القاهرة الرومية
كتبت/ روناء نصر
المقدمه:
أقامها الخديوي “اسماعيل” على غرار باريس وقد لا يعرف الكثيرون أنه تم تعديل مسار نهر النيل كجزء من تجميل القاهرة ، ونقل مجرى النهر بعد (آلاف السنين) من الثبات فكما يشق نهر السين باريس أصبح نهر النيل يشق القاهرة وكان مجرى نهر النيل يشق طريقه فى المنطقة الغربية ممتدا من قرية الجيزة القديمة التى تقع عند نهاية كوبرى “عباس” الحالي ، وتجرى مياهه محاذية لشارع الدقى الحالى مارا ببولاق الدكرور والعجوزة وامبابة.
اعاده تخطيط القاهره:
وكان أول عمل فكر فيه الخديوي “إسماعيل” بعد توليه الحكم هو إعادة تخطيط القاهرة ، وتعميرها وطلب الخديوي من “نابليون الثالث” بأن يساعده على تكليف المهندس المعمارى العالمى “هاوسمان” الذي سبق وقام بتخطيط باريس.
وجاء “هاوسمان” إلى القاهرة وطلب منه “إسماعيل” أن يعكس في تخطيط القاهرة وتعميرها صورة باريس ، وكانت حديقة الأزبكية صورة حديقة لوكسمبرج الباريسية ، وحدائق الأورمان هي غابة بولونيا ، واتخذ نهر النيل مساره الجديد فى (أواخر عام ١٨٦٥ م) استغرقت عملية التحويل (ثمانية عشر شهرا).
ومن نتيجة حفر النهر لمجراه الجديد قامت منطقة الزمالك الحالية التي تحولت إلى شاطيء للنزهة ، وأصدر “اسماعيل” قرارا بإتقان أي مباني سوى الزمالك ، وهو لفظ ألبانى معناه العشش ، ومنه اتخذت الزمالك اسمها الحالي.
واشتمل التخطيط الجديد اقامة (أول جسر) على نهر النيل ، وكان قبلها يتم عبور النهر على قنطرة من القوارب المصفوفة.
وبدأ العمل في اقامة كوبرى قصر النيل عام (۱۸٦٩م) ، واستكمل بنائه خلال (عام ونصف) ، وكلف الخديوي أحد المثالين الفرنسيين لصناعة تماثيل ميادين القاهرة وعمل (أربعة) تماثيل (لأربعة) سباع من البرونز وأقيم كل تمثالين منها على مدخل من مدخلى الكوبرى.
القاهره الروميه:
أقيمت القاهرة الجديدة بتخطيطها الفرنسي ، وفي البداية لم يقطنها سوى الأجانب ، وبدأ التجار وكبار الأعيان ينتقلون اليها بعد تكدس القاهرة القديمة ، ومن أجل توافر المياه والكهرباء والصرف الصحي أى أن قوة الطرد من القاهرة القديمة كانت أشد من قوة الجذب إلى الأحياء الجديدة أقيمت القاهرة الرومية إذاً في عصر “اسماعيل” .
وحتى نهر النيل قد غيروا مجراه فيها أما القاهرة العتيقة فقد تحلقت حول القلعة ، وأقيمت حول الأزهر الشريف وعند أقدام قلعة صلاح الدين والجمالية والموسكى والغورة وانحسر القلب بالتدريج وانتقل الى مكان جديد ، فالنشاطات التجارية والاقتصادية مع التحول الحضاري ما بين الحربين ، أخذت تقضى على المتاجر الوطنية المتوسطة والصغيرة ، وسعت العاصمة دائما الى البعد عن النيل حتى تتجنب عنف النهر وفيضانه ، وأقدم أثر إسلامى “ابن طولون” اقيم على ربوة عالية .
كانت القاهرة فى ماضيها مدينة محدودة النطاق ، وكانت لها أسوار وأبواب ، وكان حراسها يطوفون أرجاءها يطمئنون على سكانها وهى تقف عاجزة عن وقف زحف القادمين ، وتاريخ التمدن هو في حقيقته تاريخ المدن ، تنتقل الحداثة من العاصمة إلى خارجها أى أن حل مشاكل القاهرة هو المدخل الطبيعى والوحيد لحل مشاكل مصر كلها ، وهو المدخل الحقيقى لمواجهة (القرن الواحد والعشرين) .
المحافظه علي القاهره واثارها:
هذا المشروع ليس جديدا وتمتد المطالبة به إلى ما يزيد على (قرن) من الزمان ، فهو قائم منذ (عام ۱۸۸۱م) أى قبل الاحتلال البريطاني لمصر ، فقد طالبت لجنة الحفاظ على الآثار بإقامة حرم لهذه المنطقة ، ونادت بترميم آثارها ، ومن يومها لم تتوقف الجهود من أجل الحفاظ على هذه الآثار ، ولكن المدهش أنه كلما زادت المطالبة زاد تدهور هذه الآثار ، وعانى الحى مع الزمن من الشيخوخة والعشوائية . ومن يراجع مضابط المجلس النيابي في عهود متلاحقة ومختلفة ، يلاحظ عدد المرات التي أثير فيها موضوع الحفاظ على الآثار الإسلامية في شارع المعز ، وكثرة الوعود التي قدمتها الحكومات المختلفة في قاعة البرلمان واتخذت الحكومة قرارات مهمة للحفاظ على هذه الآثار في (السبعينات) وتقضى هذه القرارات :
1 – تكوين هيئة مهمتها الحفاظ على هذه المنطقة وترميمها من الأموال المتاحة محليا ودوليا.
2 – إصدار قرار بوقف أى هدم أو بناء لأغراض تجارية في المنطقة التاريخية من المدينة.
3 – منع استخدام الأسمنت المسلح في ترميم أو إعادة بناء في المنطقة التاريخية إلا بإذن مسبق وللأسف كم من التراخيص أعطيت لهذا القرار.
بعد ذلك فقد تحولت هذه القرارات بالتدريج إلى مجرد حبر على ورق ويبدو أن طاقة الإنقاذ أضعف من عاديات الزمن ، وطاقة الصيانة والترميم أضعف من عناصر الانهيار ، والاستجابة أضعف من التحدى وبعد دورة تاريخية ، تعود الآثار الإسلامية إلى (الخانة الأولى) التي بدأت منها ، فأصبحت لأول مرة تواجه خطر الانهيار ، هذا مع وجود هيئة الآثار التى من مهمتها الحفاظ على الآثار وترميمها ، وبعد في كلية الآثار مع قاعدة أكاديمية واسعة للبحث عن كل جديد ، وتخرج كلية الآثار كل عام المؤهلين لوضع الخطط والبرامج للحفاظ عليها ، كما تقوم جمعيات أهلية لنفس ذات الغرض ، ولكن ظهر أخيرا أن كل هذا لا يكفى وتنقصه الروح التي تسري وتدفعه الى الهدف.
المرجع/
مدن لها تاريخ
——————————————————————————
((كل هذا في اطار مبادرة حكاوي لنشر الوعى الأثري و الترويج و دعم السياحة المصرية تحت اشراف فريق ديوان التاريخ))
#مبادرة_حكاوى
#الموسم_الخامس
#أصل_التاريخ_ديوان_التاريخ