الدولة الرستمية هي إحدى الدويلات التي نشأت في الجزائر في فترة الخلافة العباسية، دولة أسسها عبد الرحمن بن رستم الذي ينتسب إلى الخوارج الإباضية الذين عادوا العباسيين ووضعوا نصب أعينهم الاستيلاء على الجزائر وتأسيس دولة لهم فيها.
فكان لهم ما أرادوا ليستمروا في الحكم أكثر من قرن، حتي اندلعت فتنة فيها النكار التي وضعت النهاية لهذه الدولة لتسقط في أيدي الفاطميين، إنها الدولة الرستمية تابعون للنهاية، لنعرفكم على تاريخ تلك الدولة من البداية إلى النهاية.
ظهور الخوراج في الدولة الإسلامية
قبل نحدثكم عن الدولة الرستمية التي أسسها الخوارج الإباضية، يجدر بنا أن نرجع قليلا إلى الوراء لنتعرف على نشأة الخوارج والظروف التي أحاطت بنشأة تلك الدولة.
فقد كانت البداية من عصر الخليفة الراشد الرابع علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وذلك بعد معركة صفين.
حيث اتفق فريق علي بن أبي طالب ومعاوية بن أبي سفيان على التحكيم ليسير بعدها علي عائدا إلى الكوفة، وفي طريق انشقت جماعة ممن كانوا رافضين لمسألة التحكيم وخرجوا على عليه فسموا بالخوارج.
كان الخوارج كثيري الانشقاق والخروج على بعضهم والبعض، وتكفير بعضهم بعضا لأقل الأسباب لذا تعدد تفرقهم، فنجد بينهم السفرية و الأزارقة والعجاردة، والميمونية، و النجداتـ والإباضية وغيرهم الكثير.
وقد انقسم الخوارج إلى قسمين في طريقة تعامله مع الخلافة الإسلامية، قسم واجه دولة إسلامية بالعنف ومنهم الخوارج السفرية و الأزارقة و النجدات.
والقسم الآخر فضل العمل السري حتى يتحقق له التمكين، وهذا ما لجأ إليه الإباضية.
كيف كانت نشأة الدولة الرستمية
تنسب الدعوة الإباضية إلى عبد الله بن إباض التميمي الذي تسمت الدعوة باسمه، وفي تلك الفترة، كانت بلاد المغرب مسرحا لنشاط العديد من الحركات الخارجة عن الخلافة، ولما كان البربر يميلون إلى الثورة ويعارضون الأمويين والعباسيين، فقد انتسب الكثير منهم إلى تلك المذاهب الخارجة.
دخلت الدعوة الإباضية إلى إفريقية في النصف الأول من القرن الثاني، وأخذت في الانتشار بين البلاد الإسلامية ووصلت إلى المغرب وانتشرت في جميع أرجاءه.
وفي عام 140 للهجرة بايع الإباضية أبو الخطاب عبد الأعلى من السمح المعافر في ليبيا ودانت له طرابلس ثم القيروان، وبرقة وفزان، واختاروا أبا خطاب عبد الرحمن بن رستم قاضيا في طرابلس، وحرر القيروان من السفريين الذين كانوا يحكمونها، ووصل امتداد انتشار الإباضية حتى مدينة وهران الجزائري.
في عام 142 للهجرة اشتبك الجيش العباسي مع الإباضيين في جدامس وتاورغاء، فكانت الهزيمة من نصيب العباسيين، فأرسل الخليفة أبو جعفر المنصور جيشا من الأغالبة آخر بقيادة محمد بن الأشعث الخزاعي لقتال الإباضية، فهزم الأغالبة الإباضية، وقتلوا قائدهم أبو الخطاب.
قبل هزيمة أبي الخطاب، كان عبد الرحمن بن رستم في طريقه لنجدته، لكن عندما بلغه خبر مقتل قائده فر عبد الرحمن ابن رستم من القيروان باتجاه تيهرت التي كانت مع قلة للإباضية في الجزائر، ليؤسس هناك الدولة الرستمية الإباضية عام 160 للهجرة.
حيث توافد عليه مجموعة من وجهاء و علماء الإباضية، وبويع له بالإمامة.
يرجع نسب عبدالرحمن ابن رستم مؤسس الدولة الرستمية إلى الفرس، إذ يعود إلى بهرام بن ذي شرار بن سابور بن باباكان الملك الفارسي كما يذكر بعض المؤرخين.
ويقول العالم بن خلدون أن عبد الرحمن بن رستم هو ابن قائد الفرس في موقعة القادسية الشهيرة بين الجيشين الإسلامي والفارسي.
بعد مبايعته بالإمامة، باشر عبد الرحمن بن رستم تأسيس دولته فكانت البداية ببناء مدينة تيهرت لتكون عاصمة للدولة الرستمية حتى صارت هارت منارة علمية وثقافية وحضارية وصارت ملتقى التجار والعلماء والطلبة من جميع أنحاء العالم الإسلامي.
