شتان بين تعامل السرب المسيحيين مع مسلمي البوسنة والهرسك وبين تعامل العثمانيين المسلمين مع مسيحيه البوسنة والهرسك عند فتح البوسنة والهرسك، لقد دخل اهل البوسنة في الإسلام افواجا بعد فتح العثمانيين لبلادهم ولم تشهد البوسنة نهضه كالتي شهدتها ابان الحكم العثماني لها ولم ينعم شعبها برغد العيش والحياه الكريمة الا خلال تلك الحقبة.
ولم يذكر التاريخ لتلك الدولة اثيرها ودورها الحضارية واسهاماتها الثقافية الا في عهد العثمانيين تابعونا للنهاية لنعرفكم على قصه فتح البوسنة والهرسك.
أسباب فتح البوسنة والهرسك
قبل ان نحدثكم عن فتح البوسنة والهرسك يجدر بنا ان نرجع قليلا الى الظروف السياسية التي قادت العثمانيين الى تلك البلاد، فبعد انتقال العثمانيين الى البر الأوروبي عام 1353 للميلاد واتخاذهم ادرنة عاصمة لهم في عهد السلطان مراد الأول اصبح فتح البلقان ضرورة استراتيجية لتامين عمق العاصمة الجديدة تجاه الغرب.
وهكذا بدأت الدولة العثمانية تخطط لفتح تلك المنطقة التي تربط بين اسيا وأوروبا، بعد معركه ماريتسا عام 1321 للميلاد والتي فتحت للدولة العثمانية أبواب مقدونيا واليونان بدأ العثمانيون يعدون العدة لفتح الدول المجاورة المتمثلة في صربيا والبوسنة.
وفي عام 1388 بدأت أولى الحروب لفتح هاتين الدولتين لكن العثمانيين تعرضوا لهزيمة في تلك المعركة وخاض العثمانيون عشرات المعارك طوال اكثر من 90 عاما لفتح البوسنة خسروا بعضها وانتصروا في معظمها حتى فرضوا سيطرتهم الكاملة واخضعوا حكامها للسلطان.
دعونا الان ننتقل الى البوسنة قبل فتح العثمانيين لها لنتعرف على أحوال شعبها فقد كانت البوسنة خاضعه للحكم الاقطاعي حيث كان الحكام الاقطاعيون يسيطرون على المشهد وكان نبلاء حكام المناطق والمدن يسيطرون على ثروات البلاد وشغلهم الشاغل ملء خزائنهم الخاصة على حساب الشعب البائس الذي يعيش في المناطق النائية.
حيث الفقر المدقع والتهميش الكامل الى جانب معاناتهم من ظلم الحكام وبطشهم،
وكان الكثير من البوسنين يعتنقون مذهبا مسيحيا خاصا يسمى البوجوميل وهي طائفه دينيه ازدهرت في البلقان بين القرنين العاشر والخام عش الميلادي وتأسست على يد الكاهن بوجميل وسعت لإصلاح الكنيسة الأرثوذكسية في البلقان وقامت عقيدتهم على انكار المعمودية والافخارستيا التي يعترفون فيها للقساوسة بآثمهم والعديد من العقائد المسيحية الأرثوذكسية.
كما رفضوا كل تنظيم للكنيسة الأرثوذكسية وكان اهل البوسنة يتعرضون الاضطهاد الكاثوليك الرومان حتى ان البابوات كانوا يدعون الى شن حرب صليبية عليهم وابادتهم، ولم يعد اهل البسن قادرين على تحمل هذا الاضطهاد ففر كثير منهم الى البلاد المجاورة.
وزادهم هذا الاضطهاد تمسكا بعقيدتهم كما زادهم كراهية للكاثوليك وتطلعوا الى من ينقذهم .
وجاء المنقذ أخيرا انه السلطان العثماني محمد الثاني فاتح القسطنطينية عاصمه الدولة البيزنطية، والذي قرر استكمال الفتوحات في بلاد البلقان فكان ان فتح صربيا بعد معارك حاميه الوطيس ما عدا العاصمة بلغراد التي استعصت عليه.
وبفتح العثمانيين لصربيا اصبحوا مجاورين للبوسنة ومن ثم كانت هدفهم التالي فكيف ستكون تلك المواجهة يا ترى؟
فتح البوسنة علي يد السلطان محمد الفاتح
يذكر الدكتور محمد سالم الرشيدي في كتابه السلطان محمد الفاتح انه قبيل الفتح العثماني للبوسنة كانت البوسنة في ذلك الوقت تعيش فتره من الاضطرابات اذ وقعت البلاد فريسة للمتنازعين الطامعين في الحكم وزادت الصراعات بينهم حتى الت الأمور الى استفان توماسيفيتش الذي ادرك ان العثمانيين قد صاروا على بعد خطوات منه بعد فتحهم لصربيا.
ومن ثم اخذ يحرض الدول النصرانية على العثمانيين،
بعث السلطان محمد الفاتح الى ملك البوسنة يطلب منه الخضوع للدولة العثمانية والاعتراف بسيادتها ودفع الجزية لها والا فالقتال فرفض توماسيفيتش دفع الجزية فتأهب الفاتح للزحف الى البوسنة،
الا ان احداثا داخليه وقعت بالافلاق فاضطر السلطان الى تأجيل الزحف للعام التالي.
