بداية الحملة الصليبية الثالثة
كتب/ أحمد عادل
سلطنة صلاح الدين الأيوبي:
بعد دخول “صلاح الدين الأيوبي” مصر وموت عمه “أسد الدين شيركوه” فكر الخليفه “العاضد” الفاطمي في اختيار وزير له بعد وفاة “أسد الدين شيركوه” فقد قرر على إتخاذ “يوسف صلاح الدين” خالفاً لعمه “شيركوه” رغم صغر سنه ورغم وجود كبار القواد والرجال ضمن الجيش الشامي المرابط بمصر فإن الخليفه “العاضد” أختار “صلاح الدين” لهذا المنصب الخطير وإذا كانت الخلافه الفاطميه شيعية للخلافه العباسيه فقد عمل “صلاح الدين الأيوبي” على إزالتها وإلغائها وأخذ يمد لهذا الإلغاء ويجس نبض رد الفعل فأمر بعض المساجد بقطع الخطبه عن “العاضد” الفاطمي والدعاء للمستضئ العباسي وإذا لم يظهر غضب لهذه البادره فإنه عمم هذا القطع في بقيه المساجد وفي هذا الوقت كان الخليفه “العاضد” على فراش الموت ولم يمض قليل حتى توفي بدون أن يعلم بهذا الحادث التاريخي الهام ومات “العاضد” يوم عاشوراء (564ه- 1171م) وبموت “العاضد” انقرضت الخلافه الفاطميه التي استمرت في مصر من سنه (362) الى سنه (567).
سلطنة صلاح الدين الأيوبي:
بموت الخليفه “العاضد” خلا الجو للملك “الناصر صلاح الدين يوسف ابن ايوب” وأصبح المتصرف في مصر وصاحب السياده فيها، وبقي تابعاً سياسياً لسيده “نور الدين محمود” إلا أنها تبعيه اسميه فقط.
وما إن أصبح “صلاح الدين” مستقلاً بمصر حتى أخذ في توسيع دائرة ملكه وتنظيم مملكته، فغزا بلاد النوبه جنوبي مصر واحتل بلاد اليمن والحجاز، وأصبح البحر الأحمر تحت سيادته ونفوذه واستمر “صلاح الدين” تحت الولاء الاسمي “لنور الدين محمود” الا أن توفى “نور الدين محمود” في شوال (569ه- 1173م) فأنقسمت مملكته وتشتت ولم يترك “نور الدين محمود” إلا ولداً صغيراً عمره (11 عاماً) لُقب بالملك “الصالح” وتولى تدبير مملكته “شمس الدين بن المقدم” وأخذت الفوضى تسود البلاد الشاميه وكان “صلاح الدين” لا يسره تفكك الوحده الإسلامية الناشئه واتخذ من مهاجمة “سيف الدين غازي” لشرقي مملكه “نور الدين” ولمهادنة “ابن المقدم” مملكة بيت المقدس، ذريعه لتوجهه إلى دمشق واحتلالها في ربيع أول عام (570ه ـ 1174م)، أما الملك الطفل “الصالح اسماعيل” ففر إلى حلب ثم سار “صلاح الدين” إلى حمص وحُماه واستولى عليهما وتألب ضده أمراء الدولة النوريه و”سيف الدين غازي” صاحب الموصل بمشاركة الإسماعيلية والصليبيين ولكن “صلاح الدين” استطاع أن يهزمهم جميعاً في معارك كثيره أهمها معارك (قرون حماه وتل السلطان وأعزاز) وفي المحرم (571ه-1175م) تملك “صلاح الدين” مدينة حلب واستمر “صلاح الدين” في عمله لتوحيد البلاد الشاميه والمصريه تحت رؤيته وما حلت سنه (582ه- 1186م) حتى أصبحت مملكته تشمل شمال العراق وكردستان والشام واليمن ومصر وبرقه.
لم يكن “صلاح الدين” أثناء توسيع مملكته وتوطيد أركانها متجهاً بكليته الى محاربه الصليبيين، بل كانت تقع بينهم وبينه مناوشات لا تذكر وكان مع البعض منهم في هدنه ومسالمه، وخصوصا مع “أرناط” صاحب الكرك الذي كانت إمارته تفصل بين البلاد الشاميه والبلاد المصريه فكانت الهدنه التي وقعت بينه وبين “صلاح الدين” تسمح للقوافل بالانتقال من مصر إلى الشام أو العكس في سلامة وأمن.
استرجاع بيت المقدس:
غدر صاحب الكرك وانتقاض الهدنه:
في عام (582ه-1146م) اعتدى “ارناط” على قافله تجاريه تابعه “لصلاح الدين الأيوبي” فغنم أموالها وأسر رجالها ورغم إنذارات “صلاح الدين” ل”أرناط” بإرجاع ما أخذه فإن “أرناط” تمادى على إبائه وتعنته، فقرر “صلاح الدين الأيوبي” الانتقام منه وأقسم أن يقتله بيده متى ظفر منه.
