العصور الوسطى العالية الجزء السادس

العصور الوسطى العالية الجزء السادس

جدول المحتوي

IMG 20231209 WA0136

صراع التقليد العلماني 

 

كتبت/ سمر محمد.

 

الصراع حول التقليد العلماني:

 

البعض يقولون أن الحكام العلمانيين هم الذين فازوا، إذ استمر الملك في اختيار رجال الدين كحكام ورجال إدارة، وتم منحهم شعارات السلطة من قبل السلطة الزمنية، والبعض الآخر يقول أن الذي فاز هو الكنيسة، وفقاً لما قاله المؤرخ “كريستوفر داوسن” فإن الكنيسة كانت هي في الحقيقه الشيء الإجتماعي والأساسي والجوهري، أما الحكومة أو الدولة فكانت مؤسسة تابعة مسؤولة عن تحقيق السلام والنظام، بينما يرى البعض الآخر أن النتيجة كانت مأزقاً بعد أن أصبح واضحاً أنه لا البابا ولا الإمبراطور قد حققا الفوز التام، مما جعل الإتفاق ينهار، والبعض يؤكد أن الصراع أدى إلى ثورة عالمية يمكن مقارنتها بثورة البروتستانت أو الثورة الليبرالية أو الثورة الشيوعية التي ظهرت في القرن (السادس عشر والثامن عشر والعشرين)، والتي حطمت النظام القديم وحررت الكنيسة من السيطرة العلمانية وجعلت منها دولة فوق كل الدول، كما أن الصراع حول التقليد العلماني تحول إلى جدال بين المؤرخين.

 

موقف إيطاليا:

 

فإيطاليا وهي البلد التي شهدت دراما كانوسا لم تلقي بالاً للإمبراطور أو البابا، كما أن مملكة اللمبارديين القديمة في المناطق الشمالية من شبه الجزيرة قد أصبحت تحت السيطرة الألمانية، وإن كان الألمان غير قادرين على أن يحكموا بكفاءة فيما وراء جبال الألب، أما المدن اللمباردية التي كانت مستقلة فقد ازدادت ثروة وقوة، وشيئاً فشيئاً، فإن مواطني ميلان أخذوا يصدون الجيوش التي كان يرسلها الأباطرة، وأصبحت باڤيا مركزاً تجارياً كبيراً، حيث وصلتها القوافل من الشمال البعيد بعد عبورها لجبال الألب محملة بالخيول والعبيد والصوف والكتان والدروع، وفيها يلتقي التجار القادمون من الموانئ الإيطالية، ومعهم الحرير والتوابل والمجوهرات والذخائر المقدسة الشرقية والصلبان.

 

نظام القوميونات:

 

كما عرفت مدن شمالي إيطاليا نظام القوميونات، والذي عرفه أحد العلماء بقوله هو إتحاد يضم جميع أبناء المدينة، وليس التجار وحدهم، ويرتبطون فيه بقَسَم بالمحافظة على السلام العام، ويدافعون عن الحريات العامة وإطاعة الحكام، وأخذت قوميونات المدن التجارية جنوة وبيزا والبندقية تهيمن على تجارة البحر الأبيض المتوسط، وبدت عظمة البندقية حوالي سنة (1000م) بتوسيع مجالها على إمتداد الساحل الإدرياتيكي، وأخذت الأساطير البندقية تمد بيزنطة بالقمح والنبيذ والصوف والملح والعبيد، وتعود محملة بالسلع الكمالية من الشرق، والتي كانت تلقى إقبالاً في الغرب، وفي سنة (1085م) حصلت البندقية على امتياز بامتلاك حي خاص بها في بيزنطة، والإعفاء من الرسوم الجمركية في الإمبراطورية الشرقية.

 

العلاقة مع القسطنطينية:

كذلك كان جنوبي إيطاليا وصقلية يرتبطان بعلاقات حميمة مع القسطنطينية أكثر من ارتباطها بروما، ففي القرن (التاسع الميلادي) ضعفت الروابط مع الإمبراطورية الشرقية بسبب استيلاء المسلمين على صقلية وأخذها من حكامها البيزنطيين، حيث مازالت ترى كثير من الآثار الإسلامية في صقلية في كثير من مجالات الفن هناك في العمارة واللغة والعادات والتقاليد، فلقد أدخل العرب نظام الري إلى الجزيرة، ومعه أدخلوا زراعة البرتقال وأشجار التوت وقصب السكر واشجار النخيل والقطن، حيث استقروا في مناطق كثيرة من الجزيرة، والتي كانت رسمياً ضمن الحدود البيزنطية ووطدوا لأنفسهم مكانة بين النبلاء المتنازعين.

