المفضلة
اضافه موضوع

الصحابي ذي النورين

كتب/ 1- دينا ايمن
2- فايقة محمد
3- هدي صالح
#فرع_القاهرة

عثمان بن عفان:

(ثالث) الخلفاء الراشدين، و(رابع) من أسلم من الرجال، ولديه العديد من الصفات الحسنة كالثقة بالله والصدق والأمانة والشجاعة والمروءة، إنه الصحابي الجليل “عثمان بن عفان” الذي يُعتبر من كبار الصحابة في القرآن الكريم والسنة النبوية، وله العديد من الإجتهادات الفقهية في المجال القضائي والمالي والجهادي، وكان حريصاً علة إتباع هُدى النبي ﷺ و”أبو بكر الصديق” و”عمر بن الخطاب” رضي اللَّه عنهما، كما أنه ليس برجلٍ عادي، فهو رجل تستحي منه الملائكة، حيث جاء في حديث صحيح “مسلم” أن “‏عائشة” رضي الله عنها ‏قالت: “كان رسول الله ﷺ مضطجعاً في بيتي، كاشفاً عن ساقيه، ‏فاستأذن “أبو بكر” ‏فأذن له وهو على تلك الحال فتحدث ثم استأذن “عمر” فأذن له وهو كذلك فتحدث، ثم استأذن ‏”عثمان” فجلس رسول الله ﷺ، ‏‏وسوى ثيابه، فلما خرج قالت “عائشة” رضي الله عنها: ‏دخل ‏”أبو بكر” فلم تباله، ‏ثم دخل ‏”عمر” ‏فلم ‏تهتش ‏له، ولم ‏تباله، ‏ثم دخل ‏”عثمان” فجلست وسويت ثيابك، فقال: ‏ألا أستحي من رجل تستحي منه الملائكة؟”.

مولد ونشأة الخليفة عثمان بن عفان ونسبه مع الرسول ﷺ:

ولد الصحابي الجليل “عثمان بن عفان” سنة (576 م) في الطائف بعد عام الفيل ب (6 سنوات)، أي بعد مولد النبي ﷺ ب (6 سنوات)، وهو قرشي أموي يجتمع نسبه مع الرسول ﷺ في الجد (الخامس) من جهة أبيه “عبد مناف”، وقد توفي أبوه في الصيف في إحدى رحلاته إلى الشام، وخلف من بعده مالاً عظيماً لأسرته، فنشأ “عثمان” رضي الله عنه تاجراً وغنياً، وقد نشأ في قريش على النبل والشهامة والسخاء، وكان يلقب بأنه أنسب قريش لقريش، أما أصدقاؤه المقربون فهم “أبو بكر” و”عبد الرحمن بن عوف” و”طلحة بن الزبير بن العوام”، وكان مجلسهم في “دار أبي بكر الصديق”، وكانت هذه المجالس لأصحاب المال والتواضع والخلق.

حياة الخليفة عثمان بن عفان مع الرسول ﷺ:

كان الخليفة “عثمان بن عفان” يُلازم الرسول ﷺ في مكة بعد إسلامه، وفي المدينة بعد هجرته، وقد حرص على التلمذة في حلقات مدرسة النبوة في فروعها المختلفة من المعارف، كما حرص على تعلم القرآن الكريم والسنة النبوية من الرسول ﷺ، بالإضافة إلى أنه أول من هاجر إلى الحبشة بأهله، وقد حضر مع الرسول ﷺ جميع غزواته باستثناء غزوة بدر؛ لأن زوجته “رقية” رضي الله عنها كانت مريضة، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: إِنَّ لَكَ أَجْرَ رَجُلٍ مِمَّنْ شَهِدَ بَدْرًا وَسَهْمَهُ، وبالإضافة إلى ذلك أيضاً فقد صاهر الرسول ﷺ مرتين، حيث قد تزوج من السيدة “رقية” عندما طُلقت من “عتبه بن أبي لهب”، وكان “أبي لهب” قد أمر أولاده بتطليق بنات الرسول ﷺ عندما نزلت سورة المسد، وفي غزوة بدر كانت السيدة “رقية” مريضة مرضاً شديداً، وعندما عاد الرسول خ من تلك الغزوة وجدها قد فارقت الحياة، ووجد “عثمان بن عفان” حزيناً حزناً شديداً على وفاة السيدة “رقية”، وكان حزنه الأكبر أنها قطعت صِلته بالرسول ﷺ، وحزنت أختها “أم كلثوم” فجاء “عثمان” ليخطب “أم كلثوم” فزوجه الرسول ﷺ بها، ولذلك سمي “عثمان” بذي النورين؛ لأنه تزوج (اثنتين) من بنات الرسول ﷺ.

