الخلافة العباسية
كتب/ 1- زينب عيسى
2- ياسمين أحمد
3- شرين محمد
4- شمس محمد
#فرع_القاهرة
قيام الدولة العباسية:
لم يكن قيام دولة الخلافة العباسية مجرد بيعة خليفه دون الآخر أو انتقال الأمويين إلى العباسية، بل يعد ثورة شاملة في تاريخ العالم الإسلامي، وكان سبب قيام الدولة العباسية تذبذب سياسة الأمويين، فإستغل العباسيون ذلك لصالحهم، وقد تمكن “أبو مسلم الخراساني” الذى وجهه “إبراهيم بن علي” إلى خراسان لإظهار الدعوة العباسية، واستولى على فارس ثم إتجه بجيوشه نحو العراق وتمكن من هزيمة الجيوش الأموية، ودخل البصرة والكوفة سنة (١٣٢ ه)، وفي هذا الوقت توجه “أبو السفاح” الذى خلف أخاه “إبراهيم الإمام” في رئاسة الدعوة إلى الكوفة، وخطب في الناس معلنًا قيام الدولة العباسية.
أهم خلفاء العصر العباسي:
“أبو العباس عبدالله السفاح” (132-136 ه/750 – 754 م):
“أبو العباس السفاح” هو “عبدالله بن محمد بن علي بن العباس”، ولد في عام (105 ه/723 م) بالحميمة من أرض الشراة من البلقاء بالشام، وتم المبايعة له بالخلافة في الكوفة عام (132 ه /749 م)، وانتقل إلى الأنبار شمال الكوفة على نهر الفرات، وبني مدينة بجوارها لنفسه عرفت بهاشمية الأنبار، أقام فيها حتى وفاته (136 ه/754 م)، وقضى “أبو العباس” معظم عهده في تثبيت حكمه، فحارب القادة الذين ناصروا الأمويين ثم تخلص من بعض القادة الذين ساندوه في الوصول للحكم بعدما بدرت منهم بوادر انفصالية مثل “أبا سلمة الخلال”، وكان كريمًا وقويًا وعاقلًا كثير الحياء حسن الأخلاق، وهو أسخى الناس ما وعد شيئًا فاخره عن وقته، ولا قام من مجلسه حتى يقضيه.
الأوضاع الداخلية في عهد أبو العباس:
حين بويع “العباس” للخلافة كان لا يملك إلا ما ملكه جنده، فجيوشه تستعد للجولة الأخيرة مع الأمويين، والأمور كلها بيدي القواد والدعاة، فكانت مهمة شاقة وعسيرة، وكان عليه أن يثبت أقدام العباسيين في الحكم ويوطد أركانهم، وكان يستعين بإخوانه وأعمامه وأبناء إخوته، ويشركهم في أمره حتى لا يستأثر القواد والدعاة بالأمر دونهم من جهة، ومن ناحية أخرى أراد أن يقلل السلطة تدريجيًا حتى تصل إلى أيدي الأسرة العباسية، والتفت “أبو العباس” إلى تصفية جيوب الأمويين، فبعد أن هزمت قواته بقيادة عمه “عبدالله بن علي” قوات “مروان الثاني” على الزاب وطاردته حتى مصر وقتلته هناك نشبت الفتن والاضطرابات الداخلية ضد حكمه في المناطق العربية مثل فلسطين والشام والجزيرة، التي كانت مركزًا للنفوذ الأموي ثم خشت قوات “مروان الثاني” على أنفسهم من قوات العباسيين الذين أظهروا قسوة شديدة في معاملة أعدائهم، كما طمع بعضهم في إعادة إحياء الدولة والخلافة الأموية، والتفت “أبو العباس” إلى معالجة قضية تمرد “يزيد بن هبيرة”، وكان متخصنًا في واسط، فأرسل “أبو سلمة” جيشًا بقيادة “الحسن بن قحطبة” حاصره فيها وجرت مناوشات بين الطرفين لم تسفر عن نتيجة مما دفع “أبا العباس” أن يرسل أخاه “أبا جعفر” ليقود حصار واسط بنفسه.
