حرب اليمن التي سميت حرب فيتنام المصرية

حرب اليمن التي سميت حرب فيتنام المصرية
حرب اليمن التي سميت حرب فيتنام المصرية

جدول المحتوي

حرب اليمن أو حرب فيتنام المصرية، الحرب التي خرج منها جميع الأطراف من غير أي خسائر تذكر، وخرجت منها مصر بأكبر خسائر في تاريخها، كانت البداية بانقلاب قام به الضباط الأحرار في اليمن للإطاحة بنظام المملكة المتوكلية أو نظام الظلام والعصور الوسطى مثلما كان بيطلق عليه.

وكانت نهاية الحرب هي خسارة مصر لأهم مواردها و لنخبة قواتها وتعرضه لهزيمة 1967 فيا تري ما هو الغرض الحقيقي اللي دفع عبد الناصر لدخول تلك حرب اليمن؟ وما هو دور المشير عبد الحكيم عامر وعلاقته بالسوفيت فيها؟

لو تريد ان تعرف الإجابة وتعرف تفاصيل حرب اليمن وأسبابها وفك ألغازها أسرارها اذا اكمل المقالة للنهاية.

حرب اليمن التي سميت حرب فيتنام المصرية

ثورة 26 سبتمبر اليمنية على المملكة المتوكلية اليمنية

بدأت حرب اليمن مباشرة بعد ثورة 26 سبتمبر اليمنية اللي قام بها مجموعة من ضباط الجيش اليمني في سبتمبر سنة 1962 ضد حكم الإمامة المتوكلية في شمال اليمن، فقبل قيام ثورة 26 سبتمبر اليمنية كان اللي يحكم اليمن هو بيت الإمام يحيى حميد الدين مؤسس المملكة المتوكلية في شمال اليمن، بعد هزيمة العثمانيين في الحرب العالمية الأولى.

والمملكة تلك كانت تعتبر امتداد لإمامة الشيعة الزيدية، وكانت الأوضاع في شمال اليمن مزرية، لدرجة إن أغلب القرويين عاشوا في بيئة أشبه ببيئة القرون الوسطى، ولم يكن فيه بينهم وبين العالم أي وسيلة اتصال حديثة.

ولذلك لما حصلت ثورة 1952 اللي قام بها الضباط الأحرار في مصر اتأثر بها بعض العناصر في الجيش اليمني وكان على رأسهم العقيد أحمد يحيى الثلايا اللي حاول يقود انقلاب ضد الإمام أحمد بن يحيى، إللي ورث العرش عن والده الإمام يحيى حميد الدين سنة 1948.

لكن خطة الثلاثية في الانقلاب فشلت وتم قطع رأسه علنا.

ومن وقت ذلك الحادث واجهت الإمام في اليمن حالة من السخط غير المعلن، وبدأت تظهر محاولات متفرقة لإعادة فكرة الإطاحة بالدولة المتوكلية، لدرجة إن الإمام أحمد بن يحيى تعرض بالفعل لمحاولة اغتيال سنة 1961.

ولذلك وفي نفس تلك السنة أصبح ابن محمد البدر هو القائم بأعمال رئيس الوزراء ووزير الداخلية في نفس الوقت، وبصفته ولي للعهد كان البدر محتاج في الأول إنه يتم اختياره من قبل علماء صنعاء اللي لم يكن يحظى بأي شعبية عندهم.

وذلك كان سبب هو علاقته القوية بالرئيس جمال عبد الناصر، متبني أفكار الإطاحة بالملكية، ولذلك  رفض العلماء التصديق على لقب ولاية البدر.

لكن اللي حصل بعد وفاة الإمام أحمد سنة 1962 هو إن البدر تولى مكانه، والمفارقة هنا إن أول عمل قام به كان هو تعيين العقيد عبد الله السلال كقائد للحرس القصر، وكان السلال معروف باشتراكيته وولائها لعبد الناصر، وذلك طبعا كان يعتبر تحدي واضح للعلماء في صنعاء.

وطبعا البدر كان غافل وقتها عن إن اللي عمله كان هو السبب في فتح بوابة الجحيم عليه، فالسلال كان من قبل وصول البدر للحكم من الأساس مخطط للانقلاب عليه والإطاحة به واستعان في خطته هو علي عبد المغني ومجموعة الضباط الأحرار اليمنية بالرئيس جمال عبد الناصر في مصر.

ثورة 26 سبتمبر اليمنية على المملكة المتوكلية اليمنية

حرب اليمن التي سميت حرب فيتنام المصرية

في ذلك الوقت ده كان عبد الناصر يتطلع لتغيير النظام في اليمن وتلك رغبة كانت بدأت لازمة من سنة 1957، ولذلك لما أتت سنة 1962 قرر عبد الناصر تنفيذ رغبته عن طريق منح حركة اليمن الحرة اللي كان سمح لها بالنمو من داخل مصر، دعمه المالي والبث الإذاعي وغيره من أشكال الدعم.

فبعد تفكيك الاتحاد المصري مع سوريا سنة 1961 قرر عبد الناصر إرسال قوات استكشافية خاصة به لتقييم الأوضاع في اليمن.

وعلى حسب كلام الدبلوماسي البريطاني أنتوني نوتينغ كاتب السيرة الذاتية لجمال عبد الناصر، فعبد الناصر، بعد حل الجمهورية العربية المتحدة، اللي كانت مجرد اسم فقط، شعر إن ذلك الاتحاد الضار بمكانته كزعيم للأمة أكتر ما أفادها.

ولذلك قال لنفسه إن استعادة زمام قيادته لزعامة العالم العربي لازم تكون عن طريق تحقيق نصر سريع وحاسم للحفاظ على سمعته كقومي عربي تحريري.

فقرر إن ذلك النصر ينطلق من اليمن عن طريق تحريرها من الملكية وتحويلها للجمهورية، والقضاء على الوجود البريطاني اللي كان يسيطر على مدينة عدن الساحلية الاستراتيجية فيها.

