أبو بكر الصديق
كتبت/ نيره رضا
المقدمة:
كان “أبو بكر” رجلاً عاقلاً سديد الرأي، وقد كان في بعض الأحيان شديد الحذر والحيطة في إدارته، لكنه كان شريف الأغراض غير محبٍ للذات، ساعياً للخير لا لمصلحته الذاتية، فلم يبتغي من وراء حكمه مطامح دنيوية، بل كان لا يهمه الغنى، زاهداً في الفخر، راغباً عن اللذات، ولم يقبل أجراً على خدماته غير مبلغ زهيد يكفي لمعاش رجل عربي عادي، ولم يكن له سوى جمل وعبد، وكان يوزع ما كان يرد إليه في كل يوم جمعة إلى المحتاجين والفقراء، ويساعد المعوزين بماله الخاص.
نسبه رضي الله عنه:
هو “عبدالله بن عثمان بن عامر بن عمر بن كعب بن سعد بن تيم بن مره بن كعب بن لؤي القرشي – التيمي – “، ويلتقي مع رسول الله ﷺ في “مره بن كعب “، “أبو بكر الصديق بن أبي قحافة”، واسم أبيه “أبي قحافة عثمان”، وأمه “أم الخير سلمي بنت صخر بن عامر بن كعب بن سعد بن تيم بن مره” وهي إبنة عم “أبي قحافة”.
إسلامه رضي الله عنه:
أسلم “أبو بكر الصديق رضي الله عنه” ثم أسلمت أمه من بعده، وصحب رسول الله ﷺ، وقال العلماء: لا يعرف (أربعة) متناسلون بعضهم من بعض صحبوا رسول الله ﷺ، إلا آل “أبي بكر الصديق” وهم: “عبدالله بن أسماء بنت أبي بكر بن أبي قحافة”، فهؤلاء (الأربعة) صحابة متناسلون، وأيضاً “أبو عتيق بن عبد الرحمن بن أبي بكر بن أبي قحافة” رضي الله عنهم.
ألقاب أبي بكر:
لُقِب بعتيقاً لعتقه من النار وقيل لحسن وجهه، وعن “عائشة” رضي الله عنها أن رسول الله ﷺ قال: “أبو بكر” عتيق الله من النار، فمن يومئذٍ سمي عتيقاً، وقيل سمي عتيقاً لأنه لم يكن في نسبه شيء يعاب به، وأجمعت الأئمة على تسميته صديقاً، قال “علي بن أبي طالب” رضي الله عنه أن الله تعالى هو الذي سمى “أبا بكر” علي لسان رسول الله ﷺ صديقاً، وسبب تسميته أنه بادر إلى تصديق رسول الله ﷺ، ولازم الصدق فلم تقع منه هناة ولا وقفة في حال من الأحوال.
صفاته رضي الله عنه:
كان “أبو بكر” رجلاً أبيض خفيف العارضين لا يتمسك إزاره، معروق الوجه، ناتيء الجبهة، عاري الأشاجع أقني غائر العينين حَمشْ الساقين ممحوص الفخذين يخضب بالحناء والكَتمَ.
زوجاته وأولاده:
تزوج “أبو بكر” في الجاهلية “قتيلة بنت سعد” فأنجبت له “عبدالله” و”أسماء”، أما “عبدالله” فإنه شهد يوم الطائف مع النبي ﷺ، وبقي إلى خلافة أبيه، ومات في خلافته وترك (سبعة دنانير) فاستكثرها “أبو بكر “، وولد “لعبد الله “إسماعيل” فمات ولا عقب له، وأما “أسماء” فهي ذات النطاقين، وهي التي قطعت قطعة من نطاقها فربطت به على فم السفرة الجراب التي صنعته لرسول الله ﷺ، و”أبي بكر” عند قيامهما بالهجرة وبذلك سميت ذات النطاقين، وهي أسن من “عائشة”، وكانت “أسماء” أشجع نساء الإسلام، وأثبتهم جأشاً، وأعظمهن تربية للولد على الشهامة، وعزة النفس، وتزوجها “الزبير” بمكة فولدت له عدة أولاد، ثم طلقها فكانت مع ابنها “عبدالله بن الزبير” حتى قُتل بمكة، وعاشت (مائة سنة) حتي أصيبت بالعمى وماتت.
