من هم هاروت وماروت

سنعرض عليكم اليوم من هم هاروت وماروت وما قصتهم وهل هم حقا ملائكة أم شياطين وما هي حقيقة تعلم أهل بابل اشد أنواع السحر الأسود؟

مقدمة حول من هم هاروت وماروت

نحن الآن بعد عهد النمرود بآلاف السنين في عصر انتشر فيه السحر وسمعت فيها همسات الشياطين فأصبح الناس يعبدون الشياطين دون الله جل وعلى

فأرسل الله سبحانه نبيه سليمان ليهديهم إلى عبادة الله وحده ولكن بعد أن مات نبي الله سليمان عليه السلام

صاحت مردة الشياطين تعلم الناس السحر والكفر وافتروا على نبي الله سليمان أنه سيطر على الانس والجن عن طريق سحر تعلمه من الملائكة إلى أن أنزل الله قوله الحق ليبطل ما جاؤوا به من كذب

فقال الله في كتابه الكريم بسم الله الرحمن الرحيم

﴿وَٱتَّبَعُوا۟ مَا تَتۡلُوا۟ ٱلشَّیَـٰطِینُ عَلَىٰ مُلۡكِ سُلَیۡمَـٰنَۖ وَمَا كَفَرَ سُلَیۡمَـٰنُ وَلَـٰكِنَّ ٱلشَّیَـٰطِینَ كَفَرُوا۟ یُعَلِّمُونَ ٱلنَّاسَ ٱلسِّحۡرَ وَمَاۤ أُنزِلَ عَلَى ٱلۡمَلَكَیۡنِ بِبَابِلَ هَـٰرُوتَ وَمَـٰرُوتَۚ وَمَا یُعَلِّمَانِ مِنۡ أَحَدٍ حَتَّىٰ یَقُولَاۤ إِنَّمَا نَحۡنُ فِتۡنَةࣱ فَلَا تَكۡفُرۡۖ فَیَتَعَلَّمُونَ مِنۡهُمَا مَا یُفَرِّقُونَ بِهِۦ بَیۡنَ ٱلۡمَرۡءِ وَزَوۡجِهِۦۚ

وَمَا هُم بِضَاۤرِّینَ بِهِۦ مِنۡ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذۡنِ ٱللَّهِۚ وَیَتَعَلَّمُونَ مَا یَضُرُّهُمۡ وَلَا یَنفَعُهُمۡۚ وَلَقَدۡ عَلِمُوا۟ لَمَنِ ٱشۡتَرَىٰهُ مَا لَهُۥ فِی ٱلۡـَٔاخِرَةِ مِنۡ خَلَـٰقࣲۚ وَلَبِئۡسَ مَا شَرَوۡا۟ بِهِۦۤ أَنفُسَهُمۡۚ لَوۡ كَانُوا۟ یَعۡلَمُونَ﴾ [البقرة ١٠٢]

انتشار السحر في مدينة بابل

في أرض العراق القديمة قامت مدينة خصبة ذكرها الله تعالى في القرآن الكريم عرفت باسم بابل اشتهرت بحضارتها الرائعة والمساحة الشاسعة ووصلت إلى العلم الوفير بل وازدادت من الثقافة والفن بالشيء الكثير

فكان لها بناؤها المديد وصرحها الفريد إلى أن أصبحت واحدة من عجائب الدنيا السبع بجنانها وحدائقها المعلقة

ولكن لباب لا وجها مظلما وشرا معتما انتشر فيه الكهنة والعرافون وألقي عليه السحر من همسات الشياطين فتحول العلم إلى لعنة والجمال إلى نقمة

فكان فيها ما كان إلى أن انهارت حضارتها وطواها الزمان

ففي الألفية الثانية قبل الميلاد ولدت حضارة بابل كواحدة من أكثر حضارات العالم غموضا وتشعبا فشكلت نواة لعاصمة ضمت الأراضي الواقعة جنوبي بلاد ما بين النهرين وجزءا من مملكة آشو

ر بعد أن قام الملك حمورابي بدخولها وتسميتها عاصمة لهذه الأراضي وذلك في الفترة الواقعة بين عامي 1792 و 1750 قبل الميلاد

وبفضل موقعها المميز أصبحت مركزا تجاريا وسياسيا منفردا وبذلك ولدت حضارة بابل الذي يعني اسمها باللغة الأكادية بوابة الله

فقد ظهر السحر قبل آلاف الأعوام من ظهور بابل ولكنه انتشر فيها بشكل كبير وعميق قادما من بلاد فارس في الألفية الخامسة قبل الميلاد على يد كاهن يسمى زوري ستور

ويعتبر هذا الكاهن من أوائل من وضع طرق السحر وأسسه التي استوحاها واستمدها من الشياطين الذين علموا استحر البشر وألقوه بين الناس

فسار عليها الكنعانيون والمصريون وغيرها وصولا إلى العهد البابلي الذي كان المكان الأول لانتشار السحر بهذا الشكل

فالبابليون هم من أول من وضع قوانين لعلم السحر والشعوذة إذ كان رجال الكهنوت أعلى مكانة من رجال الدين وكانت العرافات تلعبن دورا بارزا في السحر حتى باتت الشياطين تعلمه للناس جهرا.