حياة عثمان بن عفان في عهد أبو بكر الصديق:

كان “عثمان بن عفان” رضي الله عنه من الصحابة وأهل الشورى الذين يؤخذ رأيهم في أمهات المسائل في خلافة “أبي بكر الصديق” رضي الله عنه، فهو (ثاني اثنين) في الحظوة عند “أبو بكر الصديق”، فكان “عمر” وزير الخلافة الصديقية، وكان “عثمان” أمينها العام وناموسها الأعظم وكاتبها الأكبر، وكان رأيه مقدماً عند “أبو بكر الصديق”، فبعد أن قضى “أبو بكر” على حركة الردة أراد أن يغزو الروم وينطلق الجيش المجاهد إلى أطراف الأرض فقام في الناس يستشيرهم، فقال “أبو بكر” : ما ترون؟، فقال “عثمان”: إني أرى أنك ناصح لأهل هذا الدين شفيق عليهم، فإذا رأيت رأياً لعامتهم صلاحاً فاعزم على إمضائه فإنك غير ظنين، فقال “طلحة” و”الزبير” و”سعد” و”أبو عبيدة” و”سعيد بن زيد” ومن حضر ذلك المجلس من المهاجرين والأنصار رضي الله عنهم: صدق “عثمان” ما رأيت من رأي فأمْضِه، ولما أراد “الصديق” أن يبعث والياً إلى البحرين استشار أصحابه فقال “عثمان”: ابعث رجلاً قد بعثه رسول الله ﷺ وقد عرفوه وعرفهم وعرف بلاده، كان يعني بذلك “العلاء بن الحضرمي” رضي الله عنه، فبعث “الصديق” “العلاء” إلى البحرين، ولما اشتد المرض “بأبي بكر” استشار الناس فيمن يحبون أن يقوم بالأمر من بعده، فأشاروا “بعمر”، وكان رأي “عثمان” في “عمر”: اللهم علمي به أن سريرته خير من علانيته، وأنه ليس فينا مثله، فقال “أبو بكر”: يرحمك الله، والله لو تركته ما عدتك .

حياة عثمان بن عفان في عهد عمر بن الخطاب:

كانت مكانة “عثمان” في خلافة “عمر بن الخطاب” رضي الله عنهما كمكانة الوزير من الخليفة، وقد كانت هذه المكانة هي مكانة “عمر” في خلافة “أبي بكر”، وقد صنع الله “لأبي بكر” بوزارة “عمر” لخلافته ما يصنعه لخير أهله، وصنع “لعمر” بوزارة “عثمان” لخلافته ما يصنعه لخير أهله، فقد كان “أبو بكر الصديق” أرحم الناس بالناس وكان “عمر” أشدهم في الحق، فمزج الله رحمة “الصديق” بشدة “عمر”، فكانت منها خلافة الصدق وسياسة العدل وقوم الحزم، وكان “عثمان” رضي الله عنه أشبه “بالصديق” في رحمته وكان “عمر” على سننه في شدته فلما تولى بعد “أبي بكر” جعل الله له في وزارة “عثمان” لخلافته عوضاً من رحمة “الصديق” ورفقه، وقد عرف الناس هذه المكانة “لعثمان” في خلافة “عمر” فهو الذي أشار على “عمر” بفكرة الديوان وكتابة التاريخ.

عثمان بن عفان والفتوحات الإسلامية:

خلال خلافة “عثمان” فُتحت العديد من البلدان وتوسعت الدولة الإسلامية، وفتحت في أيام خلافته أرمينية وخراسان، كرمان، سجستان، إفريقية و”قبرص، وقد أنشأ أول أسطول بحري إسلامي لحماية الشواطيء الإسلامية من هجمات البيزنطيين في عهد الخليفة “عثمان بن عفان”، وبعد مقتل “عمر بن الخطاب” تشجع أعداء الإسلام وخصوصاً في بلاد الفرس والروم إلى العمل على استرداد السيطرة في تلك البلاد، فبدأ ملك الفرس يُخطط في العاصمة التي يقيم فيها وهي مدينة فرغنة عاصمة سمرقند، وأما زعماء الروم فقد تركوا بلاد الشام وانتقلوا إلى القسطنطينية العاصمة البيزنطية وبدأوا في البحث عن الوسائل التي تمكنهم من استرداد ملكهم، وكانوا قد تحصنوا بالإسكندرية في عهد “عمر بن الخطاب”، فطلب “عمرو بن العاص” منه أن يأذن بفتحها، وكانت معززة بتحصينات كثيرة، وكانت المجانيق فوق أسوارها، وكان “هرقل” قد عزم أن يباشر القتال بنفسه ولا يتخلف أحد من الروم ؛لأن الإسكندرية هي معقلهم الأخير، وفي عصر “عثمان” تجمع الروم في الإسكندرية، ونقضوا الصلح واستعانوا بقوة الروم البحرية، كما أن المعسكرات في عهد “عثمان” كانت تتوزع في عواصم الأقطار الكبرى، فمعسكر العراق مركزه الكوفة والبصرة، ومعسكر الشام في دمشق، ومعسكر مصر مركزه الفسطاط، وكانت هذه المعسكرات تقوم بحماية الدولة الإسلامية، كما تعمل على مواصلة الفتوحات ونشر الإسلام.

الفتوحات في المشرق أولا ً فتوحات أهل الكوفة:

