مملكة مالي في عهد منسي موسي

مملكة مالي في عهد منسي موسي

جدول المحتوي

 

مملكه مالي الاسلاميه

كتبت /دينا ايمن

مملكة عاصرت دولة المماليك في مصر

تعد مملكة مالي هي أحد أعظم (ثلاث قوى) رئيسية في القارة الإفريقية وذلك طبقاً لوصف الرحالة المغربي “أبو عبد الله محمد بن عبد الله الطنجي” المعروف “بإبن بطوطة” ، فقد عاصرت دولة المماليك في مصر، ودولة المرينيين في المغرب ، وكانت تتواصل فيما بينهما اتصالاً سياسياً وتجارياً وثقافياً ، وقد كانت كلاً منهما في ذلك الوقت منهما قوة مستقلة ومركزاً لتجارة واسعة النطاق.

تأسيس مملكة مالي :

أسس هذه السلطنة شعب زنجى أصيل هو شعب الماندنجو ، ومعناها المتكلمون بلغة الماندى، ويُطلق “الفولانى” على هذا الشعب اسم مالى ويلقبه المؤرخون العرب بلقب مليل أو ملل ، وتقع تلك السلطنة بين بلاد برنو شرقاً والمحيط الأطلسى غرباً وجبال البربر شمالاً وفوتاجالون جنوباً، وقد ازدهرت تلك المملكة في الفترة ما بين (القرنين الثالث عشر والسادس عشر) ، وأسسها رجل يدعى “سوندياتا كيتا” ، وهو ملك كانجابا الذي عُرف تاريخياً بالملك الأسد ، ففي (منتصف القرن الحادي عشر) اعتنق ملوك كانجابا الإسلام، وأنشأوا دويلة صغيرة انفصلت عن مملكة الكونغو ، مستغلة الصراع الذي نشب بين المرابطين ومملكة الكونغو ، وفي أوائل (القرن الثالث عشر) استطاع ملوك كانجابا أن يوسعوا مملكتهم تجاه الجنوب والجنوب الشرقي ، الأمر الذي أثار حفيظة ملك الصوصو ، فحاول أن يسيطر علي مملكة كانجابا الناشئة ، وقد كادت جهوده تكلل بالنجاح ، بعد أن استطاع أن يهزم مملكة غانا الإسلامية ، لكن الملك الأسد ملك كانجابا استطاع أن يهزم ملك الصوصو ويقتله في إحدى المعارك وضم بلاده إليه ، بدأ “الملك الاسد” بعد ذلك في العمل على الوادي الخصيب بأعالي نهر النيجر ، رغبة منه في توسيع نفوذه شمالاً ، واستطاع أن يوحد القبائل المختلفة تحت سيطرته ، وبذلك أسس إمبراطورية مالي ، التي كانت أكبر من مملكة غانا ، حيث امتدت من ساحل “المحيط الأطلسي بالغرب إلى ما وراء تخوم منحنى نهر النيجر بالشرق ، ومن حقول الذهب في غينيا بالجنوب إلى محطة القوافل التجارية عبر الصحراء بالشمال ، وهو ما يعرف الآن بغرب أفريقيا ، وكان “الماندنجو” أول من حظى بها.

من هو منسي موسي:

هو “ابن أبي بكر بن سالم التكروري” ويلقب بالأشرف، وقيل بشرف الدين أما كلمة منسى فمعناها في لغتهم الملك أو السلطان، كما اشتهر باسم “موسى الأسود” وكان حقه في العرش مستندا إلى اعتباره حفيداً لإحدى شقيقات جده الأكبر الملك “سوندياتا” ولم يكن “منسى موسى” عند قبائل المانديك ملكاً يحكم الناس والأرض فحسب ، إنما كان من أولياء الله وهي مكانة دينية رفيعة دخلت إلى قلوب شعوب وقبائل الماندينك الذين كانوا يؤمنون بأن الله قد ألهم “موسى” القدرة على حكم أكبر إمبراطورية إسلامية سوداء في فترة العصور الوسطى ، وقد وصفه “إبن خلدون” بأنه: كان رجلاً صالحاً وملكاً عظيماً له في العدل أخبار تؤثر عنه ، كما ذكر “عبد الرحمن السعدي” بأنه: صالح عادل لم يكن فيهم مثله في الصلاح والعدل ، وأورد “ابن بطوطة” بعض مآثره فذكر بأن : السلطان منسى موسى عرف بالعطف والسخاء والكرم ، ويسميه العرب سلطان التكرور وهو ابن أحد إخوة “سونديات” ، وجرى السلطان “منسى موسى” منذ توليه الحكم على عادة أسلافه في توسيع رقعة بلاده ، فاستولى على ما تبقى من أرض غانا وعلى إقليم زاغا ، كما عمل على نشر الإسلام فيها وأنه (أول) من حج من ملوك غرب إفريقيا وقد أخذت رحلته حيزاً كبيراً من الشهرة، إذ أنه قدم إلى الحج عبر مصر في وفد كبير من أتباعه والخدم يحمل معه أموالاً طائلة وقد خصصت له مساحة من الأرض خارج القاهرة له ولحاشيته وقد قام السلطان “موسى” بتوزيع كميات كبيرة من الذهب على المسؤولين في مصر .