لماذا انزل الله هاروت وماروت علي بني اسرائيل

فمضت الأيام ودار الزمان إلى أن جاء عصر سيدنا سليمان عليه السلام فحارب نبي الله عليه السلام الظلم والسحر والشركة بالله وبدأ بنشر الحق والتوحيد ودعا إلى الله الواحد القهار

فسخر الله عز وجل له الجن والإنس والطير والرياح كل بأمره فلم يستطع أحد من الجن ولا الإنس أن يعصوا له أمرا

وقد كان لنبي الله سليمان عليه السلام كاتب يدعى آصف بن برخيا كان يكتب كل ما تعلمه من نبي الله من العلوم الشرعية الربانية ويضع هذه الكتب تحت كرسي نبي الله سليمان فلم يستطع أحد الاقتراب منها أو حتى لمسها

إلى أن مات سليمان عليه السلام وعلمت بموته شياطين الإنس والجن فدخلت على عرشه الشياطين وبحثت بين ملكه حتى استخرجت الكتب من تحت كرسيه

ومن ثم قامت بدس السحر بين كتب سليمان ودلت الناس عليها وقالت لهم إن هذا من ملك سليمان كذب وافتراء وتحريف وادعت لعنة الله عليها أن سليمان سخر الجن ووطد ملكه بالسحر فانتشر بين الناس الكذب وأن النبي سليمان عليه السلام كان ساحرا ولعياذ بالله

فصدق هذا الكلام من كان إيمانه بالله ضعيفا أو كان حليفا للشيطان فما كان من بني إسرائيل إلا أن تركوا كتاب الله عز وجل الذي نزله عليهم

واتبعوا كتب الحر والشعوذة التي ألقتها الشياطين على ملك سليمان ونبذوا كتاب الله وراء ظهورهم وعملوا بالسحر والشعوذة وبدلوا الإيمان بالكفر والتوحيد بالشرك

ومضت الأيام والأشهر والأعوام وألصق بنو إسرائيل بجهلهم تهمة السحر على نبي الله سليمان ولم لم يتوقفوا هنا بل تجرئوا على الله بالكذب وقالوا إن الله أنزل السحر على سليمان على لسان ملائكته جبريل وميكائيل واتخذوهم أعداء لهم

فأنزل الله تعالى في خبرهم وكشف للمؤمنين من أمرهم فقال في كتابه الكريم بسم الله الرحمن الرحيم

﴿وَٱتَّبَعُوا۟ مَا تَتۡلُوا۟ ٱلشَّیَـٰطِینُ عَلَىٰ مُلۡكِ سُلَیۡمَـٰنَۖ وَمَا كَفَرَ سُلَیۡمَـٰنُ وَلَـٰكِنَّ ٱلشَّیَـٰطِینَ كَفَرُوا۟ یُعَلِّمُونَ ٱلنَّاسَ ٱلسِّحۡرَ وَمَاۤ أُنزِلَ عَلَى ٱلۡمَلَكَیۡنِ بِبَابِلَ هَـٰرُوتَ وَمَـٰرُوتَۚ وَمَا یُعَلِّمَانِ مِنۡ أَحَدٍ حَتَّىٰ یَقُولَاۤ إِنَّمَا نَحۡنُ فِتۡنَةࣱ فَلَا تَكۡفُرۡۖ فَیَتَعَلَّمُونَ مِنۡهُمَا مَا یُفَرِّقُونَ بِهِۦ بَیۡنَ ٱلۡمَرۡءِ وَزَوۡجِهِۦۚ

وَمَا هُم بِضَاۤرِّینَ بِهِۦ مِنۡ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذۡنِ ٱللَّهِۚ وَیَتَعَلَّمُونَ مَا یَضُرُّهُمۡ وَلَا یَنفَعُهُمۡۚ وَلَقَدۡ عَلِمُوا۟ لَمَنِ ٱشۡتَرَىٰهُ مَا لَهُۥ فِی ٱلۡـَٔاخِرَةِ مِنۡ خَلَـٰقࣲۚ وَلَبِئۡسَ مَا شَرَوۡا۟ بِهِۦۤ أَنفُسَهُمۡۚ لَوۡ كَانُوا۟ یَعۡلَمُونَ﴾ [البقرة ١٠٢]

صدق الله العلي العظيم

في هذه الآيات الكريمة بين الله الحق وأزهق الباطل وأظهر أن الشياطين هم من ألقوا السحر على ملك سليمان وعلموه للناس

وأن سليمان عليه السلام لم يكفر بالله عز وجل ولكن الشياطين هم من كفروا وهم من نشروا السحر بين الناس وبين الله عز وجل لنا قصة هاروت وماروت.

