تجارة الرقيق وأثرها على العقل الإفريقي

تجارة الرقيق وأثرها على العقل الإفريقي

جدول المحتوي

IMG 20231112 WA0127

تجارة الرقيق

 

كتبت/ روناء نصر

 

المقدمة:

 

إن معظم الدراسات والأبحاث حول تجارة الرقيق في إفريقيا ركزت على الجوانب التاريخية والسياسية والإنسانية، ولم تتناول بصورة كافية الآثار النفسية والاجتماعية لهذه التجارة، وانعكاساتها على العقل الإفريقي عبر الأجيال، ولذلك فإن اختيار مركز البحوث والدراسات الإفريقية بجامعة إفريقيا العالمية بالخرطوم لدراسة تجارة الرقيق ضمن موضوعات الندوة، من حيث آثارها على العقل الإفريقي لهي لفتة بارعة جديرة بالتنويه والتقدير، وملف تجارة الرقيق لا يزال حياً ولم تطوى صفحاته بالرغم من مرور قرن كامل على منع وإيقاف هذه التجارة، وربما سيكون من أوليات الدوائر الغربية السياسية والقانونية والقضائية في السنوات القادمة لاستخدامه كوسيلة سياسية للضغط على بعض الدول العربية والإسلامية والتدخل في شؤونها، وتحميلها جزءًا من المسؤولية في تجارة الرقيق في إفريقيا، بالرغم من تباين التجارتين الأوروبية والعربية في هذا المضمار.

 

١- خصائص تجارة الرقيق الأوروبية والعربية:

 

ما فتئ الأوروبيون في محاولة لتبرير ذمتهم يقحمون العرب في ملف الاسترقاق في إفريقيا، ولا يمكن لأي باحث منصف أن ينكر وجود العبيد في المجتمعات العربية والإسلامية قديماً ومشاركة العرب في تجارة الرقيق حديثاً، إلا أن التجارتين الأوروبية والعربية لهما خصائص ومميزات مختلفة، إن تجارة الرقيق التي قام بها البرتغاليون والبريطانيون وبقية الأوروبيين في غرب إفريقيا على وجه التحديد خلا القرون الماضية رافقتها أعمال بشعة أثناء نقل الرقيق تدل على غياب وموت الضمير الإنساني والتناقض في الفكر البشري في ذاك الوقت، حيث يتشدق الأوروبيون بقيم الديمقراطية والحرية والمساواة وعالمية مبادئهم ونظمهم، وفي نفس الوقت يسترقون غيرهم من أبناء آدم.

 

ويقدر الباحثون عدد العبيد الذين يُنقلون من إفريقيا سنوياً (بأربعين ألف)، وكان يموت (%١٠) منهم أثناء تنقلاتهم لعدم الاهتمام بطعامهم أو صحتهم، فضلاً أن ضربهم وتنكيلهم أو قتلهم وهم مقيدين بالسلاسل أو هاربين من جحيم الاسترقاق، واستُغِلت الأسلحة النارية للقنص البشري فسمى بعض المؤرخين عصر تجارة الرقيق بعصر البنادق، ولقد حاول الأوروبيون ترويض الأفارقة لسحق آدميتهم وتحويلهم إلى آلات بشرية بلا مشاعر ولا حقوق ولا لغة ولا دين ولا حياة روحية وبلا أمل في شيء من ذلك كله، وكانت الأساليب المتبعة في التعامل مع الرقيق هي الشنق على الأشجار وقطع الأيدي، والمذابح الجماعية التي هلك فيها ما يزيد على (عشرة ملايين) إفريقي، وإن تجارة الرقيق الأوروبية لا يستطيع أحد أن يحصي ضحاياها على وجه التحديد.

 

٢- سلعة الرقيق لأوروبا:

 

حققت هذه التجارة لأوروبا أرباحاً خيالية، وأصبحت هذه السلعة هي الأساس الذي بنت عليه تلك الدول الاستعمارية اقتصادها ورخائها، ولذلك قد قيل بسبب اشتهار ميناء ليشبونة في البرتغال وميناء ليفربول في انجلترا برواج تجارة الرقيق، بأن ليشبونة وليفربول قد بنيتا على عظام الرقيق السود ودمائهم، وقد شجع الأوروبيون الزعماء والحكام في غرب إفريقيا على الحروب مع جيرانهم، وقدمت لهم مقابل ذلك الرقيق الذين يجلبونهم لهم إلى سفنهم الراسية على الشواطيء في غرب إفريقيا والبنادق والذخيرة لمتابعة الحروب وأسر أعداد من أعدائهم، وعاشت غرب إفريقيا قرون عدة في حروب مدمرة من أجل تدبير هذا المورد البشري المتدفق من الرقيق للتجار الأوروبيين.