إنجازات منسي موسي في مملكة مالي :

أولاً الجانب السياسي:

بعد أن تولى “منسي موسى” أمور شؤون المملكة ، واجه تحديات كبيرة فقد كان يسود البلاد اضطرابات وفتن كبري ، وذلك بعد مقتل ملكها القوي “ساكورة” ، ولم يستطيع حلفاء “ساكورة” الضعفاء السير بها فخلقوا نوع من الفوضى والتدهور ، ولقد كان طابع الحكم في مملكة مالي استبدادياً والملكية مطلقة حيث كان يتم استغلال الرعايا لصالح الأسرة الحاكمة ، كما كان ملوكهم يحظون بأحترام وتبجيل وهيبة من طرف الرعية ، و كان “منسي موسى” في مقابل إذلاله لرعيته في مجلسه ، يمنح موظفيه وجنوده وضباطه وحرسه والمقربين منه والمتعاونين معه قطع أرضية وهبات اقتداء بما يقوم به الملوك المسلمين ، حيث قام “منسى موسى” عندما حصل علي تمبكتو بتعين خليفة له و وبنى بها دار السلطنة بالإضافة إلى حرصهم على أداء فريضة الحج ، ويعد “منسي موسي” في إمبراطورية مالي هو رئيساً الحكومة والدولة معاً ، أما فيما يتعلق بالأمن والجيش فقد اجتهد حكام مالي في إقامة الأمن فجاء التجار من أقصي المملكة وتوافد عليها الرأسمال الأجنبي وخاصة في المغرب ومصر ، وكانت الحكومة تجني ضرائب محددة على الواردات والصادرات فكثر المال بيد الحكومة و امتلأت خزائنها ، مما ساعدها على تكوين جيش قوي والإنفاق على مختلف المشاريع بسخاء فعمت شهرتها ، وقد تولي الحكم في هذه الفترة أحد أعظم ملوك مالي وهو “منسى موسى” حيث بلغت مملكة مالي شهرتها في عهده وكانت علاقته جيدة مع مصر والمغرب أما جيش مالي فقد أصبح في هذه الفترة أقوى جيش في إفريقيا كلها وبعد أن فتح مناطق واسعة في الغرب حتى الأطلسي ، توسع باتجاه الشرق وفي إثناء غياب “كانكان موسى” وصلت حدود مملكته في الناحية الشرقية إلى مشارف بحيرة تشاد وكان لمالي جيشان جيش الشمال وجيش الجنوب وقد درب ونظم كل منهما أحسن تدريب وتنظيم وبلغ مجموعهما نحو (مائة ألف جندي) منهم (عشرة الآلف فارس) والباقي رجالة وكان الفرسان عماد القوة الفعالة في مالي وقد قسم الجيش إلى فرق كل فرقة ضابط ويعرف كبار ضبط الجيش أو الأمراء في مالي الفرارية ويقوم كل منهما على طائفة من الجنود والمشاه .

ثانياً الجانب الاقتصادي:

لقد ازدهرت الزراعة في عهد “منسي موسي”، فقد اهتم بالإنتاج الزراعي وحمايته من السرقة بسن قوانين صارمة لحمايته ، حيث كان أهل المملكة يزرعون شيئا يشبه البطاطا يُعرف عندهم باسم القافي الذي كان يزرع في الخلاء ولكن أن علم الملك بأن احد قد سرق منه شيئاً عاقبه بقطع رأسه وتعليقه في المكان الذي قطع فيه حتى يكون عبرة لغيره ولا تنفع مع هذا الفعل أي شفاعة لدى الملك ، وبالتالي فأننا نستنتج من كلام “العمري” أن الملك كان يراقب النشاط الزراعي عن قرب بل ويبدي صرامة كبيرة في دعم الفلاحين وحماية إنتاجهم وان الملك يحرص على معاقبة سارقي منتج القافي وحرص الموظفين على اطلاعه بأمر السرقة رغم انه يبدو تافهاً أمام أمور الإمبراطورية التي تشغله ، وهو ما يقودنا إلى الاعتقاد بأن تلك الأراضي التي كان يزرع فيها المحصول ، والتي قال عنها “العمري”، بأنها أراضي موجودة في الخلاء يمكن أن تكون أراضي خاصة بالملك وحاشيته ، أي أراضي أقطاعية ، وبهذا يمكن أن نقول بأن تدخل الملك في النشاط الزراعي قد ارتبط بأهمية الزراعة في توفير الأمن الغذائي للدولة ، وفي تموين جيشها العظيم إلى درجة أصبح فيها الملك ينتظر موسم جني المحاصيل لتقييم مادي ، لخضوع الفلاحين لسلطته وقياس مدى ولائهم له ، حيث كان يتعين على الفلاحين خلال حلول موسم جني المحاصيل تقديم فروض الطاعة والولاء ، وقد شجع” منسى موسى” التجارة التي ازدهرت في عهده ، نظراً لتفشي الأمن في طرق القوافل التجارية ، وكان البربر والطوارق يتولون عمليات نقل البضائع والقوافل التي تحمل جوز الكولا والعاج والملح والذهب ، وفي هذا السياق ، ورغم توفر مادة الذهب بكثرة وتدفقه إلى خزينة البلاد إلا أن أحد مؤرخي تمبكتو وهو “السعدي” أحد أبنائها يشهد بأن ملوكها لا تمس أيديهم ذلك المعدن أبداً، وكان يطلق عليهم ملوك الذهب على أرضهم ارض الذهب حتى قيل انه يزرع على شاطئ نهر النيجر ثم يجنية الناس كالثمار في حين انه كانت تصنع منه أعماد السيوف كما تصنع منه عصائب رؤوس النساء زوجاتهم مزينة بالذهب ، الذي يعد أهم سلعة في التجارة بين جنوب وشمال الصحراء، كما عملت توسعات “منسى موسى” العسكرية خلال (القرن الرابع عشر للميلاد /الثامن للهجرة) ، على تقريب المملكة من المراكز التجارية الهامة لقوافل الطوارق كتوات وتمنطيت ، كما لعبت بعض المدن التجارية دوراً مهماً في هذه السيطرة التجارية لمالي فكانت مدينة ولاته ، أولى هذه المراكز التي أسسها “السوننكي” المسلمون المعروفون بالونغارا ، والجدليون مع بداية القرن (السابع للهجرة) هروباً من بطش الصوصو عندما قاموا بغزو عاصمة غانة كومبي صالح ، وقد عرفت مدينة كوكيا نشاطاً تجارياً كبيراً وخاصة خلال فترة حكم “منسي موسى” حيث استفاد من موقعها على ضفاف نهر النيجر وازدهارها في مجال الزراعة والصيد البحري .

