عمر المختار
كتبت/ روناء نصر
المقدمة؛
لكل حقبة تاريخية أبطال مازلنا نذكرهم في التاريخ إلى الآن، منهم بطلنا أسد الصحراء “عمر المختار” الليبي الذي كافح من أجل ليبيا بعض الدول منها إيطاليا وقدم شجاعة حتى في لحظة شنقه.
المولد والنشأة:
ولد في البطنان ببرقة عام (١٨٦٢م) من أبوين صالحين، ووالده السيد “مختار بن عمر”، من قبيلة المنفة، وقد توفي أثناء سفره إلى الحج، فأوصى أحد رفاقه بولديه “عمر ومحمد”، وكانا يقيمان بزنزور، يدرسان بزاويتهما، ثم ذهب “عمر” إلى زاوية الجغبوب لإتمام دراسته، ومكث بها (ثمانية) أعوام، وقد ظهرت صفاته الخلقية السامية، فأحبه شيوخ السنوسية وزعماؤها، وتمتع بعطفهم، ونال ثقتهم، ولذلك اصطحبه السيد “محمد المهدى السنوسي” معه عندما انتقل
إلى الكفرة عام (۱۸۹٥م)، وكان محل ثقته، وتمنى أن يحقق أمله، وعام (۱۸۹۷م) عينه السيد “المهدي” شيخاً لزاوية القصور بالجبل الأخضر، وكان يقطن بها قبيلة العبيد، الذين عرفوا بشدة قوتهم، وعدم طاعتهم لهذه الزاوية ليتعامل معهم باللين تارة وبالعنف تارة أخرى، فحقق ما أراده السيد
“المهدي” بإرادته الحازمة ثم ذهب مع السيد “المهدي” عندما انتقل إلى السودان الغربي إلى قرو؛ ليسهم في النضال الذي حدث بين السنوسيين والفرنسيين في المناطق الجنوبية، وحول واداي.
المهمة الكبيرة:
ثم عينه السيد “المهدي” شيخاً لزاوية عين كلك، وقد استمر بالسودان الغربي وقتاً طويلاً، وكان نائباً عن السيد “المهدي” يعلم أبناء المسلمين، وينشر الإسلام في هذه الأماكن البعيدة.
استدعاء:
بعد وفاة السيد “المهدي” عام (۱۹۰۲م) استدعى إلى برقة، وفي العام التالى عُين شيخاً لزاوية القصور، فبذل جهداً كبيراً في حكم قبيلة العبيد، وسياسة شؤونها، حتى انقادت له وهذه إحدى مواهبه الخاصة، فقد حصته الأقدار بالحكم بالإرادة الحازمة، ولذلك استطاع أن يُخصع هذه القبيلة العاتية له، ويجعلها تمضي على نظام ثابت مستقر بعد أن حارت فيها السلطات الرسمية، وذلك لأن روح الرجل روح قوية، تؤثر سريعاً في كل من رآها، أو خالطها، أو عمل معها، وقد لازمته هذه الروح طول حياته.
شكر وتقدير:
وقد شكرته الحكومة العثمانية على هذا النجاح، وعلى استقرار الأمور في القصور؛ لأن العثمانيين كانوا عاجزين عن إخصاعهم لسلطانهم، فظلوا في برقة يلجأون إليه ليساعدهم في جمع الضرائب.
عمر يلبى نداء الجهاد:
وبقى “عمر المختار” في زاوية العمور إلى أن نشبت الحرب الليبية الإيطالية، فكان من أوائل الذين لبوا نداء الجهاد، وكان “عمر المختار” وقت نزول الطليان في بنغازي عام (١٩١١م) بواحة جالو، فأسرع إلى القصور، وخرج بنجدة عظيمة من العبيد إلى مقر الجيش العثماني في الرحمة، ثم اشتبك مع الطليان في معارك عدة ، فهاجمهم في بنغازي، واستمر على التنقل بين القصور وتكنس حتى احتل الطليان هذه الأماكن في سبتمبر عام (۱۹۱۳م)، وبعد ذلك قاد “عمر المختار” المجاهدين في معسكرات جبل العبيد، وعهد إليه السيد “إدريس السنوسي” بمهمات عدة، واتخذ منطقة دفنا مجالاً لنشاطه الواسع بين القبائل
مواجهة البوارج القادمة من إيطاليا:
ظهرت بوارج الأسطول الإيطالى في مواجهة طرابلس يوم السبت الموافق (٢٠ من سبتمبر سنة ۱۹۱۱م) فرفضت طرابلس التسليم، فشرعت البوارج تضرب قلاعها الثلاثاء الموافق (٣ من أكتوبر)، ولكن القلاع سلمت بعد قليل؛ لأنها كانت قديمة ومجردة من أسباب المقاومة، ووصلت هذه البوارج إلى مدينة بني غازى يوم الأربعاء الموافق (الرابع من أكتوبر عام ۱۹۱۱م)، وطلب قائدها من حاميتها التسليم فرفضت، ومن أول الأمر قاوم العرب الإيطاليين مقاومة شديدة، وهزموهم في مكان يقال له الصابري، واشتبك العثمانيون مع الطليان في معركة حامية تعرف باسم وقعة جوليانة، ولكن العثمانيين لم يصمدوا أمام الطليان؛ لأن سفنهم الحربية استمرت تضرب بنغازي بمدافعها من البحر، فانسحبت الحكومة ومعها العدد الأكبر من مكان العزيزية ، إلى الضاحية، ورابطت فيها استعدادا للمقاومة ، فأنزل قائد البوارج بعض قواته فاستولت على المدينة.
