غاندي
كتبت/ إنتصار حمدان
المقدمة:
نالت الهند استقلالها بما ابتكر لها “غاندي” أو بما أوحى إليها من الخطط والأساليب، فإن الذي لا يشك فيه إنسان قد طبع الهند بطابعه وأثر في العالم أثرًا لن يزول، ولقد أحدث “غاندي” نهضة بين نساء الهند اللائئ دعاهن إلى السفور والمغزل، كما أنه كافح تقاليد بلاده التب تهين (خمسين مليوناً) من الهنود وتعدهم منبوذين.
نشأته:
ولد “غاندي” في ولاية هندية صغيرة في غرب الهند تدعى كثياوار سنة (١٨٦٩!، وكان أبوه رئيس الوزارة في هذه الولاية، وقد تعلم “غاندي” من أبيه الصدق والصلابة، كما تعلم من أمه التقوى، وقد تزوج “غاندي” على عادة الهنود وهو في (الثالثة عشرة)، وكانت زوجته أصغر منه سنًّا، ثم عزم على السفر إلى إنجلترا لدراسة الحقوق فوجد من أهله مقاومة كبيرة؛ لأنهم خشوا عليه تلك الغوايات التي يقع فيها الشاب الأجنبي في وسط متمدن مثل لندن، ولكنه تغلب على معارضتهم وسافر بعد أن شرطت عليه أمه ألا يعرف اللحم أو النبيذ أو المرأة.
ونال شهادة المحاماة سنة (١٨٩١) وعاد إلى الهند، وشرع يمارس المحاماة، ولكنه وجد في نفسه عجزاً كبيراً عن القيام بهذه الحرفة، فقد كان إذا وقف أمام القاضي جمد فلا يستطيع النطق، وعندما تحقق له عجزه بعد تكرار المحاولات أراد أن يترك المحاماة ويشتغل بالتعليم، فعرض نفسه على مدرسة إنجليزية لكى يعلم فيها بمرتب (خمسة جنيهات) في الشهر فرفضته.
غاندي في إفريقيا الجنوبية:
وكان “غاندي” تلميذ “تولستوي”، وشغف بمبادئه، واستملى المباديء عندما فكر في خططه السياسية، وقد رأى وهو في إفريقيا الجنوبية أن المباديء تحتاج لممارسة يومية حتى تخرج من النظريات إلى العمليات، ولذلك كله دعا طائفة من مواطنيه وأسس وإياهم عزبة” تولستوي”، وهو لم يشتري هذه العزبة، وإنما أخذها هبة من أحد أغنياء الهنود، وقصد هذه العزبة هو (وأربعون) من الهنود، منهم المسلم والهندوسي والمسيحي والبارسي، وكان معهم (خمسة) من النساء و(ثلاثة) رجال هرمين ونحو (ثلاثين) صبيًّا، وكان الغرض الأول من الاعتكاف في هذه العزبة أن يتعلم المقيمون فيها كيف يتسامحون مع اختلاف الدين أو المذهب.
عودة غاندي إلى الهند:
عاد غاندى وزوجته “كاستورباي” إلى الهند فوصل بومباي في (٩ يناير سنة ١٩١٥)، وكانت شهرته في الهند قاصرة على بومباي ومدارس وكلكتا؛ بسبب أن معظم الهنود الذين يقيمون في جنوب إفريقيا موطنهم الأصلى هذه المناطق المحدودة من الهند، وكان أبغض شيء لدى “غاندي” هو حماس بعض شباب الهند لمقاومة السلاح بالسلاح، بينما كان “غاندي” يرى أنه من الممكن أن يصيب بريطانيا في مقتل لو استخدم معها الأسلوب البعيد كل البعد عن أي مظهر من مظاهر العنف، ونادى “غاندي” بعدة أهداف:
أولاً: عدم التعاون مع بريطانيا في كل النواحي التجارية والاقتصادية.
ثانياً: محاربة الآلة لأنها تستبعد الإنسان.
ثالثاً: محاربة الجسد في الحدود التى لا غنى عنه فيها دون سيطرة على الروح.
موقف غاندي من الحرب العالمية الأولى:
كان هناك سيدة إنجليزية تدعى “مسز بيزانت” حرضت الهنود منتهزة فرصة الحرب العالمية الأولى بالمطالبة بالاستقلال الذاتي للهند، وحاولت استدراج “غاندي” ولكن الرجل بمبادئه المعروفة وخلقه، وكان من الطبيعي أن ينتظر الهنود ما وعدت به إنجلترا الهند من حكومة مستقلة، وأن يصبح الحكم في الهند حكماً ذاتياً بعد إنتهاء الحرب العالمية التي شارك فيها الهنود مشاركة فعالة، وكانت أنهار من دماء الهنود قد سالت خلال هذه الحرب، وعندما انتهت الحرب بانتصار الحلفاء نكثت إنجلترا بعهودها، وأعلن “غاندي” أن أعظم رد على الإنجليز هو الصوم العام والعصيان السلمي، ودعا “غاندي” إلى كسر إحتكار الإنجليز للملح والإتجار فيه.