ولما أتى “ابن هبيرة” خبر قتل “مروان الثاني” طلب الصلح، وأسفرت المفاوضات على أن يتم منح “ابن هبيرة” وأنصاره الأمان، وبعث “أبو جعفر” بكتاب الأمان إلى الخليفة الذي استشار “أبا مسلم” في ذلك، وبناءًا على نصيحة هذا الأخير أمر “أبو العباس” بقتل “ابن هبيرة” وعدد من أصحابه، وتمت تصفية الجيوب الأموية، وحانت الفرصة للسفاح أن يتخلص من وزيره بعد أن قضى على الحركة المناهضة لحكمه، وثبت أقدامه في حكمه، لكن “داوود بن علي” نصحه أن يكتب إلى “أبا مسلم” يشرح له ما كان من أمر “أبي سلمة” حتى لا يستوحش أمره فأرسل “أبو مسلم المرار بن أنس الضبي” ليقتله، وقد تمكن له مع “أسيد بن عبد الله”، وقتلاه في (شهر رجب عام 132 ه/ شهر شباط 749 م).
الأوضاع الخارجية في عهد أبي العباس:
تعرضت بلاد ما وراء النهر لخطر كبير من جانب الصينيين، فقد استغل هؤلاء تزعزع أوضاع المسلمين، والفراغ الذي أحدث سقوط له الأتراك الغربييون لبسط سلطتهم على بلاد ما وراء النهر، واعتاد الحكام السابقون أن يرسلوا بسفارات إلى الصين منذ عهود بعيدة ليقدموا الولاء للإمبراطور الصيني فأخذوا يمدون يد العون إلى الحكام المحليين المناوئين للحكم الاسلامي، والواقع أن الصراع بين الطرافين الإسلامي والصيني كانت تحركه دوافع حضارية وتجارية، وكان السؤال المطروح: أيهما كانت ستكتب لها الغلبة على تلك البقاع الحضارة الإسلامية والحضارة الصينية، فكان من الناحية التجارية كان المسلمون يبسطون سيطرتهم على الطرق العالمية مع الشرق والهند والصين، وتحجيم الدور الصيني في التجارة العالمية.
أبو جعفر هارون الرشيد:
“أمير المؤمنين ابن الهدي القرشي الهاشمي أبو جعفر”، وأمه “الخيزران أم ولد”، بويع له بالخلافة بعد وفاة أخيه الهادي (170 ه/789 م) بعهد أبيه، وظهر “الهدي” وعمره (خمسة وعشرين) عام، وظهرت عليه ملامح النجابة والذكاء منذ الصغر، ولما أصبح شابًا هم والده أن يرشحه للخلافة من بعده مباشرة، ويعتبر “الرشيد” من أوسع الخلفاء العباسيين شهرة، وقد تجاوزت شهرته الشرق ووصلت إلى الغرب، حيث تناولها المجتمع الغربي بالتحليل والدراسة، وحاول بعض ملوك أوروبا التقرب لاكتساب مودته.
الأوضاع الداخلية في عهد الرشيد:
العلاقة مع الطالبيين حيث أراد الرشيد في مستهل حكمه أن يستميل الطالبيين عن طريق الرفق بهم بهدم سياسة “الهادي” العنيفة تجاههم، فمال إلى التساهل والتعاطف معهم، وبذل لهم الأمان ورفع الحج عمن كان منهم في بغداد وأعادهم إلى المدينة باستثناء “العباس بن حسن بن عبدالله” وعزل إلى المدينة الذين اضطهدهم، ولكن الطالبيين لم يبعدهم اعتقادهم الراسخ بأحقيتهم بالخلافة، ومن أجل ذلك لم يدم بين الجانيين العباسيين والعلوي، وعاد الصراع عنيفًا بينهما.