علاقة الدولة الرستمية الإباضية بالدولة العباسية والأندلس
وبالنظر إلى علاقة الدولة الرستمية بالدول المجاورة، نجد أن الدولة الرستمية قد قامت بالأساس على معاداة العباسيين، ودخلت في كثير من الحروب معهم، لأن العباسيين كانوا يعتبرون بلاد المغرب كلها ميراث شرعيا تركه الأمويون لهم.
وكان من الطبيعي أن يعادي الإباضيون الأغالبة الذين كانوا يحكمون تونس تحت سلطة الدولة العباسية.
أيضا، فقد كان الإباضبون ألد أعداء الأمويين، وقد خرجوا عليهم في القرنين الأول والثاني للهجرة، لكن رغم ذلك فقد ربطتهم علاقة جيدة بالدولة الأموية في الأندلس التي أسسها الأمير عبد الرحمن الداخل بعد سقوط الدولة الأموية في دمشق.
ويرجع السر وراء تلك العلاقة التي ربطت الأمويين ب الدولة الرستمية إلى عبد الرحمن الداخل، حين فر من العباسيين لجأ إلى الجزائر، واقام بين بني رستم الذين حافظوا عليه وأجاروه من الأخطار التي كانت تواجهه،
ومن هنا كان من الطبيعي أن يحدث التآلف بين أمراء بني أمية في قرطبة وبين الرستميين في تيهرت، ثم إن الأمويين في الأندلس كانوا محط اعداء العباسيين، الامر الذي دفع أمراء بني أمية إلى توطيد علاقتهم بالرستميين، خاصة وأنه لم يعد أمامهم من منفذ إلى بلاد المغرب سوى الجزائر.
لأن تونس قامت فيها دولة الأغالبة الموالية للعباسيين كما ذكرنا، والمغرب الأقصى قامت فيه دولة الأدارسة الشيعية، التي كانت علاقتها ب الأمويين في الأندلس تتسم بالعداء.
وبقيام هاتين الدولتين، أوصدت جميع والمنافذ والسبل في وجه الإمارة الأموية، وبذلك أصبحت الدولة الرستمية هي الشريان الحيوي الوحيد الذي بإمكانه تغذية تلك الإماراة بالحياة، والتعاون معها سياسيا واقتصاديا وحضاريا.
كما تحالف عبد الرحمن بن رستم مع دولة بني واسول والمدارية الخارجية في سجلماسة جنوب المغرب لتقوية دولته، ويرجع السبب وراء ذلك إلى أن دولة بني مدرار كانت تتبع المذهب السفري القريب من المذهب الاباضي والأمر نفسه ينطبق على العلاقة مع دولة الأدارسة.
وقد نتج عن التحالف بين الدولة الرستمية والدولة المدرارية مساهرة تمت بزواج أروي بنت عبد الرحمن ابن رستم من المنتصر ابن اليسع بني مدرار ملك جنوب المغرب.
كانت الدولة الرستمية تتمتع بعلاقات قوية مع إباضية المشرق وقد حصلت على مساعدات مالية كبيرة من إباضية المشرق خصوصا من عمان والبصرة.
انهيار الدولة الرستمية وسقوطها
في عام 168 للهجرة توفي عبد الرحمن بن رستم بعد أن تمكن من التوسع في أجزاء واسعة من الجزائر، وقد ترك عبد الرحمن ابن رستم الأمر شورى في سبعة أشخاص من بينهم ابنه عبد الوهاب الذي مالت الأغلبية إلى مبايعته وسلمت له بالسلطة.
في الوقت الذي بقي فيه المعارضون لخلافته على موقفهم فسموا بالنكار أو النكارية لأنهم أنكروا إمامة عبد الوهاب بن عبد الرحمن.
وكانت تلك الفتنة إحدى أهم عوامل انهيار الدولة الرستمية، فقد تتابع على عرش الدولة الرستمية عدد من الأمراء من سلالة عبد الرحمن بن رستم، كان آخرهم أبو اليقظان شقيق إمام الدولة الرستمية يوسف أبو حاتم.
وقد قام إثنان من أبناء أبي اليقظان بقتل عمهما ووليا مكانه والدهما أبي اليقظان وكان هذا الحادث إيذانا بسقوط الدولة الرستمية إذا عرض الناس عنهم و انفضوا من حولهم واستنكروا فعلتهم.
ولم يكد يمضي على هذه الحادثة غير وقت قصير حتى قادم الفاطميون ليقتلوا أبا يقظان وولديه وبقية أفراد الأسرة الرستمية باستثناء أحدهم، وهو أبو يوسف يعقوب بن أفلح، الذي تمكن من النجاة، وبذلك انتهت الدولة الرستمية الإباضية عام 296 للهجرة.
نأمل بأن يكون المحتوى قد نال إعجابكم، ابقوا في امان الله والسلام.
