حصار رودس إنها واحدة من الحملات التي شنها السلطان محمد الفاتح، تمهيدا لفتح إيطاليا، حملة استهدفت جزيرة رودس، التي ضمت أخطر فرسان على وجه الأرض، ليخوض العثمانيون قتالا شرسا في سبيل فتح الجزيرة، وأوشكوا على فتحها عندما تسبب قائدهم في قلب نتيجة لصالح فرسان رودس،
وتنتهي المحاولة بالفشل ذريا تابعون للنهاية لنعرفكم على تلك الحملة التي كاد تغير التاريخ.
جزيرة رودس وفرسان الاسبتارية
نحن الآن في جزيرة رودس، تلك الجزيرة التي ضمت واحدا من أخطر التنظيمات الدينية العسكرية، كان أولئك هم فرسان القديس يوحنا، أو كما يعرفون فرسان الاسبتارية، الذين قدموا مساعدات كبيرة للصليبيين إبان الحملات الصليبية، وقاموا بمجازر مروعة بحق المسلمين في القدس.
انتقلت فلول الحملات الصليبية من الفرسان والبحارة شديدي التعصب أو فرسان القديس يوحنا إلى قبرص بعد انتهاء الحملات الصليبية ثم إلى جزيرة رودس حيث استمروا في أعمالهم العدائية ضد المسلمين فكانوا يقومون بالإغارة على المدن والسواحل والقوافل الإسلامية.
في ذات الوقت كانت هناك دولة إسلامية صاعدة في أسيا الصغرى وهي الدولة العثمانية التي أخذت على عاتقها نشر الإسلام ودحر أعداءه، فكان أن وقع الصدام بينها وبين فرسان الإسبتارية، عندما قام هؤلاء الفرسان بالانقضاض على بعض السفن العثمانية في إمبروس عام 1346 للميلاد، وحطمتها، وأثرت بعض البحارة العثمانيين.
الصراع بين العثمانيين وفرسان الاسبتارية
منذ ذلك الوقت، بدأ الصراع بين العثمانيين وفرسان الإسبتارية، وأخذ القتال يتجدد بين حين وآخر، في الوقت الذي انصرف فيه الصلاتين العثمانيون إلى الفتوحات البرية، عمل فرسان رودس على تشييد القلاع والحصون وإنشاء قوة بحرية قوية لهم.
واشترك فرسان رودس في معظم المعارك والحملات التي شنها الغرب، وكذلك المتمردون على الدولة العثمانية، ولما فتح السلطان محمد الفاتح مدينة القسطنطينية عاصمة الدولة البيزنطية بعث إلى جان دي لاستيك رئيس فرسان رودس يطلب منه الخضوع لسلطانه ودفع الجزية،
إلا أن لا ستيك رفض وأرسل إلى ملوك أوروبا وأمرائها يطلب النجدة والعون لمواجهة العثمانيين، لكن الفاتح لم يقدم على غزو جزيرة رودس في تلك المرحلة، إذ انشغل بالأحداث السياسية والعسكرية في أوروبا الشرقية وآسيا، واقتصر صدام بين العثمانيين و فرسان رودس على الغارات والمناوشات البحرية المتبادلة، ثم في عام 1462 عقدت بين طرفين هدنة لمدة عامين.
استغل فرسان رودس الهدنة لمضاعفة تحصينات الجزيرة وتقوية وسائل الدفاع وحفر الخنادق وبناء المزيد من الأسوار والأبراج والقلاع، حتى غدت تحصيناتها توازي تحصينات القسطنطينية بل لعلها أمنع لكونها محمية بالبحار من كل جانب مما يعيق حمل المدافع الثقيلة إليها، وبالتالي يتعذر قصف أسوارها بشكل قوي.
و تقدر بعض المصادر عدد القلاع في جزيرة رودس بأكثر من 30 قلعة حصينة، وكان فرسان رودس يتلقون الدعم مباشرة من البابا.
ها هو ذا السلطان محمد الفاتح يقرر غزو رودس كخطوة أولى قبل حلمه الكبير بفتح إيطاليا، ويعهد إلى مسيح باشا بقيادة تلك الحملة، فكيف ستكون المواجهة يا ترى؟
حصار رودس في عهد السلطان محمد الفاتح
يذكر الدكتور محمد سالم الرشيدي في كتابه السلطان محمد الفاتح أنه في عام 855 للهجرة 1480 للميلاد خرج الأسطول العثماني المقدر ب160 سفينة تقل 100,000 جنديا، بحسب الروايات النصرانية بقيادة مسيح باشا.
وقد وصل الأسطول العثماني إلى رودس ونجح مسيح باشا في إنزال جنوده وعتاده هناك بالرغم من المقاومة الشديدة التي أبداها فرسان رودس، واستولى العثمانيون على مرتفعات جبل القديس آتين ثم نشر مسيح باشا جناحي جيشه أحدهما إلى الشمال الشرقي حتى قلعة القديس نيقولا، وامتد الجناح الآخر إلى الجنوب حتى ضاحية القديس جورج.
ولم يمض يومان حتى كان العثمانيون قد وطدوا أقدامهم ونصب عددا من المدافع ضد قلعة القديس نيقولا التي كانت تسيطر على مدخل الميناء وتعتبر مفتاح المدينة.