كانت مغازي أهل الكوفة الري وأذربيجان، وكان يرابط بها (عشرة آلاف) مقاتل، (ستة آلاف) بأذربيجان و(أربعة آلاف) بالري، وكان جيش الكوفة العامل (أربعين ألف) مقاتل يغزو كل عام منهم (عشرة آلاف)، ولما أخلص “عثمان” الكوفة “للوليد بن عقبة” انتفض أهل أذربيجان فمنعوا ما كانوا قد صالحوا عليه “حذيفة بن اليمان” أيام “عمر”، وثاروا على واليهم “عتبة بن فرقد السلمي”، فأمر “عثمان” “الوليد بن عقبة” أن يغزوهم، فأسرع إليه أهل أذربيجان طالبين الصلح على ما كانوا صالحوا عليه “حذيفة”، فأجابهم “الوليد” وأخذ طاعتهم، وبث فيمن حولهم السرايا وشن عليهم الغارات، فبعث “عبد الله بن شبيل الأحمسي” في (أربعة آلاف) إلى أهل موقان والببر الطيلسان، فأصاب من أموالهم وغنم وسبى، ولكنهم تحرزوا منه فلم يفلّ حدَّهم، ثم جهز “سلمان بن ربيعة الباهلي” في (اثني عشر ألفاً) إلى أرمينية، فأخضعها وعاد منها مليء اليدين بالغنائم، وانصرف “الوليد” بعد ذلك عائداً إلى الكوفة، ولكن أهل أذربيجان تمردوا أكثر من مرة، فكتب “الأشعث بن قيس” والي أذربيجان إلى “الوليد بن عقبة” فأمده بجيش من أهل الكوفة، وتتبع “الأشعث” الثائرين وهزمهم هزيمة منكرة، فطلبوا الصلح فصالحهم على صلحهم الأول، وخاف “الأشعث” أن يعيدوا الكَرَّة فوضع حامية من العرب وجعل لهم عطايا وسجلهم في الديوان وأمرهم بدعوة الناس إلى الإسلام، ولما تولى أمرهم “سعيد بن العاص” عاد أهل أذربيجان وتمردوا على الوالي الجديد، فبعث إليه “جرير بن عبد الله البجلي” فهزمهم وقتل رئيسهم، ثم استقرت الأمور بعد أن أسلم أكثر شعبها وتعلموا القرآن الكريم.

وأما الري فقد صدر أمر الخليفة “عثمان” إلى “أبي موسى الأشعري” في وقت ولايته على الكوفة، وأمره بتوجيه جيش إليها لتمردها، فأرسل إليها “قريظة بن كعب الأنصاري” فأعاد فتحها، وعندما انتهى “الوليد بن عقبة” من مهمته في أذربيجان وعاد إلى الموصل جاءه أمر من الخليفة “عثمان” بجموع عظيمة، وقد رأيت أن يمدهم إخوانهم من أهل الكوفة، فإذا أتاك كتابي هذا فابعث رجلا ممن ترضى نجدته وبأسه وشجاعته وإسلامه في (ثمانية آلاف أو تسعة آلاف أو عشرة آلاف) إليهم من المكان الذي يأتيك فيه رسولي، والسلام، فقام “الوليد” في الناس، فخطب فيهم حتى خرج (ثمانية آلاف) رجل من أهل الكوفة، فمضوا حتى دخلوا وأهل الشام إلى أرض الروم، وعلى جند أهل الشام “حبيب بن مسلمة بن خالد الفهري”، وعلى جند أهل الكوفة “سلمان بن ربيعة الباهلي”، فشنوا الغارات على أرض الروم فأصاب الناس ما شاؤوا من سبايا وملأوا أيديهم من المغانم، وافتتحوا بها حصوناً كثيرة.

ثانياً الفتوحات في الشام:

بعد أن قام الروم على المسلمين أول خلافة “عثمان”، وكتب “عثمان” إلى “الوليد بن عقبة” بالكوفة أن يمد إخوانه بالشام، فأمدهم (بثمانية آلاف) عليهم “سلمان بن ربيعة الباهلي”، فانتصر المسلمون، وكان الروم والترك قد تجمعوا لملاقاة المسلمين الذين غزوا أرمينية، وكان على المسلمين “حبيب بن مسلمة” فرأى أن يباغت قائدهم “الموريان” ليلاً، فسمعته امرأته “أم عبد الله بنت يزيد الكلبية” ثم باغتهم فغلبهم، وأتى سرادق “الموريان” فوجد أن امرأته قد سبقته إليه، وواصل “حبيب” جهاده وانتصاراته المتوالية في أراضي أرمينية وأذربيجان ففتحها، ولقد كان “حبيب بن مسلمة الفهري” من أبرز القادة الذين حاربوا في أرمينية البيزنطية، كما غزا ما يلي ثغور الجزيرة العراقية من أرض الروم فافتتح عدة حصون هناك، مثل شمشاط وملطية وغيرهما، وفي سنة (25 ه‍) غزا “معاوية” الروم فبلغ عمورية، فوجد الحصون التي بين أنطاكية وطرسوس خالية، فجعل عندها جماعة من أهل الشام والجزيرة، وواصل قائده “قيس بن الحر العبسي” الغزو في الصيف التالي، ولما انتهى هدم بعض الحصون القريبة من أنطاكية كي لا يستفيد منها الروم.

ثالثاً فتح قبرص:

أعد معاوية المراكب اللازمة لحمل الجيش، واتخذ ميناء عكا مكاناً للانطلاق، وكانت المراكب كثيرة وحمل معه زوجته واخته، كذلك حمل “عبادة بن الصامت” وامرأته معه في تلك الغزوة، وبالرغم أن “معاوية” لم يجبر الناس على الخروج، فقد خرج معه جيش كبير، وسار المسلمون من الشام وركبوا من ميناء عكا متوجهين إلى قبرص، ونزلوا إلى الساحل، وتقدمت زوجة “عبادة بن الصامت” لتركب دابتها، فنفرت الدابة وألقتها على الأرض فاندقت عنقها فماتت ودفنت هناك، وعرف قبرها بقبر المرأة الصالحة، واجتمع “معاوية” بأصحابه وتشاوروا فيما بينهم، وأرسلوا إلى أهل قبرص يخبرونهم أنهم لم يغزوهم للاستيلاء على جزيرتهم، ولكن أرادوا دعوتهم للإسلام ثم تأمين حدود الدولة الإسلامية بالشام، وذلك لأن البيزنطيين كانوا يتخذون من قبرص محطة يستريحون فيها إذا غزوا ويتموَّنون منها إذا قل زادهم، فكانت بلداً مهمة لإخضاعها تحت سيطرة المسلمين، ولكن سكان الجزيرة لم يستسلموا، بل تحصنوا في العاصمة ولم يخرجوا لمواجهة المسلمين، وتقدم المسلمون إلى قسطنطينة عاصمة قبرص وحاصروها، وما هي إلا ساعات حتى طلب الناس الصلح وأجابهم المسلمون لذلك وقدموا شروطًا للمسلمين، كما اشترط عليهم المسلمون شروطاً، أما شرط أهل قبرص كانت في طلبهم ألا يشترط عليهم المسلمون شروطاً تورطهم مع الروم؛ لأنه ليست لهم قدرة بهم، وأما شروط المسلمين فكانت ألا يدافع المسلمون عن الجزيرة إذا هاجم سكانها محاربون، وأن يدلوا المسلمين على تحركات عدوهم من الروم، وأن يدفعوا للمسلمين (سبعة آلاف ومائتي دينار) في كل عام، وألا يساعدوا الروم إذا حاولوا غزو بلاد المسلمين، وألا يطلعوهم على أسرارهم.

جمع القرآن في عهد عثمان بن عفان:

في عهد الخليفة “عثمان بن عفان” رضي الله عنه اتسعت رقعة الدولة الإسلامية، وامتد سلطانها، واختلطت شعوبها، وتداخلت لغاتها، وأخذ كل إقليم يلتفت حول صحابي ليعلمه القرآن، فكان من الطبيعي أن تتعدد القراءات، وتتباعد اللهجات، ويقع الإختلاف في القرآن خاصة في وجود مصاحف الصحابة التي لم يمكن ترتيبها وضبط تلاوتها ورسمها لتباعد الأمصار الإسلامية عن المدينة، وخشي بعض الصحابة أن تتسع دائرة الخلاف، فطلبوا من الخليفة أن يوحد الناس على مصحف واحد، قال “حذيفة بن اليمان” ‘لعثمان: يا أمير المؤمنين أدرِك هذه الأمة قبل أن يختلفوا في الكتاب اختلاف اليهود والنصارى، فأدرك “عثمان” عظم الأمر وقال للصحابة: اجتمعوا يا أصحاب “محمد”، واكتبوا للناس إماماً فأرسل إلى “حفصة” أن يرسل إلينا بالصحف ننسخها في المصاحف ثم نردها إليك، فأمر طائفة من الصحابة مثل “زيد بن ثابت”، “عبد الله بن الزبير”، “سعيد بن العاص” وغيرهم فنسخوها في المصاحف، وقام “عثمان” بإرسال نسخ منها إلى كل الأمصار، واتفق الصحابة رضي الله عنهم على هذا العمل وعدوه من مفاخر “عثمان” وحسناته، من ذلك قول الإمام “علي” رضي الله عنه: لا تقولوا في “عثمان” إلا خيرًا، فوالله ما فعل الذي فعل في المصاحف إلا على ملئ منا، وكان هدف “عثمان” من هذا الجمع هو توحيد الأمة على القراءات الصحيحة التي قرأها النبي ﷺ في العرضة الأخيرة على “جبريل”، وهذا ما يؤكده “الباقلاني” من أن ما قصد “عثمان” هو جمع المسلمين على القراءات الثابتة المعروفة، وإلغاء ما ليس كذلك، وأخذهم بمصحف لا تقديم فيه ولا تأخير، وهكذا عمل الخليفة “عثمان” على حمل الناس على القراءة بوجه واحد، على اختيار وقع بينه وبين من شهده من المهاجرين والأنصار، لما خشي الفتنة عند اختلاف أهل العراق والشام في حروف القراءات، وبهذا قطع “عثمان” دائرة الفتنة وحسم مصدر الاختلاف، وحفظ القرآن من أن يتطرق إليه شيء من الزيادة والتحريف على مر العصور وتعاقب الأزمان.

الولايات في عهد عثمان بن عفان:

1- المدينة:

كانت المدينة هي أهم المدن الإسلامية بعهدهم، فهي مركز الخلافة، وكان “عثمان” يقيم فيها واكتسبت أهمية كبيرة، وكانت مستقرة إلى حدٍ كبير، إلا أنه حدث بها بعض الإضطرابات في نهاية عهده، وعندما كان يخرج “عثمان” من المدينة كان يستخلف عليها “زيد بن ثابت” في أكثر الأحوال.

2- مكة:

حينما توفي “عمر” كان “خالد بن العاص بن هشام بن المغيرة المخزومي” والي على مكة، وعندما تولى “عثمان” الخلافة أقره عليها لفترة، ثم عزله وولى عليها “علي بن ربيعة بن عبد العزى”، ثم ولى “عثمان” آخرين على مكة، ويصعب تحديد فترات هؤلاء الولاة، وتؤكد بعض المصادر أن “عثمان” أعاد “خالد بن العاص” على مكة، وأثناء موت “عثمان” رضي الله عنه كان “خالد” ولي مكة، ثم تولى “علي بن أبي طالب” الخلافة بعد وفاة “عثمان”، وعزل “خالد بن العاص” وعين غيره على مكة، فكانت مكة متميزة بالهدوء في عهد “عثمان”.

