عن معركة الجزائر أو الحملة الإسبانية على الجزائر 1541 فانه العام 1541 للميلاد، عندما فوجئ سكان الجزائر بمئات السفن الصليبية التي تسد الأفق، من بينها عشرة سفن الإسبانية التي كانت الأقوى على وجه الأرض في ذلك الوقت، وذاع صيتها في الكثير من جولاتها العدوان الإسباني على الحواضر والموانئ الإسلامية، وكذلك في اكتشافات العالم الجديد.
إنها حملة أطلقها ملك إسبانيا المرعب، شارلكان، فما سر تلك الحملة؟ وكيف سيواجهها العثمانيون ياتري؟ تابعونا للنهاية لنعرفكم على صفحة جديدة مشرقة من التاريخ الإسلامي؟
استهداف اسبانيا والبرتغال الدول الإسلامية بعد سقوط الاندلس
نحن الآن في عام 1492 للميلاد، ذلك العام الذي بدأ بداية مروعة بسقوط غرناطة آخر المعاقل الأندلسية في يد الإسبان، بعد أن اتحدوا وزادت قوتهم بصورة مرعبة على مدار سنوات طويلة، حتى استطاع القضاء على الوجود الإسلامي في الأندلس، وبدأت حرب إبادة شاملة ضد المسلمين هناك بواسطة ما عرفت حينها بمحاكم التفتيش.
وفي العام نفسه، اكتشف البحار الإيطالي كريستوفر كولومبوس ما يعرف الآن بأمريكا أو العالم الجديد بثرواته الكبيرة التي أثارت طمع الأوروبيين، وعلى رأسهم الإسبان، فانطلقوا كالكلاب المسعورة يبيدون السكان الأصليين، ويستولون على ثروات البلاد.
تلك الثروات التي ساعدت على جعل اسبانيا الدولة الأغنى والأكثر نفوذا في العالم على مدى القرن التالي.
ولم يكتف الإسبان بما فعلوه بالمسلمين في الأندلس، فمع تصاعد قوتهم قادوا مع البرتغال حملة تهدف إلى اقتلاع جذور الإسلام وضربه في عقر داره وتحجيم أسباب نفوذه، فتوجهت أنظار الإسبان لتوسيع نفوذهم في شبه الجزيرة،
في حين اتجه البرتغاليون للتوسع جنوبا وراء البحار والبحث عن طرق استكشافية جديدة للتحرر من طرق التجارة التي يسيطر عليها العرب والمسلمون منذ قرون.
وقد تباري لمن الإسبان والبرتغاليين في الهجوم على السواحل الأفريقية، فاستولى الإسبان على تونس والجزائر، و استولى البرتغاليون على مدن أسفى وأزمور والكثير من المراكز الجنوبية في المغرب الأقصى، كما استولوا على طنجة وسبتة.
لم يقف مسلمي الشمال الأفريقي مكتوفي الأيدي أمام هذه التهديدات الصليبية المتتالية، وكان المورسكيون الذين هاجروا إلى بلاد الشمال الإفريقي بعد سقوط الأندلس أكثر الناس استجابة لقتال الصليبيين الذين قضوا على وطنهم، وإخوانه.
فانتظموا في عمليات قتالية بحرية ضد السفن الإسبانية والبرتغالية لرد عدوان تلك القوى الصليبية على الشمال الأفريقي، مما زاد من وتيرة الصراع بين الجانبين.
دور الاخوان بربروس في صد الحملات الاسبانية
ثم ظهرت على ساحة الأحداث في الجزائر، شخصيتان عظيمتان هما البحار الشهير خير الدين بربروس، وأخوه عروج الدين بربروس، كان لهما الفضل في إنقاذ عدد كبير من مسلمي الأندلس، كما نجحا في تحرير الجزائر من الاحتلال الصليبي، ووصل بربروس إلى حكم الجزائر بعد استشهاد أخيه عروج أثناء قتال الإسبان.
ودخلت الجزائر في حماية الدولة العثمانية التي أمدت بربروس بالرجال والعتاد، وحقق خير الدين بربروس نجاحات باهرة في القتال البحري ضد الإسبان، كما قضى على بقايا الجيوب الموالية للإسبان مثلا حصن البنيون.
كما قضى بربروس على مؤامرات بني زيان وبني حفظ الموالين للإسبان.
أيضا وجه بربروس ضربات قوية ضد السواحل الإسبانية عامة 936 للهجرة حيث قاد 36 سفينة في سبع رحلات متتالية لإنقاذ آلاف المسلمين من بطش محاكم التفتيش، والاضطهاد الصليبي في إسبانيا.
