تميزت بقدرتها العالية على البصر لمسافات خارقة، وقد ورد أنها لم تكن فقط ذات عينين زرقاوين جميلتين، وإنما كانت ذكية ومخلصة قوية الشخصية، إنها زرقاء اليمامة.
من هي زرقاء اليمامة وما هي قصتها
زرقاء اليمامة هي إحدى أشهر شخصيات التراث العربي عبر التاريخ، حدثت قصة زرقاء اليمامة في العصر الجاهلي، وقد حدد بعض المؤرخين زمن حدوثها بأنه القرن العاشر قبل الهجرة، كما قال بعض المستشرقين انها حوالي 250 قبل الميلاد، ويرجح أنها حدثت قبل ذلك، ولكن لم يرد عنها خبر مؤكد في الآثار والأخبار.
زرقاء اليمامة هي إمرأة نجدية من جديس من أهل اليمامة، يرجح أن نسمها عنز، فيما يحتمل أن يكون إسمها هو اليمامة، واسم بلدتها، فهو جو وتقع في سهل فسيح يسمى جو، لأنه فسيحا كجو الفضاء،
وربما قيل زرقاء الجو حيث كانت تخبر قومها فيما إذا أبصرت الجيوش تغزوهم قبل من قدومها، ليستعدوا لها، ويقال أنها كانت تبصر الشعرة البيضاء في اللبن، و ترى الشخص من على مسيرة ثلاثة أيام،
وحين تأكد لأهل اليمامة صدق الزرقاء، وقوة بصرها، بدأوا في الاستعانة بها في مراقبة كل الوارد، والصادر لبلدتهم اليمامة فكانت زرقاء اليمامة تصعد إلى برج عال لتراقب مداخل البلدة ومخارجها، وتخبرهم بكل قادم إليها، وبذلك أصبحت خير عون لأهلها وقبيلتها.
وكان علي رأس جارتهم قبيلة تصم حاكم مستبد وصل طغيانه لدرجة أن كل عروس زفت لعريسها، كان ينفرد بها هذا الحاكم قبل زوجها الشيء الذي لم تستطع قبيلة جديس عليه صبرا فاتفقوا علي ان يقتلوا الحاكم وجميع الموالين له،
وبعد أن نجحوا بقتل الطاغية وأعوانه، بقي أحد الموالين للحاكم المقتول حيا، وأسر المكر والخديعة في نفسه، فلجأ إلى إحدى القبائل التي لا يقل حاكمها بطشا عن سلفه، فعرض عليه أن يغير على قبيلة جديس واغراه الهدايا والكنوز التي تقبع في ديارهم،
وبعد حديث مطول تمكن من إقناعه، كما اقترح عليه أن يستتر جيشه بأغصان الشجر وأوراقها لأن هناك رادار من نوع خاص جدا، ألا وهي زرقاء اليمامة.
لما حسان الحميري نحو جديس، قاله رياح بن مرة أيها الملك، إن لي أختا متزوجة في جديس، واسمها الزرقاء، وإنها زرقاء ترى الشخص من مسيرة يوم وليلة أخاف أن ترانا، فتنذر القوم بنا فامر اصحابك ليقطعوا أغصان الأشجار ويتستروا بها ليتشبهوا على زرقاء اليمامة ،
وساروا بالليل، فلما دنوا من اليمامة ليلا نظرت زرقاء اليمامة وقالت يا آل جديس، صارت إليكم الأشجار، و جاءتكم أوائل خير حمير، فكذبوها فلما أخبرت زرقاء، قومها بأن هناك شجرا يسير لم يصدقوها، وسخروا منها فقالوا كذبتي أو كذبتك عينك.
فلما أطبق أعدائهم عليهم وباغتوهم أدركوا صدق زرقاء اليمامة ، ولكن بعد فوات الأوان.