3- أرمينية؛

كانت أرمينية من المدن التي لقي المسلمون فيها عناء شديد لفتحها حتى حدث ذلك، ولأول مره كان في عهد “عثمان” أن تمكن المسلمين من فتح أرمينية، حيث بدأت الجيوش في عهده بقيادة “حبيب بن مسلمة الفهري”، وكان يقود جيش قوامه (8000) مقاتل، واستطاع فتح العديد من المواقع في أرمينية، ولكن تجمع حشود من الروم ليساعدوا الأرمن ضد المسلمين، فطلب “حبيب” من “عثمان” المساعدة، فأرسل له جيش آخر من الكوفة مكون من (6000) رجل، وكان بقيادة “سلمان بن ربيعة الباهلي”، ولكن حدث نزاع بين “حبيب وسلمان”، واستطاع “عثمان” حل المشكلة بينهم، فكتب “عثمان” إلى “سليمان” بإمارته على أرمينية، واستطاع “سلمان” أن يفتح فيها الكثير وانتصر، وكانت نهايته عندما وقعت حرب بينه وبين “ملك الخزر” وقتل “سليمان” وجميع جنوده، ثم كتب “عثمان” إلى “حبيب” الذي فتحها مرة أخرى، وعقد بعض المعاهدات مع ملوكها واستطاع أن يثبت أقدام المسلمين فيها مرة أخرى، ثم بعد ذلك عين “عثمان” “حذيفة بن اليمان” على أرمينية حتى يتفرغ “حبيب” لمواجهة ثغور المدينة لخبرته بها وكفاءته في مواجهتها، واستطاع “حذيفة” أن يقوم بعدة غزوات نحو “الخزر”، ثم قام “عثمان” بعزله بعد سنه من توليته، وعين “المغيرة بن شعبة” على أرمينية، وظل “المغيرة” على أرمينية حتى وفاة “عثمان”، فكانت أرمينية إضافة جديدة استطاع “عثمان” أن يضيفها إلى الدولة الإسلامية.

4- مصر:

كانت مصر يحكمها “عمرو بن العاص” في حياة الخليفة “عمر بن الخطاب”، وظل عليها حتى نهاية “عمر”، وأيضاً عهد “عثمان” كان “عبد الله بن سعد بن أبي السرح” يعاون “عمرو” في مصر، فكان “عثمان” والي على “الصعيد بمصر”، فطلب “عمرو” من “عثمان” أن يعزل “عبد الله بن أبي السرح” من الصعيد، إلا أن “عثمان” رفض ذلك؛ لأن “عمر” هو من عينهم، وبسبب إصرار “عمرو” وإصرار “عثمان” على عدم عزله رأى “عثمان” أنه من الأصلح عزل “عمرو ابن العاص” عن مصر وتولية “عبد الله بن سعد بن ابي السرح” عليها، ولكن حدث أن أغار الروم على الإسكندرية فرأى “عثمان” أنه من الأصلح تولية “عمرو” مرة أخرى، حتى يعيد فتح “
الإسكندرية ويقضي على الروم، وبالفعل استطاع “عمرو” أن يعيد مصر ويعيد الإسكندرية، والقضاء على الروم فيها، فطلب “عثمان” أن يعيد “عمرو” مرة أخرى على مصر، وأن يجعل “عبد الله بن سعد بن أبي السرح” على الخراج، ولكن “عمرو بن العاص” رفض أن يتولى على الأجناد، وفي النهاية أقر “عثمان بن عفان” “عبد الله بن أبي السرح” على مصر، فكانت مصر هادئة إلى أن أثار “عبد الله بن سبأ” الفتنة فيها، وثار الناس على “عثمان”، وكانت هذه الفتنه لها دور في مقتل الخليفة “عثمان بن عفان”.

5- الكوفة:

كانت الكوفة يحكمها “المغيره” عندما تولى “عثمان بن عفان” الخلافة، فعزله “عثمان” وعين “سعد بن أبي وقاص”، وكانت هذه الولاية مشتركة بين “سعد بن أبي وقاص” و”عبد الله ابن مسعود”، وكان “سعد” على دراية وخبرة كبرى بالكوفة، نظراً لأنه كان مؤسسها في عهد “عمر بن الخطاب”، وكان “سعد بن أبي وقاص” والي عليها حتى عزله “عثمان” لحدوث خلاف بينه وبين “عبد الله بن مسعود”، نظراً لأن “سعد بن أبي وقاص” اقترض مالاً من بيت المال الذي كان “عبد الله بن مسعود” المسؤول عنه، وكان هذا المال لأجل معين، وعندما جاء وقت سداده لم يكن لدى “سعد” المال لسداده، فحدث خلاف بينه وبين “عبد الله بن مسعود”، فرأى “عثمان” أنه من الأفضل عزل “سعد بن أبي وقاص” عن الخلافة، وقد كان في أوائل خلافة “عثمان” أن عين على الكوفة أخيه من أمه، وهو “الوليد بن عقبة”، وقد حدث نزاع بينه وبين “عبد الله بن مسعود” الوالي على بيت المال، فرأى “عثمان” لتوحيد الولاية في يد رجل واحد أن يقوم بعزل “عبد الله بن مسعود”، وكان بداية كُره “الوليد” من بعض الحاقدين عليه، رغم حب أهل الكوفة له عندما أقام حد القصاص على شباب تسببوا في قتل “ابن الحيسمان الخزاعي”، وكان بأمر من “عثمان” عندما أعلن القصاص عليهم، فأخذ أهل هؤلاء الشباب في التربص “بالوليد” ليتصيدوا أخطائه، ولفقوا له قضية وهي دعوة شربه الخمر، وقام “عثمان” بإقامة الحد على “الوليد بن عقبة” وعزله عن الكوفة، ومن ثم قام بتعيين “سعيد بن العاص” على الكوفة، وكان “سعيد” بالمدينة حينذاك، ثم ذهب للكوفة وصعد المنبر وخطب في الناس قائلاً: والله لقد بعثت إليكم وإني لكاره، ولكني لم أجد أبداً إذ أمرت أن أُأتمر، إلا أن الفتنة قد أطلعت خطمها وعينيها، والله لأضربن وجهها حتى أقمعها أو تعيين، وإن الرائد نفسي اليوم، ثم نزل، وهذا يدل على علم “سعيد” ببداية الفتنة وتهديده لأصحابها، وقام “سعيد” بتعيين الولاة ونظم الأمور فيها، وقد ظهرت الفتنة بالكوفة عام (33 ه‍)، ودبر “الأشطر النخعي” مؤامرة ضد “سعيد”، وانضم إليه بعض أعوان الكوفة، ورفضوا ولاية “سعيد”، وطلبوا من “عثمان” تغييره، فقام “عثمان” بعزل “سعيد” وتعيين “أبي موسى الأشعري” بناءاً على طلبهم، وظل “أبي موسى الأشعري” على الكوفة حتى مقتل “عثمان”، وقد تولى الكوفة بعهد “عثما”ن (خمسة) ولاة، وبعض أهالي الكوفة كان لهم دور مباشر في مقتل “عثمان” وفي حدوث الفتنة التي أدت إلى وفاته، وكان أيضاً هناك ولايات أخرى مثل البحرين واليمن والطائف ومكة، وقد تمتعت هذه الولايات بالاستقرار والهدوء في عهد “عثمان”، كما كانت البصرة مشغولة بالفتوحات التي يقوم بها واليها “عبد الله بن عامر”.

أما مصر والكوفة فحدث بهما بعض الإضطرابات في نهاية عهد “عثمان”، وولدت فيهما الفتنة وأقدم أهلها على غزو المدينة وقتل “عثمان”، وكان “عثمان بن عفان” يعتمد على المشورة في تولية الولاة، وكان “عثمان” ينصح الولاة بالعدل والرحمة بين الناس، ويحدد لهم معالم السياسة التي يجب أن يسيروا عليها من إعطاء أهل الذمة حقوقهم والوفاء بالعهد حتى مع الأعداء، وألا يكون همهم جباية المال من الناس، وكان يرسل مصاحف إلى الولايات، وألزم الناس بالمصاحف التي كتبت في المدينة، وكان أيضاً من أساليبه مراقبة عماله حيث:

١- يحضر للحج ليلتقي بالحجاج ويسمع شكواهم.

٢- وجد أناس من أهل البلاد يكتبون للخليفة، ويطلع “عثمان” على كتاباتهم ليعالج ما فيها من مشكلات.

٣- سؤال القادمين من الولايات عن أحوالهم.

٤- كان يرسل المفتشين إلى الولايات لمعرفة أخبار الناس والولاة فيها.

٥- كان “عثمان” يقوم بالسفر إلى الولايات للاطلاع على أحوالها مباشرة بنفسه.

٦- طلب الوافدين من الولايات ليسألهم عن أمرائهم وولايتهم، وكيف أحوالهم، وكيف أحوال الأمراء بها ومعاملتهم مع الرعايا.

٧- استقدام الولاة ليسألهم عن أحوال البلاد.

٨- المراسلة مع الولاة.

حقوق وواجبات الولاة:

كان من حقوقهم:

١- الطاعة في غير معصية الله.

٢- إعطاء النصيحه لهم.

٣ – ويجب على الرعية توصيل الأخبار الصحيحة للولاة.

٤- مؤازرة الوالي في موقفه، وعند عزله يكون بالتحقق من الأمر، وعلى الناس احترامهم.

٥- احترام الولاة بعد عزلهم.

٦- أن يحصلوا على مرتباتهم التي يعيشون منها.

كما كانت عليهم واجبات منها:

١- إقامة أمور الدين، وأن ينشروا الإسلام بين الناس وفي البلاد المفتوحة.

٢- إقامة الصلاة، وكان الخليفة هو من يقيم الصلاة في عصر الخلفاء الراشدين (الأربعة).

٣- تخطيط وبناء المساجد.

٤- تيسير أمور الحج للناس وتامينها.

٥- إقامة الحدود الشرعية، وهي كانت من أهم الأمور الموكلة إلى الوالي ويجب الحرص عليها.

٦- تأمين الناس في بلادهم، وإقامة الحدود على العُصاة والفاسقين.

٧- الجهاد في سبيل الله.

٨- تأمين أرزاق الناس، وتوزيع العطايا على المسلمين بالتساوي.

٩- تنفيذ المعاهدات.

١٠- رعاية أهل الذمة، واحترام عهودهم، وإعطائهم حقوقهم.

١١- مراعاة الأحوال الإجتماعية لسكان الولاية.

١٢- أوقات عمل الوالي، حيث كان “الوليد بن عقبة” اشتهر عنه أن داره لم يكن له باب، ويستقبل الناس في جميع الأوقات، فكان للوالي قسم ببيته مفتوح للناس متى أرادوا المجيء إليه، وكان ذلك مفصول عن أهله وأولاده.

