صراع هنري وجريجوري
كتبت/ سمر محمد.
عزل جريجوري:
وقام “جريجوري” بتهديد “هنري بخلعه”، وإصدار قرار الحرمان ضده إذا هو لم يستسلم فوراً لبرنامج الإصلاح البابوي، ورد عليه “هنري” بعقد مجمع ديني يضم أساقفة ألمانيا، والذي قرر بإجماع الأصوات عزل “جريجوري” عن منصبه الديني، وأرسل “هنري” القرار إلى البابا في رسالة جاء فيها: الآن وبعد ان تمت إدانتك وإنزال اللعنة عليك بالقرار الصادر عن جميع أساقفتنا ومنّا ما عليك إلا أن تتنحى عن الكرسي الرسولي الذي أخذته بالقوة، أترك هذا المكان لشخص آخر يستحق مقعد القديس “بطرس”، لا يمارس العنف من وراء ستار الدين، بل يقوم بنشر تعاليم القديس “بطرس” الصحيحة، أنا ‘هنري” الملك بنعمة من الله، ومعي كل أساقفتنا نقول لك تنحى تنحى وعليك اللعنة الأبدية.
قرار الحرمان:
ولم تكن هذه هي الطريقة التي يجب مخاطبة البابا “جريجوري” بها، ففي الحال أصدر قرار الحرمان ضد “هنري” وأعلن قطعه من الكنيسة قائلاً: إنني أحلل كل المسيحيين من يمين الولاء الذي أقسموه له، وأمنع كل شخص من أن يعترف به ملكاً، ولم يكن قرار الحرمان هذا ليزعج “هنري” كثيراً لو أن ألمانيا كانت كلها تسانده، ذلك أن أساقفته قد أخذوا موقفاً غريباً منه، كما أن الحكام العلمانيين في إمبراطوريته قبلوا وببساطة القرار البابوي؛ لأنه أمدهم بسبب جوهري للثورة، كما أن أمراء ألمانيا تقدموا باقتراح بعقد لقاء في أوجسبرج في فبراير سنة (1077م) يعقد تحت إشراف البابا على أن يكون جدول أعماله الرئيسي طرد “هنري” واختيار ملك جديد.
اعتراف هنري بالعزيمة:
لقد كان على “هنري” أن يعترف بالهزيمة، وكانت فرصته الوحيدة لكي يستبقي جزءاً من ثروته أن يعترض سبيل “جريجوري” وهو في طريقه إلى ألمانيا، ويحصل على رضاه ومساندته، وفي يناير عبر “هنري” وزوجته وابنه الأصغر جبال الألب في رحلة قاسية، ودار الركب في طريق متعرج حول ممر البغل في جبل cenis pas في مواجهه الرياح الثلجية العاصفة عند قمة الجبل، ثم هبطوا إلى إيطاليا، وكان “جريجوري” قد بدأ فعلاً طريقه إلى مجمع أوجسبرج واستقبل “هنري” عند قلعة كانوسا مقر حكم الكونتيسة “ماتيلدا” صاحبة توسكانيا، وهي إحدى أتباعه المخلصين.
إذلال هنري:
وتقع كانوسا على قمة جبل غير بعيد من بارما، وللوصول إليها، فإنه يتحتم على المسافر أن يصعد طريقاً صعباً مرهقاً، إلى جانب صعود جبل بورجاتوري نفسه، لقد كانت أطلالها مقيتة ومروعة، كما أن الحال نفسه بالنسبة “لهنري”، وتم إغلاق أبوابها في وجهه وفق تعليمات “جريجوري”، مما اضطر “هنري” إلى الإنتظار خارجها في ثلوج شهر يناير حافي القدمين في ثياب خشنة، وقد نزعت عنه جميع الشارات والرموز الدالة على المُلك، وحيث تركه “جريجوري” هكذا (ثلاثة) أيام وليلتين، إلى أن رأى البابا أن إذلال الإمبراطور قد أصبح كافياً، ففتح الأبواب وسمح “لهنري” بالدخول لكي يقبِّل قدمي البابا ويسأله الصفح وعندها فقط صفح عنه.
إستعادة هنري لسيطرته:
إن استسلام “هنري” قد تحول كما كان يأمل إلى نصر سياسي، إذ اعتقد الأمراء الثائرون الألمان أن البابا قد خذلهم، كما أن الإئتلاف الذي شكلوه قد تم حله، واستعاد “هنري” قوته، كما استعاد سيطرته على الإمبراطورية مما جعله يجدد تحديه، ولهذا لم يبقى طويلاً في حالة سلام مع “جريجوري”، وتم إصدار قرار الحرمان ضده مرة أخرى، مما دفعه إلى قيادة جيشه إلى روما ومحاصرتها، ولم يلقى مقاومة سوى من إحدى قلاع البابا، وهي قلعة القديس “أنجلو” واستدعى “هنري”، وفي مقابل سلامته وسلامة القلعة اشترط “هنري” عليه أن يتوجه إمبراطوراً رومانياً، ورفض “جريجوري” إلا أنه عرض أن يضع التاج على رأس “هنري” بواسطة حبل، ولم يرضى “هنري” بهذا الوضع كحل وسط، فقام بتعيين بابا آخر، وقام هذا البابا الجديد بتتويج “هنري” بشكل رسمي، فما كان من “جريجوري” إلا أن طلب مساعدة “روبرت جويسكارد” الحاكم النورماندي لجنوب إيطاليا، وسرعان ما ظهر “روبرت” على رأس جيش تم تشكيله بشكل أساسي من المسلمين، واستطاع أن يطرد “هنري” من روما، وأتبع ذلك بعمليات سلب ونهب للمدينة، وأسر عدة (آلاف) منها وتم بيعهم كعبيد.
وفاة جريجوري:
أما “جريجوري” فقد تخلى عن معظم الكرادلة، وأصبح ممقوتاً من الناس فغادر روما مع الجيش النورماندي، ولم يلبث أن وافته المنية ذليلاً، وهو يردد العبارات التي جاءت في مزامير داوود: لقد أحببت الحق وكرهت الظلم، ويضيف لهذا: أموت في المنفى، واستمر الصراع حول التقليد العلماني، ولكن في ظل أبطال آخرين إلى أن تم حسم هذا الصراع في الإتفاق الذي تم التوصل إليه في ورمز سنة (1122م) عندما تنازل الإمبراطور عن حقه في تعيين الأساقفة مع الخاتم وصولجان، ولكنه احتفظ بميزة الإشارة إلى أسقف المستقبل بصولجانه قبل أن يمنحه البابا الشعارات المقدسة، ولكن كان هذا حلاً معقولاً، وعلى أي حال فمن الذي فاز في الصراع الذي دار حول التقليد العلماني؟
يتبع …
المرجع/
تاريخ أوروبا في العصور الوسطى.
——————————————————————————
((كل هذا في اطار مبادرة حكاوي لنشر الوعى الأثري و الترويج و دعم السياحة المصرية تحت اشراف فريق ديوان التاريخ))
#مبادرة_حكاوى
#الموسم_الخامس
#أصل_التاريخ_ديوان_التاريخ