 وفوق كل ذلك ضمان الهيمنة على البحر الأحمر من قناة السويس لباب المندب، وفي نفس الوقت الانتقام من العائلة المالكة السعودية اللي كانت سبب في إفشال اتحاد مصر مع سوريا.

وقبل وفاة الإمام أحمد كان عبد المغني والسلال رتبوا مع الرئيس عبد الناصر كل شيء، وفي يوم وفاته ارسل وزير محمد البدر خطاب له أثناء وجوده في لندن حذره فيه من إنه يرجع لصنعاء لكي يحضر جنازة والده، لأن في عدد كبير من الضباط المصريين واليمنيين منتظرينه ومخططين للإطاحة به.

حرب اليمن التي سميت حرب فيتنام المصرية

لكن وقتها سكرتير البدر لم يوصل له تلك  الرسالة، ونزل البدر لصنعاء، ووقتها تم إنقاذه من الانقلاب، عن طريق أول اغتيال بسبب تجمع الآلاف في الجنازة، وعدى اليوم بسلام، ولم يعرف البدر بتلك الرسالة غير بعد ذلك بكثير.

وقبل يوم واحد من الانقلاب في سبتمبر 1962 وصل بدر تحذير من القائم بأعمال السفارة المصرية في اليمن السفير محمد عبد الواحد، قاله فيه إن عنده معلومات من المخابرات المصرية بتأكد على إن في 15 ضابط مصري ومعهم علي عبد المغني يخططوا للثورة ضده.

وطبعا هنا عبد الواحد اللي كان مشارك في خطة الانقلاب من الأساس، كان غرض بذلك التصرف هو تغطية نفسه في حالة فشل الانقلاب.

وفي ذلك الوقت كان حصل السلال على إذن من الإمام لاستقدام القوات المسلحة، وفي الوقت اللي كان يستعرض السلال فيه مع عبد المغني، تفاصيل الهجوم دخل عليهم وحيد، وقال عبد المغني إن البدر اكتشف المؤامرة بطريقة ما، وإنهم لازم يتحركوا فورا قبل ما يتم القبض عليه هو وباقي الضباط.

وأكد عليه إنه لو قدر يسيطر على صنعها، ومحطة الإذاعة والمطار في أسرع وقت لمدة ثلاث أيام فقط سوف تكون أوروبا وأمريكا والأمم المتحدة معترفة بثورتهم.

وبالفعل وعلى هذا الأساس أصدر السلال فورا أوامره مباشرة للأكاديمية العسكرية في صنعاء لكي ترفع حالة الاستعداد القصوى، وتفتح كل مستودعات الأسلحة للقوات من عناصر الانقلاب.

وفي ليلة 26 سبتمبر قام السلال بجمع كل القادة المعروفين في الحركة الوطنية وأعطاهم التعليمات السريعة باستهداف المناطق الحيوية في المدينة مثل القصور ومحطة الإذاعة ومقر المخابرات والأمن الداخلي.

وفي الساعة 10:30 بالضبط سمع البدر أصوات الدبابات وهي تتحرك في الشوارع حوله، وبعدها بأقل من ربع ساعة بدء الجيش في قصف القصر،

وهنا قال البدر جملته “الآن أنا أحصل على مكافآت لصداقتي لناصر، كنا إخوة، ولكن عندما رفضت أن أكون أداة في يده استخدام السلال ضده لن أتوقف عن القتال أبدا، لن أذهب إلى المنفى أبدأ، سواء ربحت أو خسرت، سيكون قبري هنا.”

حرب اليمن التي سميت حرب فيتنام المصرية

وفي تلك اللحظة مسك البدر مدفع رشاش، وفي حالة هستيرية بدأ في إطلاق النار على الدبابات رغم إنها كانت خارج نطاق تصويبه، وبعد رد الفعل ذلك ارسل مغني عربية مصفحة لبيت السلال لكي يصل لمقر الثورة، بعدما اتفقوا على إن السلال يتولى السلطة، مقابل تزويدهم بالذخيرة.

وكان معني طلب انضمام السل الثوار هنا، هو إن الانقلاب نجح، فبعدما طلب ضباط الثورة تسليم محمد البدر، وقالوا إنه هيتم إرساله بسلام للمنفى، رفض حرس الإمامية تسليمه وفتحوا عليهم النار، وهنا رد عليهم قادة الثورة بقذائف مدفعية.

واستمرت المعركة داخل القصر الي ان  استسلم الحراسة الثوار ثاني يوم بعد سقوط المحطة الإذاعية ومستودع الأسلحة اللي كان سهل سقوطه بسبب الأمر المكتوب من السلال قبلها.

وهنا هرب البدر وخدمه الشخصيين من باب خلفي في سور حديقة القصر، وبسبب حظر التجول قرروا تجنبوا الشوارع الرئيسية وتقابلوا بشكل فردي في قرية موالية للإمام.

وفي منتصف يوم 26 سبتمبر كان كل مكان في صنعاء منتظر بث الإذاعة لخبر إن الحكومة الثورية الجديدة تولت السلطة وأطاحت بمحمد البدر.

والي هنا كانت كل الأمور ماشية على الخطة، وكانت الخلايا الثورية تقوم بتأمين أغلب المرافق والمطارات والموانئ.

وفي يوم 28 سبتمبر أعلنت الإذاعة خبر وفاة البدر، والخبر ذلك كان غرض الجمهوريين منه، هو قتل الأمل عند المواليين الملكية برجوع قائدهم، فبعد إعلان الخبر جمع السلال لرجال قبائل صنعاء وقال لهم بالنص :

“إن النظام الملكي الفاسد الذي حكم ألف عام، كان عارا على الأمة العربية وعلى البشرية جمعاء، ومن يحاول استعادته فهو عدو الله والبشر.”

حرب اليمن التي سميت حرب فيتنام المصرية

وفي ذلك الوقت كان هرب البدر للسعودية، وفي يوم 29 سبتمبر كانت مصر أرسلت فريق مصري كان على رأسه أنور السادات عشان يقيم الوضع ويعرف متطلبات واحتياجات مجلس الثورة.