وتزوج “أبو بكر” أيضاً في الجاهلية “أم رومان” فأنجبت له “عبدالرحمن” و”عائشة” زوجة رسول الله ﷺ، وتوفيت في حياة رسول اللهﷺ في سنة (6) من الهجرة، فنزل رسول الله ﷺ قبرها واستغفر لها، وكانت حية وقت حديث الإفك، وحديث الإفك في سنة (6ه) في شعبان، “فعبد الرحمن” شقيق “عائشة”، شهد بدراً وأُحُداً مع الكفار، ودعا إلي المبارزة فقام إليه “أبو بكر” ليبارزه، فقال له رسول الله ﷺ متعنا بنفسك، وكان شجاعاً رامياً، أسلم في هدنة الحديبية وحَسُن إسلامه، وشهد اليمامة مع “خالد بن الوليد” فقتل وهو من أكابرهم، وكان “عبد الرحمن” أسن ولد “أبي بكر”، وتزوج “أبو بكر” في الإسلام “أسماء بنت عميس”، وكانت قبله عند “جعفر بن أبي طالب”، فلما قتل “جعفر” تزوجها “أبو بكر الصديق” فأنجبت له “محمد بن أبي بكر” ثم مات عنها فتزوجها “علي بن أبي طالب” فأنجبت له “يحي”، وتزوج أيضاً في الإسلام “حبيبة بنت زيد بن خارجة بنت أبي بكر زهير الخرزجي” فأنجبت له جارية سمتها “عائشة” أو “أم كلثوم”.
حديث السقيفة وبيعة أبي بكر الصديق:
عندما توفي رسول الله ﷺ هَب الأنصار يطالبون بالخلافة قبل أن يدفن رسول اللهﷺ، مع أن المهاجرين لم يكونوا فكروا في الخلافة، بل كان كبار الصحابة مشغولين بتجهيز رسول اللهﷺ ودفنه، وطمع “سعد بن أبي عبادة” في أن يكون خليفة ويكنى “أبا ثابت”، وكان نقيب “بني ساعدة” والسيد المطاع في الخرزج، واجتمع الأنصار في سقيفة “بني ساعدة” وجاءوا “بسعد بن عبادة” وهو مريض بالحمى ليبايعوه، فحازت خطبته على استحسان الأنصار ولا سيما الخرزج، وكان يرى أن الأنصار أحق بالولاية.
ومن الطبيعي أن يحتج المهاجرون على هذا الكلام فقالوا: نحن المهاجرون وأصحاب رسول الله ﷺ الأولون، وعشيرته وأولياؤه، فقال الأنصار منا أمير ومنكم أمير ولم نرضى بدون هذا أبداً، فلما بلغ “عمر بن الخطاب” ما كان من خطبة “سعد” وما وقع من خلاف بين الأنصار والمهاجرين، فجاء لمنزل رسول الله ﷺ، وأرسل إلى “أبي بكر” أن يخرج إليه، فلما خرج أعلمه الخبر فمضوا مسرعين إلة السقيفة ومعهما “أبو عبيدة بن الجراح”، وأراد “عمر” رضي الله عنه أن يبدأ بالكلام، فأسكته “أبو بكر” قائلاً: رويداً حتى أتكلم ثم تكلم بكل ما أرد أن يقول “عمر”، فلما ألقى “أبو بكر” خطبته وبعد كثير من الجدال والنقاش، حيث قال “أبو عبيدة” يا معشر الأنصار إنكم أول من نصر وآزر فلا تكونوا أول من غيَّر وبدل، فتمت البيعة “لأبي بكر” وكان “أبي بكر” أحق بالخلافة من غيره لكل تلك الأسباب التي ذُكرت فكان أفضل الناس بعد رسول الله ﷺ.
حياه ابو بكر
كان “أبو بكر” من رؤساء قريش في الجاهلية محبوباً فيهم مؤلفاً لهم، كان إذا عمل شيئا صدقته قريش، فلما جاء الإسلام سبق إليه، وأسلم من الصحابة بدعائه (خمسة) من (العشرة) المبشرين بالجنه وهم “عثمان بن عفان” و”الزبير بن العوام” و”عبد الرحمن بن عوف” و”سعد بن أبي وقاص” و”طلحة بن عبيد الله”، وأسلم أبواه ووالداه وولده وولد ولده من الصحابة، وكان أعلم العرب بأنساب قريش وما كان فيها من خير وشر، وكان تاجراً ذا ثروة طائلة، وحسن المجالسة، عالماً بتعبير الرؤيا، وقد حرم الخمر على نفسه في الجاهلية هو و”عثمان بن عفان”.
لما أسلم جعل يدعوا الناس إلى الإسلام، قال رسول الله ﷺ ما دعوت أحداً إلى الإسلام إلا كانت عنده كبوة ونظر وتردد إلا ما كان من “أبي بكر” رضي الله عنه ما علم عنه حين ذكرته له أي أنه بادر به، ونزل فيه وفي “عمر”: وشاورهم في الأمر، فكان “أبو بكر” بمنزلة الوزير من رسول الله ﷺ فكان يشاوره في أموره كلها، وقد أصاب “أبا بكر” من إيذاء قريش شيءٌ كثير.