الأوضاع الخارجية في عهد الرشيد:
العلاقة مع البيزنطيين حيث استمر الصراع بين المسلمين والبيزنطيين في عهد “الرشيد” إلا أن الحروب بينهما لم تسر وفق منطقة معينة بهدف فتح منظم أو استقرار دائم، بل كانت غزوات انتهت دون أن تغير أوضاع الجانبين، وكان الخليفة يكتفي بأخذ الجزية، ووجه “الرشيد” اهتمامه فور اعتلائه منصب الخلافة لتحصين المناطق الحدودية المتاخمة لبلاد البيزنطين، وتقوية الجيوش العباسية، وقد حرص على الجميع بين سياستين متوازيتين، ووضع على منطقة الحدود نظامين:
الأول: النظام الأمامي، ويضم ثغور الجزيرة والشام التي خصصت لمواجهة الممرات الجبلية فدعمها بالحصون وزودها بالحماية.
الثاني: النظام الخلفي، ويضم الأقاليم الخلفية والحصون الجنوبية وسماها العواصم، وتمتد من أنطاكية إلى الفرات.
المستنصر بالله:
هو “أبو جعفر المستنصر بالله المنصور بن محمد الظاهر” (1192 – 1243)، وكان خليفة عباسي حكم في بغداد بين عامي (1226 و 1242)، وكان ابن “الظاهر بأمر الله” وحفيد “الناصر لدين الله”، وخلفه في الحكم “المستعصم بالله”، وولد “المستنصر بالله” في (صفر سنة 588 ه) من جارية تركية، وكان جده “الناصر” يسميه “القاضي” لوفرة عقله.
الخلافة في عهد المستنصر بالله:
بُويع بالخلافة في بغداد بعد وفاة أبيه في (رجب سنة 623 ه)، ونشر العدل بين الرعية، وبذل الإنصاف في القضايا، وقرّب أهل العلم والدين إليه، وبنى المساجد والمدراس والمستشفيات وجمع الجيوش لنصرة دين الله، كما بنى المدرسة المستنصرية في بغداد على شط دجلة من الجانب الشرقي، ورتب فيها الرواتب الحسنة لأهل العلم، وأقام منار الدين، وقمع المتمردين، ونشر السنن، وكف الفتن، وحمل الناس على أقوم السنن، وقام بأمر الجهاد أحسن قيام، وجمع الجيوش لنصرة الإسلام، وحفظ الثغور، وافتتح الحصون، وقال “الموفق عبد اللطيف”: بويع “أبو جعفر” فسار السيرة الجميلة، وعَمَّرَ طرق المعروف الدائرة، وأقام شعار الدين، ومنار الإسلام، واجتمعت القلوب على محبته، والألسن على مدحه، ولم يجد أحد من المتعنتة فيه معابًا، وكان جده “الناصر” يقربه ويسميه القاضي لهداه وعقله، وإنكار ما يجده من المنكر، وقال “الحافظ زكي الدين عبد العظيم المنذري”: كان “المستنصر” راغبًا في فعل الخير مجتهداً في تكثير البر، وله في ذلك آثار جميلة.
المعتصم بالله العباسي:
“أبو إسحاق محمد المعتصم بالله”، هو “أبو إسحاق محمد بن هارون الرشيد بن المهدى بن المنصور المعتصم بالله العباسي” (179 ه – 18 ربيع الأول 227 ه/ 5 يناير 842 م)، وهو (ثامن) الخلفاء العباسيين المشهور عنه قصة وامعتصماه، ونقل عاصمة الخلافة العباسية إلى سامراء، وأمه أم ولد من مولدات الكوفة اسمها “ماردة”، وكانت أحظى الناس عند “الرشيد”، وولد ‘المعتصم بالله” سنة (179 ه)، وكَرِه التعليم في صغره فنشأ ضعيف القراءة يكاد يكون أُميًّا، وكان ذا شجاعة وقوة وهمة، وبُويع بالخلافة سنة (218 ه) بعد وفاة أخيه “المأمون” وبعهد منه، وقد سلك مسلك” المأمون” في سيرته، وفتح عَمُّورية من بلاد الروم الشرقية، وبنى مدينة سامراء سنة (222 ه) حين ضاقت بغداد بجنده، وهو أول من أضاف اسمه إلى اسم الله تعالى من الخلفاء فقيل “المعتصم بالله”، وكان يُقال له “المُثمَّن”؛ لأنه (ثامن) الخلفاء من “بني العباس”، و(ثامن) أولاد “الرشيد”، وملك سنة (ثمان عشرة)، وملك (ثمان سنين وثمانية أشهر وثمانية أيام)، وعاش (ثمانية وأربعين سنة)، وفتح (ثمانية) فتوح، وقتل (ثمانية) أعداء، وخلف (ثمانية) بنين و(ثمانية) من البنات، وتُوفى المعتصم في سامراء سنة (227 ه)، وكان نقش خاتمه الحمد لله الذي ليس كمثله شيء.