وهنا قال السادات إن إرسال مصر لفوج من الطيارات الحربية السوفيتية سوف يكون كافي لتأمين السلال خلال تلات شهور كحد أقصى، وبعدها وتحديدا يوم 5 أكتوبر أرسلت مصر كتيبة من الصاعقة في مهمة خاصة، واللي هي كانت حراسة السلال حراسة شخصية، وبعدها تم إرسال بعض قوات الدعم للجمهوريين اليمنيين.

وفي ذلك الوقت، كانت هيئة الأركان العامة المصرية مقسمة حرب اليمن لتلات أهداف عملياتية:

  1. أول مرحلة كانت هي مرحلة الجوية، وتلك بدأت عن طريق إرسال طائرة تدريب نفاثة معدلة للقصف وحمل القنابل، وانتهت بثلاث أجنحة من القاذفات المقاتلة المتمركزة بالقرب من الحدود السعودية اليمنية، وتلك والطلعات الجوية كانت أهدافها متمركزة على مدينة نجران، وجيزان في السعودية،
    وتم تصميم المرحلة جوية لمهاجمة التشكيلات الأرضية الملكية، واستبدال عدم وجود تشكيلات مصرية على الأرض بالقوة الجوية عالية الكفاءة والتقنية.
  2. أما المرحلة الثانية واللي اشتركت فيها القوات الجوية أيضا فتضمنت تأمين الطرق الرئيسية المؤدية لصنعاء، وكان أكبر هجوم اعتمد على ذلك التكنيك العملياتي هو هجوم رمضان في مارس 1963، وتلك كانت بقيادة المشير عبد الحكيم عامر اللي ذهب لليمن في أواخر يناير من نفس السنة،
    وركز ذلك الهجوم على فتح وتأمين الطرق من صنعاء لصعدة للشمال، ومن صناعة لمأرب للشرق، ولأن نجاح القوات المصرية في الهجوم كان سوف يكون معناه هو لجوء المليشيات الملكية للتلال والجبال لإعادة تجميع صفوفها وتنفيذ هجمات الكر والفر ضد الوحدات الجمهورية والمصرية،
  3. قرر الجيش المصري وضع التكنيك في المرحلة الثالثة من القتال واللي كان عبارة عن محاولات تهدئة القبائل وإغرائها بالحكومة الجمهورية، وطبعا ذلك كلف مصر مبالغ ضخمة جدا لتوفير الاحتياجات الإنسانية لهم، ودفع الرشاوى الصريحة لزعماء تلك القبائل،،
    والتكتيك كان سبب مهم جدا في استمرار حرب اليمن لفترة أطول من اللازم، وذلك سوف نفهم أسبابه في قادم الفقرات.

حرب اليمن التي سميت حرب فيتنام المصرية

المهم إنه بعد إرسال القوات المصرية لليمن أحكمت القوات في البداية سيطرتها على أجزاء مهمة، وكان واضح في الأول إن الأمور سوف تمشي بصورة نمطية مثلما كان مخطط لها، لكن للأسف اللي حصل هناك كان مفاجأة للقوات المصرية بكل معنى الكلمة.

فبعد 15 يوم من مغادرة محمد البدري لصنعاء، أرسل البدر واحد من رجاله للسعودية عشان يعرف الملك سعود إنه ما زال علي قيد الحياة، وبعدها سافر للسعودية بنفسه.

وفي ذلك الوقت قررت السعودية دعم البدر، وذلك على الرغم من الخلاف الكبير اللي كان بين السعودية واليمن، والحرب اللي دارت بينهم قبل كده طبعا، بالإضافة الاختلاف المذهبي بينهم، فالملكي المتوكلية في اليمن كانت شيعية زيدية، إلا إنها كانت ملكية مثلها.

لكن هنا السعودية أخدت ذلك القرار بسبب قلقها من توسع نفوذ عبد الناصر بأفكاره الانقلابية، وقال الدكتور أحمد يوسف أستاذ العلوم السياسية في جامعة القاهرة إن خوف السعودية من الثورة اليمنية كان في المقام الأول خوف سياسي،

بمعنى أن ينشأ على حدود السعودية نظام سياسي يختلف في توجهاته السياسية عن النظام في المملكة، وانضمت للسعودية الأردن اللي اشتركت معها في نفس المخاوف من إن عبد الناصر كان يريد ان يستولي على حقول السعودية النفطية عن طريق استخدام اليمن كنقطة انطلاق للثورة في بقية شبه الجزيرة العربية.

ف ملك الأردن كان يري نفسه التالي بعد السعودية، لو قدر عبد الناصر يسيطر على نفطها وعلي ذلك الأساس، نقلت السعودية قواتها على طول حدودها مع اليمن.

وأرسل الملك حسين رئيس أركان جيشه لمناقشة الوضع مع عم الأمير البدر، رئيس الوزراء اليمني الحسن بن يحيى اللي كان لسه راجع من نيويورك.

بعدما شكل البدري جيشين ملكيين، واحد منهم كان تحت قيادة عمه الأمير الحسن في الشرق، والثاني تحت سيطرته، هو في الغرب.

وفي ذلك الوقت ده كانت أنفقت السعودية حوالي 15,000,000 دولار لتجهيز القبائل الملكية، واستئجار  مئات المرتزقة الأوروبيين من فرنسا وبلجيكا وإنجلترا لتدريب القوات غير النظامية من البدو على استخدام الأسلحة المتطورة.

وأيضا قامت بإنشاء محطة إذاعة خاصة بهم لإغراء آلاف العمال اليمنيين في السعودية لمساعدة القضية الملكية.

حرب اليمن التي سميت حرب فيتنام المصرية

وهنا قررت باكستان أيضا التي رأت في الصراع فرصة مهمة جدا لكسب المال من السعوديين الانضمام لصف الملكيين في اليمن عن طريق تزويدهم بالبنادق،

والموضوع لم يتوقف على ذلك فالبريطانيين أيضا قرروا دعم ملكيين وسامح لقوافل الأسلحة السعودية بالدخول عن طريق حليفهم في شمال اليمن الشريف بيجان اللي كانت تحميه الإدارة البريطانية في عدن.