 

٣-  نظام الرق في المجتمعات القديمة قبل ظهور الإسلام:

 

إن الرق مرتبط في نشأته بالحياة الإجتماعية والإقتصادية الآخذة في التعقيد الذي تفرزه رغبة التملك والانتفاع والهيمنة، وقام الرق على فكرة عدم المساواة بين الناس وغلبة القوي على الضعيف، وكان لكل مجتمع قواعده الحاكمة لنظام الرق تتفق مع ظروف الواقع التاريخي المحيط به، ولكن الصورة التي انتهى إليها الاستعباد في العصور الحديثة غلبت على صوره القديمة وأصوله التاريخية، حيث أصبح وكأنه كان مكرساً في الأصل في الزنوج الأفارقة السود، واستُغِل هذا الطمس استغلالاً دعائياً معاكساً للإسلام بهدف أن يحد من انتصاراته ويخدم التوسع الاستعماري في إفريقيا.

 

٤- الآثار الإجتماعية لتجارة الرقيق:

 

لقد خسرت إفريقيا (الملايين) من أبنائها من جراء تجارة الرقيق، وأدت هذه التجارة إلى الفقر في الأيدي العاملة والإنتاج وانهيار العديد من الإمارات الإفريقية، وقد انتهك الاسترقاق الحرمات ودمر المقدسات وأفسد أخلاق حكام إفريقيا وأهاليها وشوه الحياة الإجتماعية، وأغرق الكثير من الأفارقة في غيابات الظلمات والجهل، ولم تُفق منها إفريقيا تماماً حتى الآن، وعندما تم تحرير العبيد تُرِكوا بلا تجارب وبدون تعليم بعد قرون من العبودية في جو من القذارة والجوع والتبعية والخوف، هذه المؤثرات هي التي ولَّدَت العجز والإهمال اللذان امتاز بهما الكثير من الأفارقة، وعندما كان العبيد قد اعتادوا على عدم الملكية فأضحوا بعد التحرر لا يعبَئون بالملكية ويبددون ما بأيديهم، وبالتالي أصبحت عملية إباحة الملك العام ونهب ممتلكات الدولة ثقافة عامة في إفريقيا لا تزال الدول الإفريقية تعاني من تبعاتها.

 

٥- الآثار السيكولوجية:

 

إن لتجارة الرقيق آثاراً نفسية خطيرة لا على من استرقوا وعاشوا ظروف الاسترقاق، أو ذويهم أو الذين عاصروهم من أهليهم وأبناء أوطانهم فحسب، وإنما تمتد لتشمل الأفارقة جميعا على مر العصور والأزمان، وهناك ثمة عوامل عديدة ساهمت في ترك آثار سيكولوجية عديدة على الأفارقة لم يتخلصوا من أعراضها إلى يومنا هذا.

 

فتجارة الرقيق استهدفت في إفريقيا العنصر الأسود، وأشعرت الإفريقي بأن ذنبه الوحيد هو أنه من لون أسود البشرة ودون الجنس الأبيض، وساوت بينه وبين البهائم بل عومل معاملة لا تليق حتى بالحيوانات والأنعام، وقد كان الإفريقي في نظر تجار الرقيق عبارة عن حيوان مفترس يعيش في غابة دون ثقافة أو حضارة، وبالتالي يحق للعنصر الأبيض افتراسه وترويضه وتسخيره دون أدنى حرج أو تأنيب ضمير، وقد أحيا هذا البعد العنصري في تجارة الرقيق النزعة الحيوانية في النفس الإفريقية وجعلت العبد الإفريقي يقارن نفسه بالحيوان، لأنه يفترس كما يفترس الحيوان ويعامل كما يعامل الحيوان ويُسخَّر كما يُسخَّر الحيوان، فاهتزت ثقته في نفسه وفي قدراته العقلية وخلق فيه شعوراً بالدينونة وهو ينظر إلى العالم من حوله.

 

المرجع/

 د/محمد رماح عبد السلام ود/ابراهيم جابر السيد “تاريخ حضارة شعوب القارة الإفريقية”

 

——————————————————————————

((كل هذا في اطار مبادرة حكاوي لنشر الوعى الأثري و الترويج و دعم السياحة المصرية تحت اشراف فريق ديوان التاريخ))

 

#مبادرة_حكاوى

#الموسم_الخامس

#أصل_التاريخ_ديوان_التاريخ

Facebook
X
Telegram
LinkedIn
Tumblr
Reddit
Scroll to Top