أبو الفضل جعفر المتوكل علي الله:
هو “أبو الفضل جعفر المتوكل على الله بن المعتصم بن الرشيد بن المهدي”، ولد سنة (206 ه)، وهو الخليفة العباسي (العاشر)، وبنى مدينة المتوكلية، وشيد المسجد الجامع ومئذنته الشهيرة الملوية في سامراء التي هي أحد معالم المدينة، وجدد مقياس النيل، وأمه تركية واسمها “شجاع”، وبويع له (لستٍ بقين من ذى الحجة سنة 232 ه)، وقتل ليلة (الأربعاء لثلاث خلون من شوال سنة 247 ه) وله (إحدى وأربعون سنة)، ودفن في القصر الجعفري وهو قصر ابتناه بسر من رأى، وكان مربوعًا أسمر خفيف شعر العارضين، ورفع المحنة في الدين، وأخرج “أحمد بن حنبل” من الحبس وخلع عليه، ويُعَدُّ عهد الخليفة “المتوكل” هو بداية عصر ضعف الدولة العباسية وانحلالها، والذي انتهى بسقوطها على أيدي التتار سنة (656 ه/ 1258 م)، وكان من أهم أسباب ضعف الدولة العباسية إعتماد العباسيين على العناصر الأجنبية في النواحي العسكرية والإدارية في الدولة، وهو ما قوّى شوكتهم ونفوذهم في بلاد الخلافة على حساب العرب الذين ضعفت عصبيتهم، وتدنَّت منزلتهم في الدولة ولم يَعُد لهم مكان في المناصب العليا فيها، وقد أدى استبداد تلك العناصر بالحكم إلى إثارة حفيظة العرب عليهم واشتعال نار الحقد والعداوة في نفوسهم وهو ما أجَّج الصراع والعداء بينهم، وكثرت الفتن والصراعات في المجتمع، وظهرت العديد من الفرق والمذاهب التي ساهمت في بثِّ الفرقة والانقسام بين المسلمين وتفتيت وحدة الأمة وتعريضها للخطر فظهر الملاحدة والزنادقة كالخرمية والراوندية، كما ظهرت طوائف المتكلمين كالمعتزلة وغيرهم.
أبو جعفر محمد المنتصر بالله:
هو “أبو جعفر محمد المنتصر بالله بن المتوكل بن المعتصم بن الرشيد”،وأمه أم ولد رومية اسمها “حبشية”، ولد سنة (222 ه)، وعقد له أبوه ولاية العهد سنة (235 ه)، وبويع بالخلافة بعد مقتل أبوه “المتوكل” في (4 شوال سنة 247 ه)، وتوفي في (25 من ربيع الأول سنة 248 ه)، وذلك أثر طبيب قام بسمه، وقيل الورم الخبيث في معدته، وكان مليح الوجه أسمر العينين أقنى ربعة جسيماً بطيناً مليحاً مهيباً وافر العقل راغباً في الخير قليل الظلم محسناً إلى العلويين وصولا لهم أزال عن آل “أبي طالب” ما كانوا فيه من الخوف والمحنة بمنعهم من زيارة قبر “الحسين”، وكان كريمًا حليماً مهيباً شجاعاً فطناً متحرزاً، وبويع له بعد مقتل أبيه في (شوال سنة 247 ه)، فخلع أخويه “المعتز والمؤيد” من ولاية العهد الذي عقده لهما “المتوكل” بعده، وأظهر العدل والإنصاف في الرعية فمالت إليه القلوب مع شدة هيبتهم له، وكان كريماً حليماً، ولما ولي صار يسب الأتراك ويقول: هؤلاء قتلة الخلفاء فعملوا عليه وهموا به فعجزوا عنه لأنه كان مهيباً شجاعاً فطناً متحرزاً، فتحيلوا إلى أن دسوا إلى طبيبه “ابن طيفور” (ثلاثين ألف دينار) في مرضه فأشار بفصده ثم فصده بريشة مسموة فمات، ويقال أن “ابن طيفور” نسي ذلك ومرض، فأمر غلامه ففصده بتلك الريشة فمات أيضاً، وقيل بل سُم في كمثراه، وقيل مات بالخوانيق، ولما احتضر قال يا أماه ذهبت مني الدنيا، والآخرة عاجلت أبي فعوجلت، ومات في (خامس ربيع الآخر سنة ثمان وأربعين 248 ه) عن (ست وعشرين سنة) أو دونها فلم يمتع بالخلافة إلا أشهراً معدودة دون (ستة أشهر).