وليس ذلك فقط بل أيضا طائرات السلاح الجوي البريطاني نفسها قامت بعمليات دعم ليلية لإعادة إمداد قوات البدر بتجنيد العشرات من الخبراء والمستشارين للملكيين، ذلك غير الدعم البريطاني للسعودية نفسها بالأسلحة والمعدات.

ما بين سنة 1962 و1965 شاركت بريطانيا أيضا في عملية سرية لدعم ملكيين، وكان هدف بريطانيا من الدعم ذلك هو الحفاظ على قاعدتها في عدن عن طريق حفاظا على التعاون مع الاتحاد الجنوب العربي، وذلك كان على الرغم من إعلان السلال في بيان له على احترامه بالتزامات اليمن الدولية اللي تعهدت باحترام محمية عدن البريطانية.

لكن على الرغم من ظهور بعض الأصوات في وزارة الخارجية البريطانية اللي كانوا يرون إن أمن عددنا سوف يتحقق من خلال الاعتراف بالجمهورية خاصة بعد وعد السلال، إلا أن بريطانيا أصرت على عدم الاعتراف خوفا من زيادة نفوذ المصري، وتكرار سيناريو التأميم.

وفي أواخر سنة 1962 قاد محمد البدر حملته مع أمراء بيت حميد الدين واللي كان من بينهم عمو الحسن.

وهنا تفاجئ الجيش المصري بإنه في مواجهة حرب عصابات ليست مثل أي حرب عصابات، حرب غير متكافئة من كل الجوانب، فالبدو كانوا حافظين جبالهم عن ظهر القلب، في الوقت اللي اشتكى فيه القادة الميدانيين المصريين من النقص التام في الخرائط الطبوغرافية،

مثلما ذكر الباحث في جامعة برينستون أرشر أوركابي “مصر أت دون علمنا واستخبارات عن الواقع السياسي اليمني، ولا عن الصراعات القبلية، حتى دون خرائط عن طبيعتها الجغرافية الجبلية”

الأمر اللي جعلهم يواجهوا صعوبة في التخطيط للعمليات العسكرية، أو إرسال التقارير الروتينية، وتقارير الضحايا، فالوحدات الميدانية تم تزويدها بخرائط كانت مخصصة فقط للملاحة الجوية.

واعترف رئيس المخابرات المصرية صلاح نصر بعدم وجود أي معلومات تذكر عن جغرافيا اليمن، ولذلك  كانت حرب اليمن كارثية وغير متكافئة أو متوقعة، وذلك لأن كافة الملكيين كانت هي الأقوى،

فعلى الرغم من حصول الجمهوريين على تأييد 34 دولة منهم ألمانيا وإيطاليا وكندا وأستراليا، إلى إن الدول اللي قدمت للسلال وحكومته الدعم الفعلي كانت هي مصر والاتحاد السوفيتي اللي كان هو أول دولة تعترف بجمهورية اليمن بعد الانقلاب.

ووقتها أرسل الزعيم السوفيتي نيكيتا خروتشوف بنفسه برقية للسلال، قاله فيها إن أي عمل عدواني سوف يحصل ضد الجمهورية الجديدة سوف يعتبره عمل ضد الاتحاد السوفيتي نفسه.

لكن على الرغم من إن السوفيت كانوا مستعدين لدعم جمال عبد الناصر بالسلاح والمعدات في اليمن إلا إنهم في نفس الوقت كانوا رافضين فكرة توسيع الصراع في السعودية وباقي الشرق الأوسط.

لدرجة إنه تم تحذير عبد الناصر من إن الاتحاد السوفيتي رافض أي هجوم على السعودية، وذلك كان معناه إن السوفيت كانوا ممكن في أي وقت يتخلوا عن دعمهم لعبد الناصر.

حرب اليمن التي سميت حرب فيتنام المصرية

وطبعا التدخل السوفيتي ذلك جعل أمريكا تقلق من دعم عدوها اللدود للجمهوريين، واحتمال انتشار الزحف الشيوعي في أجزاء أكبر من الشرق الأوسط، ولذلك أخذت أمريكا صف الملكيين، فأصبح في صف البدر أمريكا وبريطانيا وإسرائيل التي قدمت دعمها هي كمان، والسعودية والأردن وعمان وإيران وباكستان.

وما بين يوم إثنين ل8 أكتوبر كانت السعودية أرسلت أربع طيارات شحن عليهم سلاح لرجال القبائل الملكية في اليمن، لكن وقتها الطيارين انشقوا وسافرو لأسوان في مصر وأعلنوا موالاتهم لعبد الناصر.

وبعد ما تم تقييم الوضع الفعلي في اليمن بعد وصول المشير عبد الحكيم عامر والسادات لصنعاء مرة ثانية طلب عامر من الإدارة المصرية زيادة عدد الجنود اللي كانوا وصلوا لليمن بالفعل.

وبعدما انتهت باقي استعدادات الجيش المصري، بدأ الجيش هجومه بعدما وصلت التعزيزات في شهر فبراير سنة 1963 وبعدها تحركت القوات مع الدبابات والمدرعات من صنعاء للشمال لصعدة.

وبعد أيام انطلقت قوات ثانية من صعدة للجنوب الشرقي باتجاه مأرب، وفي ذلك الوقت تمت أول منورة في صحراء الربع الخالي وداخل الأراضي السعودية.

وفي 25 فبراير، كانت سيطرة القوات المصرية على مأرب، وبعدها استولوا على حريب، وساعتها فشلت القوات الملكية اللي كان قوامها 1500 مقاتل في إيقاف الجنود المصريين وهرب القائد بيجان على الجانب المحمي من الحدود البريطانية، لكن الوضع لم يسمر ذلك كثيرا.

