التقدم والابتكار
كتبت/ سمر محمد.
فترة التقدم والابتكار:
لقد كان القرنان (الحادي عشر والثاني عشر للميلاد) فترة تقدم وابتكار، حيث تم تشييد المدن والقلاع والكاتدرائيات، وقاموا بتحقيق الثروة ونظموا القصائد الشعرية، وقاموا بالمشاركة في الحروب الصليبية، ومع مطلع القرن (الثالث عشر للميلاد) كانوا قد تحرروا من الكثير من القيود، وأصبحوا قادرين على أن يجعلوا الحياة في أوروبا أكثر أمناً وراحة، وإن كانت القرون السابقة قد شهدت بعض الإبداعات، فإن القرن (الثالث عشر) أرسى القواعد المنطقية للكثير من المجالات والتشريعات، حيث قام العلماء بتقديم كثير من الأفكار الفلسفية والنظم في الجامعات وبشكل لم يسبق له مثيل منذ العصر الهللينستي، ويظهر هذا بوضوح فيما قدمه “توماس الأكويني” ورفاقه من تعاليم تنظيم العلاقة بين الرب والبشر، كما انتشرت روح التفاؤل والرضا النفسي، وأخذ الناس يؤمنون بأن الكون الصغير قد استطاع أخيراً أن يجني نوعاً من التوازن الدائم.
فترة الازدهار المادي:
ومما لا شك فيه أن روح التفاؤل التي سادت القرن (الثالث عشر) ساعد عليها ما تم تحقيقه من ازدهار مادي، لدرجة أن الفلاحين كان في مقدورهم تحمل نفقات المداخن، وثمن الشموع المصنوعة من الشحم الحيواني، وكذلك ثمن أدوات الطبخ المعدنية، كما عاش أبناء الطبقة البرجوازية في منازل راقية بها الكثير من التحف التي ازدانت بها جدران منازلهم، والكثير من الأثاث المنزلي والصناديق الكبيرة ذات الأغطية التي تتحرك بالمفصلات ولها أقفال، كما أن نوافذ المنازل أصبح يستخدم فيها الزجاج بدلاً من الكتان، وفي هذه الفترة نسمع أن الطلبة كانوا يدفعون في جامعة بولونا ثمن ما يكسرونه من زجاج النوافذ.
اكتساب النساء مكانة رفيعة:
واكتسبت النساء منزلة رفيعة، ففي السابق لم تكن النساء يحصلن على أجر مقابل أي جهد يقمن ببذله في العمل، حتى لو كان هذا الأجر رمزياً، أما الآن فلديهن الكرامة والإحترام، فضلاً عن أن نظام الفروسية ومجموعة القوانين التي تنظم علاقة الحب في البلاط رفعت من قدر المرأة، أو على الأقل من قدر نساء الطبقات العليا، فكان لهن متسع من الوقت ليتعلمن القراءة والكتابة، ويستمتعن بسماع القصائد الشعرية الطويلة التي كتبت لهن والتي تمدح أحاديثهن، وانتشرت علاقات الصداقة بين النساء، أما الحياة الإجتماعية بمفهومها الصحيح فقد بدأت فعلا في القرن (الثالث عشر للميلاد).
دور الزوجات:
وكان أفضل ما تقوم به زوجة أحد سكان المدن هي أن تحاكي سلوكيات الطبقة الأرستقراطية، وتعمل من أجل رفعة سمعة زوجها بأن تتباهى باستعراض ثروتها باستمرار، وإن المرأة البرجوازية الصغيرة حقاً كانت هي تلك الزوجة التي تساعد زوجها في محل عمله، وترعى أطفالها، وتشرف على منزلها، وترعى الصبية؛ لأنهم بحكم ارتباطهم بها كانوا في حاجة إلى رعايتها كأم، أما المرأة في الريف وإن كانت قد تغيرت قليلاً، إلا أنها ظلت تعمل طوال نهارها في الحقل، ولم تلقي بالاً لما يحدث حولها من تحول.