من هم هاروت وماروت

فقد اختلف المفسرون في حقيقة من هم هاروت وماروت فقد ذكر الكثير من السلف الصالح أن هاروت وماروت هم ملكين من السماء انزلهما الله عز وجل علي بني اسرائيل بعد وفاة سيدنا سليمان وانتشار السحر بينهم .

ولكن ابن كثير رحمه الله روى عن شيخ المفسرين بن جرير بإسناده إلى ابن عباس رضي الله عنه في قوله تعالى {وَمَاۤ أُنزِلَ عَلَى ٱلۡمَلَكَیۡنِ}

قال لم ينزل الله السحر وروي أيضا عن الربيع ابني آنس {وَمَاۤ أُنزِلَ عَلَى ٱلۡمَلَكَیۡنِ} قال ما أنزل الله عليه ما السحر

وقال القرطبي رحمه الله في هذه آية {وَمَاۤ أُنزِلَ عَلَى ٱلۡمَلَكَیۡنِ} ما للنفي والواو للعطف على قوله {وَمَا كَفَرَ سُلَیۡمَـٰنُ}

أي أن الله نفى الكفر عن سليمان بقوله {وَمَا كَفَرَ سُلَیۡمَـٰنُ} وكذلك نفي تنزيل السحر على الملكين بقوله {وَمَاۤ أُنزِلَ عَلَى ٱلۡمَلَكَیۡنِ}

وذلك لأن اليهود قالوا إن الله أنزل جبريل وميكائيل بالساحر فنفى الله ذلك بقوله {وَمَاۤ أُنزِلَ عَلَى ٱلۡمَلَكَیۡنِ}

ويقول القرطبي رحمه الله وفي الكلام تقديم وتأخير

فان هاروت وماروت هم بدل من الشياطين في قوله {وَلَـٰكِنَّ ٱلشَّیَـٰطِینَ كَفَرُوا۟}

أي أن القرطبي استدل من بيان الآية إلى أن هاروت وماروت هم ليسوا من الملائكة وأن الله لم ينزل السحر على الملكين جبريل وميكائيل

كما قال شيخ المفسرين ابن جرير رحمه الله بإسناده إلى الصحابي بن عباس رضي الله عنه وقال القرطبي رحمه الله هذا إلى ما حملت عليه الآية من التأويل وأصح ما قيل فيها ولا يلتفت لغيره

ومن هنا نجد أن حقيقة من هم هاروت وماروت اختلف فيها المفسرون لا يعلمها إلا الله عز وجل ولكن المفيد لنا هو المغزى من قصة هاروت وماروت

قصة هاروت وماروت

وبدأت قصة هاروت وماروت بخروجهم على أهل بابل بسحر أسود يعلمونه للناس فمنهم من قال انه ذهب إليهم ليتعلم السحر الذي يدفع به عنه السحر الكهنة ومنهم من أراد أن يتعلم السحر ليعمل به

وفي جميع الأحوال فقد كانوا يتعلمون ضررا جسيمة لا نفع فيه ودليل ذلك قول الله عز وجل بسم الله الرحمن الرحيم {وَیَتَعَلَّمُونَ مَا یَضُرُّهُمۡ وَلَا یَنفَعُهُمۡۚ}

ولكن الأخطر من هذا هو تحذير هاروت وماروت فقبل أن يعلما أي إنسان كانا يقولان له إنما نحن فتنة فلا تكفر

وهذا دليل لا يمكن إنكاره إطلاقا أن تعلم السحر والعمل به هو كفر صريح بالله عز وجل فأقبل الناس في بابل علي تعلم علم السحر فتعلموا ما يفرقوا بين الزوجين ويهدموا المجتمع وهذا ما تصبو إليه الشياطين

فقد روي “أن ابليس تأتي إليه الشياطين في كل اليوم وتقول لقد جعلت فلانا يزني وآخر يقول لقد جعلت فلانا يسرق إلى أن يقول أحدهم لقد فرقت بين اثنين فيقول له إبليس أنت أنت ” دلالة على أن التفريق أعلى ما تصبو إليه الشياطين