المعتضد بالله:
هو “أحمد المعتضد بالله أحمد أبو العباس” ابن ولي العهد “الموفق طلحة بن المتوكل بن المعتصم بن الرشيد” الخليفة العباسي، وبويع له بعد موت عمه “المعتمد على الله”، وولد في (ذي القعدة سنة 242 ه)، وقال “الصولي” في (ربيع الأول سنة 243 ه)، وأمه أم ولد أسمها “صواب” وقيل “حرز” وقيل “ضرار”.
حضارة الدولة العباسية:
العاصمة:
وهي بغداد، وقد استغرق بناء هذه المدينة (4 سنوات)، ومن مظاهر الحضارة والثراء في العصر العباسى الأول أن نهض الخلفاء العباسيون بالدولة العباسية نهضة مشرقة أضاءت ما حولها من مدن بعلومها وحضارتها، كما تنعم شعبها من الناحية المادية حد الثراء، ومن أبرز مظاهر الحضارة والثراء فيها التالي:
1- الحضارة المعمارية التي فاقت كل تصور من حيث هندستها وبنائها، فقد أنشأ العباسيون قصورًا باهرة أنفقوا على بنائها الكثير، حيث تأنق مهندسوها في إحكام قواعدها وتنظيم أماكنها، وكانت تعكس جانبًا واضحًا من الترف الذي تنعمت به الدولة العباسية.
2- إنشاء الأسواق المختلفة والحرص على جعلها متميزة من ناحية عمرانية بالإضافة إلى حرص الخلفاء على تأمينها على أعلى مستوى.
3- إقامة المساجد الباهرة، وذلك في مختلف أنحاء الدولة والحرص على وجود الحلقات العلمية فيها، كما كانت المساجد في ذلك الوقت البؤرة الأولى التي انبثقت منها العلوم جميعها الدينية منها والدنيوية، وكان المسجد حلقة وصل بين طلاب العلم وبيت الخلافة، فكان الخليفة على اطلاع دائم بأكثر طلبة العلم تميزًا بالمساجد، حيث يتم استدعاؤهم والعناية بهم عناية خاصة من قِبل الخليفة شخصيًا.
4- إنشاء المدارس ودور العلم، وذلك في أرجاء الدولة كافة، وقد كانت عامة لكل الشعب، حيث كانت صِبغة المجتمع العباسي صِبغة ثقافية حضارية بحتة، يعود هذا بطبيعة الحال إلى الرخاء المادي الذي ساد الدولة عامةً في ذلك الوقت.
5- التقدم العلمي الباهر الذي وصلت إليه الدولة العباسية في العصر الأول وفي كل المجالات؛ بسبب اهتمام العلماء الكبير وغير المسبوق بالعلم وتقريب العلماء والأدباء من بيت الخلافة العباسية بالإضافة إلى أن معظم خلفاء العصر العباسي الأول علماء بذواتهم، ولهذا فقد كان اهتمامهم وبذلهم في سبيل العلم متميز جدًا.
