في غابر الأزمان وفي عصر ما قبل الطوفان العظيم طوفان نوح عليه السلام، عاش نبي الله نوح عليه السلام يدعو قومه إلى ترك الشرك والطغيان، وتوحيد الواحد الديان سبحانه وتعالى، ولكنه ما وجد من قومه إلا آذانا صما وقلوبا غلفا، ترفض التوحيد والإيمان.
فدعا عليهم، بعد أن أوحى الله له بأنهم لن يؤمنوا، واستجاب الله عز وجل دعاءه، وفتحت أبواب السماء بماء منهمر، وتفجرت العيون من الأرض، فعاقبهم الله تعالى بالطوفان العظيم، وجعل منهم العظة والعبرة لغيرهم إلى يوم القيامة.
اهلك الله تعالى بالطوفان كل فاجر، وكفار على وجه الأرض، ولم ينجو إلا من آمن بنوح عليه السلام، وركب معه السفينة.
وأهلك الله تعالى زوجة نوح عليه السلام، وكذلك ابنه كنعان الذي كفر ونجا نوح عليه السلام، ومعه أبناؤه الثلاثة سام وحام ويافث، ليبدأ نوح وأبنائه الثلاثة بعد الطوفان العظيم، حياة جديدة عامرة بتوحيد رب العالمين سبحانه وتعالى.
نقلب بين صفحات التاريخ والأزمان، لنتعرف معا على قصة أبناء نوح الثلاثة وعهد ما بعد الطوفان العظيم كاملة، من هم؟ وماذا حدث لهم؟ وكيف بدء العهد الثاني للبشر بعد الطوفان العظيم؟ وكيف تناسلت منهم الأمم؟
الطوفان العظيم طوفان نوح عليه السلام
خلق الله تعالى آدم عليه السلام بيديه، وأسكنه جنته، ثم أهبطه إلى الأرض ليعمرها، ويقيم فيها توحيد رب العالمين سبحانه وتعالى.
عاش ادم عليه السلام وذريته من بعده يعبدون رب العالمين سبحانه وتعالى، ويوحدونه ولا يعبدون غيره طيلة عشرة قرون من الزمن.
ثم دب الشرك في أهل الأرض، وكفروا بالله تعالى وعبد ومعه غيره، فكان الكفر أول ما كان في قوم نوح عليه السلام حيث عبدوا الأصنام من دون الله تعالى، وكانت هذه التماثيل التي عبدوها قد أقاموها ذكرى لرجال كانوا صالحين ومحبوبين في قومهم،
فلما ماتوا استطاع شيطان أن يدلس عليهم، ويغويهم بأن يقيموا هذه التماثيل ذكرى لهؤلاء الرجال، فأقاموها ونصبوها في مجالسهم التي كانوا يجلسون فيها، وسموها بأسمائهم.
هذه التماثيل ظلت كذلك باعتبارها ذكرى لهؤلاء الرجال الصالحين، حتى ذهبت أدي أجيال وجاءت أجيال أخرى، وازداد في تعظيم هذه التماثيل والتبرك بها، حتى انتهى بهم الأمر إلى أن عبدوها من دون الله عز وجل.
كانت هذه هي بداية الكفر والشرك بالله العظيم في قوم نوح عليه السلام، فأرسل الله تعالى له من بيه ونوحا عليه السلام. قال الله تعالي في سورة نوح {وَقَالُوا لَا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلَا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلَا سُوَاعًا وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا (23)}
فكان نوح عليه السلام أول نبي أرسل إلى قومه، يدعوهم إلى عبادة الله وحدi، فلبث فيهم ألف سنة إلا 50 عاما، يدعوهم ليلا ونهار، سرا وجهارا، فاستعرضوا عنه، واستنكروا أن يرسل إليهم بشر، وليس ملكا من الملائكة.
قال الله تعالي في سورة الأعراف. {لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَىٰ قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَٰهٍ غَيْرُهُ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (59)}.