وفي ثاني معركة واللي كانت معركة العرقوب جنوب شرق صنعاء، تفاجئ المصريين بهجوم كتيبة من الملكيين على موقعهم على قمة جبل شديد الانحدار، ووقتها  استمرت المعركة أسبوع خسر فيه الجيش المصري ثلاث دبابات وسبعة سيارات مصفحة و حوالي 160 شهيد.

ومع نهاية إبريل وبسبب أسلوب حرب العصابات وقطع الإمدادات وعدم استيعاب الجيش المصري لطرق الرد على نوعية حرب اليمن غير النظامية تلك وقتها، وكمان عدم توقع استخدام البدو للأسلحة الحديثة اللي كانت تمدهم بها السعودية،

قدر البدو الملكيين مع نهاية إبريل إنهم يتعافوا من الضربات اللي تلقوها من الجيش المصري، وقدروا وقتها كمان يستعيدوا بعض المواقع في الجوف وخاصة مدينة بارات والصفراء اللي كانوا ورغم صغر مساحتهم. يعتبر مدينتين إستراتيجيتين في الجبال بين صعدة والجوف، وذلك خلاهم قادرين على التحرك بحرية أكبر في الصحراء.

حرب اليمن التي سميت حرب فيتنام المصرية

واستمرت عمليات الكر والفر تلك لفترة وكان من بين العمليات اللي تمت عملية استخدم فيها المصريين عدم شعبية القائد الملكي المحلي لمنطقة السودة وقاموا برشوة عدد من الشيوخ المحليين، واحتلوا المدينة من دون معارضة تذكر.

لكن بعد شهر واحد أرسل المشايخ وفودهم للبدر لكي يطلبوا منه العفو ويطلبوا أسلحة وأموال لمحاربة المصريين، وبالفعل أرسل البدر قوات جديدة، وقدر عن طريقهم يستعيد السيطرة على محيط منطقة السودة، ولكنه لم يقدر برغم اللي حصل انه يستعيد المدينة نفسها.

وكان في البداية خرج من أمريكا اللي قررت التدخل لوقف النزاع. اقتراح، ولذلك ارسل الرئيس الأمريكي جون كينيدي رسالة للرئيس عبد الناصر والملك فيصل والملك حسين ملك الأردن، وعبد الله السلال طلب فيها منهم الآتي:

  • أولا سحب قوات عبد الناصر من اليمن.
  • ثانيا وقف المساعدات السعودية والأردنية المقدمة للإمام البدر.

وهنا وافق عبد الناصر على ذلك الاقتراح، لكنه اشترط سحب قواته اللي كان عددهم وقتها ما زال 18,000 مجند فقط في حالة وقف عمليات الأردن والسعودية على الحدود، وذلك كان رد فعل ناصر.

أما رد فعل ملك السعودية وملك الأردن فكان هو الرفض التام لخطة كينيدي لأنهم اعتبروا إنه اعتراف ضمني من أمريكا بالمتمردين والجمهورية الجديدة، وأصروا على إن أمريكا لازم في البداية ترفض بشكل صريح الاعتراف برئاسة السلال حتي يستعيد الإمام سيطرته على اليمن.

وذلك لإنهم كانو شبه متأكدين كمان من إن عبد الناصر متقدم في دعمه وليس عنده أي نية للانسحاب، لكن اللي حصل هو إن أمريكا انضمت للصف الدول ال34 اللي اعترفت بالجمهورية اليمنية.

وبعد ذلك الاعتراف طبعا كان لازم تعترف الأمم المتحدة، وبالفعل ذلك اللي حصل بعد يوم واحد من اعتراف أمريكا، واعتبر مجلس الأمم إن السلطة الوحيدة الموجودة في اليمن هي سلطة الجمهوريين، وتجاهل الملكيين تماما.

وبعد مرور أقل من أسبوع على ذلك الاعتراف خرج السلال في عرض عسكري وتفاخر بأنه جمهوريته بتملك صواريخ قوية قادرة على ضرب قصور المملكة العربية السعودية.

حرب اليمن التي سميت حرب فيتنام المصرية

لكن مع زيادة حدة حرب اليمن، قررت أمريكا التدخل من جديد وخرج قرار مجلس الأمن بتطبيق عملية السطح الصلب وتلك عبارة عن عملية مقايضة قدمتها أمريكا للسعودية، وكان الهدف منها هو تقديم الحماية الأمريكية عن طريق إرسال طائرات أمريكية لمهاجمة وتدمير أي تسلل فوق المجال الجوي السعودي،

مقابل التزام السعودية بعدم تقديم أي مساعدات للملكيين.

وعلى هذا الأساس، يسحب عبد الناصر فورا قواته، وعلى الرغم من إن ملك السعودية رفض العرض ذلك في البداية، إلا إنه في النهاية قبله، واعترفت الأردن سنة 1963 بالجمهوريين.

بعد موافقة السعودية ومصر على قرار، تم إرسال بعثة من مراقبين الأمم المتحدة لليمن، وعلى أساسها قاموا بإنشاء منطقة منزوعة السلاح ممتدة لمسافة 10 كم على طول الحدود اليمنية السعودية لفض الاشتباك، ولمنع تزويد السعودية للقوات اليمنية الملكية بالأسلحة.

حرب اليمن التي سميت حرب فيتنام المصرية

دور المشير عبد الحكيم عامر وعلاقته بالسوفييت

وبعد فترة أرسلت الولايات المتحدة أحد مبعوثيها بمصر لكي يقابل عبد الحكيم عامر ويتكلموا في تفاصيل التنسيق اللي كان المفروض يحصل للانسحاب، لكن المفاجأة هنا كانت هي رفض مصر سحب كل قواتها، يعني قررت تسحب جزء وتسيب الباقي بحجة مراقبة الأوضاع ليس أكتر، ولتدريب الجيش الجمهوري اليمني.