ادرك ملك البوسنة ان الغزو العثماني قادم لاريب فارسل الى البابا في روما يستعجله في ارسال النجدة وطلب منه ان يستحث ملك المجر على معاونته في قتال العثمانيين والا سيكون مصير البوسنة كمصير القسطنطينية.
وحذره من ان العثمانيين اذا ضموا البوسنة فانهم سينقض بعد ذلك على إيطاليا وروما نفسها، ولكي يؤكد توماسيفيتش ولاءه للبابا طلب ان يكون تاجه من عنده فبعث اليه البابا بالتاج، لكنه لم يرسل اليه شيئا من الجنود او المال او السلاح وتركه يواجه مصيره بمفرده.
في ربيع عام 867 للهجرة 1463 للميلاد ارسل السلطان محمد الفاتح رسولا اخر الى توماسيفيتش يخيره بين دفع الجزية والقتال فاعتقل توماسيفيتش رسول السلطان العثماني وهم بقتله الا ان وزيره نهاه عن ذلك لأنه سيستفز السلطان ويعجل بهلاك نفسه والقضاء علي مملكته.
فاستمع الملك الى كلام وزيره واطلق سراح الرسول الذي عاد الى السلطان واخبره بما حدث فصار السلطان الفاتح على الفور بجيشه الى البوسنه وحاصر قلعه لوفجة اكبر قلاع البوسنة فاستسلمت بعد ثلاثة أيام، ثم حاصر قلعه يايتسا التي كان بها توماسيفيتش فاستسلمت أيضا بعد مقاومة يسيرة.
وكان توماسيفيتش قد هرب الى قلعة كلوج عندما علم باقتراب الفاتح فارسل الفاتح وراءه وزيره محمود باشا بجيش لمطاردته.
كان من راي السلطان محمد الفاتح ان يحاصر محمود باشا القلعة حتى تقع في يده وبعدها يقرر مصير من بها من المقاتلين لكن محمود باشا ارسل الى ملك البوسنة يحثه على التسليم وطلب الصلح وامنه على حياته فاسرع الملك اليه مستجيبا فلم يكن هناك خيار امامه سوى التسليم او الهلاك.
وخرج توما سيفيتش من القلعة وسلمها لمحمود باشا وتلقى منه كتاب الأمان فاستاء السلطان من تصرف وزيره وعاتبه على ذلك، ورغم كراهية الفاتح لعهد الأمان الذي منحه محمود باشا الى توماسيفيتش فانه اقره عليه وتعامل معه بسماحة.
لكن ملك البوسنة ومعه بعض الامراء حاولوا بعد ذلك الغدر بالعثمانيين فاستفتي السلطان محمد الفاتح الشيخ علي البسطامي في جواز قتلهم فافتي له بذلك.
بعد قلعه كلوج تتابعت بقية قلاع البوسنة في الاستسلام للعثمانيين، وبحلول شهر يونيو عام 1463 صارت البوسنة كلها ولاية عثمانية.
وقد عمل الفاتح اهل البوسنه بسماحة ومروءة عالية كعادته واحسن معامله الطبقات الفقيرة وعمل على دعمهم اقتصاديا وحررهم من قيود العبودية، ولم يتعرض لمذاهب ومعتقداتهم،
اذ كان اهل البوسنة يعانون من اضطهاد الكاثوليك لهم، لذا عندما جاء العثمانيون وجدوا فيهم المنقذ فلم ينهضوا الى قتالهم بل رحبوا بهم واستقبلوهم استقبال من جاء لتحريرهم انقاذهم.
ودخل اهل البوسنة في الدين الإسلامي بمحض ارادتهم في جموع كبيرة اثر الفتح العثماني ثم اعتنق البقية الباقية منه الإسلام تدريجيا.
فتح الهرسك علي يد السلطان محمد الفاتح
بعد فتح البوسنة اتجه السلطان محمد الفاتح بنظره الى الهرسك فارسل الجيش بقيادة محمود باشا وما ان علم اميرها بزحف الجيش العثماني حتى فر الى احدى الجزر القريبة،
فلما اوشك محمود باشا ان يتم فتح الهرسك ارسل اميرها ابنه بالهدايا النفيسة الى السلطان محمد الفاتح ملتمسا منه العفو والاذن بان يقيم في عاصمة ملكه السابق فأجابه السلطان الى طلبه.
وهكذا قسمت الهرسك الى قسمين الأول ضم الى الدولة العثمانية اما القسم الاخر فبقي للأمير،
اما ابنه الذي ارسل رسولا الى الفاتح فيبدو انه اعجب بأخلاق السلطان محمد الفاتح العالية المستمدة من الدين الإسلامي فاعتنق الإسلام وتزوج ابن الأمير هذا ابنة السلطان محمد الفاتح وترقى في مناصب الدولة العثمانية حتى وصل الى منصب الوزارة.
وعندما مات امير الهرسك ضمت البقية الباقية من الهرسك الى الدولة العثمانية وهكذا صارت الهرسك ولاية عثمانية.
نامل بان يكون المحتوى قد نال اعجابكم ابقوا في امان الله والسلام ولمعرفة المزيد عن تاريخ السلطان محمد الفاتح يمكنك الاطلاع عليها من هنا .