ظل نوح عليه السلام يدعوهم ويحذرهم العاقبة الوخيمة لكفرهم، لم يملأ ويأس من دعوتهم، ولكن دعا نوح قومه، ولبث فيهم ألف سنة إلا 50 عاما. يدعوهم إلى عبادة الله وحدة، وترك عبادة الأصنام.
كما قال سبحانه في سورة العنكبوت {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَىٰ قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا فَأَخَذَهُمُ الطُّوفَانُ وَهُمْ ظَالِمُونَ (14)}.
لم يؤمن به إلا قلة قليلة من المستضعفين، بالرغم من أنه لبث فيهم طيلة هذه السنين والقرون، وهو يحذرهم من عقاب الله تعالى، فكذبوه، وأصروا على كفرهم واستكبارهم، ومكروا مكرا كبارا، فاحتالوا في إضلال الناس بكل حيلة.
كانوا كلما انقرض جيل يوصون من بعدهم بعدم الإيمان بنوح عليه السلام، ومحاربته ومخالفته، وكان الوالد إذا بلغ والده وعقل يوصيه فيما بينه وبينه، أن لا يؤمن بنوح أبدا.
وأوحي إلى نوحا أنه لن يؤمن من قومه إلا من قد آمن، فدعا على قومه الكافرين، وتوجه إلى ربه، ودعاه أن ينتصر له منهم.
قال تعالى في سورة المؤمنون. {قَالَ رَبِّ انصُرْنِي بِمَا كَذَّبُونِ (26) فَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ أَنِ اصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا فَإِذَا جَاءَ أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ ۙ فَاسْلُكْ فِيهَا مِن كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلَّا مَن سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ مِنْهُمْ ۖ وَلَا تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا ۖ إِنَّهُم مُّغْرَقُونَ (27)}.
وصنع السفينة بأمر الله، وقومه كلما مر عليه، وهو يصنع سفينة يستهزئون به وبما يصنع، فهم لا يرون شيئا من الماء الذي سوف تسير فيه هذه السفينة، ولكنه أكمل ما أمره الله تعالى به.
ولما أتم نوح عليه السلام صنع السفينة، ظهرت علامات بدأ العذاب بتفجير العيون من الأرض، ونزول الماء من السماء.
أمر الله تعالى نوح عليه السلام بأن يحمل في السفينة من الأحياء والحيوانات زوجين إثنين ذكرا وأنثى، ليبقى ويستمر نسلها، كما أمره الله أن يحمل معه أهله ماعدا من كفر منهم، وهم إحدى زوجاته وأحد أبنائه، كما أمر الله أيضا أن يحمل معه المؤمنين به وهم قليل.
قال تعالى {حَتَّىٰ إِذَا جَاءَ أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا مِن كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلَّا مَن سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ وَمَنْ آمَنَ ۚ وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ (40) ۞ وَقَالَ ارْكَبُوا فِيهَا بِسْمِ اللَّهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا ۚ إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ (41)}
اغرف الطوفان كل شيء، ولم ينجو إلا من آمن مع نوح عليه السلام وقيل أنهم كانوا قرابة ال80 شخصا فقط.
وأهلك الطوفان، الجميع، وكان ممن لك في الطوفان زوجة نوح عليه السلام، وابنه الذي يظن أنه سينجو حينما التجأ إلى جبل مرتفع ظنا منه أن الماء لن يصل إليه.
فقال له سيدنا نوح عليه السلام إنه لا نجاة اليوم إلا برحمة من الله لكنه استمر على كفره، وكان من المغرقين بسبب ذلك.
ذكر الله تعالي في القرآن الكريم قصة ابن نوح الذي لم يؤمن في سورة هود،
{وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَالْجِبَالِ وَنَادَىٰ نُوحٌ ابْنَهُ وَكَانَ فِي مَعْزِلٍ يَا بُنَيَّ ارْكَب مَّعَنَا وَلَا تَكُن مَّعَ الْكَافِرِينَ (42) قَالَ سَآوِي إِلَىٰ جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاءِ ۚ قَالَ لَا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا مَن رَّحِمَ ۚ وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكَانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ (43)}.