فلما داهمهم حسان الحميري وجنوده قال لها قالت رأيت الشجرة خلفه بشر، فتأكد من قوة بصرها وبصيرتها وعرض عليها أن تصحبه في كل أسفاره. وتكون دليله ومرشده ضد أعدائه مقابل أن يأمنها على حياتها وإن رفضت سوف يقتلع عينيها و يفقدها بصرها.
فرفضت زرقاء اليمامة أن تكون مراقبة له ولبلاده، وأخبرته أنها لا ترغب في عينيها، ولا تريد أن ترى من قتل أهلها، وفقدانها لبصرها أهون وأكرم لها من أن تخدم عدوا أهانها.
فأمر بقلع عينيها، فوجدوا عروق عينيها قد غرقت في الاثمد ، من كثرة ما كانت تكتحل به، والاثمد هو حجر أسود كانت تدقه وتطحنه وتكتحل به، وأمر الملك بصلبها على باب المدينة،
وأصبح العرب يضربون المثل بزرقاء اليمامة فيقال أبصر من زرقاء لجودة بصرها، ولحدة نظرها.
إن التدقيق في قصة زرقاء اليمامة يجعلنا نكتشف أن ميزتها الأساسية لم تكن قوة البصر، بل البصيرة، فالبصيرة هي قوة الإدراك والفطنة، أما البصر فهو حاسة أو قوة يمتلكها الإنسان لرؤية ما حوله،
ولذلك ربما تكون زرقاء اليمامة وزاد وليس بالضرورة أن تكون فعلت ذلك باستخدام بصرها، بل ربما سمعت عن الغزاة من المسافرين أو العيون الجواسيس، أو ربما كانت تريد من قومها البقاء في حالة إستعداد وعدم التراخي حتى لا يكونوا لقمة سائغة لعدوهم الملك حسان الحميري الذي ينسب غزو اليمامة له.
ولكن النهاية المأساوية لقصة زرقاء اليمامة التي تمثلت في اجتياح العدو مساكن قوم زرقاء اليمامة، وقتل الكثيرين منهم، ربما تكون قد تناقلتها الروايات فيما بعد وضخمتها، خاصة أن الملك حسان الحميري اقتلع عيني زرقاء اليمامة.
ويقول المشككون في قصة زرقاء اليمامة، إن هناك مجموعة من المبالغات في قصتها، فأولا من الصعب على العين البشرية أن ترى مسافة تتجاوز 5 كيلو مترا، وهذا على شرط أن يكون الأفق ممتدا تماما، كأن يكون على قمة جبل مرتفعة، أما زرقاء اليمامة فلم يروى عنها صعود الجبال.
والمشكلة الثانية في قصة زرقاء اليمامة نابعة من حقيقة أن الأرض كروية وليست مسطحة وهذا يعني أن الأفق بعد مسافة تقدر بخمسة كيلومترا لا يعود مرئيا، لأنه يغطس وينحني مختفيا مع تكور الأرض، ولا تستطيع أشعة الشمس الالتفاف لتلحقه،
ولذلك فمن الصعب رؤية شيء واقفا على سطح الأرض، يتجاوز بعده عن المشاهد 5 كم.
وبالمقابل فإن الروايات أخرى نقلت عن زرقاء اليمامة تجعل وصفها منطقيا أكثر إذا وصفت بأنها ترى الشخص على مسيرة يوم وليلة وهذا يعني قرابة 50 كيلو مترا،
أما بالنسبة لموضوع انحناء سطح الأرض، فربما كانت تصعد هضبة أو تلة قريبة من مساكن قومها، مما يتيح لها التغلب على هذه الصعوبة ورؤية مسافة أبعد، حيث يغلب الظن بأنها قصة من وحي الخيال، على حد قول بعض المؤرخين والمستشرقين.
إلا أن قصة زرقاء اليمامة تبقى تراثا تزخر به كتب التاريخ، وقد تم ذكرها في الشعر كثيرا، وتعد قصيدة البكاء بين يدي زرقاء اليمامة لأمل دنقل أشهر القصائد التي ذكرتها. ولمعرفة المزيد من شخصيات عربية يمكنك الاطلاع عليها من هنا