سياسة عثمان مع الولاة وحقيقة ولاة عثمان:

يقول المؤرخون أن “عثمان بن عفان” يعين أقاربه على الولايات حتى ثار عليه الناس، فكان من أقاربه “معاوية” و”عبد الله بن سعد بن ابي السرح” و”الوليد بن عقبة” و”سعيد بن العاص” و”عبد الله بن عامر”، فكان عدد الولاة في عهد “عثمان” (26) والي، وكان منهم فقط (خمسة) من “بني أمية”، وكان الرسول ﷺ يستعمل “بني أمية” في حياته، وكذلك “أبي بكر وعمر”، وقد أثبت هؤلاء الولاة أقارب “عثمان” كفاءتهم في إدارة شؤون الولايات، وكان منهم:

1- معاوية:

لقد اشترك في غزوة حنين مع الرسول ﷺ، ودعا النبي ﷺ له: اللهم اجعله هادياً مهدياً، وكذلك مدح كثيراً من أهل العلم عليه، وكان منهم “عبد الله بن عباس” و”ابن كثير” و”أحمد بن حنبل” و”ابن تيميه”، كما أن “معاوية” اشترك في رواية الحديث.

2- عبد الله بن عامر:

قام بالكثير من الفتوحات، وقضى على آمال فارس، حيث قضى على آخر ملوكهم “يزدجر بن شهريار كسري”، وقام “عبد الله” بالكثير من الإصلاحات في البصرة، حيث كان والياً عليها، وقام بحفر حوض نسبة إلى أمه في البصرة.

3- الوليد بن عقبة:

كان من رجال الإسلام في عهد “أبي بكر وعمر” وذو كفاءة، وكان إدارياً وداعياً إلى الله يستعمل أساليب الحكمه، وكان خير ولاة الكوفة، وقال فيه “عثمان”: ما وليت “الوليد” لأنه أخي، وإنما وليته لأنه إبن “أم حكيم” البيضاء عمة رسول الله ﷺ، ولكن عندما أثار الحاقدين عليه في الكوفة الشائعات أنه يشرب الخمر، قام “عثمان” بإقامة الحد عليه وعزله عن الكوفة.

4- سعيد بن أبي وقاص:

كان من الذين اختارهم “عثمان بن عفان” لنصف المصحف، وكان “سعيد” رجل حكيم وشجاع، وعند وفاته جمع أبنائه وقال لهم: لا يفقدن أصحابي غير وجهي وصلهم بما كنت اصلهم به، واحروا عليهم ما كنت أحرى عليهم، واكفهم مؤنه الطلب، فإن الرجل إذا طلب الحاجة اضطربت أركانه، وارتعدت فرائضة مخافه أن يُرد، فوالله لرجل يتململ على فراشه يراكم موضعاً لحاجته أعظم منه عليكم مما تعطونه، ثم أوصاهم بوصايا كثيرة ثم توفى.

5- عبد الله بن سعد بن أبي السرح:

كان يقول المؤرخون في الغالب إذا ذكروا اسم “عبد الله بن أبي السرح” وتولية “عثمان” له على مصر أن يقولوا لقد ولى “عثمان” على مصر “عبد الله بن أبي السرح” اخاه من الرضاعة، وقد اتهم بعض المؤرخين “عثمان” بأنه يعين أقاربه، ولكنه كان من أقوى المرشحين لتلك الولاية بعد “عمرو بن العاص” نتيجة لتلك الخبرات، ويبدو أن “عبد الله بن سعد” تمكن من ضبط خراج مصر، وقام بالجهاد في عدة مواقع، ويبدو أن “عبد الله بن سعد” قام بغزو إفريقيا وفتحها عام (27 ه‍)، كما أن “عبد الله” أول قائد مسلم تمكن من اقتحام النوبة، وقاتل أهلها، وفرض عليهم الجزية، وكانت من أهم أعمال “عبد الله” العسكرية هي غزوة ذات الصواري، وانتصر فيها على الروم، وقال فيه الذهبي: ولم يتعد ولا فعل ما ينقم عليه، وكان أحد عقلاء الرجال وأجودهم.

وكانت مصر في أول أمرها هادئة إلا أن “عبد الله بن سبأ” وأمثاله تمكنوا من إثارة الفتن إلى أن وصلت إلى مصر، وثار الناس فيها واضطربت أحوالها نتيجة طرد الوالي الشرعي لها، وقد تمكن أقوام آخرين من الاستيلاء على الأمور بطريقة غير شرعية، وبث الكراهية في قلوب الناس تجاه الخليفة “عثمان”، ونشروا الأكاذيب عليه، ولما وقعت الفتنة بمقتل عثمان اعتزل “عبد الله بن سعد” وسكن عسقلان أو الرملة في فلسطين، ويقال أنه خرج إلى الرملة، فلما كان عند الصبح قال: اللهم اجعل آخر عملي الصبح، فتوضأ وصلى فسلم عن يمينه ثم سلم عن يساره فقبض الله روحه وتوفى.