وقيل اسمه بن نوح الذي لم يؤمن كنعان، والذي تسميه العرب يام، ولكن لم يثبت في اسمه شيء من القرآن أو السنة، وهو الذي ناداه سيدنا نوح عليه السلام ليركب معه السفينة لينجو من الغرق فظن أن الماء لن يصله، لأنه كان في مكان مرتفع على الجبال.
فقال له سيدنا نوح إنه لا نجاة اليوم إلا برحمة من الله، لكنه استمر على كفره، فكان من المغرقين.
أحداث بعد الطوفان العظيم
ونجي مع نوح عليه السلام أبنائه الثلاثة، وشاء الله تعالى أن يكون كل من نجي معه في السفينة عقيما، فكل من ولد بعد الطوفان هو من ذرية نوح عليه السلام، ولذلك هو أبو البشر الثاني بعد آدم عليه السلام. {وَجَعَلْنَا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْبَاقِينَ (77)}.
بعد انتهاء الطوفان، بدأت الحياة من جديد قائمة على توحيد رب العالمين. قال تعالى. {قِيلَ يَا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلَامٍ مِّنَّا وَبَرَكَاتٍ عَلَيْكَ وَعَلَىٰ أُمَمٍ مِّمَّن مَّعَكَ ۚ وَأُمَمٌ سَنُمَتِّعُهُمْ ثُمَّ يَمَسُّهُم مِّنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ (48)}.
أبناء نوح الثلاثة
تناسل أبناء نوح عليه السلام، فكل أمم أهل الأرض اليوم هو من نسل نوح عليه السلام، و أبناء نوح عليه السلام، الذين نجوا معه، كما يذكر أهل العلم ثلاثة هم: سام، وحام، ويافث،
قال سعيد بن المسيب رحمه الله ولد نوح ثلاث أولاد سام وحام ويافث.
- فولد سام العرب وفارس والروم
- وولد حام السودان، والبربر والقبط،
- وولد يافث الترك او الصقالبة ويأجوج ومأجوج.
وقال وهب بن منبه رحمه الله سام أبو العرب، وفارس والروم، وحام أبو السود، ويافث أبو الترك، وأبو يأجوج ومأجوج، وهم بنو عم الترك.
وفاة سيدنا نوح عليه السلام
بعد أن عاش نوح عليه السلام، هذه الحياة التي امتدت طيلة قرون، وهو يدعو إلى توحيد رب العالمين سبحانه وتعالى، حان الأجل، فلا بد من الموت مهما طال العمر، وها هو نوح عليه السلام، عاش قرابة الألف عام ووافاه الأجل.
ولما جاء ملك الموت إلى نوح عليه السلام، قال يا أطول النبيين عمرا، كيف وجدت الدنيا ولذاتها؟ قال كرجل دخل بيتا له بابان، فقام في وسط البيت، هنيه، أي القليل من الزمن، ثم خرج من الباب الآخر.
هذه كانت قصة نبي الله نوح عليه السلام، لتكون فيها من العظة والعبرة لكل إنسان، ليدرك أن الموت آت، وإن طال الزمان، وأن العمر إنما هو أيام تنقضي مع غروب شمس كل يوم، لتسدل الستار على قصة روحه التي منحت فرصة نيل للسعادة الأبدية في الجنة.
فيا فوزها إن كان سعيها في تحصيل هذه السعادة، ويا خسارتها إن قصرت.
وفرطت ولما حضرت الوفاة نوحا عليه السلام، أوصى ابنه، فقال إن قاص عليك الوصية، آمرك بإثنتين، وأنهاك عن إثنتين آمرك بلا إله إلا الله، فإن السماوات السبعة، والأراضين السبع لو ضعن في كفة، ووضعت لا إله إلا الله في كفة لرجحت بهن،
ولو أن السماوات السبعة، والأراضين السبعة، كن حلقة مبهمة، لقسمتهن لا إله إلا الله.
وسبحان الله وبحمده، فإنها صلاة كل شيء، وبها يرزق كل شيء،
وأنهاك عن الشرك والكبر، هذا والله تعالي أعلى وأعلم. وصلي اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