وتقديرا لجهود خير الدين بربروس قام السلطان سليمان القانوني بتعيينه قائد عام للبحرية العثمانية، ومن خلال هذا المنصب نجح بربروس في توجيه المزيد من الضربات ضد السواحل الأوروبية، واستطاع أن ينزل بتحالف الرابطة المقدسة الصليبية هزيمة فادحة في معركة بريفيزا عام 1538 للميلاد.
أثارت انتصارات بربروس جون شارل الخامس، أو كما يعرف بشارلكان ملك إسبانيا وإمبراطور الإمبراطورية الرومانية المقدسة، فقرر القيام بعمل كبير يحفظ له هيبته ومكانته بين ملوك أوروبا، فاستهدف تونس أسطول ضخم عام 942 للهجرة.
ثم وجه بصره ناحية الجزائر التي كانت مقرا للأسطول العثماني الذي روع أوروبا ليقضي على حركة الجهاد البحري في الحوض الغربي للبحر المتوسط.
وكانت الجزائر قد صارت تحت حكم حسن أغا، ولم يكن فيها سوى حامية عسكرية صغيرة مكونة من ألف جندي انكشاري، وتذكر مصادر أخرى أنهم كانوا 2600 جندي.
في حين حشد شارلكان أسطولا نص ليبيا مكونة من 65 سفينة كبيرة و516 قطعة بحرية، وبلغ عدد الجنود 36,000 جندي، كما تذكر بعض المصادر تحت قيادة شارلكان شخصيا.
وشاركه في تلك الحملة أسماء لامعة من القادة مثل البحار الجنوي، أندريا دوريا، والذي كان يعتبر نظير خير الدين لدى المعسكر الصليبي، و هيرنان كورتيس الذي احتل المكسيك وقهر سكانها الأصليين وأباد منهم عشرات الآلاف. فكيف ستكون المواجهة يا ترى؟
في ذلك الوقت، كان السلطان سليمان القانوني منشغلا بقتال المجار، في حين كان خير الدين بربروس متوجها إلى ساحل البحر الأدرياتيكي لتأديب الأسطول الإسباني الذي ألقى بثقله في البحر المتوسط لتحجيم الأسطول العثماني.
فاستغل شارلكان ذلك وقرر الخروج على رأس الحملة المواجهة ضد الجزائر بالرغم من نصيحة بابا الفاتيكان وأندريا دوريا له بتأجير الحملة لاقتراب فصل الشتاء.
معركة الجزائر أو ما تسمي الحملة الإسبانية على الجزائر 1541
ما أن وصلت أخبار الحملة الصليبية إلى حسن أغا حتى أرسل إلى المناطق المجاورة والقبائل يستنفرهم للجهاد ضد الغزو المنتظر، وأرسل كذلك إلى خير الدين بربروس ينذره بالخطر المحدق بالجزائر.
وبالفعل، فقد تجمع لديه عدد من المقاتلين الأندلسيين الذين اشتهروا بصلابتهم وروحهم القتالية المتقدة ضد الإسبان، وبدقتهم في الرمي بالبنادق النارية، والسهام، إلى جانب المئات من المتطوعين ومقاتلي القبائل المختصين بحروب الكر والفر.
بمجرد بدء ظهور قوات شارل كان على البر اندلعت أعمال المقاومة، وقام عشرات الفرسان الجزائريين بعمليات خاطفة من الكر والفر الاستنزاف الخصم.
وفقد الجيش الصليبي و3000 جندي أثناء الإنزال ودخول الشريط الحدودي فقط.
لكن تعذر على العثمانيين القيام بهجوم مضاد كبير نتيجة سيطرة مدفعية السفن الصليبية على منطقة الإنزال نيرانيا.
في 23-10-1541م للميلاد، كان الآلاف من جنود الحملة الصليبية قد أتموا تطويق مدينة الجزائر بريا، واحتلوا بعض طلال الإستراتيجية خارجها، رغم انقسام أعمال المقاومة ضدهم.
بينما رابطت الأساطيل المعادية قبالة ساحل المدينة لتتم الحصار، في المقابل تخصن. حامية المدينة خلف أسوار المدينة المنيعة وقلاعها الدفاعية.
وبينما كان جيش شارلكان يقوم بإنزال المدافع هبت عواصف شديدة مصحوبة بأمطار شديدة الغزارة، الأمر الذي تسبب في تدمير الكثير من سفن الأسطول، كما عاني الجنود من البرد القارس وأخذوا يرتعدون بسبب الرياح التي واجهوها بملابسهم المبللة.