وبدأت بعد ذلك حركة العصيان المدني في دلهي في (٣٠ مارس سنة ١٩١٩)، ثم في بومباي في (٦ أبريل)، ولكن حركة بومباي رغم نجاحها كانت قد اتصفت بالعنف وانتشرت منها إلى البنجاب، حيث انتشرت أعمال السلب والتخريب لوقوع العدواة للأسف الشديد بين المسلمين والسيخ والهندوس، وبعث القادة في طلب “غاندي”، ولكن السلطات استطاعت القبض عليه وأعادته إلى بومباي، حيث اضطرت إلى إطلاق سراحه لأن خبر اعتقاله أثار مظاهرات عنيفة شملت “أحمد أباد”.
ويمكن أن نقول إنه في عام (١٩١٧) عندما هبط إنتاج محصول الحبوب إلى (الربع)، ورفضت السلطات البريطانية تأجيل سداد إيجارت هذه الأراضي، فما كان من “غاندي” إلا أن طلب من السلطات تيسير الأمر على هؤلاء الفلاحين البسطاء فاضطرت الحكومة إلى إتخاذ القوة سبيلها لتحقيق أهدافها، ثم عادت ووافقت على رأي “غاندي”؛ لأنها تعلم جيد العلم أن هذا الرجل زعيم قادر على استثارة الرأي العام.
استقلال الهند:
رفض “غاندي” كما رفض المؤتمر الهندي أن تدخل الهند ضد ألمانيا في الحرب العالمية (الثانية) التي اشتعلت في (سبتمبر عام ١٩٣٩) قبل تحقيق أماني الهند في الإستقلال ولإعلن المؤتمر العصيان مما دفع الحكومة إلى إلقاء القبض على القائمين على المؤتمر، فاضطرت انجلترا إلى مراضاة الهند، فأعلنت في (٢٢ فبراير سنة ١٩٤٢):
أ- تقوم حكومة بريطانيا بمنح الهند في أقرب فرصة مرتبة الدومينون، مما يتيح لها حق الإنفصال عن الإمبراطورية البريطانية.
ب- فور انتهاء الحرب وانتصار الحلفاء، تشكلت جمعية دستورية من الهنود تضع دستوراً للهند تلتزم به بريطانيا.
ج- تقوم إنجلترا بالدفاع عن الهند.
ولكن “غاندي” لم يعجبه هذا الإعلان لسبب بسيط أن لن يرضى عن الإستقلال بديلاً، لا سيما وأنه علم أن بريطانيا تريد تفتيت الهند فطالب “غاندي” برحيل الإنجليز عن الهند فوراً؛ لأن في رحيلهم سيبعد نظر اليابان إلى التطلع إلى الهند لغزوها، واجتمع المؤتمر في بومباي في (٨ أغسطس عام ١٩٤٢)، واتخذ قراره بأن تعلن بريطانيا استقلال الهند التام على أن يعهد بأمر ذلك إلى حركة اتخذت لها شعاراً “ارحلوا عن الهند” على أن يسود مبدأ عدم العنف، وأن تأتمر بأوامر “غاندي”، وقال “غاندي” وهو يخطب في المؤتمر: “إما الإستقلال الوطني وإما الموت”، وبالفعل غادرت بريطانيا الهند، وتكونت دولتا الهند وباكستان في (١٥ أغسطس سنة ١٩٤٧ )، وحاول “غاندي” تهدئة الموقف ولكن الدماء سالت في كل مكان.
نهاية غاندي:
تناول “غاندي” آخر وجبة طعام في حيلته فى منتصف (الخامسة) مساءاً، وكانت تتكون من لبن الماعز والخضار المسلوق وبعض البرتقال والخضروات، وهو جالس على الأرض في قصر بيزلا في دلهي الجديدة، وعندما رأى الساعة وعرف الوقت نهض المهاتما متجهاً إلى المكان المعد للصلاة، ولما وصل مكان الصلاة تأسف لفتاتيه أنه تأخر عن موعد الصلاة، وانحنى له الكثيرون الذين كان قد بلغ عددهم حوالي (٥٠٠) فرد تحية له وأفسح له البعض الطريق، ثم ما لبث أن ظهر رجل يبدو عليه أنه على وشك أن يركع أمام المهاتما كأسلوب أهل الهند في التحية، وحاولت “مانو” أن تمنعه وأمسكت بيده فدفعها بكل قوته، وأطلق هذا الرجل على المهاتما (ثلاثة) رصاصات على الشيخ القديس الذي كان كل هدفه أن لا يفوته موعد الصلاة، ونطق “غاندي” بصوته الضعيف: “يا إلهي وسقط على الأرض، ووقعت نظارته عن عينيه وفارق نعلاه قدميه، وكان هذا يوم (٣٠ يناير سنة ١٩٤٨).
المراجع/
١-سلامة موسى: غاندي والحركة الهندية.
٢- يوسف سعد: عظماء من العالم غاندي.
——————————————————————————
((كل هذا في اطار مبادرة حكاوي لنشر الوعى الأثري و الترويج و دعم السياحة المصرية تحت اشراف فريق ديوان التاريخ))
#مبادرة_حكاوى
#الموسم_الخامس
#أصل_التاريخ_ديوان_التاريخ