الأساس النظري لمفهوم الخصوصية التاريخية

الأساس النظري لمفهوم الخصوصية التاريخية

جدول المحتوي

 

مفهوم الخصوصية

كتبت/ سمر محمد

ظهور مفهوم الخصوصية:

ظهر مفهوم الخصوصية التاريخية كردة فعل لما يسمى في علم الاجتماع النظريات الكبرى التي تقدم تعميمات واسعة النطاق، كما ظهر أيضاً كرد فعل لتطبيق هذه النظريات الكبرى بشكل ميكانيكي على أبنية إجتماعية تختلف عن الأبنية التي تطورت هذه النظريات من خلالها، ومن ناحية أخرى ظهر هذا المفهوم كرد فعل للتعميمات الآنية أو اللاتاريخية، وبناءاً على ذلك فإن هذا المفهوم يسعى لتحقيق درجة من الوصف والتحليل النظري يمكن من خلالها تخطي مزالق التعميم الواسع النطاق، والتفسير الميكانيكي الناتج عنه، والرؤية الضيقة المتجزِأة للواقع التي تقدمها النزعهدة الأمبريقية اللاتاريخية.

تشابه الأحداث:

إن الأحداث قد تتشابه إلى حد يدفع إلى الدهشة، ولكنها تحدث في سياقات مختلفة بحيث تؤدي إلى نتائج مختلفة كلياً، ولا يستطيع المرء أن يعثر على الخيط الذي يحكم ظاهرة معينة إلا إذا درس كل شكل من أشكال التطور هذه كلاً على حده، ولكن يستطيع المرء أن يحقق ذلك من خلال نظرية فلسفية تاريخية عامة، فهي نظرية تتسم في المحل الأول بأنها نظرية متعالية على التاريخ، وقد أكد “التوسير” أنه لا يوجد تاريخ عام، وإنما أبنية خاصة تقوم على وجود أنماط مختلفة للإنتاج، وتصبح هذه الأبنية كليات إجتماعية طالما ظهرت فيها تكوينات إجتماعية متميزة، وبناءاً على هذا فإن هذه الأبنية ليس لها معنى إلا كدالة على جوهر هذه الكليات، بمعنى جوهر خصوصيتها وأسلوب تكوينها المميز، وفي ضوء هذا الفهم ينظر إلى القوانين التاريخية والقوانين الفرعية التي اشتقت منها على أنها ترتبط بأبنية محددة لها خصوصيتها المميزة.

مفهوم الخصوصية يؤكد على التعميم:

وهنا ظهر مفهوم الخصوصية التاريخية الذي يؤكد على التعميم في حدود معينة، بل إن الخصوصية التاريخية أصبحت لدى بعض الباحثين مهجاً وطريقاً للتنظير للواقع الإجتماعي لمجتمع معين أو نمط من المجتمعات، وأصبح السياق التاريخي الخاص هو المرجع الأساسي لأي دراسة أصيلة، بسبب اختلاف ظروف التطور الإقتصادي والإجتماعي، ولأن لكل مجموعة من المجتمعات خصائص بنائية ثقافية، والخصوصية التاريخيه بهذا المعنى لا تقلل من شأن النظريات الكبرى، ولا من شأن الدراسات الأمبريقية المحدودة، كل ما في الأمر أنها خصوصية لها تاريخها الخاص وشكلها البنائي المتميز.

المقصود بابخصوصية:

ويقصد بها دراسة مجتمع محدد في مرحلة تاريخية محددة لنتبين طبيعة تركيبه الإجتماعي والإقتصادي والموضوعي عامة في تفاعلاتها الجدلية مع العصر المحدد، مع الأخذ في الإعتبار الظروف العينية المحددة، والخصائص القومية في محاولة تحديد السمات الخاصة عبر العمق التاريخي لهذا المجتمع.

كل تكوين إجتماعي واقتصادي له خصوصيته:

إن كل تكوين إجتماعي واقتصادي له خصوصيته وله أصالته التي تتراكم عبر خبراته التاريخية وملابساته الموضوعية المختلفة والمتنوعة، المهم هو تحديد نوعية هذه الخصوصية، وهذا يدفع إلى المزيد من الوعي بتاريخنا وبحقيقتنا الماضية والحاضرة، ويغذي معركة المواصلة التاريخية بشكل فعال؛ لأن فهم الضرورة معناه أن الناس بعد أن يفهموا القوانين الموضوعية الضرورية يطبقونها بوعي تام ودراية تامة، وبالتالي يسيطرون عليها، وأن يحدوا من دائرة فعلها، وأن يستخدموها في مصلحة التقدم، وإن طريقة تحديد الخصوصية هي طريقه الدراسة العينية الملموسة للتكوين الإجتماعي والإقتصادي، وتحديد علاقاته الداخلية وهياكله ومؤسساته وأدواته وآلياته وعملياته الداخلية المختلفة وملابساتها التاريخية، وكشف قانونه المحرك الأساسي استناداً لفهم مصدر الفائض الإقتصادي وطريقة توزيعه.

الخصوصية ليست ثوابت مطلقة:

والخصوصية في الحقيقة ليست ثوابت مطلقة فوق المكان والزمان، بل هي سمات مشروطة إجتماعياً وتاريخياً، وحتى الأوضاع الجغرافية محكومة في كثير من الأحيان بالأوضاع السياسية فهي في الحقيقة أوضاع جغرافية سياسية، لهذا فهي بالضرورة كذلك مشروطة إجتماعياً وتاريخياً.

الخصوصية تفرض تحليل بناء الدولة:

إن دراسة الظاهرة في خصوصيتها التاريخية يفرض علينا أن نحلل بناء الدولة وبناء الأيديولوجية تحليلاً كلياً وتاريخياً في نفس الوقت، فالتحليل التاريخي يهدف إلى التعرف على المكونات التاريخية لبناء الدولة والأنساق الأيديولوجية وعناصر الإستمرار والانقطاع في هذه المكونات، وهذا التحليل التاريخي يكون فوقياً إذا لم يتم في ضوء المكون الأشمل للبناء الإجتماعي، والتي تنحصر في الأبنية الإقتصادية والطبقية الثقافية، وبذلك يجنبنا التحليل البنائي التاريخي مأزق التحليل الميكانيكي، ومأزق تفسير الواقع بالفكر، ومأزق تفسير الفكر بالفكر.

في هذا التحليل يُستهدف التعرف على السياقات الخاصة التي تتطور فيها الظواهر السياسية والأيديولوجية، فمع التسليم بأن التطور يخضع لقانون عام إلا أن الظروف المحيطة بالتطور لها طابع خاص يفرض على الباحث أن يبرزها وأن يراجع في ضوئها هذا القانون العام، وعندئذٍ يتمكن من التوصل إلى قوانين عامة داخل السياقات الخاصة التي يدرسها.

المرجع/
مصر الفرعونية بين الماضي والحاضر.

——————————————————————————
((كل هذا في اطار مبادرة حكاوي لنشر الوعى الأثري و الترويج و دعم السياحة المصرية تحت اشراف فريق ديوان التاريخ))

#مبادرة_حكاوى
#الموسم_الخامس
#أصل_التاريخ_ديوان_التاريخ

Facebook
X
Telegram
LinkedIn
Tumblr
Reddit
Scroll to Top