كما تحولت الكثير من الأراضي حول مدينة الجزائر إلى ما يشبه المستنقعات، مما عطل حركة المدافع الثقيلة التي كانت مخصصة لقصف أسوار الجزائر.
شجعت بعض الظروف حسن أغا، على أن يفتح أبواب القلعة التي كان يعسكر فيها، حيث أطلق قواته بعد الفجر لمهاجمة القوات الإيطالية المرابطة بالقرب من السور والتي روعتها المفاجأة فانسحبت بشكل مضطرب حيث أخذت بنادق المهاجمين تحصدهم.
ومع تدخل قوات فرسان مالطة أمر القائد العثماني قواته بالانسحاب الي وراء الأسوار، فاندفعت قوات فرسان مالطة والمئات من الفرق الأخرى وراء القوات المنسحبة، مما جعلهم في مرمي المدفعية الجزائرية.
واشتد المطر وساءت حانة الأرض وأصبحت تلك القوات عاجزة عن التقدم نحو الأسوار أو الانسحاب إلى مواقعها.
وزاد الطين بلة فتناول الجنود بنادقهم لمواصلة المعركة لكن البراد قلم تعمل بسبب تلال البارود بالماء، ثم جاء دور الرماة الأندلسيين على الأسوار، والذين قنصوا المئات من الصليبيين بسهامهم بعيدة المدى التي لم تتأثر بالمطر.
وعلى هذا النحو قاد حسن أغا بجنوده القليلين المعركة في عمليات كر وفر مرهقة لجيش العدو.
زادت العواصف عنفا، وتعالت الأمواج في البحر، وأخذت السفن الصليبية بالتخبط ببعضها، وانحرف جزء منها إلى الساحل حول الجزائر بعدما انكسرت سلاسل المراسي رغم محاولة السفن الحربية للإسبانية والقوات البرية الحيلولة دون ذلك.
وفي حوالي 6 ساعات غرقت 50 سفينة من أسطول شارلكان، كما فقد الوسط لآلاف الجنود كانوا على متن هذه السفن، وهكذا أصبح الآلاف من قوات شارلكان على بر الجزائر محصورين وسط الأراضي الموحلة دون إمدادات كافية فريسة للجوع و للهجمات التي لم تنقطع من المقاومين خارج الأسوار.
أمام كل ذلك إضطر الصليبيون في النهاية إلى الانسحاب، حيث غرق بعض الجنود حينما وصلوا إلى وادي الحراش سباحة إذا كان ممتلئا بالمياه الهائجة.
وعند مؤخرة الجيش، أدرك حسن أغا جنود شارلكان وقتل جزء منهم، في حين القي الجزء الباقي بنفسه في الماء وماتوا غارقا بعد أن أنهكتهم السباحة واستطاع القليل منهم العبور إلى الضفة المقابلة من الوادي.
وقد شكل نقل الجنود على سفن المتبقية مشكلة بسبب ثقل ما يحملون، فألقوا بأسلحتهم ومدافعهم، وذخائرهم، وحتى خيولهم في البحر، لتخفيف الحمل عن السفن.
وبينما هم على هذه الحالة، إذ هبت عاصفة أخرى شديدة أدت إلى انجراف عدد من السفن إلى الشاطئ، وهي تحمل على متنها الجنود، فأمر شارلكان بترك السفن بما تحمل من جنود والإبحار بالسفن الأخرى فأصر أهل الجزائر كل من كان بالسفن التي كانت على الشاطئ.
هكذا استطاع تلك الحامية الصغيرة التي لم تتجاوز 3000 جندي رد جيش، أعظم ملوك أوروبا في ذلك الزمن، والذي كان عشرة أضعاف الحامية العثمانية الصغيرة المتمركزة في الجزائر.
نتائج معركة الجزائر 1541
كانت نتائج معركة الجزائر كارثية بحق بالنسبة للصليبيين الذين فقدوا آلاف المقاتلين بين قتيل وأسير، وبلغت الخسائر في السفن بين 150 الي 200 سفينة، كما دمر أو أصبح غنيمة بيد المسلمين أكثر من 200 مدفع، وآلاف البنادق والأدوات.
بينما لم تفقد الجزائر سوى بضع مئات من مقاتليها وأهلها رحمهم الله.
بعد معركة الجزائر شأن خير الدين بربروس، حملة بحرية استهدفت سواحل إسبانيا وإيطاليا دون مقاومة تذكر، حيث كانت الأساطيل الإسبانية ما تزال في مرحلة إعادة البناء بعد الخسائر الهائلة التي منيت بها في الجزائر.
نأمل بأن يكون المحتوى قد نال إعجابكم، عن تلك الفترة من تاريخ الجزائر، ابقوا في امان الله والسلام.