لكن هنا السعودية رفضت رفض قاطع وجود أي قوات مصرية مهما كان عددها، وهنا تم اتهام عامر بأنه عمل صفقة مع السوفيت مقابل عدم إنهاء حرب اليمن،

وفي تلك الفترة زاد عدد القوات المصرية لم يقل، ولذلك تم الإعلان عن فشل خطة السطح الصلب، خاصة بعد ما حصل نقاش حاد بين ممثلين أمريكا اللي تم إرسالهم لمتابعة الاتفاق مع الملك فيصل، النقاش اللي انتهى بمشاجرة.

وعلى هذا الأساس، اعترفت الأمم المتحدة، هي أيضا بفشلها في محاولة فض الاشتباك، وقامت في سبتمبر 1964 بسحب مراقبينها الدوليين.

دور المشير عبد الحكيم عامر وعلاقته بالسوفييت

اتفاقية سحب القوات المصرية من اليمن

الأحداث كانت متوترة وسريعة، ففي نفس الشهر التقى الرئيس جمال عبد الناصر مع الملك فيصل في القمة العربية في الإسكندرية، وحتي ذلك الوقت كانت مصر عندها حوالي 49,000 جندي في اليمن خسرت منهم  حوالي 10,000 شهيد من نخبة رجال الجيش.

ولذلك وعد الزعيمين في بيانهم الرسمي خلال المؤتمر بالتعاون الكامل لحل الخلاف بينهم في اليمن، وتعهدوا بالعمل على منع للاشتباكات والتوصل لحل عن طريق الاتفاق السلمي، وطبعا البيان ذلك لاقى ترحيب كبير في العالم العربي وحتى الغربي، ووصفته أمريكا بإنه عمل يليق برجال الدولة لإنهاء الحرب الأهلية الطويلة.

وبعد ذلك اللقاء  تعانق عبد الناصر والملك فيصل بحرارة في مطار الإسكندرية وأطلقوا على بعض لقب الأخ.

اتفاقية سحب القوات المصرية من اليمن

وفي يوم 2 نوفمبر في مؤتمر أركويت السري في السودان أعلن الملكيين والجمهوريين عن وقف إطلاق النار اعتبارا من الساعة 1:00 الظهر يوم 8 نوفمبر. واحتفل رجال القبائل بالقرار.

وفي يوم إتنين و3 نوفمبر قام تسعة ملكيين وتسع جمهوريين مع مراقب سعودي ومصري بوضع الشروط وتم التخطيط لعقد مؤتمر يضم 168 شخص من زعماء القبائل في 23 نوفمبر.

وبالنسبة للملكيين كان من المقرر إنه يكون المؤتمر عبارة عن جمعية وطنية جنينية من شأنها تسمية هيئة تنفيذية وطنية مؤقتة مكونة من إثنين من الملكيين وإثنين من الجمهوريين، وواحد محايد لإدارة البلاد مؤقتا، والتخطيط لاستفتاء.

ولحد ما كان سوف يتم ذلك الاستفتاء واللي كان سوف يقرر ما إذا كان اليمن نظام جمهوري ولا ملكي كان المفروض على السلال والبدر التنحي والاختفاء عن المشهد.

لكن في ذلك اليوم لم يصل الملكيين وفي نفس الوقت قام المصريين بطلب من الجمهوريين باستئناف قصف المواقع الملكية وتم تأجيل عقد المؤتمر لأجل غير مسمى.

وما بين ديسمبر 1964 وفبراير 1965 كانت زادت حدة الهجمات الملكية وفقد المصريين حوالي ألف جندي ما بين قتيل وجريح. ذلك غير إغلاق الملكيين، طريق الإمدادات عن الجيش المصري ووضعه في شبه حصار كامل.

وكان هدف الملكيين بقيادة الأمير محمد هو إجبار المصريين على الانسحاب بعد قطع خطوط إمدادهم، خاصة بعد ما تأمروا مع القبائل اللي أعلنت ولاءها للمصريين عن طريق إقناعهم بنهب الكمائن والقوافل المصرية.

وبعد قطع الإمدادات تم مباغتة القوات بقصف عشوائي من الجبال، وكانت نتيجة الهجوم المباغت ده هو الاستيلاء على المواقع اللي كان متمركز فيها المصريين، وليس ذلك فقط، بل أيضا تم أسر كبار القادة للمبادلة والاستيلاء على أسلحة باقي الجنود مقابل السماح لهم بالرحيل.

وقتها حاولت الإذاعة الملكية توزيع الانقسام في صفوف الجمهوريين من خلال الوعد بالعفو عن جميع غير الملكيين بمجرد انسحاب المصريين.

ووعد البدر بشكل جديد للحكم وصف ب الديمقراطي الدستوري وقال إنه سوف يحكمه مجلس وطني منتخب من الشعب وكرد فعل من السلال طالب من عبد الناصر انه يزوده بتعزيزات إضافية للقوات من ذخيرة وأفراد،

خاصة وإن الملكيين مع حلول شهر أغسطس، كان وأصبحوا يمتلكوا سبع جيوش بإجمالي من 40,000 ل60.000 وكان موجود أضعافهم من رجال القبائل الملكية المسلحين، ذلك غير القوة النظامية تحت قيادة الأمير محمد.

اتفاقية سحب القوات المصرية من اليمن

وفي نقطة معينة أصبحت حرب اليمن مجرد خسارة متلاحقة لمصر من حيث العدد والعتاد والأموال، فمصر كانت تنفق يوميا على حرب اليمن مبالغ كبيرة تراوحت ما بين 500,000 ل 1,000,000 دولار يوميا.

ولذلك في أواخر أغسطس قرر عبد الناصر إنه يشرك السوفيت بصورة أكبر في حرب اليمن، لأنهم كانوا متحمسين لها في أقنعهم بإلغاء دين بقيمة 500,000,000 دولار، كان قدمه كمساعدات عسكرية للجمهوريين.

وفي تلك الفترة كان بدأ الخلاف يظهر بين الجمهوريين نفسهم وخاصة بين الرئيس السلال ورئيس الوزراء الفريق حسن العمري، اللي اقالوا السلال وعين مكانه أحمد النعمان اللي كان مؤمن بالتسوية وإنهاء حالة حرب اليمن.