6- التطور الإقتصادي الكبير، فقد كانت الدولة العباسية محط أنظار التجار من مختلف البلدان لما كانت تشهده من استقرار تجاري ورخاء مادي، فتنوعت التجارة حتى شملت كل شيء، كما كانت مصدرًا لبعض التجارات الخارجية كذلك، فمن خلال الدولة العباسية في المشرق دخلت تجارة الورق والكتب إلى الأندلس، مما ساهم في نشر علومها وآدابها في الأندلس، ومنها إلى أوروبا في عصور لاحقة.
7- التعايش بين المسلمين وأصحاب الديانات الأخرى، فكلهم مواطنون تحت ظل عدل الحكم الإسلامي، مما أدى إلى انبثاق حضارة من طراز رفيع ومميز من حيث التنوع الثقافي والحضاري الذي أحاط بكل مجالات الحياة.
8- تحسين نظام البريد، حيث تطور كثيرًا في زمن الخليفة المهدي، والذي اعتبر حلقة وصل مهمة بين الدولة العباسية وما حولها من المدن، مما ساهم في تطورها الحضاري والثقافي.
9- ازدهار الصناعات المختلفة، فقد تطورت صناعة الورق بشكل غير مسبوق، بالإضافة إلى تطور التجارة مع الهند.
أسباب الحضارة والثراء في العصر العباسي الأول:
تعددت الأسباب التي أدت إلى كل ذلك البذخ الذي عم أرجاء الدولة العباسية، وكل تلك الحضارة المشرقة التي لازالت تتلألأ فيما خلفته الحضارة العباسية في العراق، ويمكن تقسيم الأسباب التي أدت إلى ذلك على النحو الآتي:
1- أسباب سياسية:
على الرغم مما عانته الدولة العباسية من فتن وثورات متعددة إلا أنها استطاعت التغلب عليها دائمًا، وقد أدى هذا إلى استقرار نسبي ساهم في خلق حالة عامة من الرضا والإستقرار النفسي في المجتمع، فتشجع العلماء على العطاء، كما أصبحت بغداد حاضنةً لكل الثقافات والحضارات والعلوم من مختلف الدول.
2- أسباب اقتصادية:
تطورت التجارة في عهد الخلفاء العباسيين في العصر الأول تحديدًا، مما ساهم في توفير أموال طائلة في بيت مال الخلافة بلغت أوجها في عهد “هارون الرشيد” الذي كان يغدق منها على العامة والخاصة، بالإضافة إلى الخراج الذي كان يدخل إلى خزينة الدولة، والذي ساهم في ثرائها أيضًا.
3- أسباب علمية:
كان لكل ما أغدقه الخلفاء العباسيون على العلماء والأدباء دور مهم ومؤثر في تطور الحضارة وتقدمها، فقد كانت بغداد محطة لطلاب العلم والعلماء والأدباء، لما فيها من فسحة جمال وعلم وبسط مادي بالحكم الإسلامي العادل الذي تميز به عصر القوة والازدهار في الدولة العباسية، مما جعل الجميع في الدولة مواطنين لهم ما لهم وعليهم ما عليهم، مما أعلى من قيمة المواطنة والانتماء للدولة والتفاني من قِبل كل فئات المجتمع العباسي لتقدمه وتطوره.
أسباب سقوط الدولة العباسية:
بعد موت “المعتصم” وإنتهاء عصر خلفائها العظام دخلت الدولة العباسية في دور إنحلالها، وتدرجت في إضمحلالها، حتى سقطت نهائيًا على يد المغول لهذا الإنحلال، ولسقوطها عوامل مختلفة وأسباب شتى نجملها فيما يلي:
1- ارتكزت الدولة العباسية عند بدء قيامها على القوة الفارسية، واستعان خلفائها بالخراسانيين على توطيد عرشهم، واتخذوا منهم الحاشية، وولوهم الوزارة، واستخدموهم في كل شيء من سقاية الماء إلى قيادة الجيوش، فأخلص لهم الفرس، وخدموا الدولة بإخلاص، وظلوا هكذا حتى انتهت فترة الخلفاء العظام، فانقلبوا على الخلفاء العباسيين وطمعوا في أطراف الدولة العباسية، وعملوا على الإستقرار بإماراتهم ونازعوا الخليفة في نفوذه، فاختلت أمور الجباية، واضطربت الحالة المالية، وعجز الخلفاء عن دفع المرتبات للجند الأجانب فثاروا عليهم، واعتدوا على مكانتهم فسقطت هيبتهم.