وترك بني إسرائيل كتاب الله عز وجل وراء ظهورهم واتبعوا علم السحر من هاروت وماروت فكانت فتنة عظيمة أنزلها الله عز وجل على بابل ليمتحن الله بني إسرائيل ويضع الحجة عليهم

وعلى الرغم من علم اليهود أن من استبدل كتاب الله بالذي تتلوه الشياطين ليس له نصيب في الآخرة وأنه قد كفر بالله عز وجل ولكنهم مع ذلك أخذوا السحر وتعلموه ومن ثم طبقوه ونفذوه

لتفاجئوا أنهم لا يقدرون أن يضروا من أحد إلا بإذن الله تعالى فعلموا بأن ما جاء به سليمان لم يكن سحرا أبدا بل كان تمكينا وتسخير من الله لنبيه المرسل عليه السلام

فما من سحر أن يسخر ما سخره الله عز وجل لنبيه من ملك فعلموا الحق وكتموه وظلوا في طغيانهم حتى خسروا الدنيا والآخرة

فقال الله تعالى فيهم {وَلَبِئۡسَ مَا شَرَوۡا۟ بِهِۦۤ أَنفُسَهُمۡۚ لَوۡ كَانُوا۟ یَعۡلَمُونَ}

فقد كان هاروت وماروت اختبارا من الله عز وجل أنزله على بابل ليميز الخبيث من الطيب ويمتحن بني إسرائيل وليعلم الناس الفرق بين السحر وبينما خص الله به نبيه سليمان من ملك وتسخير فبرأ الله عز وجل نبيه من كذب الشياطين وقول الجاهلين.

ووضع بنوا إسرائيل بعد ذلك كتبا شحنوها بالسحر الأسود كالتلمود وشروحاته المختلفة وكذلك كتاب الزهوار الخاص وكذلك كتاب الزهار الخاص بي الكابالا وهو نوع من أنواع السحر التي ورثوها من البابليين

والزهار كلمة آرامية تعني النور أو الضياء أما الكابالا فهي فرقة أو مذهب يقوم على تفسيرات باطنية للأفكار التلمودية وذلك من التعاليم الغيبية والروحانية التي تشتمل على السحر والممارسات الشيطانية

ولا يرفض بني إسرائيل هذه التعاليم بل يعتبرونها الحلقة الداخلية التي لا يكشف عنها إلا للأخيار والتي تعبر عن التقوى والولاء في ديانتهم

وتتمركز طوائف الكابالا النسبة الأكبر في إسبانيا وينتسب لها العديد من المشاهد والرياضيين وقد سميت في أول أمرها الحكمة المستورة ومن ثم أصبح اسمها فيما بعد بيل بالكابالا

وهي كلمة من أصل آرامي تعني القبول أو التلقي ومن أهم الشخصيات التي كونت الخطوط العريضة للكابل ولا هو سمعان بن يوشاي من القرن الثامن الميلادي

الذي اختفى عن الأنظار لمدة طويلة في مغارة مجهولة ومن ثم خرج عليهم يقول إن أسرارا قد كشفت له وأنه قد حصل على شكل من الكشف أو الإلهام

السحرة في العصر الحديث

هو في النهاية اعزائي القراء فإن أصل السحر جاء من الشياطين يعلمون به الناس ظهر في فارس وانتشر في بابل إلى ان باءت أسراره اليوم عند بني إسرائيل

فإلى اليوم ما زال اليهود يتبعون تلك الأسحار ففي مدينة بابل العراقية يوجد بئر ومغارة تسمى مغارة هاروت وماروت والبئر المزعوم يوجد في موقع المعبد المسمى معبد آلهة ننماخ الأثري بمدينة بابل

وهذه المغارة يقصدها الكثير من السحرة خاصة من طائفة يهودية تسمى دعوة الثقلين أو دعوة الثقلين يختلون فيها ليتعلموا السحرء والطلاسم بعد أن يقوموا بطقوس يشركون فيها بالله عز وجل ويكفرون به سبحانه وتعالى

فيدخلون في خلوة مدتها 40 يوما تسمى بالخلوة البراهتية أو البرهتبة يتعلمون فيها استحر والشركة بالله تعالى

وفي النهاية يبقى الملك لله الواحد القهار والله اعلي واعلم

ولمزيد من قصص الملائكة يمكنك الاطلاع عليها من هنا.

مصادر حول هاروت وماروت

• القرآن الكريم
• تفسير القرآن العظيم (تفسير ابن كثير) (ط. طيبة)
• تفسير ابن عباس