وكان أول عمل يقوم به النعمان هو تشكيل حكومة جديدة مكونة من 15 وزير، مع الحفاظ على توازن متساوي من بين المجموعتين القبليتين الأساسيين في اليمن، واللي هما الشيعة الزيدية الجبليين، واللي كان معظمهم ملكيين، والسنة الشافعية اللي كان معظمهم جمهوريين.

ومع حلول سنة 1965، كانت وصلت ديون مصر الخارجية لحوالي 3,000,000,000 دولار، واصبح هناك فجوة كبيرة بين الصادرات والواردات وصلت لمستوى قياسي، وقتها قدر ب500 مليون دولار.

وفي يوم النصر في بورسعيد، اعترف عبد الناصر أخيرا وقال إن مصر بتواجه صعوبات، ورفع رئيس الوزراء زكريا محي الدين ضريبة الدخل في مصر على جميع المبيعات، وزود التعريفات الجمركية على الواردات غير الضرورية، ورفع تكلفة السلع الكمالية بنسبة 25%،

وأرسل 400 شخص بملابس مدنية للقاهرة للقبض على عدد كبير من التجار بتهمة مخالفة الأسعار.

وفي مارس 1966 شنت القوات المصرية اللي كان وصل عددها وقتها حوالي 60,000 جندي أكبر هجوم لها، فقام الملكيين بشأن هجوم مضاد، لكن حالة الجمود بين الطرفين رجعت مرة ثانية.

وبعد ذلك الهجوم، وفي نفس السنة قرر عبد الناصر تطبيق استراتيجية النفس الطويل، وكانت الخطة تقتضي تقليص عدد الجيش من 70,000 جندي ل40.000،

والانسحاب من المواقع المكشوفة في شرق وشمال اليمن، وتشديد السيطرة على أجزاء بعينها مثل ساحل البحر الأحمر، والحدود الشمالية اللي تشمل مدينة صنعاء والحديدة وتعز اللي كانوا محصنين، والحدود مع الاتحاد الجنوب العربي.

اتفاقية سحب القوات المصرية من اليمن

وفي ذلك الوقت ده رجعت محاولات الأمم المتحدة مرة تانية، وتمت محادثات مع عناصر والملك فيصل، لكن ناصر رفض من جديد سحب قواته، وذلك على الرغم من التهديد الصريح، يتلقاه بخسارة برنامج توزيع الغذاء الأمريكي اللي كانت تبلغ قيمته 150,000,000 دولار، وأيضا مساعدة التنمية الصناعية تبلغ قيمتها 100,000,000 دولار وقتها.

وفي ذلك الوقت تم نصح عبد الناصر بعدم المخاطرة بإيقاف برنامج الغذاء، لأن الاتحاد السوفيتي لن يكون قادر على دفع تلك الفاتورة له، لكن عبد الناصر أصر على موقفه وحتي شهر فبراير 1967 تعهد بالبقاء في اليمن لو لزم الأمر،

وهنا رد عليه الأمير حسين بن أحمد وقال نحن مستعدون للقتال لمدة 50 عاما لإبقاء ناصر خارجا تماما كما فعلنا مع الأتراك العثمانيين.

وفي نفس السنة تجددت التقارير اللي اتهمت الجيش المصري باستخدام الحرب الكيميائية عن طريق استخدام الغاز السام، وكان الاتهام ده بدأ مع بداية الحرب في سنة 63 لما قيل وقتها إن الجيش المصري استخدم الغاز ضد قرية كومة وتسبب في قتل حوالي سبع أشخاص وإصابة عيون ورئة 25 شخص آخرين.

وهنا قالت السلطات المصرية إن الحوادث تلك غالبا ناتجة عن النابلم ليس الغاز.

وبسبب ذلك الموضوع ده استغلت إسرائيل الفرصة وخارجت وزيرة خارجيتها جولدا مائير وقالت في مقابلة إن عبد الناصر لن يتردد في استخدام الغاز ضد إسرائيل أيضا،

وزاد تكرار التقارير دي خاصة في أواخر 1966، لما قيل إنه تم قتل 15 شخص وإصابة 35 بسبب قنبلة غاز مصرية.

وتلك كانت فرصة  لإسرائيل، وفي 1967 زاد الموضوع وكانت سبب هو إنه وقع في تلك السنة أكبر هجوم بالغاز على قرية كتاف وأدي ذلك الهجوم ده للسقوط 270 شخص ما بين قتيل ومصاب، وقيل وقتها إن الهدف كان هو الأمير حسين اللي كان مقيم في مكان قريب من مواقع الاستهداف،

وهنا خرجت مصر عن صمتها، ونفت استخدام الغاز، وقالت إن تلك كانت حرب من بريطانيا، وأمريكا اللي استخدمه تقريرهم كحرب نفسية ضد مصر ليس أكتر، ولذلك كده قالت مصر إنها مرحبة بإجراء تحقيق من الأمم المتحدة.

اتفاقية سحب القوات المصرية من اليمن

مؤتمر الخرطوم “اللاءات الثلاثة”

المهم، استمرت خطة النفس الطويل لعبد الناصر، واللي فيه اعتمدت القوات المصرية حصرا على الدفاع عن المثلث اللي يربط الحديدة وتعز وصنعاء، الي ان أتت هزيمة يونيو 19967، وتم عقد مؤتمر الخرطوم أو مؤتمر اللاءات الثلاثة.

وفيه أعلنت مصر عن استعدادها لإنهاء الحرب في اليمن، واقترح وزير الخارجية محمود رياض إحياء اتفاقية جدة ومصر،

وهنا أبدي الملك فيصل رضاه، ووقع ناصر وفيصل على معاهدة سحب بموجبها ناصر قواته اللي كان وصل عددها ل20,000 جندي من اليمن، وتوقف فيصل عن إرسال الأسلحة لملكيين البدر، وتضمنت المعاهدة إرسال رسول تلات دول عربية كمراقبين.