ثالثاً الجانب الفني والعمراني :

كانت تقام حفلات كبيرة فكان كل وفد من وفود ولاياته يأتي بنموذج خاص بمنطقته من أجل تسلية الملك حيث كانت هذه الاستعراضات تعرف باسم كوتيبا ، وما يزال هذا التقليد قائماً إلى اليوم في مدينة كيلا وتقام خلال هذه الاحتفالات التي تعد التسلية المفضلة بالنسبة لملوك مالي ألعاباً بهلوانية تجسد دور الصياد الفاشل أو خلافات الزوج مع زوجاته ومختلف مظاهر الحياة اليومية ، كما تنشد بعض الأناشيد التي ظهرت في عهد والدة “منسي موسى” وهي “ناناكونكو” ، أما الموسيقى فقد كانت من أهم الأشياء التي ارتبطت بالحياة داخل القصر الملكي ترافق الأناشيد والملاحم التي تروي أمجاد العائلة المالكة خلال المناسبات والتي تخللها الأساطير وكانت تعزف هذه الموسيقى عن طريق آلة الكورا وهي آلة القيثارة الصغيرة ذات الطابع الإفريقي ، ومن أهم مآثر “منسي موسى” اهتمامه بإقامة المدن والمساجد ولعل حضارة تمبكتو التي تعد أحد أهم الممالك الإسلامية الإفريقية ومن أعظم المدن في التاريخ ، فقد كانت مركزاً للتجارة والثقافة والإسلام ، وجلبت التجار إلى أسواقها من مختلف بلدان العالم ومن بينها مصر وممالك إفريقيا المختلفة ، كما عرف عنه اهتمامه بعمارة المدن حيث شرع في تشيد المباني والمساجد والمدارس الدينية ومراكز التعليم مثل مدرسة وجامعة سانكور الفريدة في وقت كانت أوروبا تعيش في عصور الظلام وأقام الصالة الضخمة المشهورة في نياني قرب ديوانه الملكي ، والذي وصفه أحد المؤرخين العرب بأنه نصب عجيب وأقام حاضرة ومدن وأحضر المهندسين المعماريين من إسبانيا ومصر لبناء القصور في تمبكتو ولبناء مسجد الكبير كما شهدت بلاده تقدماً في مجالات الفلك والعلوم
والرياضيات ، ولعل شهادة المعماري الإيطالي “سيرجيو دميان” تؤكد على تقدم رقي مملكة “موسى” قائلاً : وهكذا وضع الحجر الأساس لحضارة متقدمة في أوج قوتها، فيكفي أن في مالي (٤٠٠ مدينة) مليئة بالسكان .

المراجع /
١- كتاب مملكة مالي وعلاقاتها مع المغرب وليبيا لدكتور “الهادي المبروك الدالي”.

٢- مملكة مالي على عهد السلطان منسي موسي د/ محمد بن سويسي.

——————————————————————————
((كل هذا في اطار مبادرة حكاوي لنشر الوعى الأثري و الترويج و دعم السياحة المصرية تحت اشراف فريق ديوان التاريخ))

#مبادرة_حكاوى
#الموسم_الخامس
#أصل_التاريخ_ديوان_التاريخ

Facebook
X
Telegram
LinkedIn
Tumblr
Reddit
Scroll to Top