ولما كانت الهجره جاء رسول الله ﷺ إلى “أبي بكر” وهو نائم فأيقظه، فقال رسول الله ﷺ: قد أذن لي في الخروج، قالت “عائشة”: فلقد رأيت “أبا بكر” يبكي من الفرح، ثم خرج حتى دخلا الغار فأقاما فيه (ثلاثة أيام)، وأن رسول الله ﷺ لولا ثقته التامة “بأبي بكر” لما صاحبه في هجرته فاستخلصه لنفسه، وكان رسول الله ﷺ يكرمه ويجله ويثني عليه في وجهه واستخلفه في الصلاة، وشهد مع رسول الله ﷺ بدراً وأحداً والخندق وبيعه الرضوان بالحديبية وخيبر وفتح مكة وحنيناً والطائف وتبوك وحجة الوداع، وكان من كبار الصحابة الذين حفظوا القرآن الكريم كله، وأعتق “أبو بكر” (سبعة) ممن كانوا يُعذبون في الله تعالى وهم: “بلال” و”عامر بن فهيرة” و”زنيرة ” و”النهدية” وابنها وجارية “بني مؤل” و”أم عُبيس “.
عن “حذيفة” قال: قال رسول الله ﷺ اقتدوا باللذين من بعدي “أبي بكر” و”عمر” رواه “الترمذي”، وعن “ابن عمر”: أن رسول الله ﷺ قال “لأبي بكر”: أنت صاحبي على الحوض وصاحبي في الغار رواه “الترمذي”، كما كان “أبو بكر الصديق” رضي الله عنه أول خليفة في الإسلام، وأول أمير أرسل للحج، حج بالناس سنة (9ه)، وأول من جمع القرآن، وأول من سمى مصحف القرآن مصحفاً، وكان يُفتي الناس في زمن رسول الله ﷺ “أبو بكر” و”عمر”.
وفاته رضي الله عنه:
توفي “أبو بكر” يوم الاثنين (٢٢ جمادي الآخر سنة ١٣ه) / (٢٣ أغسطس سنة ٦٣٤م)، وتوفي “أبوه” بعده بنحو (ستة أشهر) وهو بسن (٦٣) سنة كرسول الله ﷺ و”عمر بن الخطاب”.
الخاتمة:
لما توفي النبي ﷺ ارتجت العرب واختلف المسلمون ولا سيما الأنصار في الخلافة، فتدارك الأمر “أبو بكر” بحكمته وسرعة بديهته وتمت البيعة له بالإجماع، وقد برهن رضي الله عنه أنه أكفأ رجل وأنه رجل الساعة وقتئذٍ؛ لأن العرب عندما سمعوا بوفاة رسول الله ﷺ ارتد كثير منهم واستفحل أمر المرتدين في جزيرة العرب، وظهر المتنبئون وجمعوا جيوشهم وثاروا على المسلمين، فمنهم من خرج عن الإسلام، ومنهم من منع الزكاة ووضع الصلاة وأباح المحرمات وطرد كثيراً من الولاة، ولولا شدة تمسك “أبي بكر” بسنة رسول الله ﷺ وقوة عزيمته وشجاعته لتغلب المرتدون وقضوا علي الإسلام قضاءاً مبرماً، وقد كان رضي الله عنه مع ذلك لطيفاً وديعاً متواضعاً زاهداً في الدنيا متقشفاً عادلاً غير طامع في مُلكٍ أو غني، بل كان كل همه نشر الإسلام وتوطيد أركانه واتباع سنة رسول الله ﷺ، وقد كان مؤلفاً لقلوب المسلمين، وفي العموم كان خير قدوة لهم في دينهم ودنياهم، وقد اختار لهم خير من يصلح للخلافة بعده وهو “عمر بن الخطاب” رضي الله عنه الذي كان وزيره وقاضيه وملازماً له طول مدة خلافته وذلك حفظاً لكيان الإسلام.
المرجع/
أبو بكر الصديق أول الخلفاء الراشدين تأليف: محمد رضا.
——————————————————————————
((كل هذا في اطار مبادرة حكاوي لنشر الوعى الأثري و الترويج و دعم السياحة المصرية تحت اشراف فريق ديوان التاريخ))
#مبادرة_حكاوى
#الموسم_الخامس
#أصل_التاريخ_ديوان_التاريخ