وهنا كان رد فعل السلال من أغرب ما يكون، فبدل ان يقف جنب عبد الناصر اللي سانده ودعمه طول فترة حرب اليمن وخسر بسببه مجموعة من نخبة مقاتلينه، إلا إن السلال اتهم عبد الناصر بالخيانة لسحب جيش في اللحظة الحرجة اللي كانت بتواجهها مصر.

وطبعا مصر بعد النكسة عانت من نتيجة قراراتها السابقة، ولذلك فرضت الحكومة ضرائب أعلى على الطبقتين المتوسطة والعليا، ورفعت المدخرات الشهرية الإلزامية للعمال بنسبة 50% وخفضت أجور العمل الإضافي، وخفضت حصة السكر بمقدار الثلث، وقللت جميع البرامج الصناعية الكبرى.

وفي ذلك الوقت قام الملك فيصل بتجريد بنكين مملوكين المصريين كان استولى عليهم في نفس السنة، ووافقت السعودية وليبيا والكويت على تقديم الدعم المصري، وكان مقدر وقتها ب266,000,000 دولار.

وفي الوقت اللي حاولت فيه كل الدول العربية الوقوف بجانب مصر وسوريا بعد النكبة، قرر السلال إنه يرسل لعبد الناصر هدية شكر، واللي هي كانت عبارة عن جثث شهداء من قوات الجيش المصري تم تصفيتهم في صنعاء.

ولكن في ذلك الوقت تراجعت شعبية السلال بقوته، وبعد هجومين بالبازوكا على بيته من الجنود الساخطين على سياسته، قرر السلال اتخاذ حراس مصريين، وأمر بإعدام رئيس أمنه العقيد عبد القادر خطاري، ورفض السلال الاعتراف بلجنة زعماء العرب اللي تم تعيينها في الخرطوم لترتيب شروط السلام.

ذلك غير كمان إنه أقال الحكومة بالكامل، وشكل حكومة جديدة، وتولى وزارة الجيش والخارجية بنفسه.

وفي ذلك الوقت ، أعلن ناصر عن إطلاق سراح ثلاثة من زعماء الجمهوريين اللي احتجزهم في ذروة الأحداث، واللي كانوا مؤيدين للسلام مع الملكين، واللي هما القاضي عبد الرحمن الأرياني وأحمد النعمان واللواء العمري.

ومن ذلك  التصرف كان واضح إن عبد الناصر تدارك خطأه في التمادي في دعم السلال نفسه ليس الثورة.

وهنا قرر السلال إنه يقابل ناصر مرة أخيرة، فكانت نصيحة ناصر الوحيدة له هي إنه يقدم استقالته ويروح للمنفى بإرادته.

لكن السلال رفض، واعتبر تلك هي آخر صلة بينه وبين عبد الناصر وقرر يروح لبغداد على أمل الحصول على دعم الاشتراكيين هناك.

بمجرد ان ترك السلال مصر ارسل  عبد الناصر رسالة بصنعاء أمر فيها قوات المتبقية بعدم التدخل ومحاولة عرقلة الانقلاب المتوقع على السلال.

وفي 5 نوفمبر قام المنشقين، بدعم من رجال القبائل الجمهوريين اللي تم استدعائهم لصنعها بنقل أربع دبابات لساحات المدينة واستولوا على القصر الرئاسي، وأعلنوا عن طريق الإذاعة نبأ عزل السلال من جميع مناصبه وحصل إنقلاب من غير أي معارضة.

وفي بغداد بعد ما قدم السلال طلب اللجوء عرضت عليه الحكومة العراقية بيت ومنحة شهرية بقيمة 500 دينار، وبالنسبة للحكومة الجمهورية الجديدة فتولى رئاستها القاضي عبد الرحمن الأرياني.

وبعد الانقلاب حاصر الملكيين صنعاء واستولوا على مطارها الرئيسي وقطعوا الطريق السريع المؤدي لميناء الحديدة فأعلنت الحكومة الجمهورية اليمنية عن حظر التجول وأمرت المدنيين بتشكيل مليشيات للدفاع عن الجمهورية.

وفي الميدان، تم إعدام ست متسللين ملكيين بالرصاص، وتم تعليق جثتهم على الأعمدة، وبسبب دعم السوفيت للجمهوريين بالطائرات والأسلحة، وبسبب توقف دعم السعودية للملكيين، كانت الغلبة والتفوق للحكومة الجمهورية.

وفي شهر فبراير 1968، تم رفع الحصار وانتصر الجمهوريين في حرب اليمن أخيرا، وفي نفس الوقت انسحبت بريطانيا من عدن ومن اتحاد الجنوب العربي، إلا أصبح جنوب اليمن.

وفي سنة 1970 اعترفت السعودية بالجمهورية اليمنية، وتم وقف إطلاق النار بصورة رسمية، وأيضا قدمت السعودية للحكومة الجمهورية. منحة قدرها 20,000,000 دولار.

تكررت بصورة متقطعة، وأيضا حصل شيوخ اليمن على رواتب سعودية، وكان الخاسر الأكبر في حرب اليمن هي مصر اللي فقدت جنود وعتاد وتأزمت سياستها واقتصادها وعاني الشعب من مغبة حرب اليمن، ليس فقط بسبب السياسات الاقتصادية التعسفية اللي تطبقت خلال الحرب،

لكن أيضا ظل الأهالي اللي فقدو ذويهم في اليمن أثناء الحرب سنين لا يعرفوا حاجة عنهم، منهم اللي رجع بعد سنين ومنهم اللي لا يعرفوا هل استشهد في حرب اليمن أو لا.

وبذلك تكون انتهت مقالتنا حرب اليمن التي سميت حرب فيتنام المصرية ولعرفة المزيد عن تاريخ اليمن يمكنك الاطلاع عليه من هنا.

مؤتمر الخرطوم "اللاءات الثلاثة

Facebook
X
Telegram
LinkedIn
Tumblr
Reddit
Scroll to Top