاتورك طفرة على المستوى الاقتصادي، وأجرى إصلاحات كبيرة في البنية التحتية،
وعمم حق الملكية لجميع المواطنين بعدما كان حكر على الإقطاعيين، ووزع بعض أراضي الإقطاعيين على الشعب.
وفي فترة حكمه اللي تم انتخابه فيها تلات مرات كرئيس للجمهورية، نما الاقتصاد القومي من 3.62% وحدة إلى 6.52% وحدة، وبدأت تركيا تخرج من عباءة الديون وآثار الحروب ونهاية الحقبة العثمانية.
مصطفى كمال أتاتورك أو الغازي أو أبو الأتراك حياته الشخصية كانت هادئة على عكس حياته العامة، فتزوج من لطيفة هانم في بداية 1923 وكانت امرأة منفتحة على الفكر الأوروبي تخرجت من قسم القانون من جامعة السوربون في فرنسا،
وعاشوا مع بعض في قصر تشانكايا في العاصمة الجديدة أنقرة، لكن زواجهم استمر عامين ونص وانفصلوا، ومن بعدها قرر أتاتورك هجر الزواج إلى الأبد.
الرئيس الأول للجمهورية التركية لم ينجب أطفال إلا إنه اتبنى بناته، أفت صبيحة جوكشون، فكرية، أولكو، ونبيلة، رقية وزهرة وابنه مصطفى، وكان عنده طفلين تحت حمايته، هما عبد الرحيم وإحسان.
لذلك تبرع بجزء من ميراثه لخزينة الدولة، وقسم الباقي بين أخته وأبنائه بالتبني وجمعيات اللغة التركية والتاريخية.
وفاة مصطفى كمال أتاتورك
الوضع الصحي لمصطفى كمال أتاتورك بدأ يتدهور بداية من 1935 خصوصا مع شربه للكثير للمشروبات الكحولية، وتم اكتشاف إصابته بتليف في الكبد.
وفي الساعة 9:05 في العاشر من نوفمبر 1938م أعلن الطبيب المعالج لأتاتورك وفاته في قصر دولمة باشا آخر قصور العثمانيين في إسطنبول لكي يكتب السطر الأخير في حياة مؤسس الجمهورية التركية .
جثمان مصطفى كمال أتاتورك نقل من الأستانة لكي يدفن في أنقرة في جنازة مهيبة لم تحدث في التاريخ التركين وبعد وفاته بسنوات، بنى ضريح ضخم لمصطفى كمال أتاتورك يضم رفاته وكل متعلقاته.
ولكي تعرف مدى تقديس جزء كبير من الأتراك لأتاتورك، أصدرت المحكمة الدستورية في 1951 قانون حماية أتاتورك واللي نص على السجن، المدة ما بين سنة وثلاث سنوات لكل اللي يهين ذكراه. والسجن خمس سنين لأي شخص يحاول تخريب النصب التذكارية للرئيس الراحل الموجودة في معظم المدن التركية.
واصبح اسمه موجود على كتير من المعالم الأثرية والثقافية، وأيضا الرياضية في كل مكان في تركيا.
في النهاية مصطفى كمال أتاتورك هو نقطة فاصلة بين الدولة العثمانية وتركيا اللي نراها الان وإللي عمله لم يقدر احد قبله أو بعده يصل له.
وبذلك تكون انتهت مقالتنا عن مصطفى كمال أتاتورك، ابقوا في امان الله والسلام.