كان هذا الإعتداء الشراره الأولي لاندلاع الحروب التي شنها “صلاح الدين” ضد الصليبيين والتي أذاقهم فيها الأمرين وذاع اسمه في أوروبا على مر الأجيال، بل بلغ الأمر بهم أنهم أصبحوا يخوفون صبيانهم بذكر “صلاح الدين الايوبي” وأستمرت هذه الحروب لسنوات متتاليه وكانت نتيجتها هي:
1- معركة حطين (ربيع الثاني583ه-جويليه1187م):
عزم “صلاح الدين الأيوبي” على معاقبة صاحب حصن الكرك وعلى مهاجمه مملكه بيت المقدس فخرج من دمشق في (المحرم 583ه-1187م) ولما وصل رأس الماء جعله مركزاً لاجتماع الجيوش فقد استنفر المسلمين للجهاد العام وبقي والده الملك “الأفضل” برأس الماء وسار هو إلى بصرى وسار “مظفر الدين كوكبري” إلى عكا ومن بصرى توجه “صلاح الدين” إلى حصن الكرك والشوبك ثم عاد إلى طبريه وأيقن الصليبيون باتساع الخطه التي دبرها “صلاح الدين” ضدهم فاجتمعت كلمة رؤسائهم وحشدوا جموعهم وتوجهوا إلى طبريه وتقبل الفريقان في حطين وجرت معارك قاسيه بين الطرفين انتصر فيها “صلاح الدين الأيوبي” انتصاراً حاسماً فقد هزم الصليبيين انهزاماً تاماً لم يفلت منهم أحد، بين قتلى وأسرى وبلغ عدد قتلاهم (10 آلاف) وأسر ملك بيت المقدس و”أرناط” موقد شرارة هذه الحرب وأظهر “صلاح الدين” شهامه وعطفاً مع أعدائه خصوصاً ملك بيت المقدس أما “أرناط” فقد بر “صلاح الدين” بيمينه في شأنه وضربه في عنقه وكذلك أمر بقتل أسرى الداويه والاسبتاري.
بعد الأنتصار الكبير “لصلاح الدين” في حطين توجه بقواته إلى ميناء عكا فاستسلم من فيها بأمان ودخل “صلاح الدين” غزه في (جماد الأولي 583ه-1187م) وانتقل الصليبيون منها إلى مدينة صور ثم وقع احتلال المدن والحصون التي حول عكا وبعد ذلك ساير الساحل وحاصر عسقلان لمدة (14 يوماً)، وأنتهى الأمر باستسلامها في (16 جمادي الثانيه 583ه ـ1187م) وبذلك نصب “صلاح الدين” حصاراً على بيت المقدس وحال بينها وبين الإمدادات الصليبيه التي كانت ترد إليها من الساحل وتوجه إلى بيت المقدس بعد استسلام (الرمله- غزه- بيت لحم-النطرون) ونصابها الحصار ولم يطل أمد هذا الحصار سوى (أسبوع واحد) وأنتهت بعده المقاومه الصليبيه واستسلمت “لصلاح الدين” ولم يفعل مع أهلها ما فعله الصليبيون مع المسلمين عندما احتلوها في الحرب الصليبيه الأولى لأن دينه وشهامته يأبيان عليه ذلك فسمح للصليبيين بافتداء أنفسهم مقابل مقدار من المال (10 دنانير للرجل) و(5 دنانير للمرأة) و(2 للطفل) وأوسع لهم في أجل هذا الفداء لمدة (40 يوماً) فخرج الصليبيون تحت حماية القوات الإسلاميه إلى مدينة صور متعهدين بعدم الرجوع إلى الحرب ودخل “صلاح الدين” بيت المقدس في (رجب 583ه ـ اكتوبر 1187م).
كانت سياسة “صلاح الدين الأيوبي” في احتلال الحصون والمدن الصليبيه مبنيه على المحافظه على الأنفس البشريه قدر الإمكان وترجع سرعة احتلاله لمملكة بيت المقدس إلى سياسة الأمان الذي كان يبذله للصليبيين فكانوا يُخلون قلاعهم ومدنهم ويتوجهون إلى مدينة صور وهذه السياسه التي سلكها “صلاح الدين” كانت محل نقد من بعض المؤرخين نظراً للمتاعب التي انجرت لها بعدها لأن الصليبيين وإن تعاهدوا بعدم الرجوع إلى الحرب إلا أن اجتماعهم بمدينة صور أغراهم على نقض العهد الذي قطعوه “لصلاح الدين”.
يتبع….
المرجع /
الحروب الصليبيه في المشرق والمغرب
_____________________________________
((كل هذا في اطار مبادرة حكاوي لنشر الوعى الأثري و الترويج و دعم السياحة المصرية تحت اشراف فريق ديوان التاريخ))
#مبادرة_حكاوى
#الموسم_الرابع
#ديوان_التاريخ_مستقبلك_في_الاثار_والتاريخ