6- مروان بن الحكم:

كان “مروان” من أخص أقارب “عثمان” وأوثقهم صلة، فجنب منزلة كاتم سر الدولة أو حامل خاتم الملك، ولم يكن بالبعيد عن قادة الرأي، وعرف عنه العلم والفقه والعدل، وكان سيد من سادات شباب قريش عندما على نجمه أيام “عثمان بن عفان”، وشهد له الإمام “ابن مالك” بالفقه، وكان الإمام “أحمد” يقول: كان عند “مروان” قضاء، وكان يتتبع قضايا “عمر بن الخطاب”، وكان “مروان” مِن أقرأ الناس للقرآن، كما كان له رواية للحديث الشريف، حيث روى عن بعض مشاهير الصحابة، وروي عنه بعضهم، كما روى عنه بعض التابعين، وكان حريصاً على تحري السنة والعمل بها.

ونأتي لاهمِ سؤالٍ هُنا، هل جامل “عثمان” أحد من أقاربه على حساب المسلمين؟، ولكن لو فعل “عثمان” ذلك لكان أقرب الناس إليه ربيبه “محمد بن ابي حذيفة” كان أولى الناس بهذه المجاملة، ولكن الخليفة رفض أن يوليه شيئاً ليس كفئاً له بقوله: يا بني لو كنت رضا ثم سالتني العمل لست عملتك ولكن لست هناك، ولم يكن ذلك كراهية له ولا نفوراً منه وإلا لما جهزه من عنده وحمله وأعطاه حين استأذن في الخروج إلى مصر، فكان “عثمان بن عفان” رضي الله عنه أسوة حسنة، فقد جهز جيش لغزو الروم في آخر حياته، واستعمل عليه “أسامه بن زيد”، “فعثمان” رضي الله عنه لم يسلم من الكثير من الباحثين غير المنصفين، فقد كان رضي الله عنه بحق الخليفة المظلوم الذي افترى عليه خصومه الأولون، ولم ينصفه المتأخرون.

الفتنة في عهد الخليفة عثمان:

كان سبب الفتنة هو “عبد الله بن سبأ اليهودي”، الذي دخل المدينة وأثار الناس على الخليفة، وقلب الناس خارج المدينة عليه في مصر والعراق والبصرة، وافترى عليه بالأكاذيب، وادعى أن الخليفة ضرب “عمار بن ياسر”، وأنه أحرق المصاحف، وأنه يولي أقاربه الولايات، مما أدى إلى إثارة الناس خارج المدينة الذين لم يروا “عثمان” ولم يعرفوا عدله وحكمه وحكمته، فخرج كثيراً من الناس من البصرة ومصر والعراق، وقاموا بمحاصرة “عثمان” في المدينة وقتلوه، وكان أيضاً هناك سبب آخر، وهو الحالة الإقتصادية التي كانت في الدولة الإسلامية، حيث كانت تتمتع بالازدهار والثراء الكبير في عهد الخليفة “عثمان”، حيث كان يوزع الثروات على الناس بشكل كبير، مما مما أثار الناس عليه وتبترهم عليه، وقد حدث في عام (35 ه‍) أن خرج اناساً من مصر والكوفة والبصرة بحجة أنهم يريدون الحج ويقال أن عددهم (6000) رجل، فنزلوا بالمدينة على أساس أنهم يحرمون منها، فقاموا بمحاصرة الخليفة في المدينة في داره، وطلبوا منه أن يعتزل الخلافة، وهناك سؤال مثير للإهتمام، وهو أين كان الصحابة، ولماذا لم يدافعوا عن “عثمان”؟

الحقيقة أن الصحابة كلهم لم يكونوا يسكنون بالمدينة، فمنهم من سكن خارج المدينة، ومنهم من كان بمصر، ومنهم من ذهب إلى الحج، حيث كانوا في موسم الحج، ولكن كان هناك قلة قليلة منهم بالمدينة، حيث استطاعت تلك القلة القليلة من الصحابة الموجودون بالمدينة دخول منزل الخليفة “عثمان” لحمايته من الثوار، فكان منهم “الحسن والحسين” و”طلحه بن عبيد الله” و”أبي هريرة” لحماية الخليفة “عثمان” في داره، ودخل “زيد بن ثابت” إلى الخليفة “عثمان” يخبره بأن هناك (700) من الأنصار بالمدينة يتعهدون بحماية “عثمان”، كما فعلوا قبل ذلك مع الرسول ﷺ، ولكن “عثمان” رفض قائلاً: كل من يرى أن لي عليه السمع والطاعة فليذهب إلى بيته، مما يدل على شجاعته، وقام الخليفة بمشورة أناس من صحابته فرأى في النهاية أنه لن يفتح لهم باب داره، ولكن استطاع هؤلاء الثائرين دخول بيته، وقاموا بقتله وهو صائم في ذلك اليوم والمصحف بين يديه، رحم الله الشهيد صاحب رسول الله ﷺ وأمير المؤمنين والخليفة “عثمان بن عفان” رضي الله عنه.

المراجع/
1- سيرة أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله عنه (لدكتور: علي محمد محمد الصلابي).
2- مباحث في علوم القرآن (لدكتور: مناع بن خليل القطان).

——————————————————————————
((كل هذا في اطار مبادرة حكاوي لنشر الوعى الأثري و الترويج و دعم السياحة المصرية تحت اشراف فريق ديوان التاريخ))

#مبادرة_حكاوى
#الموسم_الخامس
#أصل_التاريخ_ديوان_التاريخ

تعليقات

لم يتم إضافة تعليقات لهذا المقال.

مقالات قد تهمك

مقالات موقع المنصة المعرفية

  • اخر المقالات في التاريخ
  • اخر المقالات
  • الاكثر شيوعا ف التاريخ
  • الاكثر شيوعا