من الأدلة على حدوث تحول في أوروبا:
ولعل من أهم الدلائل على حدوث التحول، ظهور كثير من القرى والمدن الجديدة في كل مكان، فالمدن والموانئ الجديدة والمدافن الجديدة ظهرت في إنجلترا وفرنسا وألمانيا، وهذه المدن الجديدة اشترت حقوقها وحرياتها من اللوردات الإقطاعيين الذين كانوا يمتلكون تلك الأراضي التي قامت عليها هذه المدن، وهؤلاء المغامرون انسلخوا عن المجتمع الإقطاعي، واتجهوا إلى التجارة وتطلعوا إلى حياة أفضل وأحاطوا أنفسهم بأسوار تحميهم من جشع الإقطاعيين العسكريين.
كما أن رخاء هذه المدن ارتكز بشكل أساسي على التجارة، والتجارة بدورها اعتمدت على الصناعة، والتي اعتمدت بدورها على ما تم تحقيقه من تقدم تكنولوجي بسيط، هذا إلى جانب أن التقدم التقني في الزراعة نتج عنه فائض في الإنتاج مما مكن من كفاية متطلبات المدن وسكانها المتزايدين، وساهمت الآلات الحديثة والأجهزة في التطور ولو على نطاق محدود في العمليات الصناعية.
فكان ظهور النول المتواضع في القرن (الثالث عشر للميلاد) كمثال بسيط على استخدام السيور في نقل الطاقة، كما شهدت نفس الفترة ظهور الساعة الآلية الثقيلة التي عدّلت من إدراك الناس للوقت عن طريق تقسيم الليل والنهار إلى (24) ساعة متساوية، مما جعل في الإمكان وضع معايير ثابتة للوقت وللعلم الحديث نفسه، ففي السابق كانت الفترة من شروق الشمس إلى غروبها تكون (12) ساعة، واختلف طول الساعة والدقيقة من يوم لآخر، كما شهدت الملاحة تطوراً عن طريق استخدام البوصلة البدائية، وإن كنا نفتقر إلى كثير من المعلومات الخاصة بتكنولوجيا العصور الوسطى، ولكن علينا أن نضع في الإعتبار النظام الهندسي الذي بنيت على أساسه إحدى الكاتدرائيات أو العقود الكبيرة لأحد الجسور البالغة من العمر (700) سنة لكي ندرك مهارة من قاموا بتشييدها.
انتشار المجاعات في أبناء الطبقة الدنيا:
وعلى أي حال فإن الإزدهار التجاري لم يغير الكثير من أبناء الطبقات الدنيا للمجتمع، فالفلاح كان له أعداء دائمون وهم: الحرب والضرائب والأوبئة والطواعين والمجاعات، وفي أثناء فترة حكم “فيليب أغسطس” ملك فرنسا (1180 – 1223م) تم إحصاء (11) سنة عمت فيها المجاعات، بحيث نسمع أن أهل الريف أكلوا جذور النباتات ولحاء الأشجار ولحوم الحيوانات النافقة ثم ماتوا، أما الفقراء من سكان المدن فلم يكونوا أحسن حالاً من أهل الريف، حيث عانوا كثيراً من أخطار الأمراض التي انتشرت في المدن ومن الحرائق، فلقد احترقت مدينة روين (ست) مرات على مدى (25) سنة بالإضافة إلى البطالة الكئيبة التي طالت.
يتبع..
المرجع/
تاريخ أوروبا في العصور الوسطى.
——————————————————————————
((كل هذا في اطار مبادرة حكاوي لنشر الوعى الأثري و الترويج و دعم السياحة المصرية تحت اشراف فريق ديوان التاريخ))
#مبادرة_حكاوى
#الموسم_الخامس
#أصل_التاريخ_ديوان_التاريخ