2- امتياز العالم الإسلامي عند بدء قيام الخلافة الإسلامية بالوحدة السياسية والدينية، وخضع الناس جميعا لأمير المؤمنين في الشؤون الدينية والمدنية وأقروا له بالزعامتين، وسارت الدولة الإسلامية سيرًا إيجابيًا، وفتحت البلدان والأقطار، ونشرت الدعوة الإسلامية شرقًا وغربًا، ولم يفكر أي إنسان في عصر الخلفاء الراشدين الأوائل أن ينازع الخليفة تلك الزعامة، ولم تدم الحال طويلًا وانقضت هذه الوحدة بانقضاء عهد الخلفاء الأقوياء واضمحلال الدولة الأموية، ولما تأسست الدولة العباسية غضب العلويين وأنصارهم، ونشروا بين الناس أنهم أحق بالخلافة من العباسيين وجمعوا حولهم جمهور كبير من أهل الشيعة، وناصروهم في حربهم على الخلفاء العباسيين، وانتهز عمال السوء تلك الفرصة وحركوا الثورات، وشجعوا الفتن حتى يصلوا إلى مآربهم السياسية من وراء هذا الإنقسام وتلك الفرقة، وانتثر عهد الوحدة الدينية التي أرهبت العالم يومًا من الأيام بقوتها، وظهرت دول في شرق الخلافة العباسية، وأخرى في غربها تعمل على معاضدة العلويين، وقامت الدولة الفاطمية في شمال إفريقيا ومصر وانتزعت من أملاك الخليفة العباسي فلسطين وسوريا والحجاز ومعظم آسيا الصغرى، وظهرت الدولة الزيدية، وظهرت دول أخرى في شبه جزيرة العرب، واشتغل الخلفاء بأمر تلك الفتن واعتنق القرامطة وغيرهم عقيدة العلويين، وحركوا نار الثروة والاضطراب، فزلزلوا جوانب الدولة، وظل هؤلاء العلويين ينخرون في عظام الخلافة الإسلامية حتى قضوا على الدولة العباسية وأسقطوها.
3- جرى الخلفاء العباسيون على سنة نقض العهود، وعدم احترام الوعود ومصادرة الأموال، فأدى ذلك إلى نوع من سوء التفاهم بين الخليفة والولاة، وازدادت الحال تحرجًا بانتشار الرشوة، فكان العامل يصادر الرعية، والوزير يصادر العمال، والخلفية يصادر الوزراء والناس على إختلاف طبقاتهم، وكان المال يتداول بالمصادرة والرشوة، فاضطربت أحوال الدولة المالية أيضًا اضطرابًا شديدًا، ففسد الأمر وعكف الخلفاء بعد “الواثق” على مجالس الشراب والأغاني والأنشغال باللذات والملاهي، ومن ثم انصرفوا عن مصالح الدولة وتركوها إلى غلمان الأتراك وقوادهم، فتصرفوا على حسب أهوائهم ومآربهم الذاتية، فاضمحلت الدولة وسارت بخطوات سريعة نحو الإنحلال والسقوط، وتظافرت هذه العوامل التي ذكرناها مع غيرها من الأسباب التي ضاق المقام عن ذكرها، وأسقطت ذلك البناء الشامخ من علوه الشاهق، وأضحت الدولة العباسية وكأنها حلم من الأحلام التاريخية الممتعة، وخيال من الأخيلة البديعة التي مرت بالتقدم البشري وهو يخطو خطواته نحو العصر الحديث.
المراجع/
1- الدولة العباسية قيامها إسقاطها (حسن خليفة).
2- تاريخ الدولة العباسية (دكتور: محمد سهيل طقوس).
——————————————————————————
((كل هذا في اطار مبادرة حكاوي لنشر الوعى الأثري و الترويج و دعم السياحة المصرية تحت اشراف فريق ديوان التاريخ))
#مبادرة_حكاوى
#الموسم_الخامس
#أصل_التاريخ_ديوان_التاريخ