الاستيلاء على سواحل ليبيا:
وقد استطاع الإيطاليون في مدة قصيرة أن يسيطروا على ساحل ليبيا بدون مقاومة، لعدم وجود قوة بحرية تركية تقاومهم، أو تقف في طريقهم، ولعدم وجود قلاع في المواني تحميها وتصد عنها المعتدين، لأن الحكم العثماني جردها من جميع وسائل الدفاع وتركها خاوية خالية.
مفاجأة أفقدت الإيطاليين صوابهم:
وقد فاجأت قوة من الفدائيين كتيبة إيطالية كانت ترابط في المنشية، ففتكت بها وأبادتها، فجُنّ الإيطاليون، وأرسلوا قوات كبيرة فنكلت بسكانها ، وذبحت الشيوخ والأطفال، وفتحت بطون النساء، وارتكبوا فظائع يخجل منها الإنسان.
تنفيذ حكم الاعدام:
في يوم الأربعاء الموافق (١٦ من سبتمبر) نفذ الطليان في سلوق حكم الإعدام عام (۱۹۳۱م) شنقاً في السيد “عمر” الذي كان في (السبعين) من عمره، ودفعت الخسة الإيطاليين إلى أن يفعلوا شيئاً عجيباً في تاريخ الشعوب، وهو أنهم حرصوا على أن يجمعوا عدداً عظيماً لمشاهدة التنفيذ، فأرغموا أعيان البرقاويين الذين اعتقلوهم في بنينة، كما أرغموا أعيان بنغازى، وعدداً كبيراً من الأهالي مختلف الجهات على حضور عملية التنفيذ، فحضر ما لا يقل عن (عشرين ألف نسمة)، على قول جرازياني، ويقول الدكتور “العنيزى”: لقد أرغم الطليان الأهالي، والأعيان المعتقلين في معسكرات الإعتقال، والنازلين في بنغازى على حضور المحاكمة، وحضور التنفيذ وكنت أحد أولئك الذين أرغمهم الطليان على حضور المحاكمة، ولكني وقد سيطر علي الحزن، شأني في ذلك شأن سائر أبناء وطنى، لم أكن أستطيع رؤية ذلك البطل المجاهد على حبل المشنقة فمرضت ولم يُعفني الطليان من حضور التنفيذ في ذلك اليوم المشئوم إلا عندما تيقنوا من مرضي وعجزى عن الحضور.
وعن ذلك المشهد الذي سار فيه “عمر المختار” بقدم ثابتة، وشجاعة نادرة، وهو ينطق بالشهادتين إلى حبل المشنقة، وقد ظل “عمر المختار” يردد الشهادتين حتى نفذ فيه الجلادون حكم الإعدام، وعندما وجد هؤلاء أن “المختار” لم يمت أعادوا عملية الشنق مرة (ثانية)، فبمجرد أن أتموا الشنق نقلوه إلى مقبرة الصابري في سيدي عبيد، بناحية بنغازي، فدفنوا جسده الطاهر في قبر عظيم العمق، بنوه بالأسمنت المسلح، وحرصوا على إجراء عملية الدفن سراً، كما أخفوا معالم القبر، وأقاموا عليه حرساً زمناً، خوفاً من أن ينقل مواطنوه جثمانه.
المرجع/
محمد محمود اسماعيل، عمر المختار شهيد الإسلام وأسد الصحراء.
——————————————————————————
((كل هذا في اطار مبادرة حكاوي لنشر الوعى الأثري و الترويج و دعم السياحة المصرية تحت اشراف فريق ديوان التاريخ))
#مبادرة_حكاوى
#الموسم_الخامس
#أصل_التاريخ_ديوان_التاريخ