ظلت المدافع العثمانية تطلق قذائفها الضخمة على أسوار القديس نيقولا طيلة ستة أيام، حتى تهدم جانب كبير منها، وأعقب ذلك بأن قام العثمانيون بالهجوم على القلعة، غير أن فرسان رودس استطاعوا ردهم،
ثم عاود أهل رود سد الثغرات وترميم ما تهدم من الأسوار ووضعوا أخشى بذات رؤوس حديدية حادة في المكان الملاصق للقلعة من جهة البحر لعرقلة المشاة العثمانيين.
كما أعدوا سفنا حارقة ونص بالمدافع على الأسوار لقصف السفن العثمانية التي تحاول الهجوم على القلعة من ناحية الشرق، لكن رغم كل تلك الاستحكامات فقد تمكن العثمانيون من النزول إلى البر والهجوم على القلعة، إلا أنهم عجزوا عن اقتحامها.
فقرر مسيح باشا الهجوم من جهة الحي اليهودي كونه أضعف نقطة في استحكامات الجزيرة.
وبدأت المدافع العثمانية تطلق قذائفها على السور القائم من هذا الجانب، وعلى الفور أمر دوبسون رئيس الجزيرة بهدم مساكن اليهود وبناء سور جديد وإحاطته بخندق واسع وعميق.
وقد اشترك في هذا العمل جميع سكان الجزيرة حتى تم بناء السور وحفر الخندق في وقت قصير، في الوقت الذي لم تتوقف فيه المدافع العثمانية عن قذف السور، ليجد أنفسهم أمام سور جديد إلى جانب الخندق الذي بناه أهل الجزيرة.
وكان مسيح باشا ضعيف العزيمة والإرادة، فلانت عزيمته، ولم يحاول ذاك السور الجديد، وإنما انسحب ليعاود الهجوم على قلعة القديس نيقولا، فأصلح الفرسان ما تهدم من الصور من جهة الحي اليهودي، فلما عاد مسيح باشا لمهاجمته، وجده أقوى من ذي قبل.
قرر مسيح باشا إقامة جسر من السفن وشد بعضها إلى بعض بحبل باتجاه قلعة القديس نيقولا ليهاجمها هجوما مباشرا.
ورغم أن أحد البحارة الصليبيين قد نزل إلى البحر وقطع الحبل، إلا أن العثمانيين أعادوا إقامة الجسر، وهاجموا القلعة بضراوة، واشتد القتال بين الفريقين،
لكن فجأة انكسر الجسر تحت ثقل وطأة الجند وشدة نيران الفرسان، واحترقت بعض السفن وخسر العثمانيون عددا كبيرا من الجنود، فانسحب مسيح باشا ليعود إلى الحي اليهودي بعد أن أصلح الفرسان أسواره وحصنوهم.
أخطاء كبيرة، تلك التي وقع فيها مسيح باشا أثناء تلك الحملة، أبرزها هو تردده وذبذبته بين الهجوم على هذا الموقع أو ذاك، ولو واصل هجومه منذ البداية على الحي اليهودي أو قلعة القديس نيقولا، أو حاصرهم او هاجمهما في آن واحد، لكان قد فتح جزيرة رودس
لكن ها هو ذا يقدم على خطأ كارثي سيتسبب في هزيمة نكراء للعثمانيين بعد أن صاروا قاب قوسين أو أدنى من النصر، ترقبوا معنا الأحداث القادمة.
عاود العثمانيون هجومهم على الحي اليهودي، وكان هجومهم هذه المرة أشد عنفا من ذي قبل، بالرغم من المقاومة الشرسة لفرسان رودس، وتمكن العثمانيون أخيرا منفتح عدة ثغرات في السور وبدء هجوم العثمانيين على سور اليهودي، واشتبكوا في قتال عنيف مع المدافعين من الفرسان،
ونجح بعض الجنود العثمانيين في نصب العلم العثماني على صور وشرع آخرون في التسلل إلى المدينة والانتشار فيها.
وبات النصر وشيكا، وفي تلك اللحظات الحاسمة، إذ بمسيح باشا يتدخل ليقلب نتيجة المعركة، إذا ما رأى تدفق العثمانيين إلى المدينة خشي أن تقع جميع الغنائم في أيديهم ويستحوذوا عليها، وإذا به يعلن أن كل ما يجمع من غنائم في هذه المعركة سيئول إلى خزينة الدولة ولا يأخذ الجنود منه شيئا.
كان قرارا صادما للجنود، فترددوا في الحركة، ولاحظ فرسان رودس هذا التردد، فأقبل دوبسون مع طائفة من الفرسان ونشب قتال في غاية الشراسة، و حلت النكبة بالعثمانيين بعد أن أوشكوا على النصر بسبب تصرف مسيح باشا،
وخرج فرسان رودس من الحصون وطاردوا العثمانيين وإنتهت محاولة فتح رودس بالفشل الذريع، بعد أن خسر العثمانيون الآلاف من خيرة فرسانهم نأمل بان يكون المحتوى قد نال إعجابكم عن حصار رودس، ابقوا في امان والسلام.