 

أبناء تانكرد هوتفيل:

 

إلا أنه في سنة (1016م) حدث أن (40) فارساً نورماندياً كانوا في طريق عودتهم من رحله حج إلى الأرض المقدسة، فتوقفوا في سالرنو ودعاهم أهل المدينة للإنضمام إليهم لصد هجوم إسلامي، فاظهروا من الشجاعة ما دفع أهل المدينة على حثهم على البقاء، فاستجابوا لندائهم وأرسلوا يعبرون عن سعادتهم في البقاء لكثير من أصدقائهم في نورماندي، ومن بين الذين استجابوا للدعوة في المجيء والمشاركة (ستة) من الإخوة (الإثني عشر) من أبناء “تانكرد هوتفيل” أقوياء البنية، و”تانكرد” قد تمتع بكثرة الذرية، ولكنه كان فقيراً إلى الأرض، وقام هؤلاء الإخوة بمساندة البيزنطيين ضد المسلمين، واستولوا على جزء من أبوليا في مقابل خدماتهم التي قدموها، وفي سنة (1056م) إنضم إليهم أخ (سابع) هو “روبرت جويسكارد” أو المراوغ، وبقيامه بنهب إحدى المدن البابوية، فإنه أثار غضب البابا “ليو التاسع” الذي خرج على رأس جيش كبير لمحاربته، واستطاع “روبرت” أسر البابا، وبكل تواضع طلب منه العفو لدحره الجيش البابوي، وخلال لقائه بالبابا نجح في الحصول منه على الإعتراف به حاكماً على المناطق التي قام بغزوها أو التي سيقوم بغزوها، وبعدها استولى “روبرت” على ابوليا البيزنطية وكالبريا، وعزم على غزو الإمبراطورية البيزنطية جميعها، وبدأ مشروعه بالإستيلاء على كورفو ودورازو على الساحل الشرقي للإدرياتيك، ولكنه فوجئ بالبابا “جريجوري السابع” يستغيث به ويطلب منه العون ضد الإمبراطور “هنري الرابع”، الذي كان قد قام فعلاً بغزو روما فعاد “روبرت” إلى إيطاليا وأنقذ البابا إلا أنه لم يستطع أن يحقق مشروعه الكبير بغزو الشرق لوفاته.

 

روجر الثاني:

 

وفي تلك الأثناء استطاع الأخ الأصغر “لروبرت جويسكارد”، وهو “روجر” أن يستولي على صقلية من المسلمين، ثم قام ابنه “روجر الثاني” بتوحيد صقلية وشرقي إيطاليا، بل إنه استطاع أن يضم جزءاً من الساحل الإفريقي لممتلكاته، و”روجر” هذا هو الذي اشتهر بلقب الوثني، والذي صدم العالم المسيحي بصداقته الحميمة للمسلمين، فقد كان يتحدث العربية، ويرعى المهندسين المعماريين، والشعراء المسلمين، وكان يزين عباءته بكثير من التطريز العربي، كما أن وسائل الرفاهية في عاصمته بالرمو أبهرت الغرب الأوروبي، حيث وصف أحد زوارها في سنة (1180م) القصر قائلاً بأنه حتى الأرضيات كان قد تم ترصيعها بالذهب والفضة، وكان الملك يتشمس مع نسائه في بركة صناعية في الحدائق الملكية.

 

يتبع…

 

المرجع/

تاريخ أوروبا في العصور الوسطى.

 

——————————————————————————

((كل هذا في اطار مبادرة حكاوي لنشر الوعى الأثري و الترويج و دعم السياحة المصرية تحت اشراف فريق ديوان التاريخ))

 

#مبادرة_حكاوى

#الموسم_الخامس

#أصل_التاريخ_ديوان_التاريخ

Facebook
X
Telegram
LinkedIn
Tumblr
Reddit
Scroll to Top